الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (1).
11 -
وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} (2).
12 -
وقال تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} (3).
وأما
الأدلة من السنة المطهرة
، فقد زهَّد النبي صلى الله عليه وسلم النَّاس في الدنيا، ورغَّبهم في الآخرة، بفعله وقوله صلى الله عليه وسلم، على النحو الآتي.
1 -
أما فعله فمنه حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((خرج النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشبع من خبز الشعير)) (4).
2 -
وقالت: ((ما أكل آل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر)) (5).
3 -
وقالت: ((إنا كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، فقال عروة: ما كان يقيتكم؟ قالت:
(1) سورة الحديد، الآية:20.
(2)
سورة الرحمن، الآيتان: 36 - 37.
(3)
سورة غافر، الآية:39.
(4)
البخاري، كتاب الأطعمة، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون، برقم 5414.
(5)
البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف كان يعيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا، برقم 6455.
الأسودان: التمر والماء)) (1).
4 -
وقال صلى الله عليه وسلم: ((لو كان لي مثل أُحد ذهبًا ما يسرني أن لا يمر عليَّ ثلاثٌ وعندي منه شيء إلا شيء أرصُدُهُ لدَيْن)) (2).
5 -
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه اضطجع على حصير فأثَّر في جنبه، فدخل عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولما استيقظ جعل يمسح جنبه فقال:
يا رسول الله لو أخذت فراشًا أوثر من هذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما لي وللدنيا،
ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكبٍ سار في يومٍ صائفٍ فاستظلّ تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها)) (3).
6 -
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: ((ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض)) (4). والمقصود أنهم لم يشبعوا ثلاثة أيام متوالية، والظاهر أن سبب عدم شبعهم غالبًا كان بسبب قلة الشيء عندهم، على أنهم قد يجدون ولكن يؤثرون على أنفسهم (5).
7 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدَم
(1) البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف كان يعيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا، برقم 6459.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الاستقراض وأداء الديون، والحجر والتفليس، باب أداء الديون، برقم 2389، ومسلم، كتاب الزكاة، باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة، برقم 991.
(3)
أحمد في المسند، 1/ 301 بلفظه، والترمذي بنحوه، في كتاب الزهد، باب 44، برقم 1377، وقال:((حديث حسن صحيح))، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، برقم 4109، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 280، وصحيح ابن ماجه، 2/ 394.
(4)
البخاري، كتاب الأطعمة، باب قول الله تعالى:{كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} الآية، برقم 5374.
(5)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 9/ 517، 549.
وحشوُهُ ليف)) (1).
8 -
ومع هذا كان يقول صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا)) (2).
9 -
وقال صلى الله عليه وسلم: ((قد أفلح من أسلم، ورُزِق كفافًا، وقنَّعَهُ الله بما آتاه)) (3).
وأما قوله في التزهيد في الدنيا والتحذير من الاغترار بها، فكثير، ومنه:
10 -
حديث مطرف عن أبيه رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ:
{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} قال: ((يقول ابن آدم: مالي، مالي، وهل لك من مالك
يا ابن آدم إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت)) (4).
11 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول العبد: مالي مالي، إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى، [و] ما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه الناس)) (5).
12 -
وقال النبي صلى الله عليه وسلم مرة لأصحابه: ((أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله))؟ قالوا: يا رسول الله ما منا أحدٌ إلا ماله أحب إليه. قال: ((فإن ماله ما قدّم، ومال وارثه ما أخّر)) (6).
(1) البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف كان يعيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، برقم 6456.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف كان يعيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، برقم 6460، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الكفاف والقناعة، واللفظ له، برقم 1055.
(3)
مسلم، كتاب الزكاة، باب الكفاف والقناعة، برقم 1054.
(4)
مسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم 2958.
(5)
مسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم 2959.
(6)
البخاري، كتاب الرقاق، باب ما قدم من ماله فهو له، برقم 6442.
13 -
ودخل النبي صلى الله عليه وسلم السوق يومًا فمرَّ بجدي صغير الأذنين ميت، فأخذه بأذنه ثم قال:((أيكم يحب أن هذا له بدرهم))؟ قالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال:((أتحبون أنه لكم))؟ قالوا: والله لو كان حيًّا كان عيبًا فيه؛ لأنه أسكٌّ (1)، فكيف وهو ميت؟ فقال:((فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم)) (2).
14 -
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء)) (3).
والدنيا مذمومة إذا لم تستخدم في طاعة الله عز وجل:
15 -
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا إن الدنيا ملعونةٌ، ملعون ما فيها إلا ذكرُ الله، وما والاهُ، وعالمٌ، أو متعلم)) (4)، وهذا يؤكد أن الدنيا مذمومة، مبغوضة من الله وما فيها، مبعدة من رحمة الله إلا ما كان طاعة لله عز وجل؛ ولهوانها على الله عز وجل لم يبلِّغ رسوله صلى الله عليه وسلم فيها وهو أحب الخلق إليه.
16 -
فقد مات ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعًا من شعير (5).
(1) الأسك: مصطلم الأذنين مقطوعهما.
(2)
مسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم 2957.
(3)
ابن ماجه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، برقم 4110، والترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في هوان الدنيا على الله عز وجل، وقال:((هذا حديث صحيح))، برقم 2320، وابن المبارك في الزهد والرقائق، عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 470، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 943، وفي صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3240.
(4)
الترمذي، بلفظه، كتاب الزهد، بابٌ: حدثنا محمد بن حاتم، برقم 2322،وحسنه، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، برقم 4112،وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3244.
(5)
انظر: البخاري، كتاب البيوع، باب شراء الطعام إلى أجل، برقم 2200، ومسلم، كتاب المساقاة، باب الرهن وجوازه في الحضر والسفر، برقم 1603.
وقوله: ((وما والاه)) أي ما يحبه الله من أعمال البر، وأفعال القُرَب، وهذا يحتوي على جميع الخيرات، والفاضلات، ومستحسنات الشرع، وقوله:((وعالم أو متعلم)) العالم والمتعلم: العلماء بالله، الجامعون بين العلم والعمل، فيخرج منه الجهلاء، والعالم الذي لم يعمل بعلمه، ومن يعلم علم الفضول، وما لا يتعلق بالدين. والرفع في ((عالم أو متعلم)) على التأويل: كأنه قيل: الدنيا مذمومة لا يحمدُ مما فيها ((إلا ذكر الله وما والاه، وعالم أو متعلم)) (1)،فإذا رأى العاقل من ينافسه في الدنيا فعليه أن ينصحه ويحذّره وينافسه في الآخرة (2).
17 -
وفي قصة أبي عبيدة رضي الله عنه عندما قدم بمال من البحرين فجاءت الأنصار وحضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلمَّا صلى بهم الفجر، تعرَّضوا له، فتبسَّم حين رآهم وقال:((أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء))؟ قالوا: أجل يا رسول الله، قال: ((فأبشروا، وأمِّلوا
ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم))، وفي رواية:((وتلهيكم كما ألهتهم)) (3).
(1) انظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 10/ 3284 - 3285، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا علي القاري، 9/ 31، وتحفة الأحوذي للمباركفوري، 6/ 613.
(2)
فقه الدعوة للمؤلف، 2/ 1007.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب، برقم 3158، 4015، 6425، ومسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم 2961.
18 -
وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أكثر
ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض))، قيل: وما بركات الأرض؟ قال: ((زهرة الدنيا))، ثم قال:((إن هذا المال خَضِرَة حلوة، من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع [ويكون عليه شهيدًا يوم القيامة])) (1).
19 -
وقال خَبَّابٌ رضي الله عنه: ((إن المسلم يؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب)) (2).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((أي الذي يوضع في البنيان وهو محمول على ما زاد على الحاجة)) (3).
وذكر رحمه الله آثارًا كثيرة في ذمّ البنيان ثم قال: ((وهذا كله محمول على ما لا تمسُّ الحاجة إليه مما لا بدَّ منه للتوطّن، وما يقي البرد والحرّ)) (4).
والمسلم إذا لم يجعل الدنيا أكبر همه وفقه الله وأعانه.
20 -
فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول ربكم تبارك وتعالى: يا ابن آدم تفرَّغ لعبادتي أملأ قلبك غنىً، وأملأ يديك رزقًا،
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، برقم 6427، ومسلم، كتاب الزكاة، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، برقم 1052، وما بين المعقوفين من رواية مسلم.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، برقم 5672، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب كراهة تمني الموت لضر نزل به، برقم 2681.
(3)
فتح الباري، بشرح صحيح البخاري، 10/ 129.
(4)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر، 11/ 93، و10/ 129.
يا ابن آدم لا تباعد عني فأملأ قلبك فقراً، وأملأ يديك شغلاً)) (1).
21 -
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم تفرَّغ لعبادتي أملأ صدرك غنىً، وأسدّ فقرك، وإن لم تفعل ملأت يديك شغلاً، ولم أسدَّ فقرك)) (2). قال ذلك عندما تلا: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ} (3).
ولا شك أن كل عمل صالح يُبتغى به وجه الله فهو عبادة، بل وحتى الأعمال المباحة.
22 -
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كانت الدنيا همّه فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتِبَ له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة)) (4).
23 -
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كانت الآخرة همّه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي
(1) الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 4/ 326، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة:((وهو كما قالا))، وصححه في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3165.
(2)
الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب حدثنا قتيبة، برقم 2466، وحسنه، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب الهم بالدنيا، برقم 4108، وأحمد، 2/ 358، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 2/ 443، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3166، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/ 346، وفي صحيح الترمذي، 2/ 593.
(3)
سورة الشورى، الآية:20.
(4)
ابن ماجه، كتاب الزهد، باب الهم بالدنيا، برقم 4105، وصحح الألباني إسناده في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 950، وصحيح الجامع، 5/ 351.