الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: مذاهب الناس في تكفير أهل القبلة ومناقشتها
الفصل الأول: مذاهب الناس في التكفير
المبحث الأول: الخوارج ورأيهم
الخوارج يقال لهم: (الحَرورية) نسبة إلى قرية خرجوا منها يقال لها: حروراء، وكل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه [وكفر بالمعاصي] يسمى خارجيّاً (1)، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين، أو كان بعدهم على التابعين بإحسان، والأئمة في كل زمان (2)، ولما اختلفت الخوارج صارت عشرين فرقة (3)، وكبار الفرق منهم: المحكِّمة، والأزارقة، والنجدات، والبيهسية، والعجاردة، والثعالبة، والإباضية، والصفرية، والباقون فروعهم، ويجمعهم القول بالتبرؤ من عثمان وعلي رضي الله عنهما، ويقدّمون ذلك على كل طاعة، ولا يصحّحون المناكحات إلا على ذلك، ويكفّرون أصحاب الكبائر (4)، ويستحلّون دماءهم، وأموالهم، وقالوا: بخلود العصاة في النار، ويرون اتّباع الكتاب دون السنة التي تخالف ظاهر الكتاب وإن كانت متواترة، ويكفّرون من خالفهم، ويستحلّون منه - لارتداده عندهم - ما لا يستحلونه من الكافر الأصلي (5)، ويرون الخروج على الإمام إذا خالف
(1) انظر: التفصيل في هذا المبحث الخامس من الفصل الأول من الباب الأول من هذه الرسالة.
(2)
الملل والنحل للشهرستاني، 1/ 114، وذكر جميع الفرق بالتفصيل لمذهب كل فرقة.
(3)
الفرق بين الفرق لعبد القاهر بن طاهر البغدادي، ص24،وذكر أسماء الفرق، ص24،وص73.
(4)
الملل والنحل لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، 1/ 115.
(5)
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 3/ 335، وانظر الأجوبة المفيدة على أسئلة العقيدة للجطيلي، ص58 - 60.
السنة حقّاً واجباً (1)، ويجمع الخوارج على اختلاف مذاهبهم تكفير علي، وعثمان، وأصحاب الجمل، والحكمين، ومن رضي بالتحكيم، أو صوّب الحكمين، أو أحدهما، والخروج على السلطان الجائر
…
ولم يُرضَ
ما حكاه الكعبي من إجماعهم على تكفير مرتكبي الذنوب، والصواب
ما حكاه أبو الحسن عنهم وقد أخطأ الكعبي في دعواه إجماع الخوارج على تكفير مرتكبي الذنوب منهم، وذلك أن النجدات من الخوارج لا يكفّرون أصحاب الحدود من موافقيهم، وقالت النجدات: إن صاحب الكبيرة من موافقيهم كافرٌ بنعمة وليس فيه كفرُ دين (2).
قال عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي: إن المُحَكِّمة الأولى من الخوارج قالوا: بتكفير علي، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعائشة، وأصحاب الجمل، وبتكفير معاوية، والحكمين، وأصحاب الذنوب من هذه الأمة وما زادوا على ذلك، حتى ظهرت الأزارقة منهم، فزعموا أن مخالفيهم مشركون، وكذلك أهل الكبائر من موافقيهم، واستحلّوا قتل النساء والأطفال من مخالفيهم، وزعموا أنهم مخلّدون في النار (3).
وما تمسَّك به الخوارج والمعتزلة وأمثالهم، من التشبّث بنصوص الكفر والفسوق الأصغر، واستدلالهم به على الأكبر فذلك مما جنته أفهامهم الفاسدة، وأذهانهم البعيدة، وقلوبهم الغلف، فضربوا نصوص الوحي بعضها ببعض، واتّبعوا ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.
(1) الملل والنحل للشهرستاني، 1/ 115.
(2)
الفَرق بين الفِرق، ص73 - 74.
(3)
أصول الدين لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي، ص332.
فقالت الخوارج: المُصِرُّ على كبيرة من زنا، أو شرب خمر، أو رباً، كافر مرتدّ خارج من الدين بالكلية، لا يُصلّى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، ولو أقرّ لله تعالى بالتوحيد، وللرسول صلى الله عليه وسلم بالبلاغ، ولو صلى وصام، وزكّى، وحجّ، وجاهد، وهو مخلّد في النار أبداً مع إبليس، وجنوده، ومع فرعون، وهامان، وقارون (1).
وفسرّوا الآيات القرآنية بما يؤيّد قولهم في تكفير من يرتكب الكبائر مثل قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (2)، وقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} (3). قالوا: فلم يجعل الله منزلة ثالثة تقع وسطاً بين الكفر والإيمان، ومن كفر وحبط عمله فهو مشرك، والإيمان رأس الأعمال، وأول الفرائض
…
ومن ترك ما أمره الله به فقد حبط عمله، وإيمانه، ومن حبط عمله فهو بلا إيمان، والذي لا إيمان له مشرك كافر (4).
ومما تمسّك به الخوارج قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)) (5)، ويأتي الرّدّ عليهم إن شاء الله في فصل مناقشة الآراء (6).
(1) معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد، 2/ 420.
(2)
سورة المائدة، الآية:5.
(3)
سورة التغابن، الآية:2.
(4)
الخوارج، الأصول التاريخية لمسألة تكفير المسلم، ص30.
(5)
متفق عليه، البخاري، كتاب المظالم، باب النهبى بغير إذن صاحبه، برقم 2475، ومسلم، واللفظ له، كتاب الإيمان، با ب نقصان الإيمان بالمعاصي، برقم 57.
(6)
انظر المبحث الأول من الفصل الثاني من الباب الثالث.