الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو عبد الله بن الجلاء
-
306 للهجرة
أحمد بن يحيى الجلاء، أبو عبد الله البغدادي، ثم الشافعي. أقام بالرملة، ومات بدمشق سنة ست وثلثمائة.
وكان عالماً ورعاً. صحب أباه وأبا تراب وذا النون وغيرهم، وهو أستاذ محمد بن داود الدقي. وكان مذهبه في سفره التوكل والتجريد.
ومن كلامه: " من استوى عنده المدح والذم فهو زاهد، ومن حافظ على الفرائض
في أول مواقيتها فهو عابد، ومن رأى الأفعال كلها من الله فهو موحد ".
قال لأبيه وأمه: " أحب أن تهباني لله! " ففعلا.) قال (: " فغبت عنهما مدة، ثم رجعت في ليلة ممطرة، فدققت الباب، فقالا: " من؟ " قلت: " ولدكما! " قالا: " كان لنا ولد، فوهبناه لله، ونحن من العرب، لا نرجع فيما وهبنا ". وما فتحا له.
وكان إذا سئل عن المحبة قال: " مالي ولها!، أنا أريد أن أتعلمها ".
وسئل عن الفقر، فسكت، ثم ذهب ورجع عن قرب، ثم قال:" كان عندي أربعة دوانق، فاستحييت من الله أن أتكلم في الفقر) وهى عندي (فذهبت فأخرجتها ". ثم قعد وتكلم فيه.
وقال: " لولا شرف التواضع كان حكم الفقير إذا مشى يتبختر ".
وقال حمدان بن بكر: " لقيت أبا عبد الله بن الجلاء في الطواف. فقال لى: " من أين أحرمت؟ " قلت: " على طريق تبوك "، قال: " على
التوكل؟ " قلت: " نعم! "، قال: " أنا أعرف من حج اثنتين وخمسين حجة على التوكل، وهو يستغفر الله منها! ". قلت:" يا عم! بحق هذه البنية، يعنى الكعبة، من هو؟ " قال: " أنا، وأستغفر الله من ذلك! " وبكى.
وقال: " الدنيا أوسع رقعة، وأكبر زحمة من أن يجفوك واحد فلا يرغب فيك آخر ". وأنشد:
تلقى بكل بلاد، إن حللت بها
…
أهلا بأهل وجيراناً بجيران
ومن أصحابه أبو عمرو الدمشقي، أحد مشايخ الشام، بل أوحدها علماً بعلوم الحقائق. مات سنة عشرين وثلثمائة.
ومن كلامه: التصوف رؤية الكون بعين النقص، بل غض الطرف عن كل ناقص بمشاهدة من تنزه عن كل نقص ".
ومن أصحابه أيضاً أبو إسحاق ابرهيم بن أحمد بن
المولد. من كبار مشايخ الرقة، وأحسنهم سيرة.
وله شعر:
لولا مدامع عشاق ولوعتهم
…
لبان في الناس عز الماء والنار
فكل نار فمن أنفاسهم قدحت
…
وكل ماء فمن عين لهم جارى
وأنشد للعباس بن الأحنف:
خيالك
…
حين أرقد نصب عيني إلى وقت انتباهي، لا يزول
وليس يزورني صلة، ولكن
…
حديث النفس عنه هو الوصول
ووالده يحيى كان خادم بشر الحافي، ومن خيار عباد الله الصالحين، ولقى معروفاً الكرخى.
مات سنة ثمان وخمسين ومائتين.
قال: " كنت يوماً جالساً عند معروف، فجاء رجل، فقال له: " رأيت أمس عجباً!. اشتهى أهلي سمكة فاشتريتها؛ فبينا أنا أطلب من يحملها إذا بصبي ملتف بعباءة، معه طبق، فقال:" عم! تحمل عليه؟ " قلت: " نعم! ". فحملها، فمررنا بمسجد يؤذن فيه الظهر، فقال:" يا عم! هل لك في الصلاة؟ ". قلت: " نعم! " فطرحها ودخل المسجد وصلى، فلما أقيمت الصلاة قلت:" صبى توكل على الله في طبقه، ألا أتوكل على الله في سمكة؟! " فتركتها وصليت، وخرجت فإذا هى بحالها؛ فحملها، ثم عاد إلى ما كان عليه من الذكر إلى أن وصل إلى منزلى، فأخبرت أهلي خبره، فقالوا له:" كل معنا! " فقال: " انى صائم " فقلت: " تفطر عندنا؟ " قال: " نعم، فأين طريق المسجد؟ " فدللته عليه، فلم يزل راكعاً ساجداً إلى العصر. فلما صلى العصر جعل رأسه بين ركبتيه إلى الغروب، فصلى. فقلت له: 00 هل لك في الفطور؟ " قال: " على العادة ". قلت: " وما هي؟ " قال: " بعد العشاء ". فلما كان بعدها أخذته إلى البيت، وغلقت الباب؛ وكانت لى ابنة مقعدة في بيت الدار منذ زمان، فبينا نحن في جوف الليل، وإذا بداق يدق باب البيت، فقلت: " من هذا؟ " قلت:
" فلانة ". فبادرناها، فاذا هى تمشى، فقلنا:" ما شأنك؟! " قالت: " لا أدرى! إنى سهرت الليلة، فألقى في نفسي أن أسأل الله بحق ضيفكم، فقلت: " ألهى! بحق ضيفنا إلا أطلقتني! "؟. فكان ما ترون! ". قال: فبادرت البيت أطلب الصبي، وإذا الباب مغلق، وهو قد ذهب.
قال: فبكى معروف، وقال:" نعم! منهم كبار وصغار ".
وقال ولده أحمد: " مات أبى، فلما وضع على المغتسل وجدناه يضحك، فلتبس على الناس أمره، فجاءوا بطبيب، وغطوا وجهه، فأخذ مجسه فقال: " هذا ميت! " فكشف عن وجهه الثوب، فرآه يضحك، فقال الطبيب: " ما أدرى أحي هو أم ميت! ". فكان كلما جاء إنسان يغسله لبسته منه هيبة، فلا يقدر على غسله. حتى جاء رجل من إخوانه فجهزه، وصلى عليه ودفن ".
وهذا المعنى ذكره القشيري في ولده أحمد. وأما ابن الجوزي فذكره في حق والده.
ومن أصحاب أبى عبد الله حماد الأقطع.
ومن أصحاب والده طاهر المقدسي. من جلة مشايخ الشام وقدمائهم، ورأى ذا النون أيضاً. وكان عالماً، سماه السبلي:" حبر أهل الشام ".
من كلامه: " لا يطيب العيش إلا لمن وطئ بساط الأنس، وعلاه على سرير القدس، وغيبه الأنس بالقدس، والقدس بالأنس، ثم غاب عن مشاهدتهما بمطالعة القدوس ".
وأنشد:
أراعى النجوم، ولا علم لي
…
بعد النجوم بجنب الظلام
وكيف ينام فتى لا ينام
…
إذا نام عنه عيون الحمام؟
أسير يسير إليه هواه
…
فيضحي الأسير قتيل الغرام
فلم يبق منه سوى أنه
…
يقال له: عاشق، والسلام
لفرط النحول، وحر الغليل
…
وحزن مذيب لطول السقام