الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تهلكوا بعده أبداً)) (1).
وروي عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: ((كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة، فخرج علينا فقال: ((أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأن القرآن من عند الله؟)) قلنا: نعم، قال:((فأبشروا، فإن هذا القرآن طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم فتمسكوا به، ولن تهلكوا بعده أبداً)) (2).
ومن اعتصم بالقرآن الكريم فقد اعتصم بالله، قال الله – جل وعلا -:
{وَمَن يَعْتَصِم بِالله فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (3)، أي يتوكل عليه ويحتمي بحماه (4)، والله تعالى أمر بالاعتصام بحبل الله وهو كتابه عز وجل في آيات كثيرة (5).
ثانياً: وجوب الأخذ بالكتاب والسنة:
أمر الله عز وجل بالأخذ بالكتاب العزيز، وردّ كل ما يحتاجه الناس وكل ما
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه، 1/ 329، برقم 122، وقال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، 1/ 95، برقم 59:((رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد))، وقال العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 124:((صحيح، وأخرجه ابن حبان في صحيحه، وابن نصر في قيام الليل ص74 بسند صحيح)).
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير، 2/ 126، برقم 1539، وفي الصغير [مجمع البحرين، برقم 252]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 1/ 169:((وفيه أبو عابدة الزرقي وهو متروك الحديث))، وقال العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 124، برقم 39:((صحيح لغيره)).
(3)
سورة آل عمران، الآية:101.
(4)
تفسير السعدي، ص159.
(5)
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 19/ 76 - 83، و 9/ 5/8، و 36/ 60.
تنازعوا فيه إليه، فقال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلاً} (1). قال الإمام ابن كثير – رحمه الله: ((قال مجاهد وغير واحد من السلف: أي إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى (2): {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله} (3).
والقرآن الكريم أَمَرَ بالأخذ بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والانتهاء عن كل ما نهى عنه، قال الله عز وجل:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ} (4).
ولا شكّ أنّ الأخذ بالكتاب والسنة من أهم الواجبات وأعظم القربات؛ لأن الأخذ بالرأي المجرّد عن الدليل الشرعي يُوصل إلى المهالك؛ ولهذا قال سهل بن حنيف رضي الله عنه: ((اتهموا رأيكم، فلقد رأيتني يوم أبي جندل لو أستطيع أن أردّ على رسول الله أمره لرددته، والله ورسوله أعلم)) (5).
(1) سورة النساء، الآية:59.
(2)
تفسير ابن كثير، ص338.
(3)
سورة الشورى، الآية:10.
(4)
سورة الحشر، الآية:7.
(5)
متفق عليه، البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب: حدثنا عبدان، برقم 3181، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبية في الحديبية، برقم 1785.
وهذا يؤكّد أن الرأي لا يعتمد عليه، وإنما المعتمد على الكتاب والسنة؛ قال الله تعالى:{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (1).
وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله ذَلِكُمُ الله رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (3).
فالأصل في الحكم بين الناس يردّ حكمه إلى كتاب الله عز وجل، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم (4).
وقد ذمّ الله القول عليه بغير علم، فقال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ} (5)، فقرن سبحانه القول عليه بغير علم بالشرك بالله عز وجل.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالاً طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ
(1) سورة النساء، الآية:59.
(2)
سورة النساء، الآية:65.
(3)
سورة الشورى، الآية:10.
(4)
انظر: تفسير الطبري ((جامع البيان عن تأويل آي القرآن))، 8/ 504، وتفسير ابن كثير،
1/ 519.
(5)
سورة الأعراف، الآية:33.
وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ} (1).
وهذا يؤكد أن القول على الله بغير علم من أمر الشيطان.
وقال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (2).
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن القائل على الله بغير علم من الجاهلين الضالين المضلين، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله لا ينزع العلم من الناس انتزاعاً، ولكن يقبض العلماء فيرفع العلم معهم، ويُبقي في الناس رؤوساً (3) جُهَّالاً يفتون بغير علم فيَضِلُّون ويُضِلُّون)) (4).
والحاصل أنه لا يجوز الاعتماد على الرأي، بل يُرجع إلى الكتاب والسنة، أو إلى أحدهما، فإن لم يجد فيرجع إلى الإجماع، فإذا لم يجد الأمور الثلاثة رجع إلى أقوال الصحابة رضي الله عنهم، فإن وجد قولاً لأحدهم ولم يخالفه أحد من الصحابة، ولا عُرِفَ نص يخالفه، واشتهر هذا القول في زمانهم أخذ به؛ لأنه حجة عند جماهير العلماء، فإذا لم يجد قولاً يحتجّ به من أقوال الصحابة، واحتاج إلى القياس رجع إليه بدون تكلّف، بل يستعمله على
(1) سورة البقرة، الآيتان: 168 - 169.
(2)
سورة الإسراء، الآية:36.
(3)
رؤوس: جمع رأس، وفيه التحذير من اتخاذ الجهال رؤساء. شرح النووي على صحيح مسلم، 16/ 465.
(4)
متفق عليه: البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس، برقم 7307، ومسلم، كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان، 4/ 2058، برقم 2673.
أوضاعه، ولا يتعسّف في إثبات العلة الجامعة التي هي من أركان القياس، بل إذا لم تكن العلّة الجامعة واضحة، فليتمسّك بالبراءة الأصلية (1).
وكما دل الحديث على التمسك بالكتاب والسنة دلّ على التحذير من الرأي؛ لقول سهل رضي الله عنه: ((اتّهموا رأيكم على دينكم))، قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله:((أي لا تعملوا في أمر الدين بالرأي المجرد الذي لا يستند إلى أصل من الدين)) (2)، وما أحسن ما قاله الشافعي – رحمه الله:
كلُّ العلوم سوى القرآن مشغلةٌ
…
إلا الحديث وعِلمَ الفقهِ في الدين
العلمُ ما كان فيه حدَّثنا
…
وما سوى ذاك وسواسُ الشياطين (3)
وقد ذمّ السلف رحمهم الله الرأي المجرد عن الدليل، فعن ابن الأشجِّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:((إياكم وأصحاب الرأي؛ فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضَلُّوا وأَضَلُّوا)) (4).
وعن عروة بن الزبير أنه كان يقول: ((السنن السنن؛ فإن السنن قوام الدين [أزهد الناس في العَالِم أهلُهُ])) (5).
(1) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، 20/ 14، و19/ 176، وإعلام الموقعين لابن القيم، 1/ 30، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر، 13/ 282.
(2)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر، 13/ 288.
(3)
ديوان الشافعي، جمع محمد عفيف، ص88، وانظر: البداية والنهاية لابن كثير، 10/ 254.
(4)
أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، 1/ 139، برقم 201، والدارمي في سننه، 1/ 47، برقم 121، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، 2/ 1041، برقم 2001، ورقم 2003، 2005.
(5)
أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، 2/ 1051، برقم 2029، 2030.
وقال الإمام أحمد – رحمه الله: ((لا تكاد ترى أحداً نظر في هذا الرأي إلا وفي قلبه دغل)) (1).
وقال الأوزاعي – رحمه الله: ((إذا أراد الله عز وجل أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه الأغاليط)) (2).
وقال الحافظ ابن عبد البر – رحمه الله – بعد أن ساق آثاراً كثيرة في ذم الرأي ما ملخصه: قال أكثر أهل العلم: إن الرأي المذموم المعيب المهجور الذي لا يحل النظر فيه، والاشتغال به: هو الرأي المبتدع، وشبهه من أنواع البدع (3).
وقال جمهور أهل العلم: الرأي المذموم في الآثار المذكورة هو القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون، والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات، ورد الفروع والنوازل بعضها على بعض قياساً دون ردّها على أصولها من الكتاب أو من السنة (4)، ثم قال:((ومن تدبّر الآثار المرويّة في ذمّ الرأي المرفوعة وآثار الصحابة والتابعين في ذلك علم أنه ما ذكرنا)) (5)، فرجَّح – رحمه الله – هذا القول ثم قال: و ((ليس أحد من علماء الأمة يثبت حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يردّه، دون ادّعاء نسخ ذلك بأثر أو بإجماع، أو بعمل يجب على أصله الانقياد، إليه أو طعن في
(1) أخرجه ابن عبد البر في المرجع السابق، 3/ 1054، برقم 2035.
(2)
أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، 2/ 1073، برقم 2083.
(3)
جامع بيان العلم وفضله، 2/ 1053.
(4)
انظر: المرجع السابق، 2/ 1054.
(5)
جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، 2/ 1062.