الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وإِذا كَانَ كَذَلِكَ: فَالْبِدَعُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَعَاصِي، وَقَدْ ثَبَتَ التَّفَاوُتُ فِي الْمَعَاصِي، فَكَذَلِكَ يُتَصَوَّر مِثْلُهُ فِي الْبِدَعِ. فَمِنْهَا (1): مَا يَقَعُ فِي رتبة (2) الضَّرُورِيَّاتِ؛ أَي: أَنه إِخلال بِهَا، وَمِنْهَا: مَا يَقَعُ فِي رُتْبَةِ الحاجِيَّات، وَمِنْهَا: مَا يَقَعُ في رتبة التحسينيَّات، وَمَا يَقَعُ فِي رُتْبَةِ الضَّرُورِيَّاتِ: مِنْهُ (3) مَا يَقَعُ فِي الدِّينِ، أَو النَّفْسِ، أَو النَّسْلِ، أَوِ الْعَقْلِ، أَو الْمَالِ.
فَمِثَالُ وُقُوعِهِ فِي الدِّينِ: مَا تَقَدَّمَ مِنِ اخْتِرَاعِ الْكُفَّارِ وَتَغْيِيرِهِمْ (4) ملة إِبراهيم عليه السلام، في نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} (5).
فَرُوِيَ عَنِ الْمُفَسِّرِينَ فِيهَا أَقوال كَثِيرَةٌ، وَفِيهَا عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ (6): أَن الْبَحِيرَةَ مِنَ الإِبل: هي التي يُمْنَعُ (7) دَرُّها للطواغيت، والسائبة: هي التي
(1) في (م): "فمنهما".
(2)
قوله: "رتبة" سقط من (خ) و (م) و (ت).
(3)
في (خ) و (م): "ومنه"، وفي (ت):"ومنها".
(4)
في (خ) و (م): "وتغيرهم".
(5)
سورة المائدة: الآية (103).
(6)
أخرجه البخاري (4623)، ومسلم (2856)، وابن جرير في "تفسيره"(11/ 131) رقم (12840).
قال الأستاذ محمود شاكر رحمه الله في تحقيقه لـ"تفسير ابن جرير": "في المطبوعة والمخطوطة: "يمنع" بالعين، وصوابه بالحاء".اهـ. كذا قال؛ وفيه نظر. قال أبو عبيدة: كانوا يحرمون وبرها ولحمها وظهرها ولبنها على النساء، ويحلون ذلك للرجال، وما ولدت فهو بمنزلتها، وإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها. انظر "الفتح"(8/ 284).
(7)
في (ت) و (خ): "يمنح"، وفي باقي النسخ:"يمنع" بالعين، وكتب بجوارها بهامش (م):=
يسيِّبونها لِطَوَاغِيتِهِمْ، وَالْوَصِيلَةُ: هِيَ النَّاقَةُ تبكِّر بالأُنثى، ثُمَّ تُثنِّي بالأُنثى؛ يَقُولُونَ: وَصَلَتْ أُنْثَيَيْنِ (1) لَيْسَ بَيْنَهُمَا ذَكَرٌ، فَيَجْدَعُونَهَا لِطَوَاغِيتِهِمْ. وَالْحَامِي: هُوَ الْفَحْلُ مِنَ الإِبل، كَانَ يَضْرِبُ الضِّراب الْمَعْدُودَةَ؛ فإِذا بَلَغَ ذَلِكَ قَالُوا: حَمِيَ ظَهْرُهُ، فيُترك، فيسمُّونه: الْحَامِيَ.
وَرَوَى إِسماعيل الْقَاضِي عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسلَم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِني لأَعلم ـ أَو إِني (2) لأَعرف ـ أَول مَنْ سَيَّبَ السَّوائِب، وأَول من غير عهد إِبراهيم عليه السلام". قَالُوا (3): مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: عَمْرُو (4) بْنُ لُحَيٍّ أَبو بَنِي كَعْبٍ، لَقَدْ رأَيته يجُرّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، يُؤْذِي ريحُه أَهلَ النَّارِ، وإِني لأَعرف أَول مَنْ بَحَّر البَحَائِر. قَالُوا: مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُدْلِج، وَكَانَتْ لَهُ نَاقَتَانِ فجَدَع (5) أُذُنَيهما (6) وَحَرَّمَ أَلْبَانَهُمَا، ثُمَّ شَرِبَ أَلبانهما بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَقَدْ رأَيته فِي النَّارِ هو وهما يَعَضَّانه بأَفواههما، ويَخْبِطانه (7) بأَخفافهما" (8).
="يمنح"، وكأنه يشير إلى أنها في نسخة كذلك، أو جعله تصويباً. وانظر التعليق السابق.
(1)
في (ر) و (غ) و (م): "اثنتين".
(2)
قوله: "لأعلم أو إني" سقط من (خ) و (ت).
(3)
في (خ): "قال: قالوا".
(4)
في (ت): "عمر".
(5)
في (غ) و (م) و (ت): "فجذع".
(6)
في (ر) و (غ): "آذانهما"، وفي (م):"أذناهما".
(7)
في (ر) و (غ): "ويخبطان".
(8)
أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره"(1/ 197)، ومن طريقه ابن جرير في "تفسيره"(11/ 120) عن معمر.
وأخرجه ابن أبي شيبة (7/ 255 رقم 35819) من طريق هشام بن سعد. كلاهما عن زيد بن أسلم به.
وإسناده ضعيف لإرساله.
وأخرجه البخاري (4623) عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار، كان أول من سيّب السوائب".
قال الحافظ في "الفتح"(8/ 285): "زاد في رواية أبي صالح عن أبي هريرة عند مسلم: "وبحّر البحيرة، وغيّر دين إسماعيل". وروى عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم مرسلاً
…
فذكره، ثم قال:"والأول أصح".اهـ.=
وَحَاصِلُ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ: تَحْرِيمُ مَا أَحلّ اللَّهُ عَلَى نِيَّةِ التَّقَرُّبِ بِهِ إِليه، مَعَ كَوْنِهِ حَلَالًا بِحُكْمِ (1) الشَّرِيعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَلَقَدْ هَمَّ بَعْضُ أَصحاب رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَن يحرموا على أَنفسهم بعض (2) ما أَحل الله لهم (3)، وإِنما كَانَ قَصْدُهُمْ بِذَلِكَ الانقطاعَ إِلى اللَّهِ عَنِ الدُّنْيَا وأَسبابها وَشَوَاغِلِهَا، فَرَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فأَنزل الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ *} (4).
وسيأْتي شَرْحُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْبَابِ السَّابِعِ إِن شاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهُوَ دليلٌ عَلَى أَن تَحْرِيمَ مَا أَحل اللَّهُ ـ وإِن كَانَ بِقَصْدِ سُلُوكِ طَرِيقِ الْآخِرَةِ ـ منهيٌّ عَنْهُ، وَلَيْسَ فِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الشَّرْعِ وَلَا تَغْيِيرٌ لَهُ، وَلَا قُصِدَ فِيهِ الِابْتِدَاعُ، فَمَا ظَنُّكَ بِهِ (5) إِذا قُصِدَ بِهِ التَّغْيِيرُ وَالتَّبْدِيلُ كَمَا فَعَلَ الكفار؛ أَو قصد به الابتداع في الشريعة، وتمهيد سبيل الضلالة؟
=أي أن طريق أبي صالح عن أبي هريرة التي فيها أن عمرو بن لحي هو الذي بحر البحائر أصح من طريق زيد بن أسلم التي فيها أنه رجل من بني مدلج، والله أعلم.
(1)
في (ت): "يحكم".
(2)
قوله: "بعض" سقط من (خ) و (م) و (ت).
(3)
قوله: "لهم" سقط من (خ) و (م) و (ت).
(4)
سورة المائدة: الآية (87)، والحديث تقدم تخريجه (ص206 ـ 207).
(5)
قوله: "به" سقط من (ت).