الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثاً: بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج:
ليلة الإسراء والمعراج من آيات الله عز وجل العظيمة الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم، وعظم منزلته عند الله، وعلى عظم قدرة الله الباهرة، وعلى علوِّه عز وجل على جميع خلقه، قال عز وجل:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير} (1).
وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه عُرج به إلى السماء، وفُتحت له أبوابها، حتى جاوز السماء السابعة، فكلّمه ربّه عز وجل كما أراد سبحانه وتعالى، وفرض عليه الصلوات الخمس، وكان الله عز وجل فرضها خمسين صلاة، فلم يزل نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم يراجع ربه، ويسأله التخفيف، حتى جعلها خمساً في الفرض، وخمسين صلاة في الأجر؛ لأن الحسنة بعشرة أمثالها، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه التي لا تعد ولا تحصى (2).
وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء لا يُحتفَل بها، ولا تُخصّ بشيء من أنواع العبادة التي لم تُشرع؛ لأمور منها:
أولاً: هذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأتِ خبر صحيح في تحديدها، ولا تعيينها، لا في رجب ولا في غيره، فقيل: إنها كانت بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر شهراً، وقيل: ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر، قبل الهجرة بسنة، وقيل: كان ذلك بعد مبعثه بخمس
(1) سورة الإسراء، الآية:1.
(2)
انظر: التحذير من البدع، للعلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، ص16.
سنين (1) وقيل: ليلة سبعة وعشرين من شهر ربيع الأول (2)، وقال الإمام أبو شامة رحمه الله:((وذكر عن بعض القُصَّاص أن الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب)) (3)، وذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن ليلة الإسراء لا يُعرف أيّ ليلة كانت (4).
قال العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه الله: ((وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأتِ في الأحاديث الصحيحة تعيينها، لا في رجب ولا في غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها)) (5)، ولو ثبت تعيينها لم يجز أن تُخصَّ بشيءٍ من أنواع العبادة بدون دليل (6).
ثانياً: لا يعرف عن أحد من المسلمين: أهل العلم والإيمان أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة عن غيرها؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتابعين وأتباعهم بإحسان لم يحتفلوا بها، ولم يخصّوها بشيء من العبادة، ولم يذكروها، ولو كان الاحتفال بها أمراً مشروعاً؛ لبيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة: إما بالقول، وإما بالفعل، ولو وقع أمر من ذلك؛ لعرف واشتهر، ونقله
(1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 267 - 268.
(2)
انظر: كتاب الحوادث والبدع، لأبي شامة، ص232.
(3)
المرجع السابق، ص232،وانظر: تبيين العجب بما ورد في شهر رجب، لابن حجر، ص 9، 19، 52، 64، 65.
(4)
انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم، 1/ 58.
(5)
التحذير من البدع، ص17.
(6)
المرجع السابق، ص17.