الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد بن خفيف الشيرازي
267 - 371 للهجرة
محمد بن خفيف الشيرازي أبو عبد الله، أحد الأوتاد. صحب رُوَيما والجريري وابن عطاء وغيرهم. وهو أعلمهم بالظاهر، شافعي المذهب.
مات في رمضان سنة إحدى وسبعين وثلثمائة بشيراز، عن مائة وأربع سنين.
ومن كلامه: " ليس شيء أضر بالمريد من مسامحة النفس في ركوب الرُّخص، وقبول التأويلات ".
وقال: " الأكل مع الفقراء قُرْبة إلى الله ".
وسئل عن إقبال الحق على العبد، فقال:" علامته أدبار الدنيا عن العبد ".
وقال: " أول من لقيت من المشايخ أبو العباس أحمد بن يحيى، وعلى يده تبت. وأول ما أمرني به كَتَبةُ الحديث، ثم أخذ بعد ذلك في رياضتي.
فأولها أنه حملني إلى السوق، وجلس على باب مسجد، حتى عبر قصاب، فاشترى قطعة لحم، وقال:" احملها بيدك إلى المنزل وارجع "، فأخذتها واستحيت من الناس، فدخلت مسجداً، وتركتها بين يدي، أفكر بين حملها، وأن أعطيها إلى الحمال، فاستخرت الله، وقلت:" لا أخالف الشيخ ". فحملتها، والناس يقولون:" أيشُ هذا؟! "، وأنا أخجل وأسكت، حتى صرت بها إلى منزله. ورجعت أليه، وأنا عرق مستحٍ، فقال:" يا بني، كيف كانت نفسك في حمل هذا اللحم، بعد أن كان الناس ينظرون إليك بعين التعظيم، وأنك من أولاد الملوك؟ ". فحدثته فتبسم وقال: " يا بني قد حمدتُ فعلك، وسترى! ".
وروى عنه أنه قال: " قدم علينا بعض أصحابنا، فاعتل - وكان به علة البطن - فكنت أخدمه، وآخذ منه الطست طول الليل. فغفوت مرة، فقال لي: " نمت؟. لعنك الله! "، فقيل: " كيف وجدت نفسك عند قوله: " لعنك الله؟! "، فقال: كقوله: " رحمك الله ".
وقال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المنام، وهو يقول: من عرف طريقاً إلى الله، فسلكه، ثم رجع عنه، عذبه الله بعذاب لم يعذب به أحداً من العالمين ".
وقال: " دخل - يوماً من الأيام - عليّ فقير، فقال: بي وسوسة!، فقلت: عهدي بالصوفية يسخرون بالشيطان، فالآن الشيطان يسخر بهم ".
وقال أبو أحمد الصغير: " سألته يوماً، فقلت: " فقير يجوع ثلاثة أيام، وبعدها يخرج ويسأل مقدار كفايته، أيشُ يقال فيه؟ "، فقال: " مُكْدٍ! ". ثم قال: " كلوا واسكتوا، فلو دخل فقير من هذا الباب لفضحكم كلكم! ".
وقال أيضاً: " كنت أخدم الشيخ، وليس معي في داري أحد، ولا يتقدم أليه أحد غيري، أو من أقدمه، فأصبحت يوماً، وصليت الصبح في الغلس، وجلست على الباب أقرأ في المصحف وقد أخرجت رأسي من الباب، أستضيء من الغلس. قال: فجاء أبو أحمد الكاغدي البيضاوي، وقال: " أيها الشيخ! أريد الخروج، فادع لي! فدعا له. ومضى خطوات، فدعاه الشيخ، فرجع أليه، فناوله أرغفة حارة، وقال: كلْ هذا في
الطريق. قال أبو أحمد: فتحيرت، وعلمت أنه لا يدخل عليه إلا من أدخلته؛ فعدوت وراء الكاغدي، فقلت: أرني الخبز! فأراني، فإذا هو رقاق حار؛ فما أدركني من الوسواس لم أصبر. فلما كان العصر، قلت: أيها الشيخ! ذلك الخبز، من أين؟ قال: لا تكن صبياً أحمق! ذاك جاء به إنسان! فهممت أن أستزيده فسكت "
وقال أحمد بن محمد: " كان بي وجع القولنج، وأعياني علاجه، وإعياء الأطباء معالجته، فما رأيت فيه برءاً، فرأيت الشيخ - يعني ابن خفيف - في المنام بعد موته، فقال لي: مالك؟!. فقلت: هذه العلة!، وقد أعيتني - والأطباء - معالجتها، فقال لي: لا عليك! فإنك غداً تبرأ، ولا يوجعك بعد. قال: فلما أصبحت انحلت طبيعتي من غير دواء، وأقامنيمجالس، وسكن الوجع ".
وقيل: كان به قديماً وجع الخاصرة، فكان إذا أخذه أقعده عن الحركة. فكان إذا أقيمت الصلاة يحمَل على الظهر إلى المسجد ليصلي، فقيل له:" لو خففت على نفسك كان لك سعة في العلم! " فقال: " إذا سمعتم: " حيّ على الصلاة! " ولم تروني في الصف، فاطلبوني في المقابر ".
ومات وله سبعة عشر يوماً لم يأكل شيئاً. وكنا نشم من فمه رائحة المسك وروائح الطيب، شيئاً ما شممت مثله قط، ولا بخور هناك.
ولما قرب خروج روحه، كان له سنة وأربعة أشهر لم يتحرك. فمد رجله، وتمدد هو من تلقاء نفسه، وبعد ساعات مات، فحمل على المغْتَسَل وغسّله الأولياء، وحمل إلى الصلاة، وصُلِّي عليه نحوٌ من مائة مرة. واجتمع في جنازته اليهود والنصارى والمجوس، ودفن.
وقيل له عند وفاته: " كيف تجد العلة؟ "، فقال:" سلوا العلة عني! ". فقيل له:، قل:" لا إله إلا الله "، فحول وجهه إلى الجدار، وأنشد:
أفنيتَ كُلِّي بكُلِّك
…
هذا جزا من يُحبكْ!