الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني: البدعة الفعلية والتَّركية:
1 - البدعة الفعلية:
تدخل في تعريف البدعة: فهي طريقة في الدين مُخترَعة، تشبه الطريقة الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه (1)، ومن أمثلة ذلك: الزيادة في شرع الله ما ليس منه، كمن يزيد في الصلاة ركعة، أو يدخل في الدين ما ليس منه، أو يفعل العبادة على كيفية يخالف فيها هدي النبي صلى الله عليه وسلم (2)، أو يخصّص وقتاً للعبادة المشروعة لم يخصصه الشرع: كتخصيص يوم النصف من شعبان بصيام وليلته بقيام (3).
2 - البدعة التَّركية:
تدخل في عموم تعريف البدعة، من حيث إنها ((طريقة في الدين مخترعة)) (4)، فقد يقع الابتداع بنفس الترك تحريماً للمتروك، أو غير تحريم؛ فإن الفعل ((مثلاً)) قد يكون حلالاً بالشرع فيحرمه الإنسان على نفسه، أو يقصد تركه قصداً، فهذا الترك إما أن يكون لأمر يُعتبر شرعاً، أو لا: فإن كان لأمر يعتبر فلا حرج فيه؛ لأنه ترك ما يجوز تركه، أو ما يُطلب بتركه، كالذي يمنع نفسه من الطعام الفلاني من أجل أنه يضرّه في جسمه، أو عقله، أو دينه، وما أشبه ذلك، فلا مانع هنا من الترك، وهذا راجع إلى الحمية من المضرّات، وأصله قوله
(1) انظر: الاعتصام للشاطبي، 1/ 50 - 56.
(2)
انظر: المرجع السابق،1/ 367 - 445،وتنبيه أولي الأبصار، للدكتور صالح السحيمي، ص99، وحقيقة البدعة وأحكامها، لسعيد الغامدي، 2/ 37، وأصول في البدع والسنن للعدوي،
ص70، وعلم أصول البدع، لعلي بن حسن الأثري، ص107.
(3)
انظر: كتاب التوحيد، للعلامة الدكتور صالح الفوزان، ص82.
(4)
انظر: الاعتصام للشاطبي، 1/ 57.
- صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء)) (1)، وكذلك لو ترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس، وهذا كترك المشتبه حذراً من الوقوع في الحرام، واستبراءً للدين والعرض.
وإن كان الترك لغير ذلك، فإما أن يكون تديُّناً أو لا؛ فإن لم يكن تديناً فالتارك عابث بتحريمه الفعل، أو بعزيمته على الترك، ولا يسمى هذا الترك بدعة؛ لأنه لا يدخل تحت لفظ الحدّ، إلا على الطريقة الثانية القائلة: إن البدعة تدخل في العادات، وأما على الطريقة الأولى، فلا يدخل، لكن هذا التارك يكون مخالفاً بتركه، أو باعتقاده التحريم فيما أحلَّ الله، وإثم المخالفة يختلف باختلاف درجات المتروك: من حيث: الوجوب، والندب.
أما إن كان الترك تديُّناً فهو الابتداع في الدين، سواءً كان المتروك مباحاً، أو مأموراً به، وسواءً كان في العبادات، أو المعاملات، أو العادات: بالقول، أو الفعل، أو الاعتقاد، إذا قصد بتركه التعبّد لله كان مبتدعاً بتركه (2)، ومن الأدلّة على أن الترك في مثل ذلك يكون بدعة: قصة الثلاثة الذين جاءوا إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته، فلما أخبروا بها، فكأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله
(1) متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: البخاري، كتاب الصوم، باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة، 2/ 280، برقم 1905، ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنته، 2/ 1018، برقم 1400.
(2)
انظر: الاعتصام، للشاطبي، 1/ 58.
له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له؛ لكني: أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) (1).
والمراد بالسنة: الطريقة، لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء: الإعراض عنه إلى غيره، والمراد: من ترك طريقتي، وأخذ بطريقة غيري فليس مني (2).
واتّضح مما سبق أن البدعة على قسمين: بدعة فعلية، وبدعة تركية، كما ظهر أن السنة على قسمين: سنة فعلية وسنة تركية، فسنة النبي صلى الله عليه وسلم كما تكون بالفعل تكون بالترك، فكما كلفنا الله باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في فعله الذي يتقرب به إلى الله - إذا لم يكن من باب الخصوصيات -، كذلك طالبنا باتباعه في تركه، فيكون الترك سنة، والفعل سنة، وكما لا نتقرّب إلى الله بترك ما فعل، لا نتقرّب إليه بفعل ما ترك، فالفاعل لما ترك، كالتارك لما فعل، ولا فرق بينهما (3).
(1) متفق عليه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: البخاري، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح،
6/ 142، برقم 5063، ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه،
2/ 1020، برقم 1401.
(2)
انظر: فتح الباري، لابن حجر، 9/ 105.
(3)
انظر: الاعتصام للشاطبي، 1/ 57 - 60، و 479، 485، 498، والأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع، لجلال الدين السيوطي، ص205، وأصول في البدع، للشيخ محمد أحمد العدوي،
ص70، وحقيقة البدعة وأحكامها، لسعيد بن ناصر الغامدي، 2/ 37 - 58، وتنبيه أولي الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من أخطار، للدكتور صالح السحيمي، ص97، وعلم أصول البدع للشيخ علي بن حسن الأثري، ص107، وتحذير المسلمين عن الابتداع والبدع في الدين، للشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي، ص83.