الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يشترك فيه جميع أنواع الكفار، والمرتدين، وإن تفاوتت درجاتهم في الكفر والرِّدَّة، فإن الله أخبر بزيادة الكفر، كما أخبر بزيادة الإيمان بقوله تعالى:
{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} (1).
وتارك الصلاة وغيرها من الأركان، أو مرتكبو الكبائر. كما أخبر بزيادة عذاب بعض الكفار على بعض في الآخرة بقوله تعالى:{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ} (2). فهذا أصل ينبغي معرفته؛ فإنه مهم في هذا الباب؛ فإن كثيراً ممن تكلم في (مسائل الإيمان والكفر) لتكفير أهل الأهواء ((لم يلحظوا هذا الباب، ولم يميزوا بين الحكم الظاهر والباطن، مع أن الفرق بين هذا وهذا ثابت بالنصوص المتواترة والإجماع المعلوم، بل هو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، ومن تدبَّر هذا علم أن كثيراً من أهل الأهواء والبدع قد يكون مؤمناً مخطئاً، جاهلاً ضالاً عن بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد يكون منافقاً زنديقاً يُظهِر خلافَ ما يُبطِن)) (3).
6 - البِدعَةُ:
لغة: الحدث في الدين بعد الإكمال، أو ما استُحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الأهواء والأعمال (4)، ويُقال: ((ابتدعتُ الشيء، قولاً أو فعلاً
(1) سورة التوبة، الآية:37.
(2)
سورة النحل، الآية:88.
(3)
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 7/ 471.
(4)
القاموس المحيط، باب العين، فصل الدال، ص906، ولسان العرب، 8/ 6، وفتاوى ابن تيمية، 35/ 414.
إذا ابتدأته عن غير مثال سابق)) (1).
وأصل مادة ((بدع)) للاختراع على غير مثال سابق، ومنه قوله تعالى:
{بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} (2)، أي: مخترعهما من غير مثال سابق متقدم (3).
والبدعة في الاصطلاح الشرعي لها عدة تعريفات عند العلماء يكمل بعضها بعضاً، ومنها:
(أ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((البدعة في الدين: هي ما لم يشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب)) (4).
((والبدع نوعان: نوع في الأقوال والاعتقادات، ونوع في الأفعال والعبادات، وهذا الثاني يتضمن الأول، كما أن الأول يدعو إلى الثاني)) (5). ((وكان الذي بنى عليه أحمد وغيره مذاهبهم: أن الأعمال عبادات وعادات))، فالأصل في العبادات أنه لا يشرع منها إلا ما شرعه الله، والأصل في العادات أنه لا يحظر منها إلا ما حظر الله (6).
وقال أيضاً: ((والبدعة ما خالف الكتاب والسنة، أو إجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات: كأقوال الخوارج، والروافض، والقدرية، والجهمية، وكالذين يتعبَّدون بالرّقص والغناء في المساجد، والذين
(1) معجم المقاييس في اللغة لابن فارس، ص119.
(2)
سورة البقرة، الآية: 117، سورة الأنعام، الآية:101.
(3)
الاعتصام للشاطبي، 1/ 49.
(4)
فتاوى ابن تيمية، 4/ 107 - 108.
(5)
فتاوى ابن تيمية، 22/ 306.
(6)
فتاوى ابن تيمية، 4/ 196.
يتعبّدون بحلق اللحى، وأكل الحشيشة، وأنواع ذلك من البدع التي يتعبّد بها طوائف من المخالفين للكتاب والسنة، والله أعلم)) (1).
(ب) وقال الشاطبي رحمه الله تعالى: ((البدعة: طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعيّة، يُقصدُ بالسلوك عليها المبالغة في التعبّد لله سبحانه)).
وهذا على رأي من لا يُدخل العادات في معنى البدعة، وإنما يخصُّها بالعبادات، وأما على رأي من أدخل الأعمال الاعتياديَّة في معنى البدعة، فيقول:((البدعة: طريقة في الدين مخترعةٌ، تُضاهي الشرعيّة، يُقصد بالسلوك عليها ما يُقصد بالطريقة الشرعية)) (2).
ثم قرّر رحمه الله تعالى على تعريفه الثاني أن العادات من حيث هي معتادة لا بدعة فيها، ومن حيث يتعبّد بها، أو تُوضع وضع التعبُّد تدخلها البدعة، فحصل بذلك أنه جمع بين التعريفين، ومثّل للأمور المعتادة التي لا بد فيها من التعبُّد: بالبيع، والشراء، والنكاح، والطلاق، والإجارات، والجنايات
…
؛ لأنها مقيدة بأمور وشروط وضوابط شرعية لا خيرة للمكلف فيها (3).
(ج) وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: (4) ((والمراد بالبدعة ما أُحدث مما لا أصل له في الشريعة يدلُّ عليه، فأما ما كان له أصل من
(1) فتاوى ابن تيمية، 18/ 346، وانظر: المرجع نفسه، 35/ 414.
(2)
الاعتصام لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، 1/ 50 - 56.
(3)
الاعتصام لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، 2/ 568، 569، 570، 594.
(4)
جامع العلوم والحكم، 2/ 127 - 128 بتصرف يسير جداً.
الشرع يدلّ عليه فليس ببدعة شرعاً، وإن كان بدعةً لغةً، فكلّ من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة، والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات، أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة والباطنة، أما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لمّا جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد، وخرج ورآهم يصلون كذلك قال:((نعمت البدعة هذه)) (1)، ومراده رضي الله عنه أن هذا الفعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت، ولكن له أصول من الشريعة يرجع إليها، فمنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحثّ على قيام رمضان، ويُرغِّب فيه، وكان الناس في زمنه يقومون في المسجد جماعاتٍ متفرقة ووحداناً، وهو صلى الله عليه وسلم صلَّى بأصحابه في رمضان غير ليلة، ثم امتنع من ذلك مُعلِّلاً، بأنه خشي أن يُكتب عليهم فيعجزوا عن القيام به، وهذا قد أُمِنَ بعده صلى الله عليه وسلم (2)
…
ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم أمر باتّباع سنة خلفائه الراشدين، وهذا قد صار من سنة خلفائه الراشدين (3).
والبدعة بدعتان: بدعة مُكفِّرة تُخرج عن الإسلام، وبدعة مُفسّقة لا تخرج عن الإسلام (4).
(1) أخرجه البخاري في كتاب صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان، برقم 2010.
(2)
انظر: صحيح البخاري، كتاب صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان، برقم 2012، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، برقم 761.
(3)
جامع العلوم والحكم، 2/ 129.
(4)
انظر: الاعتصام للشاطبي، 2/ 516.