الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحتمل أن يكون الحديث: ما وادعوكم، أي: سالموكم، فسقطت الألف من قلم بعض الرواة.
قال الطيبي: ولا افتقار إلى هذا مع وروده في التنزيل نحو: (ما ودعك ربك وما قلى)[الضحى:3]، وقرئ بالتخفيف،
ولأن لفظ الازدواج ورد العجز على الصدر، فجوز لذلك. جاء في كلامهم: إني لآتيه بالغدايا والعشايا. وقوله: (ارجعن مأزورات غير مأجورات).
قال المظهري: كلام النبي صلى الله عليه وسلم متبوع لا تابع، بل فصحاء العرب عن آخرهم بالإضافة إليه ناقل. وأيضا فلغات العرب مختلفة، منهم من انقرضت لغته. فأتى بها صلى الله عليه وسلم.
مسند أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها
1520 - حديث: "ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في منامي
".
قال الكرماني: فإن قلت: هذا من أي نوع من الاستثناء وكيف وقع الفعل مستثنى. قلت: هذا استثناء مفرغ. وقال النحاة: كل مفرغ متصل، ومعناه: كل شيء لم أكن أريته من قبل مقامي رأيته في مقامي هذا، و (رأيته) في موضع الحال، وتقديره: ما من
شيء لم أكن أريته كائناً في حال من الأحوال إلا في حال رؤيتي إياه. قال وقوله: (في منامي) يحتمل المصدر والزمان والمكان.
قال: وقوله: (حتى الجنة) بالنصب فـ (حتى) عاطفة، عطفت الجنة على الضمير المنصوب في (أريته)، وفي بعضها بالجر فهي جارة، ويحتمل الرفع على أن (حتى) ابتدائية، أي: حتى الجنة مرئية، فهو نح: أكلت السمكة حتى رأسها، في جواز الأوجه الثلاثة فيه.
وقال الحافظ ابن حجر: رويناه بالحركات الثلاث في الجنة والنار.
وقوله في أول الحديث: (قلت: آية).
قال الكرماني: بهمزة الاستفهام وحذفها، خبر مبتدأ محذوف، أي: هي آية.
وقوله: (فأوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريب، لا أدري أي ذلك قالت أسماء، من فتنة المسيح الدجال).
قال الكرماني: (مثل أو قريب) هما بغير تنوين مضافان إلى (فتنة المسيح). فإن قلت: فكيف جاز الفصل بينهما وبين ما أضيفا إليه بأجنبي وهو قوله: لا أدري أي ذلك قالت أسماء؟.
قلت: هي جملة معترضة مؤكدة لمعنى الشك المستفادة من كلمة "أو" والمؤكدة للشيء لا تكون أجنبية منه فجاز، كما في قوله: يا تيمُ تيمَ عدي
فإن قلت فهل يصح أن يكون لشيء واحد مضافان؟
قلت: ليس ههنا مضافان بل مضاف واحد، وهو أحدهما لا على التعيين، ولئن سلمنا فتقديره: مثل فتنة المسيح أو قريب فتنة المسيح، فحذف أحد اللفظين منهما، لدلالة الآخر عليه نحو قوله:
بين ذراعي وجبهة الأسد
فإن قلت: فما توجيهه على لفظ (مِنْ) قبل لفظ (فتنة)،و (من) لا تتوسط بين المضاف والمضاف إليه في اللفظ؟.
قلت: لا تسلم امتناع إظهار حرف الجر بينهما إذ أن بعضهم جوزوا التصريح بما هو مقدر من اللام ومن وغيرها في الإضافات، وهو مثل قولهم: لا أبالك. ولئن سلمنا، فهما ليسا بمضافين إلى الفتنة المذكورة على هذا التقدير، بل مضافان إلى الفتنة المقدرة، والمذكورة: هو من فتنة، وهو بيان لذلك المقدر.
فإن قلت: وفي بعض الروايات (قريباً) بالنصب والتنوين فما وجهه؟
قلت: يكون حينئذ صلة له، ويقدر لفظ (قريباً) ليكون المثل مضافاً إليه.
فإن قلت: لفظ (أي) مرفوعة أو منصوبة؟
قلت: الرواية المشهورة الرفع، وهو مبتدأ وخبره:(قالت أسماء)، وضمير المفعول محذوف، وفعل الدراية معلق بالاستفهام، لأنه من أفعال القلوب إن كانت (أي) استفهامية. ويجوز أيضًا أن يكون مبتدأ مبنيّاً على الضم على تقدير حذف صدر صلته، والتقدير: لا أدري أي ذلك هو قالته أسماء.
وأما توجيه النصب، فبأن يكون مفعول (لا أدري)، إن كانت موصولة، أو مفعول
(قالت)، إن كانت مجرى (أيْ) استفهامية أو موصولة، انتهى.
وفي تذكرة ابن هشام: سألني الشيخ يومًا: لم اشترطوا في جواز حذف المضاف، وإبقاء المضاف إليه على جره أن يكون المحذوف معطوفًا على مضاف مثله نحو: ما كل سوداء تمرة، ولا بيضاء شحمة، واشترطوا في جواز حذف المضاف إليه وإبقاء المضاف على حاله أن يعطف عليه مضاف إلى مثل ذلك المحذوف، كحديث:(أوحي إليّ أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبًا من فتنة الدجال)، وقول بعض العرب: قطع الله يد ورجل من قالها، ولا يشترطون ذلك فيما إذا حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، نحو:(واسأل القرية)[يوسف: 82]، (وأشربوا في قلوبهم العجل) [البقرة: 93]. أو حذف المضاف إليه ولم يبق المضاف على ما كان عليه، نحو:(لله الأمر من قبل ومن بعد)[الروم: 4].
فقلت: لأنك في المسألتين الأوليين أبقيت أثر المحذوف فإنك ناظر إليه وطالب لتعينه، فاحتجت إلى ما يبينه لك. وفي المسألتين الأخريين جعلت المحذوف نسيًا منسيًا، ولم تبق شيئًا من أحكامه بل أعرضت عن النظر إليه جملة واحدة، فقال: هذا الجواب الذي ظهر لي.
وقال ابن مالك في توضيحه: الرواية المشهورة في هذا الحديث "مثلَ أو قريبًا". وأصله: مثل فتنة الدجال، فحذف ما كان "مثل" مضافًا إليه، وترك (هو) على الهيئة التي كان عليها، وصلح للدلالة من أجل مماثلته له لفظًا ومعنىً. والمعتاد في صحة مثل هذا الحذف أن يكون مع إضافتين، كقول الشاعر:
أمام وخلف المرء من لطف ربه
…
كوالئُ تزوي عنه ما كان يحذر
ومن وروده بإضافة واحدة كالوارد في الحديث، قول الراجز:
مه عاذلي فهائما لن أبرحا
…
بمثل أو أحسن من شمس الضحى
أراد: بمثل شمس الضحى أو أحسن من شمس الضحى.
والوجه في رواية من روى " قريبَ" بلا تنوين أن يكون أراد: تفتنون مثل فتنة الدجال أو قريب الشبه من فتنة الدجال، فحذف الضاف إليه "قريب" وبقي هو على الهيئة التي كان عليها قبل الحذف. وهذا الحذف فى المتأخر لدلالة المتقدم عليه قليل، انتهى.
قوله: (يقال ما علمك).
قال الكرماني: هو بيان لقوله: (تفتنون) ولهذا لم تدخل الواو عليه.
وقوله: (قد علمنا إن كنت لموقنًا).
قال الزركشي: هو بكسر (إنْ) مخففة من الثقيلة، ولزمت اللام للفرق بينهما وبين النافية.
وحكى السفاقسي: فتح (أن) على جعلها مصدرية أي: علمنا كونك موقنًا، ورده بدخول اللام عليه، ثم قيل: المعنى: أنت موقن، كقوله تعالى:(كنتم خير أمة)[آل عمران: 110] أي: أنتم.
قال القاضي عياض: والأظهر أنها على بابها والمعنى: أنك كنت موقنًا.
قوله: (قد علمنا إن كنت لموقنًا).
وقال أبو حيان في شرح التسهيل: اختلف النحويون في هذه اللام، فذهب سيبويه والأخفش سعيد بن مسعدة، والأخفش علي بن سليمان، وأكثر نحاة بغداد ومن أئمة بلادنا أبو الحسن بن الأخضر إلى أنها لام الابتداء التي كانت مع المشددة لزمت للفرق، وهو اختيار ابن عصفور، وابن مالك، وذهب الفارسي وأبو عبد الله أبي العافية والشلوبين، وأبو الحسن بن الربيع، إلى أنها ليست لام إنّ المشددة التي للابتداء، بل هي لام أخرى اجتلبت للفرق، وإذا كانت مجتلبة للفرق، ولم تكن اللام التي توجب التعليق، لم يمنع مانع من فتح (إن) إذا وقعت بعد (علمت). قال: وإذا فتحت لم يحتج إلى اللام، لأنها إذ ذاك لا تلتبس بأن النافية، فيحتاج إلى الفرق، قال: وإن شئت أثبت اللام على طريق التأكيد.
قال: ومن دخول (علمت) على (إنْ) المخففة من الثقيلة، ما جاء في الحديث المشهور:(قد علمنا إنْ كنت لموقنًا) بكسر (إنْ) على مذهب أبي الحسن، وبفتحها على مذهب غيره والصحيح الكسر.
وقال أبو حيان أيضًا: بعد هذا ثمرة الخلاف تظهر في دخول علمت وأخواتها، فإن كانت للفرق لم تعلق، وإن كانت لام الابتداء علقت، ولهذا اختلف ابن الأخضر وابن أبي العافية في الحديث المشهور:"قد علمنا إن كنت لموقنًا"، كما اختلف فيه الأخفش الصغير والفارسي، فقال الأخفش: لا يجوز إلا الكسر، وقال الفارسي: لا يجوز إلا الفتح، وكذا قال ابن أبي العافية، وقال ابن الأخضر: قد ثبتت اللام في الرواية بلا شك، وهي لا تكون مع المفتوحة أصلاً، كما لا تكون مع (إن) هو الأصل. فلما فتحت بسبب (علمت) أبقيت اللام إشعارًا بأصلها، ورد عليه بأن هذا بعيد، لأن (علمت) لا تدخل إلا على ما كان قبلها في موضع الابتداء، فإذا دخلت غيرت ذلك، ولم يستقروا على الأصل.