الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: بدعة الاحتفال بأول ليلة جمعة من شهر رجب:
الاحتفال بأول ليلة جمعة من شهر رجب بدعة منكرة، فقد ذكر الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله: أنه أخبره أبو محمد المقدسي فقال: ((وأما صلاة رجب فلم تحدث عندنا في بيت المقدس إلا بعد سنة ثمانين وأربعمائة [480هـ]، وما كُنَّا رأيناها، ولا سمعنا بها قبل ذلك)) (1).
وقال الإمام أبو شامة رحمه الله: ((وأما صلاة الرغائب فالمشهور بين الناس اليوم أنها هي التي تُصلى بين العشائين ليلة أول جمعة من شهر رجب)) (2).
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: ((فأما الصلاة فلم يصحَّ في شهر رجب صلاة مخصوصة، تختصُّ به، والأحاديث المرويّة في صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذبٌ وباطل لا تصحّ، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء)) (3).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معيَّن، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه، حديث صحيح يصلح للحجة)) (4)، ثم بيّن رحمه الله أن الأحاديث
(1) الحوادث والبدع، لأبي بكر الطرطوشي، ص267، برقم 238.
(2)
كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث، للإمام أبي شامة، ص138.
(3)
لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، ص228.
(4)
تبيين العجب بما ورد في شهر رجب، ص23.
الواردة في فضل رجب، أو فضل صيامه، أو صيام شيء منه على قسمين: ضعيفة، وموضوعة (1)، ثم ذكر حديث صلاة الرغائب، وفيه: أنه يصوم أول خميس من رجب ثم يصلي بين العشائين ليلة الجمعة اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرةً، و {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ثلاثَ مراتٍ، و {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} اثنتي عشرة مرّةً، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، ثم ذكر كلاماً طويلاً في صفة التسبيح والاستغفار، والسجود، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بيّن بأن هذا الحديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيّن أن من يصلِّيها يحتاج إلى أن يصوم، وربما كان النهار شديد الحر، فإذا صام لم يتمكن من الأكل حتى يصلي المغرب، ثم يقف في صلاته، ويقع في ذلك التسبيح الطويل، والسجود الطويل، فيتأذّى غاية الأذى، وقال:((وإني لأغار لرمضان ولصلاة التراويح كيف زوحم بهذه، بل هذه عند العوام أعظم وأجلّ؛ فإنه يحضرها من لا يحضر الجماعات)) (2).
وقال الإمام ابن الصلاح رحمه الله، في صلاة الرغائب:((حديثها موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي بدعة حدثت بعد أربعمائة من الهجرة)) (3).
وأفتى الإمام العزّ بن عبد السلام سنة سبع وثلاثين وستمائة
[637هـ] أن صلاة الرغائب بدعة منكرة، وأن حديثها كذب على
(1) انظر: تبيين العجب بما ورد في شهر رجب، ص23.
(2)
انظر: المرجع السابق، ص54.
(3)
كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث، للإمام أبي شامة، ص145.
رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (1).
وأختم كلام الأئمة بتلخيصٍ لكلام الإمام أبي شامة في بطلان صلاة الرغائب ومفاسدها، فقد بيَّن رحمه الله ذلك على النحو الآتي:
1 -
مما يدلّ على ابتداع هذه الصلاة أن العلماء الذين هم أعلام الدين وأئمة المسلمين: من الصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين، وغيرهم ممّن دوَّن الكتب في الشريعة، مع شدّة حرصهم على تعليم الناس الفرائض والسنن، لم ينقل عن واحدٍ منهم أنه ذكر هذه الصلاة، ولا دوّنها في كتابه، ولا تعرّض لها في مجلسه، والعادة تحيل أن تكون هذه سنة، وتغيب عن هؤلاء الأعلام.
2 -
هذه الصلاة مخالفة للشرع من وجوهٍ ثلاثة:
الوجه الأول: مخالفة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصّوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم)) (2)، فلا يجوز أن تُخصّ ليلة الجمعة بصلاة زائدة على سائر الليالي لهذا الحديث (3)، وهذا يعمُّ أوّل ليلة جمعة من رجب وغيرها.
الوجه الثاني: صلاة رجب وشعبان صلاتا بدعة قد كُذِبَ فيهما على
(1) تبيين العجب بما ورد في شهر رجب، ص 149.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الصوم، باب صوم يوم الجمعة، 2/ 303، برقم 1985، ومسلم، كتاب الصيام، باب كراهة صوم يوم الجمعة منفرداً، 2/ 801، برقم 1144.
(3)
انظر: كتاب الباعث على إنكار البدع، لأبي شامة، ص 156.
رسول الله صلى الله عليه وسلم، بوضع ما ليس من حديثه، وكُذِبَ على الله بالتقدير عليه في جزاء الأعمال ما لم يُنَزِّل به سلطاناً، فمن الغيرة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم تعطيل ما كُذِبَ فيه على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهجره، واستقباحه، وتنفير الناس عنه؛ فإنه يلزم من الموافقة على ذلك مفاسد، هي:
المفسدة الأولى: اعتماد العوام على ما جاء في فضلها وتكفيرها، فيحمل كثيراً منهم على أمرين:
أحدهما: التفريط في الفرائض.
والثاني: الانهماك في المعاصي، وينتظرون مجيء هذه الليلة ويصلون هذه الصلاة، فيرون ما فعلوه مجزئاً عما تركوه، وماحياً ما ارتكبوه، فعاد ما ظنه واضع الحديث في صلاة الرغائب حاملاً على مزيد الطاعات: مكثراً من مزيد ارتكاب المعاصي والمنكرات.
المفسدة الثانية: أن فعل البدع مما يغري المبتدعين في إضلال الناس إذا رأوا رواج ما وضعوه، وانهماك الناس عليه، فينقلونهم من بدعة إلى بدعة، أما ترك البدع ففيه زجر للمبتدعين والواضعين عن وضع البدع.
المفسدة الثالثة: أن الرجل العالم إذا فعل هذه البدعة كان موهماً للعامة أنها من السنن، فيكون كاذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان الحال، ولسان الحال قد يقوم مقام لسان المقال، وأكثر ما أُوتي الناس في البدع بهذا السبب.
المفسدة الرابعة: أن العالم إذا صلَّى هذه الصلاة المبتدعة كان متسبِّباً إلى أن تكذب العامة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون هذه سنة من السنن.
الوجه الثالث: أن هذه الصلاة البدعية مشتملة على مخالفة سنن الشرع في الصلاة لأمور:
الأمر الأول: مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة بسبب عدد السجدات، وعدد التسبيحات، وعدد قراءة سورتي:((القدر))،و ((الإخلاص)) في كل ركعة.
الأمر الثاني: مخالفة لسنة خشوع القلب وخضوعه وحضوره في الصلاة، وتفريغه لله، والوقوف على معاني القرآن.
الأمر الثالث: مخالفة لسنة النوافل في البيوت؛ لأن فعلها في البيوت أولى من فعلها في المساجد، وفعلها على الانفراد، إلا صلاة التراويح في رمضان.
الأمر الرابع: أن من كمال هذه الصلاة البدعية عند واضعيها صيام يوم الخميس ذلك اليوم، فيلزم بذلك تعطيل سنتين: سنة الإفطار، وسنة تفريغ القلب من ألم الجوع والعطش.
الأمر الخامس: أن سجدتي هذه الصلاة بعد الفراغ منها سجدتان لا سبب لهما (1).
وكل ما تقدم من الأدلّة، وأقوال الأئمة، وأوجه البطلان، وأقسام المفاسد يُبيِّن للعاقل أن صلاة الرغائب بدعة منكرة قبيحة، محدثة في الإسلام.
(1) انظر: كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث، لأبي شامة، ص 153 - 196، وهذه المفاسد، وأوجه البطلان تشمل صلاة الرغائب في أول جمعة من رجب، وليلة النصف من شعبان، كما صرح بذلك أبو شامة في كتابه الباعث على إنكار البدع والحوادث، ص174.