المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل أَفعال الْمُكَلَّفِينَ ـ بِحَسَبِ النَّظَرِ الشَّرْعِيِّ فِيهَا ـ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: - الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني - جـ ٢

[الشاطبي الأصولي النحوي]

الفصل: ‌ ‌فصل أَفعال الْمُكَلَّفِينَ ـ بِحَسَبِ النَّظَرِ الشَّرْعِيِّ فِيهَا ـ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا:

‌فصل

أَفعال الْمُكَلَّفِينَ ـ بِحَسَبِ النَّظَرِ الشَّرْعِيِّ فِيهَا ـ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَن تَكُونَ مِنْ قَبِيلِ التعبُّدات.

وَالثَّانِي: أَن تَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الْعَادَاتِ.

فأَما الأَول: فَلَا نَظَرَ فِيهِ هَاهُنَا.

وأَما الثَّانِي ـ وَهُوَ الْعَادِيُّ ـ: فَظَاهِرُ النَّقْلِ عَنِ السَّلَف الأَوَّلين أَن المسأَلة مُخْتَلَفٌ فِيهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ يُرشِدُ كلامُه إِلى أَن الْعَادِيَّاتِ كَالْعِبَادِيَّاتِ، فَكَمَا أَنا مأَمورون فِي الْعِبَادَاتِ بأَن لا نُحْدِثَ فيها، فكذلك في (1) الْعَادِيَّاتُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسلم (2)، حَيْثُ كَرِه فِي سُنَّة الْعَقِيقَةِ مُخَالَفَةَ مَنْ قَبِلَهُ فِي أَمرٍ عاديٍّ، وَهُوَ اسْتِعْمَالُ المَنَاخِل، مَعَ الْعِلْمِ (3) بأَنه مَعْقُولُ الْمَعْنَى، نَظَرًا مِنْهُ ـ وَاللَّهُ أَعلم ـ إِلى أَن الأَمر بِاتِّبَاعِ (4) الأَوّلين ـ عَلَى الْعُمُومِ ـ غَلَبَ عَلَيْهِ جِهَةُ التَّعَبُّدِ، وَيَظْهَرُ أَيضاً مِنْ كَلَامِ مَنْ قَالَ: أَول مَا أَحدث النَّاسُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَنَاخِلُ (5).

ويُحكى عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبي (6) راشد أَنه قال: لولا أن أخالف (7) مَنْ كَانَ قَبْلِي؛ لَكَانَتِ الجَبَّانَةُ (8) مَسْكَنِي إِلى أَن أَموت (9).

(1) قوله: "في" من (ر) و (غ) فقط.

(2)

تقدم تخريجه صفحة (417 ـ 418).

(3)

قوله: "مع العلم" مكرر في (ر).

(4)

في (ت): "إلى أن اتباع".

(5)

راجع صفحة (417 ـ 418 و425 ـ 426).

(6)

قوله: "أبي" سقط من (ر) و (غ).

(7)

في (م): "لولا أني أخالف" وفي (خ) و (ت): "لولا أني أخاف".

(8)

الجَبَّانَةُ: الصحراء. انظر "لسان العرب"(13/ 85).

(9)

أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(5/ 77) من طريق أبيه، عن عبد الله بن محمد بن عمر،=

ص: 428

والسُّكْنَى (1) عَادِيٌّ بِلَا (2) إِشكال.

وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ يَكُونُ قِسْمُ الْعَادِيَّاتِ دَاخِلًا فِي قِسْمِ الْعِبَادَيَّاتِ، فَدُخُولُ الِابْتِدَاعِ فِيهِ ظَاهِرٌ، والأَكثرون عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَعَلَيْهِ نَبْنِي الْكَلَامَ فَنَقُولُ:

ثَبَتَ فِي الأُصول الشَّرْعِيَّةِ أَنه لَا بُدَّ فِي كُلِّ عَادِيٍّ مِنْ شائبةِ التعبُّد؛ لأَن مَا لَمْ يُعْقَلْ مَعْنَاهُ عَلَى التَّفْصِيلِ مِنَ المأْمور بِهِ، أَو المنهيِّ عَنْهُ (3) فَهُوَ الْمُرَادُ بالتعبُّديّ، وَمَا عُقِلَ معناه وعُرِفَت (4) مصلحته أَو مفسدته على التفصيل (5) فَهُوَ الْمُرَادُ بِالْعَادِيِّ. فَالطَّهَارَاتُ وَالصَّلَوَاتُ وَالصِّيَامُ وَالْحَجُّ

=عن محمد بن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة، عن خلف بن حوشب؛ قال:

كنا مع الربيع بن أبي راشد، فسمع رجلاً يقرأ:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} [الآية: (5) من سورة الحج]، فقال: لولا أن أخالف من كان قبلي ما زايلت مسكني حتى أموت.

ونقل محقق "الحلية" عن "تحصيل البغية" أن في رواية:

"لولا أن أخالف من كان قبلي لكانت الجبانة مسكني حتى أموت".

وهو الموافق لما عند المصنف.

والنص أورده ابن الجوزي في "صفة الصفوة"(3/ 109) الذي هو مختصر للحلية دون إسناد.

وإسناد أبي نعيم رجاله ثقات، عدا عبد الله بن محمد بن عمر، فلم أعرفه، وقد يكون عبد الله بن محمد بن يحيى بن أبي عمر، أو عبد الله بن محمد بن عمران، والله أعلم.

وقد أخرجه أبو نعيم أيضاً من طريق سعيد بن سلمة الثوري، عن محمد بن يحيى العبدي، عن أبي غسان، عن عبد السلام بن حرب، عن خلف بن حوشب؛ قال: قال لي الربيع بن أبي راشد: اقرأ علي، فقرأت عليه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ} ، فقال: لولا أن تكون بدعة، لسِحْتُ ـ أوهِمْتُ ـ في الجبال.

ولم أعرف سعيد بن سلمة الثوري، ولا شيخه محمد بن يحيى العبدي، إلا أن يكون محمد بن يحيى الذهلي، فإنه الذي يروي عن أبي غسان مالك بن إسماعيل.

(1)

علق رشيد رضا هنا بقوله: ربما سقط من هنا كلمة: "أمر".اهـ.

(2)

في (ر) و (غ): "فلا".

(3)

قوله: "عنه" سقط من (م).

(4)

في (ر) و (غ): "وما عرف معناه وعقلت مصلحته".

(5)

قوله: "على التفصيل" سقط من (خ) و (ت).

ص: 429

كلها تعبدي، والبيع والشراء والنكاح وَالطَّلَاقُ (1) والإِجارات وَالْجِنَايَاتُ كُلُّهَا عَادِيٌّ؛ لأَن أَحكامها معقولة المعنى. ومع أنها معقولة المعنى (2) لا بُدَّ (3) فِيهَا مِنَ التعبُّد، إِذ هِيَ مُقَيَّدة بأُمور شَرْعِيَّةٍ لَا خِيرَةَ للمُكَلَّف فِيهَا، كَانَتِ اقْتِضَاءً أَو تَخْيِيرًا، فإِن التَّخْيِيرَ فِي التعبُّدات إِلزام؛ كَمَا أَن الاقتضاءَ إِلزام حَسْبَمَا تَقَرَّرَ بُرْهَانُهُ فِي كِتَابِ "الْمُوَافَقَاتِ"(4) ـ. وإِذا كَانَ كَذَلِكَ؛ فَقَدْ ظَهَرَ اشْتِرَاكُ الْقِسْمَيْنِ فِي مَعْنَى التَّعَبُّدِ. فإِن جاءَ الِابْتِدَاعُ فِي الأُمور الْعَادِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ، صَحَّ دُخُولُهُ فِي الْعَادِيَّاتِ كَالْعِبَادِيَّاتِ، وإِلا فَلَا.

وَهَذِهِ هِيَ النُّكْتَةُ الَّتِي يَدُورُ عليها حكم الباب، ويتبين ذلك بِبَسْطِ الأَمثلة (5): فَمِمَّا أَتى بِهِ الْقَرَافِيُّ (6): وَضْعُ المُكُوس فِي مُعَامَلَاتِ النَّاسِ، فَلَا يَخْلُو هَذَا الْوَضْعُ الْمُحَرَّمُ أَن يَكُونَ عَلَى قصدِ حَجْرِ التصرُّفات وَقْتًا مَا، أَو فِي حَالَةٍ مَّا، لِنَيْلِ حُطام الدنيا، على هَيْئة غَصْب الْغَاصِبِ، وسَرِقة السَّارِقِ، وقَطْع الْقَاطِعِ لِلطَّرِيقِ، وَمَا (7) أَشبه ذَلِكَ، أَو يَكُونَ عَلَى قَصْدِ وَضْعِهِ عَلَى النَّاس (8)؛ كالدَّيْن الْمَوْضُوعِ، والأَمر المَحْتوم (9) عليهم دائماً،

(1) في (خ) و (ت) و (م): "والبيع والنكاح والشراء والطلاق"، والمثبت من (ر) و (غ)، وهو أنسب للسياق.

(2)

قوله: "ومع أنها معقولة المعنى" سقط من (خ) و (ت).

(3)

في (خ) و (ت): "ولا بد".

(4)

(2/ 529).

(5)

في (خ) و (م) و (ت): "ويتبين ذلك بالأمثلة".

(6)

في "الفروق"(4/ 346)؛ حيث قسم البدع إلى خمسة أقسام، وفي القسم الثاني منها قال:"القسم الثاني: محرَّم، وهو بِدْعَةٍ تَنَاوَلَتْهَا قَوَاعِدُ التَّحْرِيمِ وَأَدِلَّتُهُ مِنَ الشَّرِيعَةِ؛ كالمكوس، والمحْدثات من المظالم الْمُنَافِيَةِ لِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ؛ كَتَقْدِيمِ الجُهّال عَلَى الْعُلَمَاءِ، وتَوْلية المناصب الشرعية من لا يصلح لها بطريق التوارث، وجعل المستند لذلك كَوْنَ الْمَنْصِبِ كَانَ لِأَبِيهِ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ ليس بأهل". وانظر (ص321) فما بعد من المجلد الأول.

وقد استشكل رشيد رضا قول المصنف هنا: "فمما أتى به القرافي: وضع المكوس"، فقال: لعله سقط من هنا كلمة "من جواز"، أو "في مسألة".اهـ.

ولا أرى في العبارة إشكالاً، فمعناها: مما أتى به القرافي ـ أي: ذكره ـ في أقسام البدع: فرض المكوس.

(7)

في (ر) و (غ): "أو ما".

(8)

في (م) يشبه أن تكون: "التاس".

(9)

في (م): "المحترم".

ص: 430

أَو في أَوقات محدودة، وعلى (1) كيفيات مضروبة، بحيث تضاهي التشريع (2) الدَّائِمَ الَّذِي يُحمل عَلَيْهِ الْعَامَّةُ، وَيُؤْخَذُونَ بِهِ، وتُوجَّه عَلَى الْمُمْتَنِعِ مِنْهُ الْعُقُوبَةُ (3)، كَمَا فِي أَخذ زَكَاةِ الْمَوَاشِي وَالْحَرْثِ وَمَا أَشبه ذَلِكَ.

فأما الأول: فلا إشكال أنه مجرّد معصية إذا كان ظُلماً وتعدِّياً من غير سبب ظاهر، ولا يقال في هذا: إنه بدعة؛ لخروجه عن حدِّ البدعة (4).

وأما (5) الثَّانِي: فَظَاهِرٌ أَنه بِدْعَةٌ، إِذ هُوَ تَشْرِيعُ زَائِدٌ، وإِلزامٌ للمكلَّفين يُضَاهِي إِلزامهم الزَّكَاةَ (6) الْمَفْرُوضَةَ، وَالدِّيَاتِ الْمَضْرُوبَةَ، وَالْغَرَامَاتِ الْمَحْكُومِ بِهَا فِي أَموال الغُصَّاب والمتعدين، بَلْ صَارَ فِي حقِّهم كَالْعِبَادَاتِ الْمَفْرُوضَةِ، وَاللَّوَازِمِ (7) الْمَحْتُومَةِ، أَو مَا أَشبه ذَلِكَ. فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ يَصِيرُ بِدْعَةً بِلَا شَكٍّ؛ لأَنه شَرْعٌ مُستدرك، وسَنن (8) فِي التَّكْلِيفِ مَهْيَعٌ (9)، فَتَصِيرُ المُكُوسُ عَلَى هَذَا الْفَرْضِ لَهَا نَظَرَانِ:

نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مُحَرَّمَةً عَلَى الْفَاعِلِ أَن يَفْعَلَهَا، كَسَائِرِ أَنواع الظُّلْمِ.

وَنَظَرٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا اخْتِرَاعًا لِتَشْرِيعٍ يُؤخذ بِهِ النَّاسُ إِلى الْمَوْتِ (10) كَمَا يُؤْخَذُونَ بِسَائِرِ التَّكَالِيفِ. فَاجْتَمَعَ فِيهَا نَهْيَانِ: نَهْيٌ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَنَهْيٌ عَنِ الْبِدْعَةِ، وَلَيْسَ ذلك بموجود (11) في البدع في القسم الأَوّل،

(1) في (ت) و (خ): "على" بدون واو.

(2)

في (خ) و (ت): "المشروع".

(3)

في (ر) و (غ): "العقوبات".

(4)

من قوله: "فأما الأول

" إلى هنا سقط من (خ) و (م) و (ت).

(5)

في (خ): "فأما".

(6)

في (ر) و (غ): "الزكوات".

(7)

في (ت): "والإلزامات".

(8)

في (خ): "وسن".

(9)

مَهْيَعٌ: واضح وبيِّن. انظر "لسان العرب"(8/ 379).

(10)

من قوله: "كسائر أنواع

" إلى هنا سقط من (غ) و (ر).

(11)

في (خ) و (ت): "موجوداً" وفي (م): "موجود".

ص: 431

وإِنما يوجد فيه (1) النهي من جهة كونه (2) تَشْرِيعًا مَوْضُوعًا عَلَى النَّاسِ أَمرَ وجوبٍ أَو ندبٍ، إِذ لَيْسَ فِيهِ جِهَةٌ أُخرى يَكُونُ بِهَا مَعْصِيَةً؛ بَلْ نَفْسُ التَّشْرِيعِ هُوَ نَفْسُ الْمَمْنُوعِ.

وَكَذَلِكَ تَقْدِيمُ الْجُهَّالِ عَلَى العلماءِ، وَتَوْلِيَةُ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ (3) مَنْ لَا يَصْلُحُ (4) بِطَرِيقِ التَّوْرِيثِ، هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا تَقَدَّمَ، فإِن جَعْلَ الْجَاهِلِ (5) فِي مَوْضِعِ الْعَالِمِ حَتَّى يَصِيرَ مُفْتِيًا فِي الدِّينِ، وَمَعْمُولًا بِقَوْلِهِ فِي الأَموال والدماءِ والأَبضاع وَغَيْرِهَا مُحَرَّمٌ فِي الدِّينِ، وَكَوْنُ ذَلِكَ يُتّخذ (6) دَيْدَنًا حَتَّى يَصِيرَ (7) الِابْنُ مُسْتَحِقًّا لِرُتْبَةِ الأَب ـ وإِن لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الأَب فِي ذَلِكَ الْمَنْصِبِ ـ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ أَو غَيْرِ ذَلِكَ، بحيث يشيع هذا العمل ويطَّرد، ويَعُدّه (8) النَّاسُ كَالشَّرْعِ الَّذِي لَا يُخالف؛ بِدَعَةً (9) بِلَا إِشكال، زِيَادَةً إِلى الْقَوْلِ بالرأْي غَيْرِ الْجَارِي عَلَى الْعِلْمِ، وَهُوَ بِدْعَةٌ، أَو سببُ البدعةِ كَمَا سيأْتي تَفْسِيرُهُ إِن شاءَ اللَّهُ، وَهُوَ الَّذِي بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ:"حَتَّى إِذا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ؛ اتَّخَذَ الناس رؤساءَ (10) جهالا، فَسُئلوا، فأَفتوا بغير علم، فضَلّوا وأَضلوا"(11)، وإِنما ضلوا وأضلوا؛ لأَنهم أَفتوا بالرأْي؛ إِذ لَيْسَ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ.

وأَما إِقامة صُوَرِ الأَئمة وَالْقُضَاةِ وَوُلَاةِ الأُمور (12) عَلَى خِلَافِ ما كان

(1) في (خ) و (م) و (ت): "به".

(2)

في (خ) و (ت) و (م): "كونها".

(3)

في (ت) و (خ): "الشريفة".

(4)

في (ر) و (غ): "لا يصلح بها"، وفي (ت):"لا يصلح لها"، وعلّق رشيد رضا هنا بقوله: أي: لا يصلح هنا. اهـ.

(5)

في (م): "الجهال".

(6)

في (ت): "يصير"، وذكر بهامشها أن في نسخة:"يتخذ".

(7)

في (ت): "يكون" بدل "يصير".

(8)

في (خ) و (ت) و (م): "ويرده".

(9)

قال رشيد رضا: قوله: "بدعة": هو خبر: "وكذلك تقديم الجهال".اهـ.

(10)

في (خ): "رءوساً".

(11)

أخرجه البخاري (100) و (7307)، ومسلم (2673) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

(12)

في (خ) و (ت) و (م): "الأمر".

ص: 432

عَلَيْهِ السَّلَفُ: فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبِدْعَةَ لَا تُتَصوّر هُنَا، وَذَلِكَ صَحِيحٌ (1)؛ فإِن تَكَلَّفَ أَحد فِيهَا ذَلِكَ فَيَبْعُدُ جِدًّا، وَذَلِكَ بِفَرْضِ أَن يُعْتَقَدَ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ أَنه مِمَّا يَطلب بِهِ الأَئمةُ عَلَى الْخُصُوصِ تَشْرِيعًا خَارِجًا عَنْ قَبِيلِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ، بِحَيْثُ يُعَدّ مِنَ الدِّينِ الَّذِي يَدِينُ بِهِ هؤلاءِ الْمَطْلُوبُونَ بِهِ، أَو يَكُونُ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدُّ خَاصًّا بالأَئمة دُونَ غَيْرِهِمْ، كَمَا يَزْعُمُ بَعْضُهُمْ أَن خَاتَمَ الذَّهَبِ جَائِزٌ لِذَوِي (2) السُّلْطَانِ، أَو يَقُولُ: إِن الْحَرِيرَ جَائِزٌ لَهُمْ لُبْسُهُ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَهَذَا أَقرب مِنَ الأَول فِي تَصَوُّرِ الْبِدْعَةِ فِي حَقِّ هَذَا الْقِسْمِ.

وَيُشْبِهُهُ عَلَى قُرْبٍ: زَخْرَفَةُ الْمَسَاجِدِ، إِذ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَعْتَقِدُ أَنها مِنْ قَبِيلِ تَرْفِيعِ بُيُوتِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ تَعْلِيقُ الثُريَّات (3) الْخَطِيرَةِ الأَثمان، حَتَّى يُعَدّ الإِنفاق فِي ذَلِكَ إِنفاقاً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ إِذا اعتُقِدَ فِي زَخَارِفِ الْمُلُوكِ وإِقامة صُوَرِهِمْ أَنها مِنْ جُمْلَةِ تَرْفِيعِ الإِسلام، وإِظهار (4) مَعَالِمِهِ وَشَعَائِرِهِ، أَو قصد ذلك في فعله أَوّلاً فإنَّه (5) ترفيع للإِسلام بما (6) لَمْ يأْذن اللَّهُ بِهِ. وَلَيْسَ مَا حَكَاهُ القرافي عن معاوية رضي الله عنه (7) مِنْ قَبِيلِ هَذِهِ الزَّخَارِفِ، بَلْ مِنْ قَبِيلِ المُعتاد فِي اللِّبَاسِ، وَالِاحْتِيَاطِ (8) فِي الْحِجَابِ مَخَافةً من انْخِراقِ خَرْقٍ يَتّسع (9) فلا يُرْقَع، هَذَا إِن صَحَّ مَا قَالَ، وإِلا فَلَا يُعَوّل (10) عَلَى نَقْلِ الْمُؤَرِّخِينَ وَمَنْ لَا يُعتبر مِنَ الْمُؤَلِّفِينَ، وأَحرى أَلَّا (11) يَنْبَنِيَ عَلَيْهِ حُكْمٌ.

وأَما مسأَلة الْمَنَاخِلِ: فَقَدْ مَرَّ مَا فِيهَا، وَالْمُعْتَادُ فِيهَا أَنه (12) لَا يُلْحِقها أَحد بالدِّين وَلَا بِتَدْبِيرِ الدُّنْيَا، بِحَيْثُ لَا يَنْفَكّ عَنْهُ؛ كالتشريع، فلا نطوِّل به.

(1) في (ر) و (غ): "وذلك وهو صحيح".

(2)

في (ر) و (غ): "لذي".

(3)

في (ر): "الثرييات".

(4)

في (م): "وظهار".

(5)

في (خ) و (ت) و (م): "بأنه".

(6)

في (ت): "مما" بدل "بما".

(7)

في (ت): "عن سيدنا معاوية".

(8)

في (ر) و (غ): "والاحتفاظ".

(9)

في (ر) و (غ): "يتبع".

(10)

في (ر) و (غ): "يعدل".

(11)

في (ت) و (خ) و (م): "أن" بدل: "ألا"، وعلق عليه رشيد رضا بقوله: لعل الأصل: "وأحرى ألا ينبني عليه حكم".اهـ ..

(12)

في (خ): "والمعتاد ما فيها أنه" وفي (غ): "والمعتاد فيها أنها".

ص: 433

وَعَلَى ذَلِكَ التَّرْتِيبِ يُنظر فِيمَا قَالَهُ ابْنُ عبد السلام (1) من غير فرق، فيتبيّن (2) مَجَالَ الْبِدْعَةِ فِي الْعَادِيَّاتِ (3) مِنْ مَجَالِ غَيْرِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيضاً (4) فِيهَا كَلَامٌ فَرَاجِعْهُ إِن احْتَجْتَ إِليه (5).

وأَما وَجْهُ النَّظَرِ فِي أَمثلة الْوَجْهِ الثَّالِثِ (6) مِنْ أَوجه دُخُولِ الِابْتِدَاعِ فِي الْعَادَاتِ (7) عَلَى مَا أُريد تَحْقِيقُهُ: فَنَقُولُ: إِن مدار (8) تِلْكَ الأَحاديث عَلَى بِضْعَ عَشْرَةَ (9) خَصْلَةً، يُمْكِنُ ردُّها إِلى أُصول هِيَ كُلُّهَا أَو غَالِبُهَا بِدَعٌ، وَهِيَ: قِلّةُ الْعِلْمِ، وَظُهُورُ الْجَهْلِ، والشُّحُّ، وقبضُ الأَمانة، وتحليلُ الدِّماءِ، وَالزِّنَا، والحريرِ، والغِناءِ، والرِّبا والخمرِ، وكونُ المَغْنَمِ دُوَلاً، وَالزَّكَاةُ مَغْرِماً، وارتفاعُ الأَصوات فِي الْمَسَاجِدِ، وتقديمُ الأَحداث، ولَعْنُ آخرِ الأُمّةِ أَوَّلَها، وخروجُ الدَّجَّالِينَ، ومفارقةُ الْجَمَاعَةِ (10).

أَما قِلّةُ الْعِلْمِ، وَظُهُورُ الْجَهْلِ: فَبِسَبَبِ التفقُّه للدنيا (11)، وهذا إِخبارٌ بمُقَدِّمةٍ نتيجتُها (12): الفُتيا بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ حَسْبَمَا جاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "إِن اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ

" (13)، إِلى آخِرِهِ (14)، وَذَلِكَ أَن النَّاسَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ قائدٍ يَقُودُهُمْ في الدين بخزائمهم (15)، وإِلا

(1) تقدم (ص416 ـ 417).

(2)

في (ت) و (خ) و (م): "فتبين".

(3)

في (م): "العديات".

(4)

انظر (ص321 و325 فما بعد) من المجلد الأول.

(5)

قوله: "إن احتجت إليه" ليس في (ت).

(6)

أي المتقدم (ص419).

(7)

في (ت) و (خ): "العاديات".

(8)

في (خ) و (م): "مدارك". بدل "مدار"، وكذا في أصل (ت)، ثم صوبت في الهامش.

(9)

في (ت): "عشر".

(10)

انظر: حديث علي رضي الله عنه صفحة (423).

(11)

علق رشيد رضا هنا بقوله: لعله: "التفرغ للدنيا".اهـ.

ولا داعي لهذا الاستدراك، فكلام المصنف لا غموض فيه.

(12)

في (خ): "نتجتها".

(13)

تقدم تخريجه صفحة (432).

(14)

في (ت): "إلى آخر الحديث".

(15)

في (خ): "بحرائمهم"، وفي (ت) و (م):"بجرائمهم" وتقدم تعريف الخزامة (ص334).

ص: 434

وقع الهَرْجُ (1)، وفسد النظام، فيضطرون إِلى الرجوع (2) إِلى مَنِ انْتَصَبَ لَهُمْ مَنْصِبَ الْهِدَايَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ عَالِمًا، فَلَا بُدَّ أَن يَحْمِلَهُمْ عَلَى رأْيه فِي الدِّينِ، لأَن الْفَرْضَ أَنه جَاهِلٌ، فيُضِلّهم عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ؛ كَمَا أَنَّهُ ضَالٌّ (3) عَنْهُ، وَهَذَا عَيْنُ الِابْتِدَاعِ؛ لأَنه التَّشْرِيعُ بِغَيْرِ (4) أَصلٍ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ. وَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنه لَا يُؤتى الناسُ قَطّ مِنْ قِبل (5) عُلَمَائِهِمْ (6)؛ وإِنما يؤتَون مِنْ قِبَلِ أَنه إِذا مَاتَ عُلَمَاؤُهُمْ؛ أَفتى مَنْ لَيْسَ بِعَالَمٍ، فَيُؤْتَى (7) النَّاسُ مَنْ قِبَلِهِ؛ وسيأْتي (8) لِهَذَا الْمَعْنَى بَسْطٌ أَوسع مِنْ هَذَا إِن شاءَ اللَّهُ.

وأَما الشحُّ: فإِنه مُقَدِّمَةٌ لِبِدْعَةِ الِاحْتِيَالِ عَلَى تَحْلِيلِ الْحَرَامِ؛ وَذَلِكَ أَن النَّاسَ يشحُّون بأَموالهم، فَلَا يَسْمَحُونَ بِتَصْرِيفِهَا فِي مَكَارِمِ الأَخلاق، وَمَحَاسِنِ الشِّيَم؛ كالإِحسان بِالصَّدَقَاتِ، والهِبَات، والمُواساة، والإِيثار عَلَى النَّفْسِ، وَيَلِيهِ أَنواع الْقَرْضِ الْجَائِزِ، ويليه التجاوز في المعاملات بإِنظار المعسر، أو بالإِسقاط (9)؛ كما قال تعالى (10):{وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (11)؛ وَهَذَا كَانَ شأْن مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ، ثُمَّ نَقَصَ الإِحسان بِالْوُجُوهِ الأُوَل؛ فَتَسَامَحَ النَّاسُ بِالْقَرْضِ، ثُمَّ نَقَصَ (12) ذَلِكَ؛ حَتَّى صَارَ الْمُوسِرُ لَا يَسْمَحُ بِمَا فِي يَدَيْهِ، فَيُضْطَرُّ المعسر

(1) المقصود بالهَرْج هنا ـ فيما يظهر ـ: كثرة الفتن المفضية إلى كثرة القتال. فالهَرْجُ يطلق على الاختلاط، والفتنة في آخر الزمان، وشدّة القتل وكثرته، وكثرة النكاح، وأصل الهرج: الكثرة في الشيء. انظر "النهاية"(5/ 256)، و"لسان العرب"(2/ 389).

(2)

في (ت) و (خ): "الخروج".

(3)

في (ت): "ضل".

(4)

في (ر) و (غ): "لغير".

(5)

في (م): "قبيل".

(6)

في (ت) و (خ): "العلماء".

(7)

في (ت) و (خ): "فتؤتى".

(8)

(ص99) من المجلد الثالث.

(9)

كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن ينجيه الله فلينفس عن معسر، أو يضع عنه". أخرجه مسلم (1563).

وفي (خ) و (م) و (ت): "وبالإسقاط".

(10)

قوله: "تعالى" ليس في (خ).

(11)

سورة البقرة: الآية (280).

(12)

في (خ): "نقض".

ص: 435

إِلى أَن يَدْخُلَ فِي الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي ظَاهِرُهَا الْجَوَازُ، وَبَاطِنُهَا الْمَنْعُ؛ كَالرِّبَا، والسَّلَف الَّذِي يَجُرّ النَّفْع (1)، فَيُجْعَلُ بَيْعًا فِي الظَّاهِرِ، وَيَجْرِي فِي النَّاسِ شَرْعًا شَائِعًا، وَيَدِينُ (2) بِهِ الْعَامَّةُ، وَيَنْصِبُونَ هَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ مَتَاجِرَ، وأَصلها الشُّحّ بالأَموال، وحُبّ الزَّخَارِفِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَالشَّهَوَاتِ الْعَاجِلَةِ، فإِذا كَانَ كَذَلِكَ؛ فبالحَرِيّ (3) أَن يَصِيرَ ذَلِكَ ابْتِدَاعًا فِي الدِّينِ، وأَن يُجعل مِنْ أَشراط السَّاعَةِ.

فإِن قِيلَ: هَذَا انْتِجَاعٌ (4) مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ، وتكلُّفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.

فَالْجَوَابُ: أَنه لَوْلَا أَن (5) ذَلِكَ مَفْهُومٌ مِنَ الشَّرْعِ لَمَا قِيلَ بِهِ.

فَقَدْ رَوَى أَحمد فِي "مُسْنَدِهِ"(6) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما

(1) في (م): "المنع".

(2)

في (ت): "وتدين".

(3)

في (خ): "فالجري".

(4)

المعنى: أن هذا استنباط بعيد. والانْتِجاع: طلب الكلأ ومساقط الغيث؛ كما في "النهاية"(5/ 21)، و"لسان العرب"(8/ 347)؛ وذلك بالتكلّف في طلبه عن بعد.

(5)

قوله: "أن" سقط من (ر) و (غ).

(6)

(2/ 28 رقم 4825) من طريق أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر، به.

وأخرجه الطرسوسي في "مسند ابن عمر"(22)، والطبراني في "الكبير"(12/ 432 رقم 13583)، والبيهقي في "الشعب"(4224)، ثلاثتهم من طريق أبي بكر بن عياش، به.

قال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام"(5/ 295 ـ 296): "حديث صحيح رجاله ثقات".

وتعقَّب الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(3/ 45 رقم 1183) ابن القطان بقوله: "وعندي: أن إسناد الحديث الذي صححه ابن القطان معلول؛ لأنه لا يلزم من كون رجاله ثقات أن يكون صحيحاً؛ لأن الأعمش مدلِّس، ولم [يذكر] سماعه من عطاء، وعطاء يحتمل أن يكون عطاء الخراساني، فيكون منه تدليس التسوية؛ بإسقاط نافع بين عطاء وابن عمر، فرجع الحديث إلى الإسناد الأول، وهو المشهور".اهـ.

وقول الحافظ عن عطاء المذكور هنا: "يحتمل أن يكون عطاء: الخراساني": ينفيه التصريح في بعض الطرق بأنه ابن أبي رباح!.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى"(3/ 133): "وهذان إسنادان=

ص: 436

قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذا ضَنَّ الناسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَتَبَايَعُوا بالعِيْنَةِ، وَاتَّبَعُوا أَذناب الْبَقَرِ، وَتَرَكُوا الْجِهَادَ في سبيل الله، أَنزل الله بهم بلاءًا، فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم".

=حسنان أحدهما يشدّ الآخر ويقوّيه"؛ يعني: هذا الطريق، وطريق عطاء الخراساني عن نافع الآتي ذكره. ثم قال شيخ الإسلام: "فأما رجال الأول: فإنهم مشاهير، لكن نخاف أن لا يكون الأعمش سمعه من عطاء، أو أن عطاء لم يسمعه من ابن عمر.

والإسناد الثاني: يبيِّن أن للحديث أصلاً محفوظاً عن ابن عمر

" إلخ كلامه الآتي ذكره. وقال في "القواعد النورانية" (ص15): "وقد ورى أحمد وأبو داود بإسنادين جيِّدين

"، ثم ذكره. وحسّنه أيضاً ابن القيم كما سيأتي.

وأخرجه أبو يعلى في "مسنده"(5659) من طريق إسماعيل بن عليّة، والطبراني في "الكبير"(12/ 433 رقم 13585) من طريق عبد الوارث بن سعيد، كلاهما عن ليث بن أبي سليم، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن ابن عمر، به.

وأخرجه الروياني في "مسنده"(1422) من طريق محمد بن حميد الرازي، عن جرير، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 313 ـ 314)، و (3/ 319) من طريق أبي كدينة البجلي، كلاهما ـ جرير وأبو كدينة ـ عن ليث، عن عطاء، عن ابن عمر، به هكذا بإسقاط عبد الملك بن أبي سليمان من سنده، فلست أدري هل هذا من تخليط ليث بن أبي سليم، أو ممن دونه؟ فليث قال عنه الحافظ ابن حجر في "التقريب"(5721)"صدوق اختلط جداً، ولم يتميّز حديثه، فتُرك".

قال أبو نعيم بعد أن رواه: "رواه الأعمش عن عطاء ونافع، ورواه راشد الحمّاني، عن ابن عمر نحوه". وقال أيضاً: "حديث غريب من حديث عطاء، عن ابن عمر، رواه الأعمش أيضاً عنه، ورواه فضالة بن حصين، عن أيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر".

وطريق فضالة هذه التي أشار إليها أبو نعيم: أخرجها العسكري في "تصحيفات المحدثين"(1/ 191)، وابن شاهين في "الأفراد"(1/ 1) ـ كما في "السلسلة الصحيحة" للألباني (11) ـ، كلاهما عن فضالة بن حصين، عن نافع، عن ابن عمر، به.

ثم قال ابن شاهين: "تفرّد به فضالة".

وفضالة هذا قال فيه أبو حاتم: "مضطرب الحديث". "الجرح والتعديل"(7/ 78).

وللحديث طريق أخرى يرويها عطاء الخراساني، عن نافع، عن ابن عمر، به، وسيأتي الكلام عنها في التعليق الآتي.

ص: 437

وَرَوَاهُ أَبو دَاوُدَ أَيضاً (1)، وَقَالَ فِيهِ: "إِذا تبايعتم بالعينة، وأَخذتم

(1) في "سننه"(3462). وأخرجه الدولابي في "الكنى"(2/ 65)، وابن عدي في "الكامل"(5/ 360)، وأبو نعيم في "الحلية"(5/ 208 ـ 209)، والبيهقي (5/ 316) جميعهم من طريق حيوة بن شريح، عن إسحاق أبي عبد الرحمن، عن عطاء الخراساني، عن نافع، عن ابن عمر، به.

قال أبو نعيم: "غريب من حديث عطاء عن نافع، تفرد به حيوة عن إسحاق".

وقال المنذري في "مختصر السنن"(5/ 102 ـ 103): "في إسناده إسحاق بن أسيد أبو عبد الرحمن الخراساني، نزيل مصر، لا يحتج بحديثه، وفيه أيضاً عطاء الخراساني وفيه مقال".

وضعف هذه الطريق ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام"(5/ 295).

ومدار هذا الطريق على عطاء بن أبي مسلم الخراساني، وهو صدوق يهم كثيراً ويرسل ويدلس كما في "التقريب"(4633).

وإسحاق بن أَسيد أبو عبد الرحمن الخراساني قال عنه ابن حجر في "التقريب"(344): "فيه ضعف".

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في "إقامة الدليل" من "الفتاوى الكبرى"(3/ 133) إسناد عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر السابق، وهذا الإسناد، ثم قال:"والإسناد الثاني يبين أن للحديث أصلاً محفوظاً عن ابن عمر، فإن عطاء الخراساني ثقة مشهور، وحيوة بن شريح كذلك وأفضل، وأما إسحاق بن عبد الرحمن [كذا!] فشيخ روى عنه أئمة المصريين؛ مثل حيوة بن شريح، والليث بن سعد، ويحيى بن أيوب وغيرهم"، ثم ذكر رواية ليث بن أبي سليم، عن عطاء، عن ابن عمر، ثم قال:"وهذا يبيِّن أن للحديث أصلاً عن عطاء"، وذكر ابن القيم كلامه هذا في "تهذيب السنن"(5/ 104)، وأقرّه.

وذكر الحديث أيضاً في "الجواب الكافي"(ص30) وحسَّنه.

وأخرجه أحمد (2/ 42 و82)، والخطيب في "تاريخه"(4/ 307)، وابن عساكر في "تاريخه"(1/ 161) من طريق أبي جناب، عن شهر بن حوشب، عن ابن عمر، به.

وأبو جناب هو: يحيى بن أبي حية ضعفوه لكثرة تدليسه.

وشهر بن حوشب صدوق كثير الإرسال والأوهام كما في "التقريب"(2846).

وله شاهد من حديث جابر:

أخرجه ابن عدي في "الكامل" (2/ 455 من طريق بشير بن زياد الخراساني، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر، به.

قال ابن عدي: "وبشير بن زياد هذا ليس بالمعروف، إلا أنه يروي عن المعروفين ما لا يتابعه أحد عليه

".

وبالجملة فجميع طرق الحديث لا تخلو من ضعف، وتقدم أن ابن القطان صححه، وقوّاه شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة=

ص: 438

أَذناب الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ؛ سَلَّطَ الله عليكم ذُلاًّ لا ينزعه حَتَّى تَرْجِعُوا إِلى دِينِكُمْ".

فتأَمل كَيْفَ قَرَنَ التبايُعَ بالعِيْنَة بِضِنَّةِ النَّاسِ (1)؟ فأَشعر بأَن (2) التَّبَايُعَ بِالْعِينَةِ يَكُونُ عَنِ الشُّحِّ بالأَموال، وَهُوَ مَعْقُولٌ فِي نَفْسِهِ، فإِن الرَّجُلَ لَا يَتَبَايَعُ أَبداً هَذَا التَّبَايُعَ وَهُوَ يَجِدُ مَنْ يُسْلِفُه، أَو مَنْ يُعينه فِي حَاجَتِهِ، إِلا أَن يَكُونَ سَفِيهًا لَا عَقْلَ لَهُ.

وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى مَا خَرَّجَهُ أَبو دَاوُدَ أَيضاً (3) عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: "سيأْتي عَلَى النَّاسِ زمانٌ عَضُوضٌ، يَعَضُّ المُوسِرُ عَلَى مَا فِي يديه، ولم يؤْمر بذلك؛ قال الله تعالى:{وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (4)، ويُبَايِعُ المُضْطَرّون، وقد نهى عليه السلام عن بيع المُضْطَرّ، وبيع الغَرَر، وبيع الثمر قبل أن يُدرك.

وخرَّجه أحمد بن حنبل وسعيد بن منصور (5).

=الصحيحة" (11)، والله أعلم.

(1)

في (ت): "بشحَّة الناس"، وصوبت في الهامش، وفي (م):"بضحة".

(2)

في (ت): "فأشعر أن أن".

(3)

في "سننه"(3382)، وسيأتي تخريجه، والكلام عليه.

(4)

سورة البقرة: الآية (237).

(5)

الحديث أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" ومن طريقه البيهقي (6/ 17)، وابن حزم في "المحلى"(9/ 22)، وضعّفه. وأخرجه أحمد (1/ 116)، وأبو داود في الموضع السابق، جميعهم من طريق هشيم؛ أخبرنا صالح بن رستم، عن شيخ من بني تميم؛ قال: خطبنا علي

، فذكره.

وإسناده ضعيف؛ لإبهام الشيخ من بني تميم. وصالح بن رستم قال فيه الحافظ ابن حجر في "التقريب"(2877): صدوق كثير الخطأ.

وأخرجه ابن مردويه كما في "تفسير ابن كثير"(1/ 426) من طريق عبيد الله بن الوليد الوصافي، عن عبد الله بن عبيد، عن عَلَى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال .. ، فذكره هكذا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لا من قول علي.

وإسناده ضعيف لضعف عبيد الله بن الوليد الوَصَّافي كما في "التقريب"(4381).

وعبد الله بن عبيد هو ابن عمير الليثي ثقة؛ لكنه لا يعرف له سماع من علي، وبين=

ص: 439

وخرج سعيد (1) عن حذيفة في معنى الحديث (2) أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ بعد زمانكم هذا زماناً عَضُوضاً، يَعَضُّ الموسر على ما في يديه، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (3): {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (4)، ويَنْهَدُ (5) شِرَارُ خَلْقِ اللَّهِ يُبَايِعُونَ كُلَّ مُضْطَرّ، أَلا إِن بَيْعَ الْمُضْطَرِّ حَرَامٌ، الْمُسْلِمُ أَخو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخُونُهُ، إِن كَانَ عِنْدَكَ خَيْرٌ فعُدْ بِهِ عَلَى أَخيك، وَلَا تَزِدْه (6) هَلَاكًا إِلى هَلَاكِهِ".

وَهَذِهِ الأَحاديث الثَّلَاثَةُ ـ وإِن كانت أَسانيدها ليست هناك ـ: فهِيَ (7) مِمَّا يُعَضِّدُ (8) بَعْضُهُ بَعْضًا، وَهُوَ خَبَرٌ حَقٌّ في نفسه يشهد له الواقع.

=وفاتيهما أكثر من سبعين سنة، وقد ذُكر في ترجمته أنه لم يسمع من عائشة، فعلي من باب أولى، والله أعلم. انظر "تهذيب الكمال"(15/ 259 ـ 261)، و"تهذيب التهذيب"(5/ 308).

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" كما في "المحلى"، (9/ 22)، و"إعلام الموقعين"(3/ 170) عن هشيم، عن كوثر بن حكيم، عن مكحول؛ بلغني عن حذيفة

، فذكره.

وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"، وأبو يعلى في "مسنده" كما في "تفسير ابن كثير"(5/ 510)، كلاهما من طريق هشيم، به. وسنده ضعيف جداً.

فكوثر بن حكيم قال عنه البخاري ويعقوب بن شيبة: منكر الحديث، وقال أحمد والدارقطني: متروك الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ. انظر: "لسان الميزان"(6/ 74 ـ 75).

ويضاف إليه جهالة الواسطة بين مكحول وحذيفة.

وضعفه ابن حزم، وقال ابن كثير:"هذا حديث غريب من هذا الوجه، وفي إسناده ضعف".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا الإسناد وإن لم تجب به حجة، فهو يعضد الأول، مع أنه خبر صدق، بل هو من دلائل النبوة؛ فإن عامة العينة إنما تقع من رجل مضطر إلى نفقة يضن عليه الموسر بالقرض

" "الفتاوى الكبرى" (3/ 137).

(2)

يعني: الحديث السابق.

(3)

من قوله: " {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} " إلى هنا سقط من (ت) و (خ) و (م).

(4)

سورة سبأ: الآية (39).

(5)

في (خ) يشبه أن تكون: "وينشد"، وفي (ت):"ويشهد". ومعنى: يَنْهَدُ: ينهض. انظر: "النهاية (5/ 133).

(6)

في (م): "تزيده".

(7)

قوله: "فهي" ليس في (خ) و (م)، وفي (غ):"فهذا".

(8)

في (غ): "يعضده".

ص: 440

قَالَ بَعْضُهُمْ (1): عَامَّةُ الْعِينَةِ (2) إِنَّمَا تَقَعُ مِنْ رَجُلٍ يُضْطَرُّ إِلى نَفَقَةٍ يَضِنّ عَلَيْهِ الْمُوسِرِ بالقرض، إِلا أَن يُربحه في المائة ما أَحب (3)، فيبيعه ثَمَنُ الْمِائَةِ بِضَعْفِهَا أَو نَحْوِ ذَلِكَ، ففسَّر بَيْعُ الْمُضْطَرِّ بِبَيْعِ العِينة، وَبَيْعُ الْعِينَةِ إِنما هُوَ الْعَيْنُ (4) بأَكثر مِنْهَا إِلى أَجل ـ حَسْبَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي الْفِقْهِيَّاتِ ـ، فَقَدْ صَارَ الشُّحُّ إِذاً سَبَبًا فِي دُخُولِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ فِي البيوع.

فإِن قيل: كلامنا في البدعة، لا فِي فَسَادِ (5) الْمَعْصِيَةِ؛ لأَن هَذِهِ الأَشياء بُيُوعٌ فَاسِدَةٌ، فَصَارَتْ مِنْ بَابٍ آخَرَ لَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ.

فَالْجَوَابُ: أَن مَدْخَلَ الْبِدْعَةِ هَاهُنَا مِنْ بَابِ الِاحْتِيَالِ الَّذِي أَجازه بَعْضُ النَّاسِ، فَقَدْ عَدَّهُ العلماءُ مِنَ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَاتِ، حَتَّى قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي كتابٍ (6) وضِعَ فِي الحِيَل (7): "من وضعَ هذا الكتاب (8) فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ سَمِعَ بِهِ فَرَضِيَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ حَمَلَهُ مِنْ كُورة إِلَى كُورَةٍ (9) فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَرَضِيَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ.

وَذَلِكَ أَنه وَقَعَ (10) فِيهِ احتيالات (11) بأَشياء مُنْكَرَةٍ، حَتَّى احْتَالَ عَلَى فِرَاقِ الزَّوْجَةِ زوجها بأَن تَرْتَدَّ".

(1) هو شيخ الإسلام ابن تيمية في "إقامة الدليل"(3/ 137/الفتاوى الكبرى)، وعنه ابن القيم في "إعلام الموقعين"(3/ 170) مع اختلاف يسير.

(2)

في (ر) و (غ): "الفتنة".

(3)

في (ت): "ما يحب".

(4)

في (ت): "إنما هو بيع العين"، لكن قوله:"بيع" ملحق، وليس في الأصل.

(5)

في (خ) و (م): "في البدعة في فساد"، وكذا كان في (ت)، وألحق الناسخ في الهامش حرف "لا" قبل قوله:"فساد".

(6)

في (ت): "في حق كتاب".

(7)

نقله عن ابن المبارك أيضاً شيخُ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى"(3/ 168 ـ 169).

وانظر: "الموافقات" للمصنف (3/ 124 ـ 125) و (5/ 188)، و"الفتاوى الكبرى"(3/ 170) و"الفتح" لابن حجر (12/ 326).

(8)

قوله: "الكتاب" ليس في (خ) و (م) و (ت).

(9)

كُوَرة ـ على وزن صُورة ـ: المدينة. انظر: "لسان العرب"(5/ 154).

(10)

في (ر) و (غ): "وضع" بدل "وقع".

(11)

في (خ) و (ت) و (م): "الاحتيالات".

ص: 441

وقال إِسحاق بن رَاهَوَيْهِ عَنْ سُفْيَانَ (1) بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ: أَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكَ قَالَ فِي قِصَّةِ بِنْتِ (2) أَبي رَوْح حَيْثُ أُمرت بِالِارْتِدَادِ، وَذَلِكَ فِي أَيام أَبي غَسَّانَ (3)، فَذَكَرَ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَهُوَ مُغَضَّبٌ (4):"أَحدثوا فِي الْإِسْلَامِ، وَمَنْ كَانَ أَمر بِهَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ كَانَ هَذَا الْكِتَابُ عِنْدَهُ أَو فِي بَيْتِهِ ليأْمر به أَو صَوَّبَهُ (5) وَلَمْ يأْمر بِهِ فَهُوَ (6) كَافِرٌ". ثُمَّ قَالَ ابْنُ المُبَارَكٍ: "مَا أَرى الشيطان كان (7) يُحْسِن مِثْلَ هَذَا، حَتَّى جاءَ هؤلاءِ فأَفادها منهم فأَشاعها حينئذ، أو كان (8) يحسنها ولم يَجِدْ (9) مَنْ يُمْضِيهَا فِيهِمْ، حَتَّى جاءَ هؤلاءِ"(10).

وإِنما وُضِعَ هَذَا الْكِتَابُ وأَمثاله لِيَكُونَ حُجَّةً عَلَى زَعْمِهِمْ فِي أَن يَحْتَالُوا لِلْحَرَامِ حَتَّى يصير حلالاً (11)، وللواجب حتى يصير (12) غَيْرَ وَاجِبٍ، وَمَا أَشبه ذَلِكَ مِنَ الأُمور الْخَارِجَةِ عَنْ نِظَامِ الدِّينِ، كَمَا أَجازوا نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ، وَهُوَ احتيالٌ عَلَى رَدّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِمَنْ طَلَّقَهَا، وأَجازوا إِسقاط فَرْضِ الزَّكَاةِ بِالْهِبَةِ المستعارة (13)(14)، وأَشباه ذلك فقد ظهر وجه

(1) قوله: "عن سفيان" جاء مكرراً في (غ)، وفي (خ):"عن سفيان عن عبد الملك".

(2)

في (ر) و (غ): "ابن".

(3)

في (ت): "أيام بني غسان".

(4)

في (ر) و (غ): "معضب" بالعين المهملة.

(5)

في "الفتاوى الكبرى": "هَوِيَه".

(6)

قوله: "فهو" ليس في (ر) و (غ).

(7)

قوله: "كان" من (ر) و (غ) فقط.

(8)

في (خ) و (م): "وكان" والمثبت من (ت) و"الفتاوى الكبرى"(3/ 168) وهو الأنسب، والله أعلم.

(9)

علق رشيد رضا هنا بقوله: لعل الأصل: "ولو كان يحسنها لم يجد".اهـ. وسبب قوله هذا ما تقدم في التعليق السابق.

(10)

من قوله: "فأفادها منهم" إلى هنا سقط من (ر) و (غ).

(11)

في (م): "حتى يصير حراماً"، وعليها علامة، فالظاهر أنها صوبت في الهامش، ولم يظهر التصويب في التصوير.

(12)

في (خ) و (م) و (ت): "يكون" بدل "يصير".

(13)

في (ت): "المستعادة".

(14)

بيَّن المصنف هذا في "الموافقات"(5/ 187) فقال:

"

ومنها قاعدة الحيل؛ فإن حقيقتها المشهورة: تقديم عمل ظاهرِ الجواز لإبطال=

ص: 442

الإِشارة فِي الأَحاديث الْمُتَقَدِّمَةِ الْمَذْكُورِ (1) فِيهَا الشُّحُّ، وأَنها (2) تتضمن ابتداعاً كما تتضمن معاصي جملة (3).

وأَما قبض الأَمانة فعبارة عن شياع الْخِيَانَةِ، وَهِيَ مِنْ سِمَاتِ أَهل النِّفَاقِ، وَلَكِنْ قد سَارَ (4) فِي النَّاسِ بَعْضُ أَنواعها تَشْرِيعًا، وحُكيت عَنْ قَوْمٍ مِمَّنْ يَنْتَمِي إِلى الْعِلْمِ، كَمَا حُكيت عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الأُمراءِ، فإِن أَهل الْحِيَلِ الْمُشَارِ إِليهم إِنما بَنَوْا فِي بَيْعِ الْعِينَةِ عَلَى إِخفاءِ مَا لَوْ أَظهروه لَكَانَ الْبَيْعُ فاسداً، فأَخفوه ليُظْهِرَ (5) صحته، فإِن بيعه الثوب بمئةٍ وَخَمْسِينَ إِلى أَجل (6) لَكِنَّهُمَا (7) أَظهرا وَسَاطَةَ الثَّوْبِ، وأَنه هُوَ الْمَبِيعُ وَالْمُشْتَرَى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بِدَلِيلِ الواقع.

وكالذي (8) يَهَبُ مَالَهُ عِنْدَ رأْس الْحَوْلِ قَائِلًا بِلِسَانِ حاله أو مقاله (9): أَنا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلى هَذَا (10) الْمَالِ، وأَنت أَحوج إِليه مِنِّي، ثُمَّ يَهَبُهُ، فإِذا جاءَ الْحَوْلُ الْآخَرُ قَالَ الْمَوْهُوبُ (11) لَهُ لِلْوَاهِبِ مِثْلَ المقالة الأُولى، والجميع فِي الْحَوْلَيْنِ (12) فِي تَصْرِيفِ الْمَالِ سواءٌ، أَليس هذا خلاف

=حكم شرعي، وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر؛ فمآل العمل فيها خرم قواعد الشريعة في الواقع، كالواهب ماله عند رأس الحول فراراً من الزكاة؛ فإن أصلَ الهبة على الجواز، ولو منع الزكاة من غير هبة لكان ممنوعاً؛ فإن كل واحد منهما ظاهر أمره في المصلحة أو المفسدة، فإذا جمع بينهما على هذا القصد؛ صار مآل الهبة المنع من أداء الزكاة ـ وهو مفسدة ـ ولكن هذا بشرط القصد إلى إبطال الأحكام الشرعية".

(1)

في (خ) و (م): "المذكورة".

(2)

في (ر) و (غ): "وإنما".

(3)

علق رشيد رضا هنا بقوله: قوله: "جملة": الأظهر أن يقال: "جمة".اهـ.

(4)

في (م): "قد صار" وفي (خ): "ولكن يوجد"، وفي (ت):"ولكن قد يوجد".

(5)

كذا في جميع النسخ، وأثبتها رشيد رضا:"لتظهر"، والمعنى: ليظهر البائع صحته، وقد يكون صحيح العبارة:"ليظهروا".

(6)

كذا في جميع النسخ، وعلق عليها رشيد رضا بقوله: أين خبر "إنّ"؟.اهـ.

أقول: لعل خبرها: جملة قوله: بمئةٍ وخمسين إلى أجل، فيكون المعنى: فإنه يبيع الثوب المئة بمئةٍ وخمسين إلى أجل.

(7)

في (ت): "كأنهما" بدل "لكنهما".

(8)

في (خ): "وكذلك".

(9)

في (خ): "ومقاله".

(10)

في (ت): "لهذا".

(11)

في (ت) و (خ) و (م): "المهاب".

(12)

في (خ) و (م): "والجميع في الحالين، بل في الحولين"، وليست الزيادة في أصل (ت)، وإنما ذكرت في الهامش على أنها في نسخة، وليس الأمر كذلك، بل هذا من=

ص: 443

الأَمانة؟ وَالتَّكْلِيفُ مَنْ أَصله أَمانة فِيمَا بَيْنُ العبد وربه، فالعمل بخلافها (1) خِيَانَةٌ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَانَ يُجيز (2) الزِّينَةَ، وَيَرُدُّ مِنَ الْكَذِبِ، وَمَعْنَى الزِّينَةِ التَّدْلِيسُ بِالْعُيُوبِ، وَهَذَا خِلَافُ الأَمانة وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.

وأَيضاً فإِن كثيراً من الأُمراءِ يَحْتَجِنُون (3) أَموال المسلمين لأنفسهم (4) اعْتِقَادًا مِنْهُمْ أَنها لَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُ نَوْعًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْغَنَائِمِ المأَخوذة عُنْوةً مِنَ الْكُفَّارِ، فَيَجْعَلُونَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، ويَحْرِمون الْغَانِمِينَ (5) مِنْ (6) حُظُوظِهِمْ مِنْهَا تأْويلاً عَلَى الشَّرِيعَةِ بِالْعُقُولِ، فَوَجْهُ الْبِدْعَةِ هَا هَنَا ظَاهِرٌ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي تَمْثِيلِ الْبِدَعِ الدَّاخِلَةِ فِي الضَّرُورِيَّاتِ فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا.

وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا النَّمَطِ (7): كَوْنُ الْغَنَائِمِ تَصِيرُ (8) دُوَلاً (9)، وَقَوْلُهُ:"سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وأُموراً (10) تُنْكِرُونَهَا"، ثُمَّ قَالَ:"أَدّوا إِليهم حقَّهم، وَسَلُوا الله حَقَّكُم"(11)(12).

=الإضراب عن الخطأ، وتقدم مثل هذا.

(1)

في (ت) و (خ) و (م): "بخلافه".

(2)

في (خ) و (م) و (ت): "يحقر" بدل "يجيز".

(3)

في (ت) و (خ): "يحتاجون"، وفي (م):"يحتحنون". ومعنى قوله: "يحتجنون" أي: يختصّون به لأنفسهم دون الناس، أو يقتطعون ويسرقون. انظر:"لسان العرب"(13/ 108 و109).

(4)

في (خ) و (ت): "أموال الناس" بدل "أموال المسلمين لأنفسهم".

(5)

في (م): "الغنائم"، وكتب في هامشها:"لعله: الغانمين".

(6)

قوله: "من" ليس في (ر) و (غ).

(7)

قوله: "النمط" ليس في (ت).

(8)

قوله: "تصير" ليس في (ر) و (غ).

(9)

يعني المصنف بكلامه هذا: حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي تقدم تخريجه ص (423 ـ 424)، وهو حديث ضعيف.

(10)

في (خ): "وأمراء". وفي هامش (ت) ما نصه: "صوابه ـ والله أعلم ـ:،إِمْرَةً وأُمَرَاءَ".

(11)

في (خ) يشبه أن تكون: "حقهم"، أو:"دقهم".

(12)

تقدم تخريجه صفحة (419).

ص: 444

وأَما تحليل الدماء والزنى (1) والحرير والغناء والربا (2) وَالْخَمْرِ: فَخَرَّجَ أَبو دَاوُدَ وأَحمد وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبي مَالِكٍ الأَشعري رضي الله عنه: أَنه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (3): "ليشربنَّ نَاسٌ مِنْ أُمتي الْخَمْرَ يُسَمّونها بِغَيْرِ اسْمِهَا". زَادَ ابْنُ مَاجَهْ: "يُعْزَفُ عَلَى رؤوسهم بِالْمَعَازِفِ والقَيْنات، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأَرض، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ"(4).

وَخَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبي عامر أو أبي مَالِكٍ (5) الأَشعري؛ قَالَ فِيهِ: "لِيَكُونَنَّ مِنْ أُمتي أَقوام (6) يَسْتَحِلّون الخَزَّ (7)، وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ، وَالْمَعَازِفَ، ولينزلنَّ أَقوام إِلى جَنْبِ عَلَمٍ (8)، تَرُوحُ عَلَيْهِمْ سارِحَةٌ (9) لَهُمْ، يأْتيهم رَجُلٌ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلينا غداً، فيُبيِّتهم الله، ويضعُ العَلَم،

(1) في (ت) و (خ) و (م): "والربا" بدل "والزنى".

(2)

قوله: "والربا" من (ر) و (غ) فقط.

(3)

قوله: "يقول" ليس في (خ)، وعلق عليه رشيد رضا بقوله: ربما سقط من هنا كلمة: "يقول".اهـ.

(4)

أخرجه أحمد (5/ 432)، والبخاري في "تاريخه"(1/ 305) و (7/ 221)، وأبو داود (3688)، وابن ماجه (4020)، وابن حبان (6758) وغيرهم من طريق حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم، عن عبد الرحمن بن غنم حدثني أبو مالك الأشعري به.

ومالك بن أبي مريم وثقه ابن حبان وقال الذهبي: لا يعرف.

وللحديث شواهد كثيرة يصح بها أفاض بذكرها الشيخ الألباني في "الصحيحة"(90) فلا نطيل بذكرها.

(5)

في (خ): "وأبي مالك".

(6)

قوله: "أقوام" سقط من (م).

(7)

كذا في جميع النسخ بالمعجمتين! وعلق عليه رشيد رضا بقوله: الرواية المشهورة بمهملتين، وسيأتي ذكر هذا اللفظ وتفسيره في حديث آخر في (ص88 و89).اهـ. يعني به رواية أبي داود الآتية، وتفسير المصنف للخَزّ. وهذه الرواية ـ "الخَزّ" بالمعجمتين ـ خطأ، والصواب:"الحِرَ" بالمهملتين. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(10/ 55): ضبطه ابن ناصر بالحاء المهملة المكسورة، والراء الخفيفة، وهو الفَرْجُ، وكذا هو في معظم الروايات من "صحيح البخاري"، ولم يذكر عياض ومن تبعه غيره. وأغرب ابن التين فقال: إنه عند البخاري بالمعجمتين. وقال ابن العربي: هو بالمعجمتين تصحيف؛ وإنما رويناه بالمهملتين، وهو الفرج، والمعنى: يستحلون الزنى. اهـ.

(8)

هو: الجبل كما سيأتي.

(9)

في بعض نسخ البخاري: "يروح عليهم بسارحة".

ص: 445

وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (1).

وَفِي "سُنَنِ أَبي دَاوُدَ"(2): "لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمتي أَقوام يَسْتَحِلُّونَ الخزَّ وَالْحَرِيرَ"، وَقَالَ فِي آخِرِهِ:"يَمْسَخُ مِنْهُمْ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".

والخزُّ هُنَا: نَوْعٌ مِنَ الْحَرِيرِ، لَيْسَ الخَزَّ المأْذون فيه (3) الْمَنْسُوجُ مِنْ حَرِيرٍ (4) وَغَيْرِهِ.

وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: "وَلِيَنْزِلَنَّ (5) أَقْوَامٌ": يَعْنِي ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ـ مِنْ هؤلاءِ المُسْتَحِلّين، وَالْمَعْنَى: إِنَّ هؤلاءِ المُسْتَحِلّين يَنْزِلُ مِنْهُمْ أَقوام إِلى جَنْبِ عَلَمٍ ـ وَهُوَ (6) الْجَبَلُ ـ، فَيُوَاعِدُهُمْ رجل (7) إِلى الغد؛ فَيُبَيِّتُهُم الله

(1) أخرجه البخاري (5590) تعليقاً فقال: "باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه". وقال هشام بن عمار، حدثنا صدقة، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا عطية بن قيس الكلابي، حدثني عبد الرحمن بن غنم، حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري فذكره.

ووصله ابن حبان (6754)، والطبراني (3417)، والبيهقي (3/ 272) و (10/ 221)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(67/ 188)، والحافظ في "تغليق التعليق"(5/ 17 ـ 18).

قال الحافظ: وهذا حديث صحيح لا علة له، ولا مطعن له، وقد أعلّه أبو محمد ابن حزم بالانقطاع بين البخاري وصدقة بن خالد، وبالاختلاف في اسم أبي مالك، وهذا كما تراه قد سقته من رواية تسعة عن هشام متصلاً؛ فيهم مثل: الحسن بن سفيان، وعبدان، وجعفر الفريابي، وهؤلاء حفاظ أثبات.

وقال أيضاً: ثم إن الحديث لم ينفرد به هشام بن عمار ولا صدقة كما ترى.

وقال أيضاً: وله عندي شواهد أُخر، كرهت الإطالة بذكرها، وفيما أوردته كفاية لمن عقل وتدبر، والله الموفق. اهـ. "تغليق التعليق"(5/ 22).

وانظر: "تهذيب السنن" لابن القيم (5/ 270 ـ 272)، و"السلسلة الصحيحة"(91).

(2)

(4039).

(3)

في (خ) و (م): "فيها".

(4)

في (ر) و (غ): "الحرير".

(5)

في (ر) و (غ): "لينزلن" بلا واو.

(6)

قوله: "علم وهو" سقط من (ر)، وفي موضعه علامة لحق، ولم يظهر اللحق في التصوير، ويبدو أنه ليس هناك لحق، أو أنه تآكل من هامشها؛ لأن ناسخ (غ) بيض لهاتين الكلمتين، وهي منسوخة من (ر).

(7)

قوله: "رجل" ليس في (خ).

ص: 446

ـ وَهُوَ أَخذ الْعَذَابِ لَيْلًا ـ، وَيَمْسَخُ مِنْهُمْ آخَرِينَ؛ كما في حديث أَبي داود، وكما (1) في الحديث قَبْلُ (2)؛ حَيْثُ قَالَ (3): يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأَرض، وَيَمْسَخُ منهم قردة وخنازير. وكأَن الخسف ها هنا (4) هو التَّبْيِيتُ الْمَذْكُورَ فِي الْآخَرِ.

وَهَذَا نَصٌّ فِي أَن هؤلاءِ الَّذِينَ اسْتَحَلّوا هَذِهِ الْمَحَارِمَ كَانُوا متأَوِّلين فِيهَا؛ حَيْثُ زَعَمُوا [أَن](5) الشَّرَابَ الَّذِي شَرِبُوهُ لَيْسَ هُوَ الْخَمْرُ، وإِنما لَهُ اسْمٌ آخَرُ، إِما النَّبِيذُ أَو غَيْرُهُ، وإِنما الْخَمْرُ عَصِيرُ الْعِنَبِ النِّيْءِ، وَهَذَا رأْي طَائِفَةٍ مِنَ الْكُوفِيِّينَ، وَقَدْ ثَبَتَ أَن كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ (6).

قَالَ بَعْضُهُمْ (7): وإِنما أَتى (8) عَلَى هؤلاءِ حَيْثُ اسْتَحَلُّوا الْمُحَرَّمَاتِ بِمَا ظَنُّوهُ مِنِ انْتِفَاءِ الِاسِمِ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلى وُجُودِ الْمَعْنَى المُحَرِّم وَثُبُوتِهِ. قَالَ: وَهَذِهِ بِعَيْنِهَا شُبْهَةُ (9) الْيَهُودِ فِي اسْتِحْلَالِهِمْ بيع الشَّحْم بعد جَمْلِه (10)،

(1) في (خ): "كما".

(2)

في (م): "قيل".

(3)

قوله: "قال" سقط من (خ).

(4)

في (ر) و (غ): "الخسف هنا".

(5)

ما بين معقوفين سقط من جميع النسخ، والسياق يقتضيه، وقد أثبته أيضاً محمد رشيد رضا.

(6)

أخرجه مسلم (2003) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام

" الحديث.

(7)

هو شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ، وقوله هذا في "إقامة الدليل" من "الفتاوى الكبرى"(3/ 129)، ومن الجدير بالذكر أن المصنف رحمه الله قد استفاد في كثير من مباحث هذا الفصل ـ وهو الحيل ـ من كلام شيخ الإسلام رحمه الله حيث نقل كثيراً من عباراته، والمصنف إنما لم يصرح باسمه "اتقاءً لما وقع في الخُلُوف من عداوته، والنفرة منه" كما سبق نقله عن الشيخ بكر أبو زيد في تقديمه لـ" الموافقات "(ا/و)، والله أعلم.

(8)

في (ت): "أوتي".

(9)

في (ت): "هي شبهة".

(10)

أي: بعد إذابته.

والحديث أخرجه البخاري في "صحيحه"(2223 و3460)، ومسلم (1582)، كلاهما من رواية ابن عباس، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم؛ أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود؛ حُرِّمت عليهم الشحوم، فجَمَلوها، فباعوها".

وأخرجه البخاري (2224)، ومسلم (1583) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:"قاتل الله اليهود، حرم الله عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا أثمانها".

ص: 447

واستحلال (1) أَخذ الحِيْتان يومَ الأَحد (2) بِمَا أَوقعوها بِهِ يَوْمَ السَّبْتِ فِي الشِّبَاك والحَفائِر مِنْ فِعْلِهِمْ يَوْمَ الْجُمْعَةِ؛ حَيْثُ قَالُوا: لَيْسَ هَذَا بصيدٍ، ولا عملٍ في (3) يوم السبت، وليس هذا باستباحة الشحم (4)(5).

(1) قوله: "بيع الشحم بعد جمله، واستحلال" سقط من (خ) و (م) و (ت).

(2)

في (خ): "الأخذ".

(3)

قوله: "في" ليس في (خ) و (ت).

(4)

في (خ) و (ت) و (م): "الشح"، وعلق عليه رشيد رضا بقوله: كذا! ولعله "السبت"، والعبارة كلها مضطربة ليست سالمة من التحريف. اهـ.

(5)

الحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك"(2/ 322 ـ 323) من طريق الإمام الشافعي؛ أخبرني يحيى بن سُلَيم؛ ثنا ابن جريج، عن عكرمة؛ قال: دخلت على ابن عباس رضي الله عنهما وهو يقرأ في المصحف قبل أن يذهب بصره وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا ابن عباس جعلني الله فداك؟ قال: فقال: هل تعرف أَيْلَة؟ قلت: وما أيلة؟ قال: قرية كان بها ناس من اليهود، فحرّم الله عليهم الحيتان يوم السبت، فكانت حيتانهم تأتيهم يوم سبتهم شُرَّعاً بيضاء سمان كأمثال المخاض بأفنائهم وأبنياتهم، فإذا كان في غير يوم السبت لم يجدوها ولم يدركوها إلا في مشقة ومؤونة شديدة، فقال بعضهم لبعض ـ أَوْ مَنْ قال ذلك منهم ـ: لعلّنا لو أخذناها يوم السبت وأكلناها في غير يوم السبت! ففعل ذلك أهل بيت منهم، فأخذوا فشووا، فوجد جيرانهم ريح الشوي، فقالوا: والله ما نرى إلا أصاب بني فلان شيء، فأخذها آخرون، حتى فشا ذلك فيهم وكثر

، الحديث بطوله.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي في "السنن"(10/ 92).

وأخرج ابن جرير الطبري في "تفسيره"(13/ 188 رقم 15271) قطعة منه من طريق سلام بن سالم الخزاعي، عن يحيى بن سليم، وليس فيها موضع الشاهد.

والحديث شديد الضعف جداً؛ له علّة خفيت على الحاكم، وهي أن ابن جريج لم يسمع من عكرمة كما نص عليه المزي في "تهذيب الكمال"(18/ 342).

وأكّد ذلك: أن عبد الرزاق أخرجه في "تفسيره"(2/ 240) عن ابن جريج؛ قال: حدثني رجل، عن عكرمة

، فذكره بطوله.

ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن جرير في الموضع السابق برقم (15272).

وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(8447 و8455 و8457) مفرَّقاً، فقال: ذكر أحمد بن محمد بن عثمان الدمشقي؛ ثنا محمد بن شعيب بن شابور؛ أخبرني عبد الله بن المبارك: أنه سمع أبا بكر الهُذلي وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي يحدِّثان عن عكرمة مولى ابن عباس

، فذكره.

فأوضحت هذه الرواية أن أبا بكر الهذلي يروي الحديث عن عكرمة، والهذلي هذا=

ص: 448

بَلِ الَّذِي يَسْتَحِلّ الْخَمْرَ زَاعِمًا أَنه (1) لَيْسَ خمراً، مع علمه (2) بأَن معناه معنى الْخَمْرَ، وَمَقْصُودُهُ مَقْصُودُ الْخَمْرُ، أَفسدُ (3) تأْويلاً؛ مِنْ جِهَةِ أَن أَهل الْكُوفَةِ مِنْ أَكثر (4) النَّاسِ قِيَاسًا (5)؛ فَلَئِنْ كَانَ مِنَ الْقِيَاسِ مَا هُوَ حَقٌّ، فإِن قِيَاسَ الْخَمْرِ المَنْبوذةِ عَلَى الْخَمْرِ العَصِيرةِ مِنَ الْقِيَاسِ فِي مَعْنَى الأَصل، وَهُوَ مِنَ الْقِيَاسِ الجَليّ؛ إِذ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَرْقِ مَا يُتوهَّم أَنه مُؤَثِّرٌ فِي التَّحْرِيمِ.

فإِذا كَانَ هؤلاءِ الْمَذْكُورُونَ فِي الْحَدِيثِ إِنما شَرِبُوا الْخَمْرَ اسْتِحْلَالًا لَهَا؛ لَمَّا ظَنُّوا أَن المُحَرَّمَ مجردُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اللَّفْظُ، وَظَنُّوا أَن لَفْظَ الْخَمْرِ لَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِ عَصِيرِ الْعِنَبِ النِّيْءِ، فشُبهتهم فِي اسْتِحْلَالِ الْحَرِيرِ والمعازف أَظهر، فإِنه قد (6) أُبيح الحرير للنساءِ (7) مطلقاً (8)،

=من شيوخ ابن جريج، مع كونه من أقرانه؛ كما في "تهذيب الكمال"(33/ 159). فبما أن ابن جريج معروف بالتدليس، وهو لم يسمع من عكرمة، ورواية عبد الرزاق للحديث عنه أوضحت أنه يرويه عن واسطة أبهمه، عن عكرمة، ورواية ابن المبارك أوضحت أن أبا بكر الهذلي يروي هذا الحديث عن عكرمة، والهذلي هذا من شيوخ ابن جريج، فالذي يغلب على الظن أنه هو الذي أبهمه ابن جريج ودلّسه، وهو أخباري متروك الحديث كما في "التقريب"(8059).

وأما رواية الحاكم: ففيها يحيى بن سُلَيم الطائفي، وهو صدوق سيِّء الحفظ كما في "التقريب"(7663)، والله أعلم.

(1)

قوله: "أنه" سقط من (خ).

(2)

في (ت): "مع العلم".

(3)

في (خ): "فسد".

(4)

قوله: "من أكثر" مكرر في (ت).

(5)

كذا جاءت العبارة في جميع النسخ، وتقدم أن المصنف أخذها عن شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "إقامة الدليل على إبطال التحليل"(ص128 ـ 129) المطبوع في الجزء الثالث من "الفتاوى الكبرى"، ونص العبارة هناك:"أفسد تأويلاً من جهة أن الخمر اسم لكل شراب أسكر كما دلّت عليه النصوص، ومن جهة أن أهل الكوفة من أكثر الناس قياساً".

(6)

قوله: "قد" من (ر) و (غ) فقط.

(7)

قوله: "للنساء" سقط من (خ).

(8)

لقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان بإحدى يديه حرير وبالأخرى ذهب ـ: "هذان حرامان على ذكور أمتي حلال لإناثهم".

أخرجه عبد بن حميد (80)، وابن أبي شيبة (8/ 351)، وأحمد (1/ 96)، والنسائي (8/ 160 ـ 161 رقم 5144 و5145 و5146 و5147)، وابن ماجه (3595) =

ص: 449

وَلِلرِّجَالِ (1) فِي بَعْضِ الأَحوال (2)، فَكَذَلِكَ (3) الْغِنَاءُ والدَّفُّ قَدْ أُبيح فِي العُرْسِ وَنَحْوِهِ (4)، وأُبيح مِنْهُ الحِدَاء (5) وَغَيْرُهُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ دلائل التحريم ما في الخمر (6)، فظهر أَن القوم الَّذِينَ (7) يُخْسَفُ بِهِمْ وَيُمْسَخُونَ (8)، إِنما فُعِلَ (9) ذَلِكَ بهم (10) من جهة التأْويل الفاسد الذي

=وغيرهم، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وفي إسناده ضعف واختلاف، وفي الباب عن جمع من الصحابة منهم: عمر، وابن عباس، وأبو موسى، وعبد الله بن عمرو، وزيد بن أرقم، وواثلة بن الأسقع، وعقبة بن عامر، رضي الله عنهم أجمعين.

وأسانيدها لا تخلو من مقال.

قال الشوكاني في "نيل الأوطار"(2/ 99): "وهذه الطرق متعاضدة بكثرتها، ينجبر الضعف الذي لم تخل منه واحدة منها".

وصححه بمجموع طرقه الشيخ الألباني رحمه الله في "الإرواء"(277)، وانظر:"نصب الراية"(4/ 222).

قال النووي في "شرح مسلم"(14/ 32): "هذا الذي ذكرناه من تحريم الحرير على الرجال وإباحته للنساء هو مذهبنا ومذهب الجماهير".

(1)

في (ر) و (غ): "وللنساء" بدل "وللرجال".

(2)

أخرج البخاري في "صحيحه"(1919) و (5839)، ومسلم (2076) من حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للزبير وعبد الرحمن في لبس الحرير لحكَّة بهما.

(3)

في (ت): "وكذلك".

(4)

أخرج البخاري (5162) من حديث عائشة رضي الله عنها: أنها زَفّت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:"يا عائشة! ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو".

وأخرج أيضاً (5147) من حديث خالد بن ذكوان قال: قالت الرُّبَيِّع بنت معوِّذ بن عفراء: جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بُني عليَّ، فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدَّف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال: دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين".

(5)

أخرج البخاري (6149) ومسلم (2323) واللفظ له من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وغلام أسود يقال له أنجشة يحدو. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنجشة! رويدك سوقاً بالقوارير".

(6)

في (ر) و (غ): "التحريم في الخمر".

(7)

في (خ) و (ت) و (م): "فظهر ذم الذين".

(8)

قوله: "ويمسخون" ليس في (ر) و (غ).

(9)

في (ر) و (غ): "يفعل".

(10)

في (ت): "إنما فعل بهم ذلك".

ص: 450

اسْتَحَلُّوا بِهِ الْمَحَارِمَ بِطَرِيقِ الحِيْلَةِ، وأَعرضوا (1) عَنْ مَقْصُودِ الشَّارِعِ وَحِكْمَتِهِ فِي تَحْرِيمِ هَذِهِ الأَشياء.

وَقَدْ خَرَّجَ ابنُ بَطَّة (2) عَنِ الأَوزاعي: أَن (3) النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يأْتي على الناس زمانٌ يَسْتَحِلّون الرِّبَا (4) بِالْبَيْعِ". قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي الْعِينَةَ.

ورُوي في استحلال الزنا (5) حديثٌ رَوَاهُ إِبراهيم الْحَرْبِيُّ، عَنْ أَبي ثَعْلَبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (6):"أَوَّلُ دينكم نبوّةٌ ورحمة، ثم ملك وَرَحْمَةٌ (7)، ثُمَّ مُلْكٌ وجَبْرِيَّة، ثُمَّ مُلْكٌ عَضُوضٌ يُسْتَحَلُّ فيه الحِر والحرير"(8)؛ يريد

(1) في (خ) و (ت) و (م): "واعترضوا".

(2)

لأبي عبد الله ابن بطَّة رحمه الله جزء في إبطال الحيل كما في "الفتاوى الكبرى"(3/ 530) لشيخ الإسلام ابن تيمية. وهذا الحديث أخذه المصنف عن ابن تيمية، فإنه ذكره في "إقامة الدليل"(3/ 130/ الفتاوى الكبرى) هكذا عن ابن بطة، ثم قال: "وهذا المرسل بيِّن في تحريم هذه المعاملات التي تسمّى بيعاً في الظاهر، وحقيقتها ومقصودها حقيقة الربا، والمرسل صالح للاعتضاد باتفاق الفقهاء، وله من المسند ما يشهد له، وهي الأحاديث الدالّة على تحريم العينة

" إلخ.

وعن شيخ الإسلام ابن تيمية أخذه تلميذه ابن القيم، فذكره في "إعلام الموقعين"(2/ 166) و"مختصر السنن"(5/ 107).

(3)

في (ر) و (غ): "عن" بدل "أن".

(4)

في (خ): "يستحلون فيه الربا".

(5)

في (خ) و (م) و (ت): "الربا" بدل "الزنا" والمثبت من (ر) و (غ)، وهو الصواب الموافق لسياق الحديث، ويوافق ما في "إقامة الدليل"(3/ 130/ الفتاوى الكبرى).

(6)

في (ت): "أنه قال".

(7)

قوله: "ثم ملك ورحمة" ليس في (خ) و (م) و (ت).

(8)

كذا في (ر) و (غ)، وهو الموافق لما في "بيان الدليل". وفي (م):"الحرير والحر"، وفي (ت):"والخز" بدل "والحرير"، ويشبه أن تكون هكذا في (خ)، أو:"والخمر". والحديث أخرجه الطيالسي (225) ومن طريقه البيهقي في "السنن"(8/ 159)، و"الدلائل"(6/ 340)، و"الشعب"(5/ 16 ـ 17). وأخرجه أبو يعلى (873)، والطبراني (1/ 156 ـ 157 رقم 367) و (20/ 53 رقم 91)، من طريق ليث بن أبي سليم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي ثعلبة، عن أبي عبيدة ومعاذ رضي الله عنهما.

وأخرجه البزار (4/ 109) رقم (1283) عن أبي عبيدة رضي الله عنه فقط.

وسنده ضعيف لضعف ليث بن أبي سليم كما في "التقريب"(5721)، وعبد الرحمن بن=

ص: 451

اسْتِحْلَالَ الْفُرُوجِ الْحَرَامِ. والحِر ـ بِكَسْرِ الحاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ (1) ـ: الفَرْجُ.

قَالُوا: وَيُشْبِهُ ـ وَاللَّهُ أَعلم ـ أَن يُرَادَ بِذَلِكَ: ظُهُورُ اسْتِحْلَالِ نِكَاحِ المُحَلِّل، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ اسْتِحْلَالَ الْفُرُوجِ المُحَرّمة، فإِن الأُمة لَمْ يَسْتَحِلّ أَحدٌ مِنْهَا الزِّنَا الصَّرِيحَ، وَلَمْ يُرِدْ بِالِاسْتِحْلَالِ مُجَرّدَ الْفِعْلِ، فإِن هذا لم يزل موجوداً (2) فِي النَّاسِ، ثُمَّ لَفْظُ الِاسْتِحْلَالِ إِنما يُستعمل فِي الأَصل فِيمَنِ اعْتَقَدَ الشَّيْءَ حَلَالًا، وَالْوَاقِعُ كَذَلِكَ، فإِن هَذَا المُلْكَ العَضُوضَ الَّذِي كَانَ بَعْدَ المُلْكِ والجَبْرِيَّة (3) قَدْ كَانَ فِي أَواخر عصر التابعين، وفي تِلْكَ الأَزمان صَارَ فِي أُولي الأَمر مَنْ يُفْتِي بِنِكَاحِ المُحَلِّل وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذلك من يفتي به أَصلاً.

=سابط لم يدرك أبا ثعلبة كما في "تهذيب الكمال"(33/ 168)، و"الإصابة"(7/ 325).

وأخرجه أبو عمرو الداني في "الفتن وأشراط الساعة"(334) من طريق إسحاق بن أبي يحيى الكعبي، عن المعتمر بن سليمان، عن ليث، عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.

وإسحاق هذا هالك كما في "الميزان"(1/ 205).

وأخرجه الدارمي (2/ 155)، والبزار (4/ 108) رقم (1282)، والطبراني في "الكبير"(22/ 323 رقم 591) و"مسند الشاميين"(1369) من طريق مكحول، عن أبي ثعلبة، عن أبي عبيدة، وإسناده منقطع، فمكحول لم يدرك أبا ثعلبة. انظر "تهذيب الكمال"(28/ 466).

وله شاهد بنحوه من حديث حذيفة رضي الله عنه دون قوله: "يستحل فيه الحر والحرير".

أخرجه الطيالسي (439)، وعنه أحمد (4/ 273).

وشاهد آخر من حديث عمر رضي الله عنه أخرجه الباغندي في "مسند عمر" صفحة (6). انظر: "السلسة الضعيفة"(3055). والحديث صححه الألباني رحمه الله في "الصحيحة" رقم (5)، وقوله:"يستحل فيه الحر والحرير" صحيح كما سبق، والله أعلم.

(1)

في (ر) و (غ): "الخفيفة".

(2)

في (خ) و (م) و (ت): "معمولاً" بدل "موجوداً".

(3)

في (خ): "والخيرية".

ص: 452

ويؤيد ذلك: أَن (1) فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الْمَشْهُورِ: أَن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا، ومُوكِلَهُ (2)، وشاهِدَيه، وَكَاتِبَهُ، والمُحَلِّلَ، والمُحَلَّلَ لَهُ (3).

وَرَوَى أَحمد (4) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا

(1) في (خ): "أنه".

(2)

قوله: "وموكله" سقط من (خ).

(3)

أخرجه الطيالسي في "مسنده"(401)، وعبد الرزاق في "المصنف"(5100 و10793 و15350)، وأحمد في "المسند"(3881 و4090 و4428)، والنسائي (5102)، وأبو يعلى في "مسنده"(5241)، وابن حبان في "صحيحه"(3252)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(1726)، جميعهم من طريق الأعمش، عن عبد الله بن مرَّة، عن الحارث بن عبد الله الأعور، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: إن آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه، والواشمة، والمستوشمة للحُسْن، والمُسْتَحِلّ، والمُسْتَحَلّ له، ولاوي الصدقة، والمرتدّ أعرابياً بعد هجرته؛ ملعونون على لسان محمد يوم القيامة. اهـ، وهذا لفظ الطيالسي.

وسنده ضعيف لضعف الحارث الأعور؛ كما في "التقريب"(1036)، وفي سنده اختلاف تجده عند الدارقطني في "العلل"(692)، وصوب الدارقطني منه هذا الوجه الذي ذكرته.

وأخرج مسلم في "صحيحه"(1597) من طريق علقمة بن قيس، عن عبد الله بن مسعود؛ قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله. قال علقمة: قلت: وكاتبه، وشاهديه؟ قال: إنما نحدِّث بما سمعنا. اهـ.

فهذا الحديث فيه دلالة على ضعف رواية الحارث الأعور السابقة، وجميع الروايات التي رويت عن ابن مسعود بذكر "وكاتبه وشاهديه"؛ لأنه يخبر هنا أنه ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.

وإنما تصح هذه اللفظة من غير طريقه، فقد أخرجه مسلم أيضاً (1598) من طريق جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال:"هم سواء".

وأما لعن المحلِّل والمحلَّل له: فقد روي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمتوشّمة، والواصلة والموصولة، والمحلِّل والمحلَّل له، وآكل الربا ومطعمه.

أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 448 و462 رقم 4283 و4284 و4403)، والنسائي في "سننه"(3416)، كلاهما من طريق سفيان الثوري، عن أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان، عن هزيل بن شرحبيل، عن عبد الله بن مسعود، به.

وسنده حسن، وانظر التعليق الآتي.

(4)

أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 402 رقم 3809)، وأبو يعلى في "مسنده"=

ص: 453

ظهر في قوم الربا والزنى (1) إِلا أَحلُّوا بأَنفسهم عقابَ اللَّهِ".

فَهَذَا يُشْعِرُ بأَن التحليل من الزنا؛ كما يشعر بأَن (2) الْعِينَةَ مِنَ الرِّبَا.

وَقَدْ جاءَ عَنِ ابْنِ عباس رضي الله عنهما موقوفاً ومرفوعاً ـ قَالَ: "يأْتي عَلَى النَّاسِ زمانٌ يُستحَلُّ فِيهِ خمسةُ أَشياء بخمسة أَشياء (3): يَسْتَحِلُّونَ الخمرَ بأَسماء يُسَمّونها بِهَا، والسُّحْتَ بالهديَّة، والقتلَ بالرَّهْبة، وَالزِّنَا بِالنِّكَاحِ، وَالرِّبَا بِالْبَيْعِ"(4)، فإِن الثلاثة (5) المذكورة أَولاً قد بُيِّنَتْ (6)، وأَما استحلال (7) السُّحْت الَّذِي هُوَ العَطِيَّة لِلْوَالِي وَالْحَاكِمِ وَنَحْوِهِمَا باسم

= (4981)، ومن طريقه ابن حبان في "صحيحه"(4410)، كلاهما من طريق شريك، عن سماك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لعن الله آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه". قال: وقال: "ما ظهر في قوم الربا والزنى إلا أحلّوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل".

وفي سنده شريك بن عبد الله النخعي، القاضي، وهو صدوق، إلا أنه يخطئ كثيراً كما في "التقريب"(2802)، فالحديث ضعيف لأجله.

ويدلّ على ضعفه: ما تقدم في الحديث السابق من اعتراض عبد الله بن مسعود على رواية: "وكاتبه وشاهديه"، وإخباره بأنه ما سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

(1)

قوله: "والزنى" سقط من (ر) و (غ).

(2)

في (خ) و (ت) و (م): "أن".

(3)

قوله: "بخمسة أشياء" سقط من (خ) و (ت).

(4)

نقل المصنف هذا الحديث من "إقامة الدليل"(3/ 131/ الفتاوى الكبرى) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنه قال: "روي موقوفاً على ابن عباس، ومرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم

"، ثم ذكر الحديث، ثم قال: "وهذا الخبر صدق، فإن الثلاثة المقدّم ذكرها قد بُيِّنت

" إلخ.

ولم أجده من طريق ابن عباس، ولكن أخرجه الخطابي في "غريب الحديث"(1/ 218) من طريق سويد، عن ابن المبارك، عن الأوزاعي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، به.

وسنده معضل، فالأوزاعي من أتباع التابعين.

وقد ذكره الديلمي في "الفردوس"(3459) عن أبي أمامة، ولم أقف على سنده.

(5)

في "إقامة الدليل" لشيخ الإسلام ابن تيمية المطبوع ضمن "الفتاوى الكبرى"(3/ 131): "وهذا الخبر صدق؛ فإن الثلاثة"، وهذا النص منقول من هناك كما تقدم.

(6)

في (خ) و (م) و (ت): "سُنّتْ"، والمثبت من (ر) و (غ)، وهو الموافق لما في "إقامة الدليل".

(7)

قوله: "استحلال" سقط من (خ) و (ت).

ص: 454

الهدية: فهو ظاهر، وأما وَاسْتِحْلَالُ (1) الْقَتْلِ بِاسْمِ الإِرهاب الَّذِي يُسَمِّيهِ (2) ولاةُ الظُّلْمِ سِيَاسَةَ، وأُبَّهَةَ الْمُلْكِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: فَظَاهِرٌ أَيضاً (3)؛ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنواع شَرِيعَةِ (4) الْقَتْلِ الْمُخْتَرَعَةِ.

وَقَدْ وَصَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْخَوَارِجَ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْخِصَالِ (5)، فَقَالَ:"إِن مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا (6) يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لا يجاوز حَنَاجِرَهُمْ، يَقْتُلُونَ أَهل الإِسلام، ويَدَعون أَهل الأَوثان، يَمْرُقون مِنَ الدِّين (7) كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ"(8).

وَلَعَلَّ هؤلاءِ المُرادون (9) بُقُولُهُ عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا

" (10)، الْحَدِيثَ (11)؛ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ قَالَ: يُصْبِحُ مُحَرِّماً لِدَمِ أَخيه وَعِرْضِهِ، وَيُمْسِي مُسْتَحِلاًّ

، إِلى آخِرِهِ (12).

وقد وَضَعَ القتل أيضاً (13) شَرْعًا مَعْمُولًا بِهِ عَلَى غَيْرِ (14) سُنَّةِ اللَّهِ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: المُتَسَمِّي بِالْمَهْدِيِّ الْمَغْرِبِيِّ (15) الَّذِي زَعَمَ أَنه المُبَشَّرُ بِهِ فِي الأَحاديث، فَجَعَلَ الْقَتْلَ عِقَابًا فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ صِنْفاً، ذَكَرُوا مِنْهَا: الْكَذِبَ، وَالْمُدَاهَنَةَ، وأَخَذَهم أَيضاً بِالْقَتْلِ فِي تَرْكِ امْتِثَالِ أَمر مَنْ يُسْتَمَعُ

(1) في (خ) و (ت): "فهو ظاهر واستحلال"، وفي (م):"فهو ظاهر باستحلال".

(2)

في (ر) و (غ): "تسميه"، والمثبت موافق لما في "إقامة الدليل".

(3)

إلى هنا انتهى نقله من "إقامة الدليل".

(4)

في (ر) و (غ): "شرعية".

(5)

قوله: "الخصال" في موضعه بياض في (ت).

(6)

في (غ): "قوم".

(7)

في (ر) و (غ): "الإسلام" بدل "الدين".

(8)

أخرجه البخاري (3344) ومسلم (1064) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(9)

في (ر) و (غ): "مرادون"، وفي (ت):"هم المرادون".

(10)

تقدم تخريجه صفحة (422).

(11)

قوله: "الحديث" ليس في (ت).

(12)

تقدم تخريجه صفحة (422 ـ 423).

(13)

قوله: "أيضاً" من (ر) و (غ) فقط.

(14)

قوله: "غير" ليس في (غ) و (ر).

(15)

هو محمد بن عبد الله بن تومرت. انظر أخباره في "سير أعلام النبلاء"(19/ 539)، وسبق (ص84 فما بعد) أن ساق المصنف بعض أخباره وبدعه التي أحدثها.

ص: 455

أَمْرُهُ، وَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ يَعِظُهم (1) فِي كُلِّ وَقْتٍ ويُذَكِّرُهم، وَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ أُدِّب، فإِن تَمَادَى قُتِلَ، وكلُّ مَنْ لَمْ (2) يتأَدَّبْ بِمَا أَدَّبَ بِهِ ضُرب بِالسَّوْطِ المَرَّة وَالْمَرَّتَيْنِ، فإِن ظَهَرَ مِنْهُ عِنادٌ فِي تَرْكِ امْتِثَالِ الأَوامر قُتِلَ، وَمَنْ داهَنَ عَلَى أَخيه، أَو أَبيه، أَو ابنه (3)، أَو مَنْ يَكْرُمُ عَلَيْهِ (4)، أَو المُقَدَّم عَلَيْهِ (5)؛ قُتِلَ، وكُلُّ مَنْ شَكَّ (6) فِي عِصْمَتِهِ قُتِلَ، أَو شَكّ فِي (7) أَنه المهديُّ المُبَشَّرُ بِهِ، وكُلُّ من خالف أَمره؛ أَمر أَصحابه فَعَرَّوْهُ (8)، فَكَانَ أَكثرُ تأْديبه القتلَ ـ كَمَا تَرَى ـ، كَمَا أَنه كَانَ مِنْ رأْيه أَن لَا يُصَلَّى خَلَفَ إِمام أَو خَطِيبٍ يأْخذ أَجراً عَلَى الإِمامة أَو الْخَطَابَةِ، وَكَذَلِكَ لُبْسُ الثِّيَابِ الرَّفِيعَةِ ـ وإِن كَانَتْ حَلَالًا ـ، فَقَدْ حَكَوْا عَنْهُ قَبْلَ أَن يَسْتَفْحِلَ أَمرُه (9) أَنه تَرَكَ الصَّلَاةَ خَلْفَ خَطِيبِ أَغْمَات (10) بِذَلِكَ السَّبَبِ، فَقَدِم خطيبٌ آخر فجاء (11) في ثيابٍ حَفِيلَةٍ (12) تُبَايِنُ التواضع ـ زعموا (13) ـ، فتَرَكَ الصلاة خلفه أَيضاً (14).

وَكَانَ مِنْ رأْيه: تركُ الرأْي، واتباعُ مَذَاهِبِ (15) الظاهرية. قال

(1) في (غ): "يعظمهم".

(2)

قوله: "لم" سقط من (ر) و (غ)، وفي موضعه بياض في (غ) وعلامة لحق في (ر)، ولم يظهر اللحق في الهامش.

(3)

قوله: "أو ابنه" من (ر) و (غ) فقط.

(4)

قوله: "عليه" سقط من (خ) و (ت).

(5)

قوله: "عليه" سقط من (غ).

(6)

في (ر) و (غ): "يشك".

(7)

قوله: "في" ليس في (ر) و (غ).

(8)

في (ر) و (غ): "بغزوه"، وفي موضعها بياض في (ت).

(9)

قوله: "أمره" سقط من (غ).

(10)

أَغْمات: ناحية في بلاد البربر من أرض المغرب قرب مراكش. "معجم البلدان"(1/ 225).

(11)

قوله: "فجاء" ليس في (خ) و (م) و (ت).

(12)

التحفيل: التزيين. انظر "القاموس المحيط"(1/ 1273).

(13)

علق رشيد رضا على هذا الموضع بقوله: كلمة "زعموا" جملة معترضة تؤذن بالبراءة مما يُحكى عنهم، وأفصح منه أن يقال: بزعمهم؛ كما قال تعالى: {فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} .اهـ.

(14)

قوله: "أيضاً" ليس في (خ) و (ت).

(15)

في (ت): "مذهب".

ص: 456

العلماءُ (1): وَهُوَ (2) بِدْعَةٌ ظَهَرَتْ فِي الشَّرِيعَةِ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ (3). وَمِنْ رأْيه: أَن التَّمَادِيَ عَلَى ذَرَّةٍ مِنَ الْبَاطِلِ كَالتَّمَادِي عَلَى الْبَاطِلِ كُلِّه.

وذَكَر فِي كِتَابِ "الإِمامة" أَنه هُوَ الإِمام، وأَصحابه هُمُ الْغُرَبَاءُ الَّذِينَ قِيلَ (4) فِيهِمْ:"بدأَ الإِسلام (5) غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بدأَ (6)، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ"(7).

وَقَالَ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ: "جاءَ اللَّهُ بِالْمَهْدِيِّ، وَطَاعَتُهُ صَافِيَةٌ نَقِيَّة، لَمْ يُرَ مِثْلُهَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ، وَأَنَّ بِهِ قَامَتِ السَّمَوَاتُ والأَرض، وَبِهِ تَقُومُ، وَلَا ضِدّ لَهُ، وَلَا (8) مِثْلَ، ولا نِدّ". انتهى (9).

وكذب (10)! فالمهدي: عيسى ابن مريم (11) عليه السلام (12).

وَكَانَ يأْمرهم بِلُزُومِ الحِزْب بَعْدَ صلاة الصبح، وبعد المغرب (13)، وأَمر (14) الْمُؤَذِّنِينَ إِذا طَلَعَ الْفَجْرُ أَن يُنَادُوا:"أَصبح وَلِلَّهِ الْحَمْدُ"(15)، إِشعاراً ـ زَعَمُوا ـ بأَن الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ لإِلزام الطَّاعَةِ، وَلِحُضُورِ الْجَمَاعَةِ، وللغُدُوِّ لِكُلِّ ما يؤمرون به.

(1) قوله: "العلماء" ليس في (ر) و (غ).

(2)

أي: مذهب الظاهرية.

(3)

قوله: "بعد المائتين" سقط من (غ).

(4)

قوله: "قيل" سقط من (م).

(5)

في (ت)"بُدئ الدين"، وذكر بهامشها أن في نسخة:"الإسلام" بدل "الدين".

(6)

في (ت): "كما بُدئ".

(7)

أخرجه مسلم (145).

(8)

قوله: "ولا" سقط من (ر) و (غ).

(9)

قوله: "انتهى" في موضعه بياض في (ت).

(10)

في (ت): "وقد كذب".

(11)

قوله: "ابن مريم" من (ر) و (غ) فقط.

(12)

قال المصنف رحمه الله كلامه هذا بناء على حديث: "لا مهدي إلا عيسى".

أخرجه ابن ماجه (4039) وغيره، وهو حديث ضعيف جداً، ومتنه منكر كما بينته في تخريجي لـ"مختصر استدراك الذهبي على مستدرك الحاكم" لابن الملقن (7/ 3276 رقم 1095)، فانظره إن شئت.

(13)

في (ت): "وبعد صلاة المغرب".

(14)

في (خ) و (م) و (ت): "فأمر".

(15)

سبق الكلام على هذه البدعة صفحة (87 و88).

ص: 457

وَلَهُ (1) اخْتِرَاعَاتٌ وَابْتِدَاعَاتٌ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا، وَجَمِيعُ ذلك راجع (2) إِلى أَنه قَائِلٌ (3) برأْيه فِي الْعِبَادَاتِ وَالْعَادَاتِ، مع زعمه أَنه غير قَائِلٌ بالرأْي؛ وَهُوَ التَّنَاقُضُ بِعَيْنِهِ، فَقَدْ ظَهَرَ إِذاً (4) جَرَيَانُ تِلْكَ الأَشياء عَلَى الِابْتِدَاعِ.

وأَما كَوْنُ الزَّكَاةِ مَغْرَمًا: فَالْمَغْرَمُ مَا (5) يَلْزَمُ أَداؤه مِنَ الدُّيُونِ وَالْغَرَامَاتِ، كَانَ (6) الْوُلَاةُ يُلْزِمُونَهَا النَّاسَ بشيءٍ مَعْلُومٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلى قِلَّةِ مَالِ الزَّكَاةِ أَو كَثْرَتِهِ، أَو قُصُورِهِ عَنِ النِّصَابِ أَو عَدَمِ قُصُورِهِ، بَلْ يأْخذونهم بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إِلى الْمَوْتِ، وَكَوْنُ هَذَا بِدَعَةً ظَاهِرٌ.

وأَما ارْتِفَاعُ الأَصوات فِي الْمَسَاجِدِ: فَنَاشِئٌ عَنْ بِدْعَةِ الْجِدَالِ فِي الدِّينِ، فإِن مِنْ عادة قراءَة العلم وإِقرائه، وسماعه وإِسماعه (7) أَن يَكُونَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَمِنْ آدَابِهِ (8) أَن لَا تُرْفَعَ فِيهِ الأَصوات فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ، فَمَا ظَنُّك بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ؟ فَالْجِدَالُ فِيهِ زِيَادَةُ الْهَوَى؛ فإِنه غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي الأَصل. فَقَدْ جَعَلَ العلماءُ مِنْ عَقَائِدِ الإِسلام: تَرْكَ الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ فِي الدِّينِ، وَهُوَ الْكَلَامُ فِيمَا لَمْ يُؤْذَنْ (9) فِي الْكَلَامِ فِيهِ؛ كَالْكَلَامِ فِي الْمُتَشَابِهَاتِ مِنَ الصِّفَاتِ والأَفعال وَغَيْرِهِمَا (10)، وَكَمُتَشَابِهَاتِ الْقُرْآنِ. ولأَجل (11) ذَلِكَ جاءَ (12) فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنها قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الْآيَةَ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ

} (13) الآية،

(1) في (غ): "ولعله".

(2)

قوله: "راجع" سقط من (خ) و (م) و (ت)، وعلق عليه رشيد رضا بقوله: كذا في الأصل! والمعنى الوارد يدل على أنه قائل برأيه. اهـ.

(3)

في (ت): "قال".

(4)

في (غ): "أيضاً" بدل "إذاً".

(5)

قوله: "ما" سقط من (خ) و (ت).

(6)

في (ت): "كأن".

(7)

قوله: "وإسماعه" ليس في (ر) و (غ).

(8)

في (ر) و (غ): "أدبه".

(9)

في (خ) و (م): "يأذن".

(10)

انظر تعليقي على كلام الشاطبي (ص54)؛ حيث عدّ نصوص الصفات من المتشابه، وهو مذهب المفوِّضة من نفاة الصفات.

(11)

في (ر) و (غ): "لأجل" بلا واو.

(12)

قوله: "جاء" سقط من (ر) و (غ).

(13)

سورة آل عمران: الْآيَةَ (7).

ص: 458

قَالَ: "فإِذا رَأَيْتُم الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ فَهُمُ الَّذِينَ عَنى اللَّهُ، فَاحْذَرُوهُم"(1).

وَفِي الْحَدِيثِ: "مَا ضلَّ قومٌ بَعْدَ (2) هُدًى إِلا أُوتوا الْجَدَلَ"(3).

وجاءَ عَنْهُ عليه السلام أَنه قَالَ: "لَا تُماروا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ المِراء (4) فِيهِ كُفْرٌ"(5).

(1) في (ر) و (غ): "فاحذرهم". والحديث أخرجه البخاري في "صحيحه"(4547)، ومسلم (2665).

(2)

قوله: "بعد" مكرر في (ت).

(3)

في (ت): "الجدال". والحديث أخرجه أحمد (5/ 252 و256)، والترمذي (3253)، وابن ماجه (8)، والروياني في "مسنده"(2/ 274)، والطبري في "تفسيره"(21/ 629)، والعقيلي (1/ 286)، والطبراني في "الكبير"(8/ 277)، والسهمي في "تاريخ جرجان"(1/ 73)، والحاكم (2/ 447 ـ 448) من طرق عن الحجاج بن دينار، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، به.

قال الترمذي: "حديث حسن صحيح، إنما نعرفه من حديث حجاج بن دينار، وحجاج ثقة مقارب الحديث، وأبو غالب اسمه حَزَوَّر".

وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

والحديث حسنه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع"(5633)، والله أعلم.

(4)

في (ر) و (غ): "مراء".

(5)

حديث صحيح ورد عن عدد من الصحابة، وأحسنها حديثا أبي هريرة وأبي جهيم بن الحارث.

أولاً: أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه: فيرويه عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن، وروي عن أبي سلمة من خمس طرق:

1 ـ طريق محمد بن عمرو بن علقمة: أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 286 و424 و475 و503 و528 رقم 7848 و9479 و10143 و10539 و10834)، ومن طريقه أبو داود في "سننه"(4603)، وأخرجه البزار في "مسنده"(2313/كشف)، وابن حبان في "صحيحه"(1464/الإحسان)، والطبراني في "الأوسط"(2478)، والآجري في "الشريعة"(140)، والهروي في "ذم الكلام"(165)، وابن بطة في "الإبانة"(791 و792)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(181 و182)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 223)، وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 134 و215)، و (8/ 213)، وفي "أخبار أصبهان"(1/ 272 و292)، و (2/ 123)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(2059).

قال الهروي ـ بعد أن رواه ـ: "وهذا الحديث قد اضطُرِبَ فيه على أبي سلمة من=

ص: 459

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

=وجوه: فرواه محمد بن عمرو هكذا، وليس هو بالمحفوظ، وإن كان أشهر في الناس، فإن الحفاظ ـ منصور بن المعتمر، وسفيان الثوري، وابن أبي زائدة ـ خالفوه فيه

"، ثم أخذ في ذكر الخلاف، وخلاصته ترجيحه لرواية من رواه منقطعاً ليس فيه ذكر لأبي سلمة، وهو إعلال عجيب لم أجد من سبقه إليه، أو وافقه عليه! وقد ذكر الدارقطني هذا الحديث في "العلل" (1790)، وذكر الاختلاف فيه، وذكر رواية محمد بن عمرو هذه، ولم يعلّها، وهي من أجود طرق هذا الحديث، وباقي الطرق توافقها ـ كما سيأتي ـ، ولا تعلّها.

2 ـ طريق عمر بن أبي سلمة، عن أبيه: أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 478 رقم 10202) من طريق شيخيه وكيع وعبد الرحمن بن مهدي، كلاهما عن سفيان الثوري، عن سعد بن إبراهيم، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جدال في القرآن كفر".

وكذا أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"(2060) من طريق محمد بن يوسف الفريابي وأبي أحمد الزبيري، كلاهما عن سفيان، به.

ورواه الهروي في "ذم الكلام"(169) من طريق محمد بن المثنى، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، فأسقط أبا سلمة من الإسناد، وجعل الهروي هذه الرواية من الروايات التي أعلّ بها رواية محمد بن عمرو؛ كما سبق نقله عنه، مع أن الإمام أحمد رواه ـ كما سبق ـ عن عبد الرحمن بن مهدي بإثبات أبي سلمة في إسناده، فرواية الهروي هذه خطأ بلا شك، والوهم إما من محمد بن المثنى، أو ممن دونه.

وأخرجه الإمام أحمد أيضاً (2/ 494 رقم 10414) عن شيخه حجاج بن محمد الأعور، عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي، عن منصور بن المعتمر، عن سعد بن إبراهيم، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة، به.

وكذا أخرجه الدارقطني في "العلل"(9/ 317) من طريق آدم بن أبي إياس، عن شيبان؛ بذكر أبي سلمة في إسناده.

وكذا أخرجه الهروي (166) من طريق موسى بن سهل الرملي، عن آدم بن أبي إياس، ثم حكم عليها بأنها وهم، وصوّب رواية الباغندي، عن طاهر بن خالد، عن آدم؛ بإسقاط أبي سلمة من الإسناد، مع أن الدارقطني أخرجه فيما سبق من طريق شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد الحمال، عن طاهر بن خالد؛ بإثبات أبي سلمة، ولم يذكر الدارقطني في رواية منصور هذه أن أحداً أسقط منها أبا سلمة، وهذا يؤكد خطأ رواية الهروي، وخطأ الهروي في إعلال هذا الحديث.

لكن هناك اختلاف آخر في رواية منصور هذه، وهو: أن ابن أبي شيبة أخرج هذا الحديث في "المصنف"(10/ 529 رقم 10218/الهندية) فقال: حدثنا يحيى بن يعلى=

ص: 460

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

=

التيمي، عن منصور، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة

، فذكره هكذا بإسقاط عمر بن أبي سلمة.

ومن طريق ابن أبي شيبة رواه الآجري في "الشريعة"(141).

ورواه أبو يعلى في "مسنده"(5897) من طريق عثمان بن أبي شيبة، عن يحيى بن يعلى كذلك، ورواية يحيى بن يعلى هذه شاذة، والصواب رواية شيبان، وهذا الذي رجحه الدارقطني كما سيأتي، ويؤكد ذلك: أن عمرو بن أبي قيس رواه عن منصور كرواية شيبان؛ بزيادة عمر بن أبي سلمة؛ كما ذكر الدارقطني.

وقد أخرج رواية عمرو بن أبي قيس هذه الهروي (166)، لكن ليس فيها ذكر لأبي سلمة، وأرى أنه لا يُعَوَّل على هذه الطرق التي أخرجها الهروي بإسقاط أبي سلمة؛ لمخالفتها لما ذكره الأئمة ورووه.

وأخرج الحديثَ أيضاً الإمامُ أحمد في "المسند"(3/ 258 رقم 7508) من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، به هكذا بإسقاط عمر بن أبي سلمة.

وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(2/ 223) من طريق عبد الملك بن محمد الرقاشي، عن أبي عاصم الضحَّاك بن مخلد النبيل، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة، به.

وهذه الطريق غريبة جداً! ولو كان هذا الحديث مرويًّا من طريق شعبة لما تفرَّد به الحاكم المتأخر، والظاهر أن الخطأ فيه من عبد الملك الرقاشي، فإنه قد اختلط.

تنبيه: وقع في "المستدرك" المطبوع: "سعيد" بدل "شعبة"، وهذا يحصل كثيراً في الكتب بسبب تشابه الرسم، وقد نقله الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة"(16/ 148 ـ 149 رقم 20534)، على الصواب.

وللحديث طرق أخرى عن سعد بن إبراهيم سيأتي ذكرها في كلام الدارقطني.

فهذه الطرق تبيِّن أنه اختُلِفَ في هذا الحديث على سعد بن إبراهيم، فرواه سفيان الثوري عنه، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة، ورواه زكريا بن أبي زائدة عن سعد، فأسقط عمر بن أبي سلمة، ورواه منصور بن المعتمر فاختُلِفَ عليه، فرواه يحيى بن يعلى عنه، عن سعد بن إبراهيم بإسقاط عمر بن أبي سلمة، ورواه شيبان بن عبد الرحمن وعمرو بن أبي قيس عن منصور، عن سعد بزيادة عمر، فترجح روايتهما على رواية يحيى بن يعلى، وترجح رواية منصور هذه ورواية سفيان الثوري على رواية زكريا بن أبي زائدة، وهذا الذي رجحه الدارقطني، فإنه سئل عن هذا الحديث في "العلل" (1790)؟ فقال: "يرويه سعد بن إبراهيم ومحمد بن عمرو، واختُلِفَ فيه على سعد: فرواه منصور بن المعتمر عن سعد، واختلف عنه: فرواه أبو المحيّاة يحيى بن يعلى عن منصور، عن سعد، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.=

ص: 461

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

=وخالفه عمرو بن أبي قيس وشيبان، فروياه عن منصور، عن سعد، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة. وكذلك روي عن أيوب السَّختياني، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة. وكذلك رواه الثوري عن سعد بن إبراهيم، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه. واختُلِفَ عن ليث بن أبي سُليم: فرواه أبو كدينة يحيى بن المهلّب عن ليث، عن سعد بن إبراهيم، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة، وأرسله معتمر والطفاوي عن ليث، فقالا عنه: عن سعد، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وقال زهير وزائدة وجرير: عن ليث، عن سعد، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وكذلك قال زكريا بن أبي زائدة وسليمان التيمي: عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وقال إبراهيم [يعني: ابن سعد] عن أبيه: عن أبي سلمة ـ أو: عن حميد ـ، مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم. والصحيح قول الثوري ومن تابعه".اهـ.

وبناء على ما تقدم فالحديث صحيح بمجموع طريقي محمد بن عمرو وعمر بن أبي سلمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، ويتقوى بالطرق الأخرى الآتية.

3 ـ طريق أبي حازم سلمة بن دينار، عن أبي سلمة؛ لا أعلمه إلا عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نزل القرآن على سبعة أحرف، المراء في القرآن كفر ـ ثلاث مرات ـ، فما عرفتم منه فاعملوا، وما جهلتم منه فردّوه إلى عالمه".

أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 300 رقم 7989)، والنسائي في "الكبرى"(8093)، وابن جرير في "تفسيره"(1/ 21 رقم 7)، وأبو يعلى في "مسنده"(6016)، ومن طريقه ابن حبان في "صحيحه"(74/الإحسان)، وأخرجه الدارقطني في "الأفراد"(5576/أطرافه)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(11/ 26).

وذكر ابن كثير في "تفسيره"(1/ 348) طريق أبي يعلى، ثم قال:"وهذا إسناد صحيح، ولكن فيه علّة بسبب قول الراوي: لا أعلمه إلا عن أبي هريرة".

ولكن هذه العلة الناشئة من شك الراوي مرتفعة بالطرق السابقة التي ترجح أنه عن أبي هريرة، وقد صححه ابن حبان بإخراجه له في "صحيحه".

4 ـ طريق عروة بن الزبير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المراء في القرآن كفر".

أخرجه الطبراني في "الأوسط"(4212)، و"الصغير"(574)، والخطيب في "تاريخه"(11/ 136)، كلاهما من طريق محمد بن حمير، عن شعيب بن أبي الأشعث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، به.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن هشام بن عروة إلا شعيب بن أبي الأشعث، تفرد به محمد بن حمير".

وأعلّ أبو حاتم الرازي هذا الطريق بقوله في "العلل"(1714): "هذا حديث=

ص: 462

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

=مضطرب ليس هو صحيح الإسناد، عروة عن أبي سلمة لا يكون، وشعيب مجهول".

5 ـ طريق الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المراء في القرآن كفر".

أخرجه الطبراني في "الأوسط"(3666)، والصغير (496) من طريق يحيى بن المتوكل، عن عنبسة الحدّاد، عن الزهري، به، ثم قال:"لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا عنبسة الحداد".

وذكر محقق "علل الدارقطني"(7/ 280) أن البزار أخرجه في "مسنده"(ق31/ 2/مسند أبي هريرة)، من طريق يحيى بن المتوكل، ثم قال:"وهذا الحديث لا نعلم أحداً رواه عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة إلا عنبسة، وهو رجل ليس بالقوي".

وسئل عنه الدارقطني في "العلل"(1351)؟ فقال: "يرويه عنبسة بن مهران أبو محمد، عن الزهري، واختُلِفَ عنه: فرواه يحيى بن المتوكل وحفص بن عمر النجار أبو عمران، عن عنبسة، عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة، ورواه أبو عاصم [يعني: النبيل] وعبد الله [يعني: ابن رجاء] وبحر السَّقَّاء، عن عنبسة، عن الزهري، عن سعيد وحده، عن أبي هريرة. ورواه أبو مسلم الكجي، عن أبي عاصم موقوفاً، وغيره يرويه عن أبي عاصم مرفوعاً، وهو محفوظ عن أبي عاصم، وعنبسة ضعيف".

ثانياً: أما حديث أبي الجُهَيم: فأخرجه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 169 ـ 170 رقم 17542)، وابن جرير الطبري في "تفسيره"(1/ 43 ـ 44 رقم 41)، والهروي في "ذم الكلام"(175)، وابن عبد البر في "التمهيد"(8/ 281 ـ 282)، جميعهم من طريق سليمان بن بلال، عن يزيد بن خصيفة، عن بسر بن سعيد؛ قال: حدثني أبو جهيم: أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، فقال هذا: تلقّيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: تلقيّتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألا النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال:"القرآن يُقرأ على سبعة أحرف، فلا تماروا في القرآن، فإن مراء في القرآن كفر". واللفظ للإمام أحمد، ومن طريقه أخرجه ابن بطة في "الإبانة"(801).

وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن"(ص337)، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده"(724/بغية الباحث)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(2069)، والخطيب في "تالي التلخيص"(29)، والبغوي في "شرح السنّة"(1228)، جميعهم من طريق إسماعيل بن جعفر، عن يزيد بن خصيفة، عن مسلم بن سعيد مولى ابن الحضرمي، عن أبي جهيم، به.

وجاء في رواية أبي عبيد: "عن يزيد بن خصيفة، عن مسلم بن سعيد مولى ابن الحضرمي، وقال غيره: عن بسر بن سعيد، عن أبي جهيم".=

ص: 463

وَعَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ الْقُرْآنَ يصدِّق بعضُه بَعْضًا (1)، فَلَا تُكَذِّبوا بَعْضَهُ (2) بِبَعْضِ، ما علمتم منه فاقبلوه، وما لم تعلموا منه فَكِلُوه إِلى عالمه"(3).

=

وأخرجه الحارث أيضاً مرة أخرى (725) من طريق خالد بن القاسم، عن إسماعيل بن جعفر، عن يزيد بن خصيفة، عن بسر بن سعيد مولى الحضرمي، عن أبي جهيم. وأخشى أن يكون هذا خطأ من خالد بن القاسم؛ لأن الذين رووه عن إسماعيل بن جعفر ـ ومنهم أبو عبيد ـ؛ قالوا: عن مسلم بن سعيد.

وقد أشار البخاري في "تاريخه"(7/ 262 رقم 1106) لهذا الاختلاف بين روايتي سليمان بن بلال وإسماعيل بن جعفر، فقال:"مسلم بن سعيد مولى ابن الحضرمي: عن أبي جهيم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف، قاله إسماعيل بن جعفر عن يزيد بن خصيفة، وقال سليمان بن بلال: عن يزيد بن خصيفة، عن بسر بن سعيد، عن أبي جهيم".

وهذا الاختلاف يحتمل أحد أمرين:

1 ـ ترجيح أحد الوجهين.

2 ـ الحكم بصحة الوجهين، وإلى هذا مال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، فقال في تعليقه على "تفسير ابن جرير" (1/ 44):"للحديث طريقان: إسماعيل بن جعفر يرويه عن يزيد بن خصيفة، عن مسلم بن سعيد، وسليمان بن بلال يرويه عن يزيد بن خصيفة، عن بسر بن سعيد، وهو أخو مسلم بن سعيد"، وذكر أن أبا عبيد أشار أثناء الإسناد إلى الرواية الأخرى، دون أن يذكر إسنادها، ثم قال:"فيكون يزيد بن خصيفة سمع الحديث من الأخوين: مسلم وبسر ابني سعيد".اهـ.

فإن كان الحديث محفوظاً عن مسلم وبسر ابني سعيد كليهما، أو عن بسر وحده فهو صحيح الإسناد، وإن كان محفوظاً عن مسلم وحده فهو شاهد قوي لحديث أبي هريرة السابق، وقد صحح سنده الحافظ ابن كثير في "فضائل القرآن"(ص19)، والله أعلم.

(1)

قوله: "بعضاً" ليس في (غ).

(2)

في (م): "بعضها".

(3)

أخرجه عبد الرزاق في "جامع معمر"(11/ 216 رقم 20367/المصنف) عن معمر، عن الزهري، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده؛ قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً يتدارؤون في القرآن، فقال

، فذكره.

ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 185 رقم 6741)، والبخاري في "خلق أفعال العباد"(218)، والطبراني في "الأوسط"(2995)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(2062)، و"المدخل إلى السنن"(790).=

ص: 464

وقال عليه السلام: "اقرؤوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قلوبُكم، فإِذا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ فَقُومُوا عَنْهُ"(1).

وَخَرَّجَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: إِياكم وَالْخُصُومَاتِ فِي الدِّينِ! فإِنها تُحْبِطُ الأَعمال (2).

وَقَالَ النَّخْعِيُّ فِي قوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} (3) قال: الجدال والخصومات في الدين (4).

=وأخرجه الإمام أحمد أيضاً (2/ 178 و195 ـ 196 رقم 6668 و6845 و6846)، وابن ماجه (85) كلاهما من طريق داود بن أبي هند، عن عمرو بن شعيب، به.

وأخرجه أحمد أيضاً (2/ 181 رقم 6702) من طريق أبي حازم سلمة بن دينار، عن عمرو بن شعيب، به.

وسنده حسن لأجل الخلاف في عمرو بن شعيب.

وأصل الحديث أخرجه مسلم في "صحيحه"(2666) من طريق عبد الله بن رباح الأنصاري؛ أن عبد الله بن عمرو قال: هجّرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعرف في وجهه الغضب، فقال:"إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب".

(1)

أخرجه البخاري (5060)، ومسلم (2667) من حديث جندب بن عبد الله البجلي.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(723) ومن طريقه الهروي في "ذم الكلام"(2/ 162/أ).

وأخرجه ابن جرير في "تفسيره"(10/ 137 رقم 11600)، والآجري في "الشريعة"(1/ 188)، وابن بطة في "الإبانة"(2/ 501 ـ 502، رقم 562، 564)، وأبو نعيم في "الحلية"(2/ 301)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1/ 145 ـ 146 رقم (221)، وعنه الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة"(1/ 313 ـ 314)، جميعهم من طريق العوام بن حوشب عن معاوية به.

وإسناده صحيح.

ولفظ أبي نعيم وابن بطة (563): "كان يقال: الخصومات

"، وقد استوفيت الكلام عليه في تخريجي لـ"سنن سعيد بن منصور".

(3)

سورة المائدة: الآية (64).

(4)

أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(722)، وابن جرير (10/ 137 رقم 11599) وابن بطة (2/ 500 رقم 558)، والهروي في "ذم الكلام"(2/ 168/ب)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2/ 114)، وإسناده صحيح.

ص: 465

وَقَالَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى (1): انْصَرَفَ مَالِكٌ يَوْمًا إِلى الْمَسْجِدِ وَهُوَ متكئٌ عَلَى يَدِي، فَلَحِقَهُ رجل يقال له: أَبو الجويرة (2) يُتَّهم بالإِرجاءِ، فَقَالَ: يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ! اسمع مني شيئاً أُكلمك به، وأُحاجُّك، وأُخبرك برأْيي. فَقَالَ لَهُ: احْذَرْ أَن أَشهد عَلَيْكَ! قَالَ: وَاللَّهِ! مَا أُريد إِلا الْحَقَّ، اسْمَعْ مِنِّي (3)، فإِن كَانَ صَوَابًا فَقُلْ بهِ، أَو فَتَكَلَّم. قَالَ (4): فإِن غَلَبَتْنِي؟ قَالَ: اتَّبِعْني. قَالَ: فإِن غَلَبْتُكَ؟ قَالَ اتَّبعتك (5). قَالَ (4): فإِن جاءَ رجل فكلمناه فغَلَبنا؟ قال: اتبعناه. فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: يَا عَبْدَ اللَّهِ! بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا بِدِينٍ وَاحِدٍ، وأَراك تَنْتَقِلُ.

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضاً لِلْخُصُومَاتِ أَكثر التَّنَقُّل (6).

وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الْجِدَالُ في الدين بشيءٍ (7).

(1) هذه الحكاية نقلها المصنف من "ترتيب المدارك" للقاضي عياض (2/ 38)، وذكرها الذهبي في "السير"(8/ 106) عن القاضي عياض.

وأسندها الآجري في "الشريعة"(117) عن الفريابي، عن إبراهيم بن المنذر الحزامي، عن معن بن عيسى.

وسندها صحيح.

ومن طريق الآجري أخرجها ابن بطة في "الإبانة"(583)، ولها عنده طريق أخرى (584) يرويها الوليد بن مسلم، عن مالك. ولها طرق أخرى مختصرة انظرها في "ذم الكلام" للهروي (4/ 113 ـ 114رقم 869 ـ 871)، و"شرح أصول الاعتقاد" للالكائي (293 و294)، "والحلية" لأبي نعيم (6/ 324)، و"شعب الإيمان" للبيهقي (14/ 531 ـ 352).

(2)

في (م) و (ت) و (خ): "الجديرة"، والمثبت من (ر) و (غ)، وهو موافق لبعض النسخ الخطية لـ"ترتيب المدارك" كما ذكر المحقق. وجاءت الكلمة مضطربة في مصادر التخريج التي ذكرتها.

(3)

قوله: "مني" ليس في (ر) و (غ).

(4)

في (ت): "قال له مالك".

(5)

في (ر) و (غ): "أتبعك".

(6)

أخرجه الدارمي (1/ 91)، والآجري في "الشريعة"(1891)، وابن بطة (566، 568، 569، 577، 578، 580)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(1770) واللالكائي (216).

وإسناده صحيح.

(7)

ذكره ابن عبد البر في "الانتقاء"(ص34)، ويشهد له ما تقدم عنه قبل هذا.

ص: 466

وَالْكَلَامُ فِي ذَمِّ الْجِدَالِ (1) كَثِيرٌ، فإِذا كَانَ مَذْمُومًا؛ فَمَنْ جَعَلَهُ مَحْمُودًا وعَدَّه (2) مِنَ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ بإِطلاق فَقَدِ ابْتَدَعَ فِي الدِّينِ. وَلَمَّا كَانَ اتباعُ الْهَوَى أَصلَ الِابْتِدَاعِ؛ لَمْ يُعْدَم صاحبُ الْجِدَالِ أَن يماريَ ويطلبَ الغَلَبة، وَذَلِكَ مَظِنَّة رَفْعِ الأَصوات.

فإِن قِيلَ: عددتَ رَفْعَ الأَصوات من فروع الجدل وخواصِّه، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَرَفْعُ الأَصوات قَدْ يَكُونُ في العلم، ولذلك كُرِه رفع الصوت (3) فِي الْمَسْجِدِ (4)، وإِن كَانَ فِي الْعِلْمِ أَو فِي غَيْرِ الْعِلْمِ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي "الْمَبْسُوطِ": رأَيت مَالِكًا يَعِيبُ عَلَى أَصحابه رَفْعَ (5) أَصواتهم فِي الْمَسْجِدِ (6).

وَعَلَّلَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مسلمة بعلَّتين:

إِحداهما: أَنه يجب أَن يُنَزَّهَ الْمَسْجِدَ عَنْ مِثْلِ هَذَا؛ لأَنه مما أُمر بِتَعْظِيمِهِ وَتَوْقِيرِهِ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنه مبنيٌّ لِلصَّلَاةِ، وقد أُمرنا أَن نأَتيها وعلينا السكينة

(1) في (ر) و (غ): "الجدل".

(2)

في (غ): "وظنه" بدل "وعده".

(3)

في (خ) و (ت): "الأصوات".

(4)

أخرج البخاري في "صحيحه"(470) عن السائب بن يزيد قال: كنت قائماً في المسجد، فحصبني رجل، فنظرت، فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما. قال: من أنتما ـ أو من أين أنتما؟ ـ قالا: من أهل الطائف. قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما! ترفعان أصواتكما فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(1/ 561): "ووردت أحاديث في النهي عن رفع الصوت لكنها ضعيفة؛ أخرج ابن ماجه بعضها".

(5)

في (ر) و (غ): "رفعهم".

(6)

ذكره محمد بن يوسف العبدري في "التاج والإكليل"(6/ 15) عن ابن القاسم. هكذا، ونقل ابن أبي زيد القيرواني في "النوادر والزيادات" (1/ 536) أن ابن القاسم قال في "المجموعة":"قال مالك: ولا ينبغي رفع الصوت في المسجد في العلم ولا في غيره، وكان الناس ينهون عن ذلك".

ص: 467

وَالْوَقَارُ، فأَن (1) يُلْزَمَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهَا المتَّخذ لَهَا أَولى (2).

وَرَوَى مَالِكٌ: أَن عُمَرَ بْنَ الخطاب رضي الله عنه بنى رَحْبَةً في نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ تسمَّى البُطَيْحاء (3)، وَقَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَن يَلْغَط، أَو يُنْشِدَ شِعْرًا، أَو يَرْفَعَ صَوْتَهُ؛ فَلْيَخْرُجْ إِلى هَذِهِ الرَّحْبَةِ (4).

فإِذا كَانَ كَذَلِكَ، فَمِنْ أَين يَدُلُّ ذَمُّ رَفْعِ (5) الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْجَدَلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؟

فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحدهما: أَن رَفْعَ (6) الصَّوْتِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَدَلِ الْمَذْمُومِ، أَعني فِي أَكثر الأَمر دُونَ الفَلتات؛ لأَن رَفْعَ الصَّوْتِ (7) وَالْخُرُوجَ عَنِ الِاعْتِدَالِ فِيهِ ناشئٌ عَنِ الْهَوَى فِي الشيءِ المتكلَّم فِيهِ، وأَقرب الْكَلَامِ الْخَاصِّ بِالْمَسْجِدِ إِلى رَفْعِ الصَّوْتِ: الْكَلَامُ فِيمَا لَمْ يُؤْذَن فِيهِ، وَهُوَ الْجِدَالُ (8) الَّذِي نبَّه عَلَيْهِ الْحَدِيثُ المتقدم.

(1) في (ر) و (غ): "فَبِأن"، وفي (م):"بأن".

(2)

في (ت): "وعلينا السكينة والوقار، فإن كان يلزم ذلك في نفسها، ففي موضعها المتخذ لها أولى"، وفي الهامش:"في غير محلها"؛ كأنه يريده بدلاً من قوله: "في نفسها".

(3)

في (ر) و (غ): "البطحاء".

(4)

أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 175)، هكذا: أنه بلغه: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بنى رحبة

إلخ. كذا جاء بلاغاً في رواية يحيى الليثي عن مالك.

وأخرجه البيهقي في "السنن"(10/ 103) من طريق يحيى بن بكير، عن مالك؛ حدثني أبو النضر، عن سالم بن عبد الله؛ أن عمر بن الخطاب

، فذكره.

وذكر ابن عبد البر في "الاستذكار"(6/ 355) أن في رواية القعنبي، ومطرِّف، وأبي مصعب عنه، عن أبي النضر، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب

، فذكره.

وهذا إسناد صحيح.

(5)

في (ر): "رفع ذم"، وكتب الناسخ عليهما علامتي التقديم والتأخير.

(6)

في (خ): "يرفع".

(7)

قوله: "الصوت" سقط من (م)، وفي موضعه علامة لحق، ولم يظهر اللحق في التصوير.

(8)

في (ر) و (غ): "الجدل".

ص: 468

وأَيضاً: لَمْ يَكْثُرِ الْكَلَامُ جِدًّا فِي نَوْعٍ مِنْ أَنواع الْعِلْمِ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ إِلا فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، وإِلى غَرَضِهِ تَصَوَّبَتْ (1) سِهَامُ النقد والذم، فهو إِذاً هو.

وَقَدْ رُوي عَنْ عَمِيرَةَ (2) بْنِ أَبي نَاجِيَةَ المصري أَنه رأَى قوماً يتمارون (3) فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ عَلَتْ أَصواتهم، فَقَالَ: هؤلاءِ قَوْمٌ قَدْ مَلّوا الْعِبَادَةَ، وأَقبلوا عَلَى الْكَلَامِ، اللَّهُمَّ! أَمِتْ عُمَيْرَةَ، فَمَاتَ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ، فرأَى رَجُلٌ (4) فِي النَّوْمِ قَائِلًا يقول له (5): مات هذه الليلة نصف الناس، فعرف (6) تلك الليلة، فجاءَ فيها (7) مَوْتُ عُمَيْرَةَ هَذَا (8).

وَالثَّانِي: أَنا لَوْ سَلَّمْنَا أَن مجرد رفع الصوت لا يَدُلُّ (9) عَلَى مَا قُلْنَا؛ لَكَانَ أَيضاً مِنَ الْبِدَعِ إِذا عُدَّ كأَنه مِنَ الْجَائِزِ فِي جَمِيعِ أَنواع الْعِلْمِ، فَصَارَ مَعْمُولًا بِهِ لَا يُتَّقَى (10)، وَلَا يُكَفّ عَنْهُ، فَجَرَى (11) مَجْرَى الْبِدَعِ الْمُحْدَثَاتِ.

وأَما تَقْدِيمُ الأَحداث عَلَى غَيْرِهِمْ: فَمِنْ (12) قَبِيلِ ما تقدم في كثرة الجهل (13)، وقلة العلم، كان ذلك التقديم في رُتَب العلم أَو غيره، لأَن

(1) في (ر) و (غ): "عربت" بدل: "تصوبت".

(2)

في (م): "غيره" بدل "عميرة".

(3)

في (خ) و (م): "يتعارون" بالعين المهملة، وفي (ت):"يتغايرون"، وصوبها في الهامش:"يتعازرون"، وذكر أن في نسخة:"ويتعارون".

(4)

في (م): "رجلاً".

(5)

قوله: "له" ليس في (خ).

(6)

في (ت) و (خ): "فعرفت".

(7)

قوله: "فيها" ليس في (خ) و (ت).

(8)

أورد هذه القصة المزي في "تهذيب الكمال"(22/ 400).

(9)

في (ت) و (م) و (خ): "رفع الأصوات يدل".

(10)

في (م): "لا نقي"، وفي (ت):"لا ينهى"، وفي (خ):"لا نفي"، أو "لا يفي"؛ لم تنقط نوناً ولا ياءً، وعلق عليها رشيد رضا بقوله: الكلمة غير منقوطة في الأصل، وتحتمل بالتصحيف والتحريف عدة احتمالات. اهـ.

(11)

قوله: "فجرى" سقط من (خ)، وعلق على موضعه رشيد رضا بقوله: كذا! ولعل أصله: فجرى مجرى البدع المحدثات. اهـ.

(12)

قوله: "فمن" لم يتضح في مصورة (خ)، وأثبته رشيد رضا:"من"، وعلق عليه بقوله: لعل الأصل: "فمن".اهـ.

(13)

في (خ) و (ت) و (م): "الجهال".

ص: 469

الحَدَثَ أَبداً أَو فِي غَالِبِ الأَمر غِرٌّ لم يَتَحنَّكْ، ولم يرتَضْ في صناعته (1) رياضةً تُبَلِّغه مبالغ الشيوخ الراسخي (2) الأَقدام فِي تِلْكَ الصِّنَاعَةِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا فِي المَثَلِ:

وابنُ اللَّبُون إِذا مَا لُزَّ فِي قَرَنٍ

لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القَناعيسِ (3)

هَذَا إِن حملنا الحَدَثَ على حداثة السن، وهو نصٌّ فِي (4) حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، فإِن حَمَلْنَاهُ (5) عَلَى حَدَثَانِ الْعَهْدِ بِالصِّنَاعَةِ، وَيَحْتَمِلُهُ قوله في الحديث (6):"وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرذلهم"(7)، وَقَوْلُهُ:"وَسَادَ الْقَبِيلَةَ فَاسِقُهُمْ"(8) وَقَوْلُهُ: "إِذا أُسند الأَمر إِلى غَيْرِ أَهله"(9)، فَالْمَعْنَى فِيهَا وَاحِدٌ، فإِن الْحَدِيثَ الْعَهْدَ بالشيءِ لَا يَبْلُغُ مَبَالِغَ الْقَدِيمِ الْعَهْدِ فِيهِ.

ولذلك يحكى عن الشيخ أَبي مَدْيَن (10) رحمه الله: أَنه سئل عن

(1) في (م): "صناعة".

(2)

في (خ): "الراسخين".

(3)

البيت لجرير بن عطية، انظر:"ديوانه" برواية محمد بن حبيب (1/ 128). و"ابن اللبون": هو ولد الناقة إذا استكمل سنتين، فأمه لبون؛ لأنها وضعت غيره، فصار لها لبن، وهو في هذه الحالة ضعيف. و"لُزَّ": شُدّ. و"القَرَن": الحبل. والبعيران إذا قُرِنا في قَرَنٍ واحدٍ فقد لُزّا. و"البُزْلُ": جمع بازِلٍ، وهو من الإبل ما كان في التاسعة؛ لأن نابه يَبْزُل؛ أي: ينْشَقّ ويطلع. و"القناعيس": جمع قِنْعاس، وهو الجمل الضخم العظيم. و"الصولة": الوثبة والسَّطوة

وهذا البيت قاله جرير بن عطيّة يعرِّض فيه بِعَدِيّ بن الرِّقاع العاملي، ويقول له: إن ابن اللبون إذا ما قُرِن ببازِلٍ؛ لم يُطِقْ ما يطيقه البازل من الصبر على السير العنيف، فكذلك الشاعر الضعيف لا يستطيع مصاولة الشاعر الفحل، ولا مجاراته؛ أراد بذلك الفخر على مَهْجُوِّه عدي بن الرقاع. انظر شرح العلاّمة محمود محمد شاكر لـ"طبقات فحول الشعراء" للجُمَحي (2/ 385).

(4)

قوله: "في" ليس في (ر) و (غ).

(5)

في (م): "عملناه".

(6)

قوله: "في الحديث" ليس في (خ) و (م) و (ت).

(7)

تقدم تخريجه (ص423).

(8)

تقدم تخريجه صفحة (424).

(9)

تقدم تخريجه صفحة (420).

(10)

هو: شعيب بن حسين الأندلسي، الزاهد، شيخ أهل المغرب، كان من أهل العمل والاجتهاد، منقطع النظير في العبادة والنسك. انظر:"السير"(21/ 219).

ص: 470

الأَحداث الذين نهى شيوخ الصوفية عن صحبتهم (1)؟ فَقَالَ: الحَدَث: الَّذِي لَمْ يَسْتَكْمِلِ الأَمر بَعْدُ، وإِن كَانَ ابنَ ثَمَانِينَ سَنَةً.

فإِذاً: تَقْدِيمُ الأَحداث عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ الْجُهَّالِ (2) عَلَى غَيْرِهِمْ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِيهِمْ:"سُفَهَاءَ الأَحلام"(3)، وقال (3): "يقرؤُون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ

"، إِلى آخِرِهِ، وَهُوَ مُنَزَّلٌ عَلَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الْخَوَارِجِ: "إِن (4) مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا (5) قَوْمًا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ

" (6)، إِلى آخِرِ الْحَدِيثِ؛ يَعْنِي: أَنهم لَمْ يَتَفَقَّهُوا (7) فِيهِ، فَهُوَ فِي أَلسنتهم لَا فِي قُلُوبِهِمْ.

وأَما لعنُ آخرِ هَذِهِ (8) الأُمّة أَوَّلَها: فظاهر مما ذكره (9) العلماءُ عَنْ بَعْضِ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ، فإِن الْكَامِلِيَّةَ (10) مَنَ الشِّيعَةِ كَفَّرَتِ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم؛ حِينَ لَمْ يَصْرِفُوا الْخِلَافَةَ إِلى عَلِيٍّ رضي الله عنه (11) بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَفَّرَتْ عَلِيًّا رضي الله عنه حين لم يأْخذ بحقه فيها.

وأَما ما دون (12) ذلك مما يوقف فيه عند السبب (13): فمنقول موجود (14) في الكتب (15)، وإِنما فعلوا ذلك لمذاهب سوء لهم رأَوها،

(1) في (ت) و (م) و (خ): "عنهم".

(2)

في (خ): "الجهل".

(3)

تقدم تخريجه صفحة (421 ـ 422).

(4)

قوله: "إن" ليس في (خ).

(5)

قوله: "هذا" سقط من (م).

(6)

تقدم تخريجه صفحة (455).

(7)

في (م): "يتفهموا" بدل "يتفقهوا".

(8)

قوله: "هذه" سقط من (ر) و (غ).

(9)

في (خ) و (ت) و (م): "ذكر".

(10)

الكاملية: أصحاب أبي كامل، الذي كفَّر جميع الصحابة بتركهم بيعة علي رضي الله عنه، وطعن في علي أيضاً بتركه طلب حقه، ولم يعذره في القعود. قال: وكان عليه أن يخرج ويظهر الحق. وكان يقول: الإمامة نور يتناسخ من شخص إلى شخص، وذلك النور في شخص يكون نبوة، وفي شخص يكون إمامة، وربما تتناسخ الإمامة فتصير نبوة، وقال بتناسخ الأرواح وقت الموت.

انظر: "الملل والنحل" للشهرستاني (1/ 174 ـ 175).

(11)

من قوله: "حين لم يصرفوا" إلى هنا سقط من (غ)، وفي (م):"إلى علي رضي الله عنهم".

(12)

في (م): "وأما دون".

(13)

في (م): "السب".

(14)

في (ت): "فموجود منقول".

(15)

في (غ): "الكتاب".

ص: 471

فبنوا عليها ما يضاهيها من السوءِ والفحشاءِ، فلذلك عُدُّوا من فرق أَهل البدع.

قَالَ مُصْعَبُ الزُّبَيْري (1) وَابْنُ نَافِعٍ: دَخَلَ هَارُونُ ـ يَعْنِي الرَّشِيدَ ـ الْمَسْجِدَ (2) فَرَكَعَ، ثُمَّ أَتى قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَتى مَجْلِسَ (3) مَالِكٍ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ ورحمة الله وبركاته، قال له مالك: وعليكَ السلام ـ يا أَمير المؤمنين ـ ورحمة الله وبركاته (4). ثم قال لمالك: هَلْ لِمَنْ سَبَّ أَصحاب رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الفَيْء حَقٌّ؟ قَالَ: لَا! وَلَا كَرَامَةَ وَلَا مَسَرَّة! قَالَ: مَنْ أَين قُلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عز وجل: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} (5)، فَمَنْ عَابَهُمْ (6) فَهُوَ كَافِرٌ، وَلَا حَقَّ لِكَافِرٍ (7) فِي الْفَيْءِ.

وَاحْتَجَّ مَرَّةً أُخرى فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} {وَأَمْوَالِهِمْ} (8)} (9)، إِلى آخر الآيات الثلاث، قال: فهم أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَهُ، وأَنصاره، {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} (10)، فَمَنْ عَدَا هؤلاءِ، فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِيهِ (11).

(1) في (ت) و (م): "الزبيدي".

(2)

في (ت): "للمسجد".

(3)

في (غ): "مسجد" بدل "مجلس".

(4)

من قوله: "قال له مالك" إلى هنا سقط من (خ) و (م) و (ت).

(5)

سورة الفتح: الآية (29).

(6)

في (ر) و (غ): "عانهم".

(7)

في (ر) و (غ): "للكافر".

(8)

زاد في (ت): "يبتغون فضلاً من الله".

سورة الحشر: الآية (8).

(9)

سورة الحشر: الآية (10).

(10)

ذكره القاضي عياض في "ترتيب المدارك"(2/ 46) كما هنا، والظاهر أن المصنف أخذه عنه.

ولم أجده مسنداً من طريق مصعب الزبيري وابن نافع، ولكن أخرجه اللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(2400)، والبيهقي في "سننه"(6/ 372)، وابن عبد البر في "الانتقاء" ص (36) ثلاثتهم من طريق إبراهيم بن المنذر، عن معن بن عيسى، عن مالك، بذكر شطره الثاني المتعلق بآيات سورة الحشر، ولم يذكر قصة هارون الرشيد.

وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(44/ 391) من طريق البيهقي.=

ص: 472

وَفِي فِعْلِ خَوَاصِّ الْفَرْقِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى كثير (1).

وأَما بعث الدجّالين (2): فقد كان من (3) ذَلِكَ جُمْلَةً، مِنْهُمْ مَنْ تَقَدَّمَ فِي زَمَانِ بَنِي الْعَبَّاسِ وَغَيْرِهِمْ.

وَمِنْهُمْ مَعَدٌّ مِنَ (4) الْعُبَيْدِيَةِ (5) الَّذِينَ مَلَكُوا إِفريقية، فَقَدَ حُكِيَ عَنْهُ أَنه جَعَلَ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ: أَشهد أَن مَعَدّاً رَسُولَ اللَّهِ، عِوَضًا مِنْ كَلِمَةِ الْحَقِّ:"أَشهد أَن محمداً رسول الله"، ففعل المؤذن (6)، فَهَمَّ المسلمون بقتله، ثم رأوا (7) رفعه (8) إِلى مَعَدٍّ لِيَرَوْا هَلْ هَذَا عَنْ أَمره؟ فَلَمَّا انْتَهَى كَلَامُهُمْ إِليه، قَالَ: ارْدُدْ عَلَيْهِمْ أَذانهم لعنهم الله.

=وأخرجه أبو نعيم في "الحلية"(6/ 327) من طريق سوار بن عبد الله العنبري، عن أبيه، عن مالك نحو سياق معن بن عيسى، ثم أخرجه من طريق أبي عروة ـ وهو رجل من ولد الزبير ـ؛ قال: كنا عند مالك، فذكروا رجلاً ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ مالك هذه الآية:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ} حتى بلغ {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} ، فقال مالك: من أصبح في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته الآية.

ومن طريق أبي نعيم أخرجهما الضياء المقدسي في "النهي عن سب الأصحاب"(32 و33).

وقال ابن العربي في "أحكام القرآن"(4/ 1778): "رواه عنه سوار بن عبد الله وأشهب وغيرهما؛ قالوا: قال مالك: من سبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حقّ له في الفيء، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} اهـ.

وذكر القرطبي في "تفسيره"(16/ 296 ـ 297) قول مالك هذا من طريق أبي عروة الزبيري السابق، وعزاه للخطيب البغدادي، ثم قال: "قلت: لقد أحسن مالك في مقالته، وأصاب في تأويله، فمن نقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته، فقد ردّ على ربّ العالمين، وأبطل شرائع المسلمين

"، ثم أخذ في ذكر بعض الأدلة من الكتاب والسنّة الدالة على فضل الصحابة رضي الله عنهم.

(1)

قوله: "كثير" سقط من (ر) و (غ).

(2)

في (م): "الداجلين".

(3)

قوله: "من" ليس في (خ) و (م) و (ت).

(4)

علق رشيد رضا هنا بقوله: هو اسم أول خلفاء العبيديين، الملقب بالمعز لدين الله. اهـ.

(5)

في (ت): "العبيديين".

(6)

قوله: "ففعل المؤذن" ليس في (خ) و (م) و (ت).

(7)

قوله: "رأوا" سقط من (م).

(8)

في (خ) و (ت): "رفعوه" بدل "رأوا رفعه".

ص: 473

ومن يدَّعي لنفسه العصمة، فهو يشبه مَنْ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ، وَمَنْ يَزْعُمُ أَنه بِهِ قَامَتِ السَّمَوَاتُ والأَرض، فَقَدْ جَاوَزَ دَعْوَى النُّبُوَّةِ، وَهُوَ الْمَغْرِبِيُّ المُتَسَمِّي بِالْمَهْدِيِّ (1).

وَقَدْ كَانَ فِي الزَّمَانِ الْقَرِيبِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْفَازَازِيَّ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَاسْتَظْهَرَ عَلَيْهَا بأُمور مُوْهِمَةٍ لِلْكَرَامَاتِ، والإِخبار بالمُغَيَّبات، وَمُخَيَّلَةٍ لِخَوَارِقِ الْعَادَاتِ، تَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ من العوام جملة، ولقد سمعت أَن (2) بَعْضَ طَلَبَةِ ذَلِكَ الْبَلَدَ الَّذِي احْتَلَّهُ (3) هَذَا البائس (4) ـ وهو (5) مالقة (6) ـ أَخذ (7) ينظر في قوله تعالى:{وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (8)، وَهَلْ (9) يُمْكِنُ تأْويله؟ وَجَعَلَ يُطَرِّقُ إِليه الِاحْتِمَالَاتِ (10)، ليُسَوِّغ إِمكانَ بعثِ نبيٍّ بَعْدَ (11) مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ مقتلُ هَذَا الْمُفْتَرِي على يَدَي (12) شيخ شيوخنا الأُستاذ (13) أَبي جعفر ابن الزبير رحمه الله (14).

(1) في (ت): "وهو المهدي المغربي". وانظر ما ذكره المصنف من أخبار هذا المتسمِّي بالمهدي (ص84 ـ 89) من هذا المجلد.

(2)

قوله: "أن" ليس في (خ) و (ت) و (م).

(3)

في (خ): "اختله" بالخاء المعجمة.

(4)

في (خ): "الباس".

(5)

في (ت): "وهي".

(6)

مالقة: مدينة بالأندلس، عامرة، من أعمال رية، سورها على شاطئ البحر بين الجزيرة الخضراء والمرية. "معجم البلدان"(5/ 43).

(7)

في (خ) و (ت): "آخذاً"، وفي (م):"آخر".

(8)

سورة الأحزاب: الآية (40).

(9)

في (ت): "وأنه هل".

(10)

في (خ): "الاحتمال"، وصححت فوقها.

(11)

قوله: "بعد" سقط من (ر) و (غ).

(12)

في (خ) و (ت): "يد".

(13)

قوله: "الأستاذ" من (ر) و (غ) فقط.

(14)

أبو جعفر ابن الزبير هذا اسمه: أحمد بن إبراهيم بن الزبير الأندلسي، ترجم له الحافظ ابن حجر في "الدرر الكامنة"(1/ 89 ـ 91 رقم 232)، وذكر قصته مع الفازازي هذا، فقال: ومن مناقبه أن الفازازي الساحر لما ادعى النبوة قام عليه أبو جعفر بمالقة، فاستظهر عليه بتقرُّبه إلى أميرها بالسحر، وأوذي أبو جعفر، فتحوّل إلى غرناطة، فاتفق قدوم الفازازي رسولاً من أمير مالقة، فاجتمع أبو جعفر بصاحب غرناطة، ووصف له حال الفازازي فأذن له إذا انصرف بجواب رسالته أن يخرج إليه ببعض أهل البلد،=

ص: 474

وَلَقَدْ حَكَى بَعْضُ مُؤَلِّفِي الْوَقْتِ؛ قَالَ: حَدَّثَنِي شيخنا أَبو الحسن بن الجياب رحمه الله (1)؛ قَالَ: لَمَّا أُمر بالتأَهُّب يَوْمَ قَتْلِهِ وَهُوَ فِي السِّجْنِ الَّذِي أُخرج مِنْهُ إِلى مَصْرَعِهِ؛ جهر بتلاوة سورة {يس *} ، فقال له أَحد الدَّعَرَةِ (2) ممن جمع السجن بينهما: واقرأ (3) قرآنك، لأَي شيءٍ تَتَطَفَّلْ (4) على قرآننا (5) اليوم (6)؟ أَو ما (7) فِي مَعْنَى هَذَا، فَتَرَكَهَا مَثَلًا بِلَوْذَعِيَّتِهِ (8).

وأَما مفارقة الجماعة: فبدعتها ظاهرة، ولذلك يُجَازَى (9) بالمِيْتَةِ الجاهلية (10)، وقد ظهر هذا (11) فِي الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ؛ كَالْعُبَيْدِيَّةِ وأَشباههم.

فهذا أَيضاً مِنْ جُمْلَةِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الأَحاديث، وباقي

=ويطالبه من باب الشرع، ففعل، فثبت عليه الحدّ، وحكم بقتله، فضُرب بالسيف، فلم يَجُلْ فيه، فقال أبو جعفر: جرِّدوه، فوجدوا جسده مكتوباً، فغسل، ثم وجد تحت لسانه حجراً لطيفاً فنزعه، فجال فيه السيف حينئذٍ. اهـ.

(1)

هو: علي بن محمد بن سليمان، أبو الحسن ابن الجياب الأنصاري، الغرناطي، من مشايخ لسان الدين ابن الخطيب صاحب كتاب "الإحاطة"، مولده عام ثلاث وسبعين وستمئة، وتوفي سنة تسع وأربعين وسبعمئة. انظر ترجمته في "الديباج المذهب"(2/ 111 رقم 20)، و"نفح الطيب"(5/ 434).

(2)

في (خ): "الذعرة"، وفي (م):"الزعرة". والمقصود: أحد الفسّاق الفجرة. انظر "لسان العرب"(4/ 286).

(3)

في (ت): "اقرأ".

(4)

في (م) و (خ): "تتفضل" بدل "تتطفل".

(5)

في (غ): "قراءتنا".

(6)

قوله: "اليوم" سقط من (ت).

(7)

قوله: "ما" ليس في (خ) و (ت).

(8)

في (ت): "فتركها امتثالاً للوذعيته"، وذكر في الهامش أن في نسخة:"فتركها مثلاً بلوذعيته".

واللَّوْذَعي: هو الظريف الحديد الفؤاد واللسان. انظر "لسان العرب"(8/ 317).

(9)

علق رشيد رضا على هذا الموضع بقوله: أي: يجازى مفارقها، ولعل الفاعل قد سقط من الأصل بسهو الناسخ. اهـ.

(10)

لما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري (7053)، ومسلم (1849)، عن ابن عباس مرفوعاً: "

فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية".

(11)

قوله: "هذا" ليس في (خ) و (م) و (ت).

ص: 475

الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ عَائِدٌ إِلى نَحْوٍ آخَرَ؛ كَكَثْرَةِ النساءِ، وقِلَّةِ الرِّجَالِ (1)، وتَطاوُلِ (2) النَّاسِ فِي الْبُنْيَانِ (3)، وتَقَارُبِ الزمان (4).

فالحاصل: أَن أَكثر هذه (5) الْحَوَادِثِ الَّتِي أَخبر بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنها تَقَعُ وَتَظْهَرُ وَتَنْتَشِرُ (6) في الأُمة (7) أُمور مُبْتَدَعَةٌ عَلَى مُضَاهَاةِ التَّشْرِيعِ، لَكِنْ مِنْ جِهَةِ التعبُّد، لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا عاديَّة، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ بِدْعَةٌ، والمعصية التي لَيْسَتْ (8) بِبِدْعَةٍ.

وإِن الْعَادِيَّاتِ مِنْ حيثُ هِيَ عَادِيَّةٌ لَا بِدْعَةَ فِيهَا، وَمِنْ حَيْثُ يُتعبَّدُ بِهَا أَو تُوضَعُ وَضْعَ التعبُّد تَدْخُلُهَا الْبِدْعَةُ، وَحَصَلَ بِذَلِكَ اتِّفَاقُ الْقَوْلَيْنِ، وَصَارَ الْمَذْهَبَانِ مَذْهَبًا واحداً، وبالله التوفيق.

(1) تقدم تخريجه صفحة (423).

(2)

في (ر) و (غ): "وتتطاول".

(3)

تقدم تخريجه صفحة (421).

(4)

تقدم تخريجه صفحة (421).

(5)

قوله: "هذه" ليس في (خ) و (م) و (ت).

(6)

في (م): "وتنشر".

(7)

قوله: "في الأمة" سقط من (خ).

(8)

في (خ): "التي هي ليست".

ص: 476