الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرف الفاء
فضيل بن عياض
-
187 للهجرة
فضيل بن عياض، أبو على، أحد الأقطاب، ولد بخراسان، بكورة أبيورد، وقدم إلى الكوفة وهو كبير، فسمع بها الحديث. ثم تعبد وانتقل إلى مكة، وجاور بها، إلى أن مات، سنة سبع وثمانين ومائة.
وأفرد ابن الجوزى ترجمته بالتأليف.
وكان شاطراً، يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس. وسبب توبته أنه كان يعشق جارية، فبينما هو ذات يوم يرتقى الجدران إليها، إذ سمع تالياً يتلو:) ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق (فقال: " بلى!. والله يارب! قد آن ". فرجع، فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها رفقة، فقال بعضهم:" نرتحل ". وقال
بعضهم: " حتى نصبح، فان فضيلا على الطريق ". فآمنهم، وبات معهم.
من كلامه: " إذا أحب الله عبداً أكثر همه - أي: بأمر أخرته - وإذا أبغض الله عبداً أوسع عليه دنياه ".
وقال: " خمس من علامات الشقاء: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلة الحياء، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل ".
وقال: " من أظهر لأخيه الود والصفا بلسانه، وأضمر العداوة والبغضاء، لعنه الله وأصمه، وأعمى بصيرة قلبه ".
وقال، في قوله تعالى:) إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين (، قال:" الذين يحافظون على الخمس ".
وقال: " ما أدرك - عندنا - من أدرك بكثرة صيام ولا صلاة، ولكن بسخاء النفس وسلامة الصدر، والنصح للأمة ".
وقال: " من عرف الناس استراح ". أي في أنهم لا يضرون ولا ينفعون.
وقال لرجل: " لأعلمنك كلمة خير من الدنيا وما فيها: والله!، إن علة الله منك إخراج الأدميين من قلبك، حتى لا يكون في قلبك مكان لغيره. لم تسأله شيئاً إلا أعطاك! ".
وقال: " إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار، فأعلم أنك محروم بذنوبك ".
وقال: " اصلح ما أكون أفقر ما أكون. وإني لأعصى الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي ".
وقال: " يأتي على الناس زمان إن تركتهم لم يتركوك، وهو زمان لك يبق فيه أحد يستراح إلا القليل ".
وروى أن الرشيد قال له يوماً: " ما أزهدك! ". فقال: " أنت أزهد منى! ". قال: " وكيف ذاك؟! ". قال: " لأني أزهد في الدنيا، وأنت تزهد في الآخرة؛ والدنيا فانية، والآخرة باقية ".
ومن إنشاداته:
أنا لنفرح بالأيام ننفقها
…
وكل يوم مضى نقص من الأجل
فأعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً
…
فإنما الربح والخسران في العمل
وقال: " أنا - منذ عشرين سنة - أطلب رفيقاً وإذا غضب لم يكذب على ".
وقال: " إن فيكم خصلتين هما من الجهل: الضحك بغير عجب. والتصبح من غير سهر ". أي النوم أول النهار، لأنه وقت ذكر، ثم وقت طلب للكسب.
وقال: " أتى على وقت، لم أطعم فيه ثلاثة أيام، وإذا مجنون أقبل، وهو ينظر إلى ويقول:
محل بيان الصبر منك عزيز
…
فيا ليت شعري!. هل لصبرك من أجر
فقلت: " لولا الرجاء لم أصبر ". فقال لى: " وأين مسكن الرجاء منك؟ ". فقلت: " موضع مستقر هموم العارفين ". فقال: " والله أحسنت!. إنما هو قلب الهموم عمرانه، والأحزان أوطانه؛ عرفته فاستأنست به، وأحببته فارتحلت إليه ". فسمعت من كلامه، ما قطعني عن جوابه. ثم وعظني وولى، وهو يقول:
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت
…
ولك تخف سوء ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي، فاغتررت بها
…
وعند صفو الليالي يحدث الكدر
وكانت قراءة الفضيل حزينة، شهيرة به، مترسلة، كأنه
يخاطب أنسانا. وكان إذا مر بآية فيها ذكر الجنة والنار تردد فيها وسأل.
وكان يلقى له حصير بالليل في مسجده، فيصلى من أول الليل حتى تغلبه عيناه، فيلقى نفسه على الحصير، فينام قليلا ثم يقوم، فإذا غلبه النوم نام ثم يقوم، وكذلك حتى يصبح.
وقال أبو على الرازي: " صحبت الفضيل ثلاثين سنة، ما رأيته ضاحكاً ولا مبتسماً، إلا يوم مات ابنه على؛ فقلت له في ذلك، فقال: " إن الله أحب أمراً فأحببت ذلك الأمر ".
وكان ولده على شابا من كبار الصلحاء، وهو من جملة من قتلته النخبة. وهم جماعة أفردهم الثعلبي في جزء.
قال ابن عيينة: " ما رأيت أحداً أخوف من الفضيل وابنه ".
قال الفضيل: " بكى أبني على، فقلت: " ما يبكيك؟! ". فقال: " يا أبت!. أخاف إلا تجمعنا القيامة ".
وكان يصلى حتى يزحف إلى فراشه، ويقول:" يا أبت! سبقني العابدون ".
وكان مرض مرضه فنقه منها؛ وقدم رجل من أهل البصرة حسن القراءة، فأتى إليه قبل أن يأتي إلى أبيه. فبلغ والده أنه قدم، وأنه ذهب إلى ابنه، فأرسل إليه: إلا تقرأ عليه؛ فقرأ عليه قبل أن يجئ الرسول:) ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا (. فخر على، وشهق شهقة خرجت روحه معها.
ومن أصحاب الفضيل صالح، سلف في حرف الصاد.