الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو تراب النخشبي
-
245 للهجرة
أبو تراب عسكر بن حصين النخشبى، نسبة إلى نخشب، بلدة بما وراء النهر.
من جلة مشايخ خراسان وأكابرهم. وصحب الأصم وغيره.
وأستاذه على الرازي المذبوح، من قدماء المشايخ. سمى المذبوح لأنه غزا في البحر، فأخذه العدو، فأرادوا ذبحه، فدعا بدعاء، ثم رمى نفسه في البحر، فجعل يمشى على الماء حتى خرج.
وقيل: ارادوا ذبحه، فكانوا كلما وضعوا الشفرة على حلقه انقلبت، فضجروا وتركوه.
وسئل عن التوكل فقال:) الله الذى خلقكم ثم رزقكم ثم يحييكم ثم يميتكم (.
ومن كلامه أبى تراب: " الفقير قوته ما وجد، ولباسه ما ستر، ومسكنه حيث نزل ".
وقال: " الصوفي لا يكدره شئ، ويصفو به كل شئ ".
وقال: " إذا صدق العبد في العمل وجد حلاوته قبل أن يعمله، فإذا أخلص فيه وجد حلاوته وقت مباشرته ".
وقال: " إذا تواترت على أحدكم النعم فليبك على نفسه، فقد سلك به غير طريق الصالحين ".
وقال: " إذا ألف القلب الأعراض عن الله صحبته الوقيعة في أعراض أولياء الله ".
وقال لأصحابه: " من لبس منكم مرقعة فقد سأل، ومن قعد في خانقاه أو مسجد فقد سأل، ومن قرأ القرآن من مصحف كيما يسمع الناس فقد سأل ".
ونظر يوماً إلى صوفي من تلامذته، مد يده إلى قشر بطيخ، وكان قد طوى ثلاثة أيام، فقال:" تفعل ذلك؟!. أنت لا يصلح لك التصوف، فالزم السوق! ".
قال يوسف بن الحسين: " صحبت أبا تراب خمس سنين، وحججت معه على غير طريق الجادة. ورأيت منه في السفر عجائب، يقصر لساني عن وصف جميع ما شاهدته، غير أننا كنا مارين، فنظر إلى يوماً وانا جائع، وقد تورمت قدماى؛ وأنا امشى بجهد، فقال لى: " كالك؟ لعلك جعت؟ " قلت: " نعم " قال: " ولعلك أسأت الظن؟ " قلت: " بلى! " قال: " ارجع أليه! " قلت: " وأين هو؟ " قال: " حيث خلفته! " قلت: " هو معي! " قال: " فان كنت صادقاً فما هذا الهم الذي أراه عليك؟! " قال: فرأيت الورم قد سكن، والجوع قد ذهب، ونشطت حتى كدت أتقدمه. فقال أبو تراب: " اللهم إن عبدك قد اقر لك، فأطعمه! " ونحن بين جبال ليس فيها مخلوق، ثم انتهينا إلى رابية، وإذا كوز ورغيف موضوع، فقال لى
أبو تراب: " دونك! دونك! " فجلست فأكلت، وقلت:" أليس تأكل منه، أنت؟ " فقال: " لا! بل من اشتهاه! ".
وروى أنه قال: " وقفت بعرفات خمساً وعشرين وقفة. فلما كان من قابل رأيت الناس بعرفات، ما رأيت أكثر منهم عدداً، ولا أكثر خشوعاً وتضرعاً ودعاء، فاعجبنى ذلك، فقلت: " اللهم، من لم تقبل حجته من هذا الخلق فأجعل ثواب حجتي له! ". وأفضنا من عرفات وبتنا بجمع، فرأيت في المنام هاتفاً يهتف بى: " تتسخى على، وأنا أسخى الأسخياء؟!. وعزتي وجلالي! ما وقف أحد هذا الموقف إلا غفرت له " فانتبهت فرحاً بهبة الرؤيا، فرأيت يحيى بن معاذ الرازى، فقصصت عليه الرؤيا، فقال: " إن صدقت رؤياك فإنك تعيش أربعين يوماً. فلما كان يوم إحدى وأربعين جاءوا إلى يحيى وقالوا: إن أبا تراب مات، فغسله ودفنه.
وقيل: مات بالبادية. نهشته السباع، في سنة خمس وأربعين ومائتين.
ومن أصحابه حمدون بن أحمد القصار، أبو صالح النيسابورى. ملت سنة إحدى وسبعين ومائتين.
ومن كلامه: " من رأيت فيه خصلة من الخير فلا تفارقه فانه يصيبك من بركاته ".
وقال: " إذا رأيت سكران يتمايل فلا تنع عليه، فتبتلى بمثل ذلك ".
وسئل: " متى يجوز للرجل أن يتكلم؟ " فقال: " إذا تعين عليه أداء فرض من فرائض الله في علمه، أو خاف هلاك إنسان في بدعة يرجو أن ينجيه الله منها ".
وقال عبد الله بن منازل، قلت لأبى صالح:" أوصني! " فقال: " أن استطعت إلا تغضب لشيء من الدنيا فافعل ".
ومات صديق له وهو عند رأسه، فلما مات أطفأ حمدون السراج فقيل:" في مثل هذا الوقت يزاد في السراج! " فقال: إلى هذا الوقت كان الدهن له، فصار لورثته ".
ومن أصحابه أيضاً شاه بن شجاع الكرماني أبو الفوارس. من أولاد الملوك، وكان كبير الشأن، حاد الفراسة، قل أن يخطئ. مات قبل الثلثمائة. وكرمان عدة بلاد. ومن كلامه:" علامة التقوى الورع، وعلامة الورع الوقوف عند الشبهات ".
وكان يقول لأصحابه: " اجتنبوا الكذب والخيانة والغيبة، ثم افعلوا ما بدا لكم ".
وقال: " من غض بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشهوات؛ وعمر باطنه بدوام المراقبة، وظاهرة باتباع السنة، وعود نفسه أكل الحلال، لم تخطئ له فراسة ".
وروى أنه كان بينه وبين يحيى بن معاذ صداقة. فجمعهما بلد واحد، فكان شاه لا يحضر مجلسه، فقيل له في ذلك، فقال:" الصواب هذا! " فما زالوا به حتى حضر مجلسه، وقعد ناحية وهم لا يشعرون. فلما أخذ يحيى بالكلام ارتج عليه وسكت، ثم قال:" هنا من هو أحق بالكلام منى! "، فقال لهم شاه:" قلت لكم: الصواب ألا أحضر مجلسه! ".
وروى انه كان قد تعود السهر، فغلبه النوم مرة واحدة، فرأى الحق تعالى في المنام، فكان يتكلف النوم بعد ذلك، فقيل له في ذلك، فأنشد:
رأيت سرور قلبي في منامي
…
فأحببت التنعس والمناما
ومن أصحابه أيضاً محمد بن على الترمذي أبو عبد الله، من كبار الشيوخ. وله تصانيف في علوم القوم. وصحب أيضاً ابن الجلاء وغيره.
سئل عن صفة الخلق، فقال:" ضعف ظاهر ودعوى عريضة ".
وقال: " ما صنعت حرفاً عن تدبير، ولا لينسب إلى شئ منه ولكن إذا اشتد على وقتي أنسلي به ".
ومن أصحابه أيضاً محمد بن حسان البسرى أبو عبيد. من قدماء المشايخ، صاحب كرامات.
قال ابن الجلاء: " لقيت ستمائة شيخ، ما رأيت مثل أربعة: ذي النون، وأبى تراب، وأبى عبيد البسرى، وأبى ".
مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين.
ومن كلامه: " النعم طرد، فمن أحب النعم فقد رضى بالطرد والبلاء قربة، فمن ساءه البلاء فقد أحب ترك القربة "؛ أي التقرب إلى الله تعالى.
ويروى عنه أنه قال: " سألت الله عز وجل ثلاث حوائج، فقضى لي اثنتين، ومنعني الثالثة: سألته أن يذهب عنى شهوة الطعام، فما ابالي أكلت أم لا. وسألته أن يذهب عنى شهوة النوم، فما أبالي نمت أم لا. وسألته أن يذهب عنى شهوة النساء فما قبل ".
قيل: فما معنى ذلك؟. قال: " أن الله تعالى قد قضى في مبدأ خلقه أن يكون شئ قدره وقضاه، فلا راد لقضائه ".
وروى أنه كان في أول ليلة من رمضان يدخل بيتاً، ويقول
لامرأته: " طيني الباب، وألق إلى من الكوة رغيفاً " فإذا كان يوم العيد فتحته، ودخلت امرأته البيت، فإذا فيه ثلاثين رغيفاً في زاوية البيت، فلا أكل ولا شرب ولا نام، ولا فاتته ركعة من الصلاة.
وجاء ولده أليه فقال: " إني أخرجت جرة فيها سمن، فوقعت فانكسرت، فذهب رأس مالي! "، فقال:" يا بنى! اجعل رأس مالك رأس مال أبيك، فوالله ما لأبيك رأس مال في الدنيا والآخرة إلا الله تعالى! ".
وقال أبو عبيد البسرى، قال لي الخضر:" يا أبا عبيد!، أنا أجئ إلى العارفين في اليقظة، وأجئ إلى المريدين في المنام أودهم ". فرأيت مناماً، وكان فيما بيني وبينه يحضر، وكان قبل ذلك يجيئني في اليقظة، فقلت له:" اعبر لي " فقال: " أنا أزور من يدخر شيئاً لغد مناماً " فلما استيقظت جعلت أنظر وأفكر، فلم أر شيئاً أعرفه، فجاءت المرأة، فرأت على اثر الندم، فأخبرتها، فقالت: نعم! قد كان جاءنا أمس نصف درهم فرفعته، وقلت:" يكون لنا غداً ".
ويروى عن نجيب بن أبى عبيد البسرى قال: " كان والدي
في المحرس الغربي بعكا، في ليلة النصف من شعبان، وأنا في الرواق السادس، انظر إلى البحر؛ فبينا أنا أنظر إذا شخص يمشى على الماء، ثم بعد الماء مشى على الهواء، وجاء إلى والدى، فدخل من طاقته التي هو فيها ينظر إلى البحر، فجلس معه ملياً يتحادثان، ثم قام والدى فودعه، ورجع الرجل من حيث جاء. يمشى في الهواء، فقمت إلى والدي، قلت له:" يا أبت!، من هذا الذي كان عندك، يمشى على الماء، ثم الهواء؟ "، فقال:" يا بنى! رأيته؟ "، قلت:" نعم "، قال:" الحمد لله رب العالمين، الذى سوى بك وبنظرك له، يا بنى!، هذا الخضر. نحن اليوم في الدنيا سبعة، ستة يجيئون إلى أبيك، وأبوك لا يروح إلى واحد منهم ".