الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو علي الرذباري
-
322 للهجرة
أبو على أحمد بن محمد الروذبارى البغدادي ثم المصري. مات سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة، وقال السمعاني: سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة.
وروذبار يقال لمواضع عند الأنهار الكبار؛ وهذا الموضع عند طوس كما قال السمعاني؛ وقال الطلحي: " قرية من بغداد ".
صحب الجنيد والنوري وابن الجلاء وغيرهم. كان أظرف المشايخ وأعلمهم بالطريقة، كبير الشأن.
من كلامه: " من الاغترار أن تسيء فيحسن اليك، فتترك الإنابة والتوبة توهماً انك تسامح فى الهفوات، وترى أن ذلك من بسط الحق عليك ".
وقال: " لو تكلم أهل التوحيد بلسان التجريد ما بقى محب إلا مات ".
وأنشد:
نعمى تسر إذا رأتك، وأختها
…
تبكى بطول تباعد وفراق
فاحفظ لواحدة أوان سرورها
…
وعد التي أبكيتها بتلاقي
وقال: " قدم علينا فقير في يوم عيد، في هيئة رثة، فقال: " هل عندك مكان نظيف، يموت فيه فقير غريب؟ ". فقلت كالمتهاون به:" ادخل ومت حيث شئت؟ ". فدخل فتوضأ وصلى ركعتين، ثم اضطجع
ومات. فجهزته، فلما دفنته وكشفت عن وجهه لأضعه في التراب، ليرحم الله غربته، فتح عينيه وقال:" يا أبا على!. أتدللني بين يدي من يدللنى؟! ". فقلت: " يا سيدى! أحياة بعد الموت؟! ". قال: " نعم! أنا حي، وكل محب لله حي، لأنصرنك غداً بجاهي يا روذبارى ".
قالت فاطمة أخته: " لما قربت وفاة أخي كانت رأسه في حجري، ففتح عينيه وقال: هذه أبواب السماء قد فتحت، وهذه الجنان قد زينت، وهذا قائل يقول: يا أبا على! قد بلغناك الرتبة القصوى، وان لم تسالها، وأعطيناك درجة الأكابر وان لم تردها ". وأنشأ يقول:
وحقك لا نظرت إلى سواكا
…
بعين مودة حتى أراكا
أراك معذبي بفتور لحظ
…
وبالخد المورد من جناكا
ثم قال: " يا فاطمة! الأول ظاهر، والثاني أشكال ".
وقال: " رأيت بالبادية حدثاً، فلما رآني قال: " ما يكفيه أن شغفني بحبه حتى أعلني! ". ثم رأيته يجود بروحه، فقلت له: " قل: لا اله إلا الله! ". فأنشأ يقول:
أيا من ليس لي منه
…
وان عذبني بد
ويا من نال من قلبي
…
منالاً ما له حد
وقال: " دخلت مصر، فرأيت الناس مجتمعين، فقالوا: كنا في جنازة فتى سمع قائلا يقول:
كبرت همة عين
…
طمعت في أن تراكا
أو ما حسب عين
…
ان ترى من قد رآكا
قال: فشهق شهقة ومات ".
ومن شعره:
تشاغلتم عنى فكلى أفكر
…
لأنكم منى بما بي أخبر
فان شئتم وصلى فذاك أريده
…
وان شئتم هجري فذلك أوثر
فلست أرى إلا بحال يسركم
…
بذلك أزهو ما حييت وأفخر
ولني على أخت زاهدة مشهورة، وهى والدة أحمد بن عطاء الروذبارى، الآتي ذكره. لها كلام حسن.
حكى عنها أخوها فقال:
" تكلمت يوماً في المروة، فرجعت إلى أختي، فأخبرتني بذلك، وقالت: وقع في نفسي أنها - مع الله - حفظ أسراره، والقيام بما يوصلك أليه. والمروءة مع الخلق الشفقة عليهم، والاحتمال عنهم، ورؤية فضلهم عليك، بمشاهدة نقصانك ". فاستحسنت ذلك منها ".
قلت: واحمد هذا هو أبو عبد الله، شيخ الشام في وقته مات بصور، سنة تسع وستين وثلثمائة.
ومن كلامه: التصوف ينفى عن صاحبه البخل، وكتب الحديث ينفى عن صاحبه الجهل؛ فإذا اجتمعا في شخص فناهيك به نبلاً ".
وأنشد لنفسه:
فما مل ساقيها وما مل شارب
…
عقار لحاظ كأسه يذهب اللبا
يدور بها طرف من السحر فاتر
…
على جسم نور ضوؤه يخطف القلبا
يقول بلفظ يخجل الصب حسنه:
…
تجاوزت يا مشغوف في حالك الحبا
فسكرك من لحظي هو الوجد كله
…
وصحوك من لفظي يبيح لك الشربا
وقال: " أقبح من كل قبيح صوفي شحيح ".
وأنشد:
أشرت إلى الحبيب بلحظ طرفي
…
فاعرض عن إجاباتي المليح
فقلت: أضاع مذهبه المرجى
…
ومزق ذلك العهد الصحيح!
ألم تسمع بألا قبح إلا
…
وأقبح منه صوفي شحيح!
وقال: " من خدم الملوك بلا عقل أسلمه الجهل إلى القتل ".
وقال: " أن الخشوع في الصلاة) علامة (فلاح المصلى، قال تعالى:) قد أفلح المؤمنون. الذين هم فى صلاتهم خاشعون (.
وقال، في قوله تعالى:) أن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا (: " استقاموا بالرضاء، على مر القضاء، والصبر على البلاء، والشكر في النعماء ".
روى أنه دخل يوماً دار بعض أصحابه، فوجده غائباً، ورأى فيه باب بيت مقفل، فقال الأستاذ:" اكسروا القفل " فكسروه؛ وأمر بجميع ما في البيت فباعوه، وأصلحوا بثمنه وقتاً ن وجاسوا في الدار. فدخل صاحب الدار ولم يقل شيئاً، ودخلت زوجته بعده إلى الدار، وعليها كساء، فدخلت بيتاً ورمت بالكساء، وقالت:" يا اصحابنا، هذا من جملة المتاع، فبيعوه! "، فقال لها الزوج:" ما حملك على هذا؟! ". قالت له: " مثل الشيخ يباسطنا، ويحكم علينا، ويبقى بنا شيء ندخره عنه؟! ".
وقال أبو طاهر الرقى: " سمعت أحمد بن عطاء يقول: " كلمني جمل في طريق مكة. رأيت الجمال والمحامل عليها، وقد مدت أعناقها ليلا، فقلت:" سبحان من يحمل عنها ما هي فيه! ". فالتفت جمل وقال: " قل: جل الله ".
وأنشد أحمد هذا:
إذا أنت صاحبت الرجال فكن فتى
…
كأنك مملوك لكل رفيق
وكن مثل طعم الماء عذباً وبارداً
…
على الكبد الحرى لكل صديق
ومن أصحابه أبو على الحسن بن أحمد الكاتب، أحد مشايخ وقته، من كبار اهل مصر. مات سنة نيف وأربعين وثلثمائة.
من كلامه: " إذا انقطع العبد إلى الله تعالى بكليته، فأول ما يفيد الاستغناء به عن الناس ".
وقال: " صحبة الفساق داء، والدواء مفارقتهم ".
وقال: " إذا سكن الخوف في القلب لم ينطق اللسان إلا بما يعنيه ".
وانشد:
إذا ما أسرت انفس الناس ذكره
…
تبينته فيهم ولم يتكلموا
تطيب به أنفاسهم فتذيعه
…
وهل سر مسك أودع الريح مكتم؟
وأنشد متمثلا:
ولست بنظار إلى جانب الغنى
…
إذا كانت العلياء في جانب الفقر
وانى لصبار على ما ينوبني
…
وحسبك أن الله أثنى على الصبر
وقال: " روائح نسيم المحبة تفوح من المحبين وان كتموها، وتغلب عليهم دلائلها وان أخفوها، وتدل عليهم وان ستروها ".