الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا من أبى)) قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال:((من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)) (1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((فعلى كل مؤمن أن لا يتكلَّم في شيء من الدين إلا تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يتقدَّم بين يديه، بل ينظر ما قال فيكون قوله تبعاً لقوله، وعمله تبعاً لأمره، فهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم، ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين؛ فلهذا لم يكن أحد منهم يعارض النصوص بمعقوله، ولا يؤسِّس ديناً غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا أراد معرفة شيء من الدين نظر فيما قاله الله والرسول صلى الله عليه وسلم فمنه يتعلم، وبه يتكلم، وفيه ينظر، وبه يستدلّ، فهذا أصل أهل السنة)) (2).
عاشراً: الاختلاف سبب الشرور والفرقة:
قال الله تعالى: {وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (3).
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة))، قيل: من هم يا رسول الله، قال:((ما أنا عليه وأصحابي))، وفي لفظ:((الجماعة)) (4) أي: هم من
(1) البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم 7280.
(2)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 13/ 63.
(3)
سورة آل عمران، الآية:105.
(4)
الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، برقم 2641، وأبو داود، كتاب السنة، باب شرح السنة، برقم 4596، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، برقم 3992، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 364.
كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي.
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: ((كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كُنِّا في جاهِلِيَّةٍ وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شرّ؟ قال: ((نعم)).
قلت: هل بعد ذلك الشرّ من خير؟ قال: ((نعم وفيه دخن))، قلت: وما دخنه؟
قال: ((قوم يستنّون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر)).
فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: ((نعم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها)).
فقلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال:((نعم، قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)).
قلت: يا رسول الله، فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال:((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)).
فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: ((فاعتزل تلك الفرق كلها،
ولو أن تعضّ على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) (1).
قال الإمام النووي رحمه الله: ((وفي حديث حذيفة هذا: لزوم جماعة المسلمين، وإمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق، وعمل المعاصي: من أخذ الأموال، وغير ذلك فتجب طاعته في غير معصية، وفيه معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي هذه الأمور التي أخبر بها، وقد وقعت كلها)) (2).
وعن عبد الرحمن بن يزيدَ، قال: صلّى عُثمان بمنىً أربعاً، فقال عبدالله [ابن مسعود]: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ومع عثمان صداً من إمارته ثم أتمَّها، ثم تفرَّقت بكم الطرق، فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين)).
وفي رواية أن عبد الله صلَّى أربعاً! فقيل له: عِبْتَ على عثمان ثم صليت أربعاً؟! قال: ((الخلاف شرٌ)) (3).
ولا شكّ أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تزال فيهم طائفة على الحق منصورة، لا يضرّهم من خذلهم أو من خالفهم حتى تقوم الساعة؛ لحديث معاوية رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تزال طائفةٌ من أمتي قائمةً بأمر
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الفتن، باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، برقم 7084، ومسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، برقم 1847.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 479، وانظر: فتح الباري، لابن حجر، 13/ 37.
(3)
أخرجه أبو داود في كتاب الحج، باب الصلاة بمنى، برقم 1960، والبيهقي في السنن الكبرى،
3/ 143. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 550: ((صحيح))، وقال في السلسلة الصحيحة، 1/ 223: ((وسنده صحيح))، وأصل الحديث في صحيح البخاري، برقم 1084، ومسلم، برقم 695، وأما رواية: ((الخلاف شرّ)) فعند أبي داود كما تقدم.
الله، لا يضرّهم من خذلهم، أو خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون على الناس)) (1).
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين (2).
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب المناقب، باب: حدثنا محمد بن المثنى، برقم 3641، ومسلم بلفظه، في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم:((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم))، برقم 1037.
(2)
انظر: جامع الأصول لابن الأثير، 1/ 277 - 293، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية،
91/ 5 - 8، و19/ 76 - 83، و36/ 60، وصحيح الترغيب والترهيب للألباني، 1/ 123 - 136، وفقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري، للمؤلف، 1/ 369، و2/ 1059 - 1062.