الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً: بدعة الاحتفال بالمولد النبوي:
الاحتفال بالمولد بدعة منكرة، وأول من أحدثها العبيديون في القرن الرابع الهجري، وقد بيّن العلماء قديماً وحديثاً بطلان هذه البدعة والرد على من ابتدعها وعمل بها، فلا يجوز الاحتفال بالمولد، لأمور وبراهين منها:
أولاً: الاحتفال بالمولد من البدع المحدثة في الدين التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرعه لا بقوله، ولا فعله، ولا تقريره، وهو قدوتنا وإمامنا، قال الله عز وجل:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُو وَاتَّقُوا الله إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (1)،وقال سبحانه:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا} (2)،وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ)) (3).
ثانياً: الخلفاء الراشدون ومن معهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفلوا بالمولد، ولم يدعوا إلى الاحتفال به، وهم خير الأمة بعد نبيها، وقد قال صلى الله عليه وسلم في حق الخلفاء الراشدين:((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومُحدثات الأمور، فإن كل مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) (4).
ثالثاً: الاحتفال بالمولد من سنة أهل الزيغ والضلال؛ فإن أول من أحدث الاحتفال بالمولد الفاطميون، العبيديون في القرن الرابع الهجري،
(1) سورة الحشر، الآية:7.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:21.
(3)
متفق عليه: البخاري، برقم 2697، ومسلم، برقم 1718، وتقدم تخريجه.
(4)
أبو داود، برقم 4607، والترمذي، برقم 2676، وتقدم تخريجه.
وقد انتسبوا إلى فاطمة رضي الله عنها ظلماً وزوراً، وبهتاناً؛ وهم في الحقيقة من اليهود، وقيل من المجوس، وقيل من الملاحدة (1)، وأولهم المعز لدين الله العبيدي المغربي الذي خرج من المغرب إلى مصر في شوال سنة 361هـ، وقدم إلى مصر في رمضان سنة 362هـ (2)، فهل لعاقل مسلم أن يقلد الرافضة، ويتّبع سنتهم ويخالف هدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؟.
رابعاً: إن الله عز وجل قد كمَّل الدين، فقال سبحانه وتعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} (3)، والنبي صلى الله عليه وسلم قد بلّغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة، ويُباعد من النار إلا بيَّنه للأمة، ومعلوم أن نبيّنا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء، وخاتمهم، وأكملهم بلاغاً، ونصحاً لعباد الله، فلو كان الاحتفال بالمولد من الدين الذي يرضاه الله عز وجل لبيَّنه صلى الله عليه وسلم لأمته، أو فعله في حياته، قال صلى الله عليه وسلم: ((ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه
(1) انظر: الإبداع في مضار الابتداع، للشيخ علي محفوظ، ص251، والتبرك: أنواعه وأحكامه، للدكتور ناصر بن عبد الرحمن الجديع، ص359 - 373، وتنبيه أولي الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من أخطار، للدكتور صالح السحيمي، ص232.
(2)
انظر: البداية والنهاية: لابن كثير، 11/ 272 - 273، 345، 12/ 267 - 268، و 6/ 232، 11/ 161، 12/ 13، 63، 266، وانظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، 15/ 159 - 215، وذكر أن آخر ملوك العبيدية: العاضد لدين الله، قتله صلاح الدين الأيوبي سنة 564هـ، قال:((تلاشى أمر العاضد مع صلاح الدين إلى أن خلعه وخطب لبني العباس واستأصل شأفة بني عبيد ومحق دولة الرفض، وكانوا أربعة عشر متخلفاً لا خليفة، والعاضد في اللغة: القاطع، فكان هذا عاضداً لدولة أهل بيته))، 15/ 212.
(3)
سورة المائدة، الآية:3.
لهم)) (1).
خامساً: إحداث مثل هذه الموالد البدعية يُفهم منه أن الله تعالى لم يُكمل الدين لهذه الأمة، فلا بد من تشريع ما يكمل به الدين! ويفهم منه أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُبلّغ ما ينبغي للأمة حتى جاء هؤلاء المبتدعون المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به سبحانه، زاعمين أن ذلك يقرّبهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم، واعتراض على الله عز وجل، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل قد أكمل الدين، وأتمّ على عباده نعمته.
سادساً: صرّح علماء الإسلام المحقّقون بإنكار الموالد، والتحذير منها عملاً بالنصوص من الكتاب والسنة، التي تحذّر من البدع في الدين، وتأمر باتّباع النبي صلى الله عليه وسلم، وتحذّر من مخالفته في القول وفي الفعل والعمل.
سابعاً: إن الاحتفال بالمولد لا يحقّق محبّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما يحقّق ذلك: اتّباعه، والعمل بسنته، وطاعته صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل:{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (2).
ثامناً: الاحتفال بالمولد النبوي، واتخاذه عيداً فيه تشبه باليهود والنصارى في أعيادهم، وقد نُهينا عن التشبه بهم، وتقليدهم (3).
تاسعاً: العاقل لا يغترّ بكثرة من يحتفل بالمولد من الناس في سائر
(1) مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء: الأول فالأول،2/ 1473،برقم 1844.
(2)
سورة آل عمران، الآية:31.
(3)
انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، لابن تيمية، 2/ 614 - 615، وزاد المعاد، لابن القيم، 1/ 59.
البلدان، فإن الحقّ لا يُعرف بكثرة العاملين، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية، قال الله سبحانه وتعالى:{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ الله} (1)، وقال عز وجل:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (2)، وقال سبحانه:{وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (3).
عاشراً: القاعدة الشرعية: ردّ ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} (4)، وقال عز وجل:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله} (5)، ولا شك أن من ردّ الاحتفال بالمولد إلى الله ورسوله يجد أن الله يأمر باتّباع النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (6)، ويبين سبحانه وتعالى أنه قد أكمل الدين، وأتمّ النعمة على المؤمنين، ويجد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالاحتفال بالمولد، ولم يفعله، ولم يفعله أصحابه، فعلم بذلك أن الاحتفال بالمولد ليس من الدين، بل هو من البدع المحدثة.
الحادي عشر: إن المشروع للمسلم يوم الإثنين أن يصوم إذا أحبّ،
(1) سورة الأنعام، الآية:116.
(2)
سورة يوسف، الآية:103.
(3)
سورة سبأ، الآية:13.
(4)
سورة النساء، الآية:59.
(5)
سورة الشورى، الآية:10.
(6)
سورة الحشر، الآية:7.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين، فقال:((ذاك يومٌ ولدت فيه، ويومٌ بعثت، أو أُنزل عليَّ فيه)) (1)، فالمشرع التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في صيام يوم الإثنين، وعدم الاحتفال بالمولد.
الثاني عشر: عيد المولد النبوي لا يخلو من وقوع المنكرات والمفاسد غالباً، ويعرف ذلك من شاهد هذا الاحتفال، ومن هذه المنكرات على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
1 -
أكثر القصائد والمدائح التي يتغنَّى بها أهل المولد لا تخلو من ألفاظ شركية، والغلوّ، والإطراء الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله)) (2).
2 -
يحصل في الاحتفالات بالموالد في الغالب بعض المحرمات الأخرى: كاختلاط الرجال بالنساء، واستعمال الأغاني والمعازف، وشرب المسكرات والمخدرات، وقد يحصل فيها الشرك الأكبر كالاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم،أو غيره من الأولياء، والاستهانة بكتاب الله عز وجل، فيشرب الدخان في مجلس القرآن، ويحصل الإسراف والتبذير في الأموال، وإقامة حلقات الذكر المحرَّف في المساجد أيام الموالد، مع ارتفاع أصوات المنشدين مع التصفيق القوي من رئيس الذاكرين، وكل ذلك غير
(1) صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه، كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم عرفة وعاشوراء، والإثنين والخميس، 2/ 819، برقم 1162.
(2)
البخاري، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ
…
} 4/ 171،برقم 3445.
مشروع بإجماع علماء أهل الحق (1).
3 -
يحصل عمل قبيح في الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك يكون بقيام البعض عند ذكر ولادته صلى الله عليه وسلم إكراماً له وتعظيماً، لاعتقادهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد في مجلس احتفالهم؛ ولهذا يقومون له محيِّين ومرحبِّين، وهذا من أعظم الباطل، وأقبح الجهل؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة (2)، كما قال الله عز وجل:{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} (3)، وقال عليه الصلاة والسلام:((أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشقّ عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفّع)) (4)، فهذه الآية، والحديث الشريف، وما جاء في هذا المعنى من الآيات والأحاديث، كلّها تدلّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة.
قال سماحة العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين، ليس فيه نزاعٌ بينهم)) (5).
(1) انظر: الإبداع في مضار الابتداع، للشيخ علي محفوظ، ص 251 - 257.
(2)
انظر: التحذير من البدع، لسماحة العلامة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله، ص13.
(3)
سورة المؤمنون، الآيتان: 15 - 16.
(4)
مسلم، كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق،4/ 1782، برقم 2278.
(5)
التحذير من البدع، ص7 - 14، وانظر: الإبداع في مضار الابتداع للشيخ علي محفوظ ص250 - 258، والتبرك: أنواعه وأحكامه، للدكتور ناصر بن عبد الرحمن الجديع، ص358 - 373، وتنبيه أولي الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من أخطار، ص228 - 250.