الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثامناً: الاعتصام بالقرآن والسنة نجاة من مضلات الفتن:
ومما يوضح ذلك، وصية النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب الله تعالى في عرفات، وفي غدير خم، وعند موته عليه الصلاة والسلام، وتقدمت الإشارة إلى ذلك.
وجاءت الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي تدل على أن من استمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم كان من الناجين، ومن ذلك حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال:((صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشيّاً، فإنه من يعشْ منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة)) (1).
ومما يؤكد أهمية السمع والطاعة ما حصل للصحابة مع رسول الله عليه صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية حينما اشتدَّ عليهم الكرب بمنعهم من العمرة،
(1) أبو داود، كتاب السنة، باب في لزوم السنة، برقم 4607، والترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة، برقم 2676، وغيرهما، قوله:((ذرفت)) أي: دمعت، وقوله:((وجلت)) أي خافت وفزعت، وقوله:((تعهد)) يقال: عهد إليه بكذا: إذا أوصى إليه، وقوله:((وإن عبداً حبشياً)) أي: أطع صاحب الأمر، واسمع له وإن كان عبداً حبشياً، فحذف كان وهي مزادة. قوله:((عضوا عليها بالنواجذ)) النواجذ: الأضراس التي بعد الناب، وهذا مثل في شدة الاستمساك بالأمر. قوله:((محدثات الأمور)) أي: ما لم يكن معروفاً في كتاب ولا سنة، ولا إجماع. انظر: جامع الأصول لابن الأثير، 1/ 280.
وما رأوا من غضاضةٍ على المسلمين في الظاهر، ولكنهم امتثلوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ذلك فتحاً قريباً، وخلاصة ذلك أن سُهَيل بن عمرو قال للنبي صلى الله عليه وسلم حينما كتب: بسم الله الرحمن الرحيم: اكتب باسمك اللهم، فوافق معه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولم يوافق سهيل على كَتْبِ محمد رسول الله، فتنازل النبي صلى الله عليه وسلم وأمر أن يكتب محمد بن عبد الله، ومنع سهيل في الصلح أن تكون العمرة في هذا العام، وإنما في العام المقبل، وفي الصلح أن من أسلم من المشركين يردّه المسلمون، ومن جاء من المسلمين إلى المشركين لا يُردُّ، وأوّل من نُفّذ عليه الشرط أبو جندل بن سهيل بن عمرو، فردّه النبي صلى الله عليه وسلم بعد محاورة عظيمة، وحينئذٍ غضب الصحابة لذلك حتى قال عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: ألستَ نبيَّ الله حقّاً؟ قال: ((بلى))، قال: ألسنا على الحق وعدوّنا على الباطل؟ قال: ((بلى))، قال: فلمَ نُعطي الدَّنِيَّةَ في ديننا إذاً؟ قال: ((إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري))، قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً، فلما فرغ الكتاب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا، فدخل على أم سلمة رضي الله عنها، فشكا ذلك، فقالت: انحر واحلق، فخرج فنحر، وحلق، فنحر الناس وحلقوا حتى كاد يقتل بعضهم بعضاً (1).
فحصل بهذا الصلح من المصالح ما الله به عليم، ونزلت سورة الفتح، ودخل في السَّنة السادسة والسابعة في الإسلام مثل ما كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر، ثم دخل الناس في دين الله أفواجاً بعد الفتح
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، برقم 2731، 2732، ومسلم، كتاب الجهاد، باب صلح الحديبية، برقم 1783.
في السنة الثامنة.
وهذا ببركة طاعة الله ورسوله؛ ولهذا قال سهل بن حنيف: ((اتهموا رأيكم، رأيتني يوم أبي جندل لو أستطيع أن أردّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم لرددته)) (1). وهذا يدلّ على مكانة الصحابة رضي الله عنهم وتحكيمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحصل لهم من الفتح والنصر ما حصل، ولله الحمد والمنة.
والمسلم عليه أن يعتصم بالكتاب والسنة، وخاصة في أيام الفتن؛ ولهذا حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن، واستعاذ منها، وأمر بلزوم جماعة المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم:((تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن)) (2)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويُلقى الشحّ، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج))، قالوا: يا رسول الله، أيما هو؟ قال:((القتل، القتل)). وفي لفظ: ((يتقارب الزمان، وينقص العلم
…
)) (3).
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده أشرّ منه، فعن الزبير بن عدي قال: أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج فقال: ((اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعد أشر منه حتى تلقوا ربكم))، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم (4).
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب: حدثنا عبدان، برقم 3181، ومسلم، كتاب الجهاد، باب صلح الحديبية، برقم 1785.
(2)
مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة ومن النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، برقم 2867.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب الفتن، باب ظهور الفتن، برقم 7061، ومسلم، كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان، برقم 157.
(4)
البخاري، كتاب الفتن، باب لا يأتي زمان إلا والذي بعده شرٌّ منه، برقم 7068.