الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تلك هي المرأة التي وثب بها الإسلام، ووثبت به، وكان أثرها في تكوين رجاله، وتصريف حوادثه أشبه ما يكون بأثر الغدير الهادئ الفياض في زَهْر الرياض) (14) .
مظاهر تكريم الإسلام للمرأة
لم يعتبر الإسلام المرأة جرثومة خبيثة كما اعتبرها الآخرون، ولكنه قرر حقيقة تزيل هذا الهوان عنها، وهي أن المرأة بين يدي الإسلام قسيمة الرجل، لها ما لها من الحقوق، وعليها أيضا من الواجبات ما يلائم تكوينها وفطرتها، وعلى الرجل بما اخْتُص بهِ من شرف الرجولة، وقوة الجَلَدِ، وبسطة اليد، واتساع الحيلة، أن يلي رياستها، فهو بذلك وليُّها؛ يحوطُها بقوته، ويذود عنها بدمه، وينفق عليها من كسب يده.
ذلك ما أجمله الله، وضم أطرافه، وجمع حواشيه، بقوله تباركت آياته:
(ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة) البقرة (228) .
تلك هي درجة الرعاية والحياطة، لا يتجاوزها إلى قهر النفس، وجحود الحق.
وكما قرن الله سبحانه بينهما في شئون الحياة، كذلك ساوى بينهما في الإنسانية، والموالاة، وتكاليف الإيمان، وحسن المثوبة، وادخار الأجر، وارتقاء الدرجات العلى في الجنة.
(140) "المرأة العربية، (2/14) بتصرف.
المساواة في الإنسانية
فالنساء والرجال في الإنسانية سواء، قال تعالى:(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) الحجرات (13) .
وهي قد خلقت من الرجل، قال سبحانه:(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً) الآية النساء (1) .
وخلق المرأة نعمة عظيمة ينبغي أن يحمد الرجال ربهم عليها، قال تعالى:(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمهَ) الروم (21)، وقال عز وجل:(هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) الآية، الأعراف (189) .
وقال جَلَّ وعلا: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) النحل (72) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما النساء شقائق الرجال"(141) .
المساواة في أغلب تكاليف الإيمان
إذا كان مناط التكليف هو الأهلية، فلكل من الرجل والمرأة أهلية الوجوب، وأهلية الأداء، ما دام قد تقرر في ذمة كل منهما الواجبات الشرعية، فلا تبرأ ذمة كل منهما حتى يؤدي ما عليه من واجبات،؟ يكون له بمقتضى تلك الأهلية حقوق قِبَلَ غيره.
(141) تقدم تخريجه بهاش رقم (139) .
وقد وضع القرآن الكريم الرجل والمرأة على قدم المساواة في الالتزامات الأخلاقية، والتكاليف الدينية إلا في حالات مخصوصة خفَّف اللَه فيها عن المرأة رحمةً بها، ومراعاةً لفطرتها وتكوينها؟ سيأتي إن شاء الله.
وإيمان النساء كإيمان الرجال:
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار) الآية، الممتحنة (10) .
وقال تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احملوا بهتانا وإثما مبينًا) الأحزاب (58) .
وقال سبحانه: (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) البروج (10) .
وأمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات جميعا فقال عز وجل: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات
والله يعلم متقلبكم ومثواكم) القنال (19) .
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من استغفر للمؤمنين وللمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة"(142) .
ومن المجمع عليه المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن على النساء ما على الرجال من أركان الإسلام، إلا أن الصلاة تسقط عن المرأة في زمن الحيض والنفاس مطلقًا فتتركها، ولا تعيدها لكثرتها، وأما الصيام فيسقط
(142) قال في " مجمع الزوائد": (رواه الطبراني، وإسناده جيد) اهـ (10/ 210) .
عنها في زمنهما، وتقضي ما أفطرته من أيام رمضان لقلتها، وأما حجها فيصح في كل حال، ولكنها لا تطوف بالبيت الحرام إلا وهي طاهرة.
المساواة في المسئولية المدنية
في الحقوق المادية الخاصة (143)
أكد الإسلام احترام شخصية المرأة المعنوية، وَسَواها بالرجل في أهلية الوجوب والأداء، وأثبت لها حقها في التصرف، ومباشرة جميع العقود: كحق البيع، وحق الشراء، وحق الدائن، وحق المدين، وحق الراهن، وحق المرتهن، كذلك حق الوكالة، والإجارة، والاتجار في المال الخاص، وما إلى ذلك، وكل هذه الحقوق المدنية واجبة النفاذ.
ولقد أطلق الإسلام للمرأة حرية التصرف في هذه الأمور بالشكل الذي تريده، دون أية قيود تقيد حريتها في التصرف، سوى القيد الذي يقيد الرجل نفسه فيها، ألا وهو قيد المبدأ العام: أن لا تصدم الحرية بالحق أو الخير.
قال تبارك وتعالى: (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب
مما اكتسبن) (النساء: 32) ، وجعل لها حق الميراث، فقال تعالى:(للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا)(النساء: 37) ، كما جعل صداقها ملكًا خالصا لها، لا يشاركها فيه أحد، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض
(143) من "الأسرة في ضوء الكتاب والسنة " للدكتور السيد أحمد فرج ص (29-32) بتصرف.
ما آتيتموهن) الآيتان (النساء: 19- 20) .
والمرأة في تملك هذه الحقوق شأنها أمام الشرع، شأن الرجل تمامًا إذا أحسنت أو أساءت، قال جل وعلا:(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالًا من الله والله عزيز حكيم)(المائدة:38) .
وقال عز وجل: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)(النور:2) .
كذلك ساوت الشريعة بينهما في الدماء، وقررت أن يقتل الرجل بالمرأة، قال جل وعلا:(ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)(البقرة: 179) .
وقال عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) الآية (البقرة:178) .
وهذه الآية تبين حكم النوع إذا قتل نوعه، ولم تتعرض لأحد النوعين إذا قتل الآخر، فهي محكمة، وفيها إجمال، يبينه قوله تعالى:(وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) الآية (المائدة: 45) .
المساواة في جزاء الآخرة
وقال تعالى: (من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) النحل (97) .
وقَال عز وجل: (من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) غافر (40) .
وقال سبحانه: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) النساء (124) .
وقال عز وجل في أولي الألباب الذين يذكرون الله كثيرا، ويتفكرون في خلق السموات والأرض، وَيَدْعُونه:(فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض)(144) آل عمران (195)
وتأمل كيف أكد القرآن هذا المبدأ في قوله تعالى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات أعَدَّ الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا)(145) الأحزاب (35)
(144) وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء، فأنزل الله عز وجل:(فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض - إلى - والله عنده حسن الثواب) .
رواه الترمذي رقم (3026) في التفسير، والطبري رقم (8368) وفي سنده رجل من بني سلمة، رواه الحاكم (2/300)، وقال:" هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه"، وبينَ الحاكم أن الرجل هو سلمة بن أبي سلمة، لم يخرج له سوى الترمذي، ولم يوثقه غير ابن حبان، وقال الحافظ:" مقبول" - انظر " التقريب "(1/317) .
وقد قال الزمخشري في تفسير هذه الآية: (أي بجميع ذكوركم وإناثكم أصل واحد، فكل واحد منكم من الآخر أي من أصله، أو كأنه منه لفرط اتصالكم واتحادكم) اهـ.
(145)
وعن أم عمارة الأنصارية رضي الله عنها قالت:
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرن بشيء، فنزلت:(إن المسلمين والمسلمات - إلى قوله: أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيما) .
فسوى سبحانه بين الزوج والزوجة والابن والبنت والعبد والأمة في هذه الصفات الجميلة، وما زال السلف رضوان الله عليهم على هذا المنهاج تجد أولادهم ونساءهم وعبيدهم وإماءهم في غالب أمرهم مشتركين في هذه الفضائل كلها.
وقال سبحانه: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها
الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله اكبر ذلك هو الفوز العظيم) التوبة (72) .
وقال عز وجل: (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها، وَيُكَفًرَ عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما) الفتح (5) .
وقال تبارك وتعالى: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم
= أخرجه الترمذي رقم (3209) في التفسير: باب: ومن سورة الأحزاب، وقال:"هذا حديث حسن غريب" اهـ.
وعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: " ما لنا لا نُذْكَرُ في القرآن كما يُذْكَرُ الرجال؟ "، قالت: فلم يَرُعْني منه - أي يفزعني ويفاجئني- يومئذ إلا ونداؤه على المنبر: قالت: وأنا أسرح شعري، فلففت شعري، ثم خرجت إلى حجرة من حجَر بيتي، فجعلت سمعي عند الجريد- معناه أنها رفعت رأسها إلى جهة الجريد الذي هو سقف المسجد إذا ذاك لقرب النبي صلى الله عليه وسلم منه وهو على المنبر، لكونه غير مرتفع عن المنبر كثيرا- فإذا هو يقول عند المنبر: يا أيها الناس إن الله يقول في كتابه: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات- إلى آخر الآية: أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيما)) رواه الإمام أحمد في " المسند، (6 /301) ، والنسائي في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف" (13/5824) ، والحاكم مختصرا، وصححه على شرط الشيخين، وأقره الذهبي (2/416) .
بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم) الحديد (12) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت" (146) .
فإذا احتمل الرجل نار الهجير، واصطلى جمرة الحرب، وتناثرت أوصاله تحت ظلال السيوف، فليس ذلك بزائده مثقالَ حبة عن المرأة إذا وفت لبيتها، وأخلصت لزوجها، وأحسنت القيام على بنيها.
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد عبد الله بن رواحة، قال: فما تحوز (147) له عن فراشه، فقال: أتدري من شهداء أمتي؟ قالوا: قتل المسلم شهادة، قال: إن شهداء أمتي إذا لقليل قتل المسلم شهادة، والطاعون شهادة، والمرأة يقتلها ولدُها جمعاء (148) شهادة، يجرها ولدها بسرره (149) إِلى الجنة، (150) .
(146) رواه من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه الإمام أحمد رقم (1661)(3/128)، وقال الشيخ أحمد شاكر:"إسناده منقطع"، وعزاه الألباني في (آداب الزفاف" ص (286) إلى الطبراني في " الأوسط"، وابن حبان في" صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأبي نعيم (6/308) ، والجرجاني عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وقال الألباني) (حديث حسن أو صحيح له طرق) اهـ.
(147)
تحوز: أي تنحى.
(148)
جمعاء: هي التي تموت وفي بطنها ولد.
(149)
السرة: ما يبقى بعد القطع مما تقطعه القابلة، والسرر ما تقطعه.
(150)
أخرجه الإمام أحمد، والدارمي، والطيالسي، وصحح الألباني إسناده في "أحكام الجنائز، ص (39) .
المساواة في الموالاة والتناصر
قال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) التوبة (72) .
المساواة بين المؤمنات إزالة الفوارق ين النساء:
مزق الإسلام حجب الفوارق بينَ النساء كما مزقها بين الرجال، فتطامنت الرؤوس، وتساوت النفوس، فلم يكن بين المرأة والمرأة إلا الخير تتقدم به، أو العمل الصالح تسبق إليه، فأما أن تُدِلَّ بعَرَض طارف، أو تعتز بحسب قديم فذلك ما لا يقدمها أنملة، ولا يغنى عنها من الله شيئا.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عز وجل: (وأنذر عشيرتك الأقربين) قال: يا معشر قريش" - أو كلمة نحوها - " اشتروا أنفسكم، لا أغنى عنكم من الله شيئَا، يابنى عبد مناف، لا أغني عنكم من الله شيئَا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا صفيةُ عمةَ رسول الله، لا أغني عنكِ من الله شيئًا، ويا فاطمةُ بنت محمد، سليني ما شئتِ من مالي، لا أغني عنكِ من الله شيئا") (151) .
(151) رواه البخاري (8/386) في تفسير سورة الشعراء: باب (وأنذر عشيرتك =
لقد شرع الله للمؤمنين شِرعة الإخاء بقوله جل شأنه: (إنما المؤمنون إخوة) الحجرات (10) فلم يكن يفرق بين المسلمة والمسلم، ولا بين المسلم والمسلمة، إلا شريف الخلق وخسيسه، فذلك حيث يقول الله تباركت حكمته في كتابه الكريم:(الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين، والطيبون للطيبات) النور (26)، وكذلك استن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة المساواة بقوله:"المسلم أخو المسلم"(152)، وهو الذي يقول صلى الله عليه وسلم:(كل نسب وصِهْرٍ ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري" (153)، ولا أدل على ما نقول من: [حديث فاطمة بنت الأسود المخزومية - وهي امرأة من ذوات الشرف والحسب في قريش - وَهَنت نفسها فسرقت، فقامت عليها البينة، فوجب عليها الحد فأَهَمَّ ذلك قريشًا، فقالوا: من يكلِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ
= الأقربين) ، وفي الوصايا، والأنبياء، ومسلم رقم (206) في الإيمان: باب قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، والترمذي رقم (3184) في التفسير: باب ومن سورة الشعراء، والنسائي (6/248) في الوصايا: إذا أوصى لعشيرته الأقربين.
(152)
طرف حديث أخرجه البخاري (5/70) في المظالم: باب لا يظلم المسلم المسلم، ولا يسلمه، وفي الإكراه، ومسلم رقم (2580) في البر والصلة ة باب تحريم الظلم، والترمذي رقم (1426) في الحدود: باب ما جاء في الستر على المسلم، كلهم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ورواه الترمذي رقم (1928) في البر والصلة: باب ما جاء في شفقة المسلم على المسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وزاد:" لا يخذله، ولا يكذبه، ولا يظلمه، وإن أحدكم مرآة أخيه، فإن رأى به أذى فليُمِطه عنه".
(153)
عزاه السيوطي إلى ابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما، ورمز له بالصحة، وقال المناوي:(قال الذهبي: فيه ابن وكيع لا يعتمد، لكن ورد فيه مرسل حسن" اهـ) من فيض القدير" (5/36) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع" (4/ 182) .
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلَّم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فتلوَن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:" أتشفع في حَدّ من حدود الله؟ "، فقال أسامة:" استغفر لي يا رسول الله "، فلما كان بالعشي، قام فاختطب، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال:" أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، ثم أمر صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة التي سرقت، فقُطِعَتْ يَدُها"، قالت عائشة رضي الله عنها: فحسنت توبتها بعدُ وتزوجت، وكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها. إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (154) .
ومن ذلك أن الله تعالى ذم سخرية بعض النساء من بعض، فقال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا) يسخر (نساء من نساء عسى أن يكن) المسخور بهن (خيرا منهن) يعني من الساخرات بهن، قيل: إنها نزلت لما أتت صفية بنت حيي بن أخطب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم (155)، قال الحافظ الذهبي رحمه الله: (وفي جامع أبي عيسى، من طريق هاشم بن سعيد الكوفي: حدثنا كنانة: حدثتنا صفية بنت حُيي، قالت: دخل عَلَيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بلغني عن عائشة وحفصة كلام، فذكرتُ له ذلك، فقال: "ألا قلتِ: وكيف
(154) أخرجه البخاري (12/76) في الحدود: باب إقامة الحدود على الشريف والوضيع، وفي الشهادات، وفي الأنبياء، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المغازي، ومسلم رقم (1688) في الحدود: باب قطع السارق الشريف وغيره، والترمذي رقم (1430) في الحدود: باب ما جاء في كراهية أن يشفع في الحدود، وأبو داود رقم (4373) و (4374) في الحدود: باب في الحد يشفع فيه، والنسائي (8/74- 75) في السارق: باب ما يكون حرزا، وما لا يكون. (155) انظر:" زاد المسير في علم التفسير"(7/466) .
تكونان خيرا مني، وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى" (156)، وكان بلغها أنهما قالتا: نحن أكرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، نحن أزواجه، وبناتُ عمه) (157) .
من مظاهر رحمة الإسلام بالمرأة
أرأيت لو ذَهَبَتْ صبية جارية بقطيع من الغنم، فعدا الذئب على واحدة فأكلها، فنهض مولى الصبية إليها يضربها، أكان ذلك غريبا على الناس، بعيدَا عن مواقع أسماعهم وأبصارهم؟
لقد حدث ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وغدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بما أصاب به جاريته، واشتد غضب النبي صلى الله عليه وسلم، وشق عليه ما كان من ضرب الجارية، وَلنَدَعْ صاحبَ الواقعة معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه يحكيها لنا:
(156) وذلك لأنها رضي الله عنها بنت حيي بن أخطب بن سَعية، من سبط اللاوي ابن نبي الله إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، ثم من ذريته رسول الله هارون عليه السلام.
(157)
نقلًا من "سير أعلام النبلاء"(2/233)، وقال محققه الشيخ شعيب الأرنؤوط: [أخرجه الترمذي (3892) في المناقب، والحاكم (4/29) ، وإسناده ضعيف لضعف هاشم بن سعيد الكوفي، وباقي رجاله ثقات، لكن يشهد له حديث أنس رضي الله عنه عند أحمد (3/135، 136) ، والترمذي (3894) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت، عن أنس قال: (بلغ صفية أن حفصة قالت: "بنت يهودي"، فبكت، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي تبكي، فقال:"ما يبكيك"؟ فقالت: "قالت لي حفصة: إني بنت يهودي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي، ففيم تفخر عليك؟ "، ثم قال:
" اتقي الله يا حفصة"، وإسناده صحيح] اهـ من هامش " سير أعلام النبلاء، (2/233) .
قال: رضي الله عنه:
(كانت لي جارية ترعى غنمًا لي في قِبَل أُحُد والجوانية، فاطلعتها ذات يوم، فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسَفُ كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فأتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَعَظَّمَ ذلك عَلَيَّ، قلت: " يا رسول الله أفلا أعتقها؟ " قال: "ائتني بها"، فأتيته بها، فقال لها: " أين الله؟ "، فقالت: "في السماء"، قال: " من أنا؟ "، قالت: " أنت رسول الله"، قال: " أعتقها، فإنها مؤمنة")(158)، وقال مرة:"هي مؤمنة فأعتقها".
وعن هلال بن يساف قال:
(كنا نبيع البُر في دار سويد بن مُقَرن أخي النعمان بن مقرن، فخرجت جارية، فقالت لرجل مِنا كلمةً فلطمها، فغضب سويد- وفي رواية: فما رأيت سويدا أشد غضبًا منه ذلك اليوم، وقال له: عجز عليك إلا حُرُّ وجهها؟ لقد رأيتني سابع سبعة من بني مُقَرِّن، ما لنا خادم إلا واحدة، فلطمها أصغرنا، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُعتقها)(159) .
وكان من أشد ما يؤلم نفسه الكريمة صلى الله عليه وسلم أن يسمع الرجل يُعَير الرجل
(158) أخرجه مسلم (537) في المساجد وموضع الصلاة فيها: باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته، وأبو داود (930) في الصلاة: باب تشميت العاطس في الصلاة، والنسائي (3/ 14-19) في الصلاة: باب الكلام في الصلاة، والإمام أحمد (5/447، 448) ، وابن أبي شيبة (11/19 - 20) ، الطيالسي (1105) ، وابن أبي عاصم في "السنة"(1/215) رقم (489) ، والبيهقي في " الأسماء والصفات" ص (422) ، وفي "سننه"(7/387) ، والدارمي في " الرد على الجهمية" ص (21-22) ، والطبراني في " الكبير"(19/937، 938) من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه.
(159)
رواه مسلم رقم (1658) في الإيمان: باب صحبة المماليك، وأبو داود رقم (5166)، (5167) في الأدب: باب في حق المملوك، والترمذي رقم (1542) في النذور: باب ما جاء في الرجل يلطم خادمه.
بأمه، وآية ذلك ما حَدَّثَ المعرور بن سويد قال:(لقِيتُ أبا ذَر بالربَذَةِ (160) ، وعليه حُلًةٌ، وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببتُ رجلًا، فَعَيرتُه بأمه (161)، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم:"يا أبا ذَر، أعيرتَه بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خَوَلُكم (162) ، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليُلْبسهُ مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم") (163) .
ومن مظاهر رفقه صلى الله عليه وسلم ورحمته بالنساء:
ما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (استأذن عمرُ على النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده نسوة من قريش يُكَلِّمنَهُ - وفي رواية: يسألنه، ويستكثِرنَه- عاليةً أصواتُهنَّ على صوتِهِ، فلما استأذن عُمَرُ قُمْنَ يبتدِرْنَ الحجابَ، فأذِن له النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل عُمَرُ والنبي يضحك، فقال عمر: (أضحَكَ الله سِنَّكَ (164) ، بأبي وأمي، قال: "عجبت من هؤلاء اللاتي كُن عندي، فلما سَمِعْنَ صوتَك ابتدرْنَ الحجابَ، قال عمر:
(160) الربَذَة: موضع بالبادية، بينه وبين المدينة ثلاث مراحل.
(161)
زاد البخاري في "الأدب": (وكانت أمه أعجمية فنلت منها"، وفى رواية: "قلت له: يا ابن السوداء".
(162)
الخوَلُ: حشمُ الرجل وأتباعه، واحدهم خائل، وهو مأخوذ من التخويل: التمليك، وقيل: من الرعاية.
(163)
رواه البخاري (1/ 80، 81) في الإيمان: باب المعاصي من أمر الجاهلية، وفي العتق: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " العبيد إخوانكم فأطعموهم مما تأكلون"، وفي الأدب: باب ما ينهى من السباب واللعن، ومسلم رقم (1661) في الإيمان: باب إطعام المملوك مما يأكل، وأبو داود، أرقام (5157) ، (5158)، (5161) في الأدب: باب حق المملوك.
(164)
قال الحافظ في "الفتح": (لم يرد به الدعاء بكثرة الضحك، بل لازمه وهو =
" فأنت يا رسولَ الله لَأحَقُّ أن يَهَبْنَ"، ثم قال عمر:(أي عَدُوَّاتِ أنفسِهن، أتهَبْنَنِي ولا تَهَبْنَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم؟!، قلن: "نعم، أنت أفَظُّ وأغلَظُ من (165) النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إيهِ (166) يا ابنَ الخطاب، والذي نفسي بيده، ما لَقِيَكَ الشيطان سالكًا فَجا إلا سَلَكَ فَجُّا غير فجًك "(167) .
ومن مظاهر رفق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء:
أنه صلى الله عليه وسلم وقف يبايعهن على أن يأتمرن بأوامر الله، ويجتنبن نواهيه، فقال صلى الله عليه وسلم:"فيما استطعتن، وأطقتن"، فقلت: " الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، (168) .
= السرور أو نفي ضد لازمه، وهو الحزن) اهـ.
(165)
نفى القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون الفظاظة والغلظة خلقًا لازما له صلى الله عليه وسلم فقد قال تعالى: (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) ، غير أنه صلى الله عليه وسلم قد يغضب لله في بعض الأحوال كإنكار المنكر مثلا، وكان صلى الله عليه وسلم لا يواجه أحدا بما يكره إلا في حق من حقوق الله تعالى، وكان عمر رضي الله عنه يبالغ في الزجر عن المكروهات مطلقا، وطلب المندوبات، فلهذا قال له النسوة ذلك - انظر "فتح الباري"(6/47) .
(166)
بالكسر والتنوين، ومعناها: حدثنا ما شئت، وبغير التنوين: زدنا مما حدثتنا.
(167)
رواه البخاري رقم (3683)(7/41) ط. السلفية، في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي بدء الخلق: باب صفة إبليس وجنوده، وفي الأدب: باب التبسم والضحك، ومسلم رقم (2396) في فضائل الصحابة: باب من فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(168)
وأصل الحديث عن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها قالت: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من المسلمين لنبايعه، فقلنا: يا رسول الله، جئنا لنبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف"، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فيما =
تحريم كل النساء في الحروب:
حَرم الشرع الشريف قتل النساء والأطفال والشيوخ في الجهاد، إلا أن يقاتلوا، فيدْفعوا بالقتل:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشا قال: (انطلقوا باسم الله، لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلَا صغيرًا، ولا امرأة، ولا تغُلُّوا، وضُمُّوا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين" (169) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (وُجدَت امرأة مقتولةً في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان)(170)، وفي رواية:(فأنكر) .
= استطعتن، وأطقتن قالت: قلنا: " الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، بايعنا يا رسول الله، قال: " اذهبن فقد بايعتكن، إنما قولي لمائة امرأة، كقولي لامرأة واحدة، قالت: ولم يصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم منا امرأة" رواه الإمام أحمد (6/353، 365) ، والإمام مالك في " الموطأ، (2/982) في البيعة: باب ما جاء في البيعة، والترمذي رقم (1597) : باب 7 في السير، والنسائي (7/149) في البيعة: باب بيعة النساء، وأخرجه ابن ماجه رقم (2874) في الجهاد: باب البيعة.
(169)
رواه أبو داود رقم (2614) في الجهاد: باب دعاء المشركين، وفي سنده خالد بن الفزر الراوي عن أنس، لم يوثقه غير ابن حبان، وبقية رجاله ثقات، وله شواهد تتقوى بها، أفاده الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في " تحقيق جامع الأصول"(2/596)
(170)
رواه البخاري (6/104) في الجهاد: باب قتل الصبيان في الحرب، وباب قتل النساء في الحرب، ومسلم رقم (1744) في الجهاد: باب تحريم قتل النساء والصبيان، والموطأ (2/447) في الجهاد، والترمذي رقم (1569) في الجهاد، وأبو داود رقم (1668) في الجهاد، والدارمي في "سننه"(2/223) في السير، وابن ماجه رقم (2841) في الجهاد: باب الغارة والبيات وقتل النساء، والإمام أحمد (2/22، 23) .
وعن رباح بن الربيع رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلًا، فقال: " انظر علام اجتمع هؤلاء؟! "، فجاء، فقال: "على امرأةٍ قتيل، فقال: ما كانت هذه لِتُقاتِلَ" قال: وعلي المقدمة خالد بن الوليد، قال: فبعث رجلًا، فقال: "قل لخالد: لا تَقتُلَن امرأةً ولا عسيفًا (171) ") (172) .
ورُوي عن عبد الرحمن بن كعب أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قتلوا ابن أبي الحُقَيق عن قتل النساء والولدان، قال: فكان رجل منهم يقول: " بَرحَتْ بنا امرأةُ ابنِ أبي الحُقَيقِ بالصياح، فأرفع السيفَ عليها، ثم أذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأكُف، ولولا ذلك لاسترحنا منها ")(173) .
معاملة الحائض في السنة الشريفة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كنت أشرب من الإناء وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فِي " وفي رواية أبي داود والنسائي قالت: " كنت أتعرقُ العَرْقَ (174) وأنا حائض، فأعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيضع فَمَهُ في الموضع الذي وضعت فمي فيه، وكنت
(171) العسيف: الأجير.
(172)
أخرجه أبو داود رقم (2669) في الجهاد: باب في قتل النساء، والطحاوي 2/127) ، والحاكم (2/ 122) ، والإمام أحمد (3/488)، وقال الحاكم:" صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في " الإرواء، (5/35) .
(173)
رواه الإمام مالك في "الموطأ" ص (277) في الجهاد: باب النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو، وقال الحافظ ابن عبد البر:" اتفق رواة الموطأ على إرساله" اهـ، وانظر " فتح الباري"(7/344) ط. السلفية.
(174)
العَرْق: العظم عليه بقية اللحم، وتعرقَه: إذا أكل ذلك اللحم الباقي عليه.
أشرب من القَدَح فأناوله إياه، فيضع فَمه في الموضع الذي كنت أشرب ".
وفي رواية للنسائي عن شُريح بن هانئ أنه سألها: " هل تأكل المرأة مع زوجها وهي طامث؟ "(175)، قالت:" نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوني، فآكل معه، وأنا عارِك (176) ، وكان يأخذُ العَرْقَ، فَيُقْسِمُ عَلَي فيه، فآخذُه فأتعَرَّقُ منه، ويضع فمَه حيث وضعت فمي من العَرْق، ويدعو بالشراب، فيقسم عَلَيَّ فيه، قبل أن يشرب منه، فآخذه فأشرب منه، ثم أضعه، فيأخذه فيشرب منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من القَدَح "(177) .
وعن عبد الله بن سعد الأنصاري رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مؤاكلة الحائض؟ فقال: "واكِلْها "(178) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخْرِجُ إليَّ رأسَه من المسجد، وهو مجاور- أي معتكف- فأغسله وأنا حائض"(179) .
وعنها رضي الله عنها قالت: " إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكئ في حَجْرِي
(175) طامث: حائض.
(176)
عارك: عَرَكَت المرأة تَعْرُك فهي عارِك: إذا حاضت.
(177)
رواه مسلم رقم (300) في الحيض: باب جواز غسل الحائض رأس زوجها، وأبو داود رقم (259) في الطهارة: باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها، والنسائي (1/148) في الطهارة: باب مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها.
(178)
أخرجه الترمذي رقم (133) في الطهارة: باب ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها، وفي الباب عن عائشة رضي الله عنها، وأنس رضي الله عنه، وقال الترمذي " حديث عبد الله بن سعد حديث حسن غريب، وهو قول عامة أهل العلم، لم يروا بمؤاكلة الحائض بأساً ".
(179)
رواه بهذا اللفظ مسلم رقم (297) في الحيض: باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله.
وأنا حائض، فيقرأ القرآن " (180) .
وعنها رضي الله عنها قالت: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ناوليني الخُمرة (181) من المسجد، (182)، قالت: قلت: (إني حائض"، قال: "إن حِيْضَتَك ليست في يدك") .
كرامة المرأة المسلمة
لئن قرن الإسلام بين الرجل والمرأة في عامة المواطن، لقد عرف لها نصيبها من رقة القلب، ودقة الوجدان، وأنها مناط شرف الرجل، وموطن عرضه، فاختصها بنصيب وافر من الحرمة والكرامة.
إن كرامة المرأة في الإسلام تتناول شخصها وسيرتها، وتشمل مشهدها ومغيبها، فمن حقها أن تكون هي في موطن الرعاية والعناية، وأن
(180) رواه البخاري (1/342، 343) في الحيض: باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض، وفي التوحيد، ومسلم (3/211- نووي) في الحيض: باب جواز قراءة القرآن في حَجر الحائض، وأبو داود رقم (260) في الطهارة: باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها، والنسائي (1/191) في الحيض: باب الرجل يقرأ القرآن، ورأسه في حجر امرأته وهي حائض.
(181)
الخمرة: حصير صغير مضفور من ليف أو غيره بقدر الكف.
(182)
(قال القاضي عياض رضي الله عنه: معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ذلك من المسجد، أي وهو في المسجد، لتناوله إياها من خارج المسجد، لا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تخرجها له من المسجد لأنه صلى الله عليه وسلم كان في المسجد معتكفا، وكانت عائشة رضي الله عنها في حجرتها وهي حائض لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن حيضتك ليست في يدك"، فإنما خافت من إدخال يدها المسجد، ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى والله أعلم) اهـ نقلا من " شرح النووي، (3/210) ، والحديث رواه مسلم رقم (298) ، وأبو داود رقم (261) ، والترمذي رقم (134) ، والنسائي (1/192) .
يكون اسمها بمنجاة من لغو القول، ومنال اللسان. لقد كانت المرأة المسلمة تجير الخائف، وتفك العاني، وذلك كله إلى تجلة واحترام، بلغت منهما غايتهما.
فقد أجارت أم هانئ بنت أبي طالب رجلين من أحمائها كتب عليهما القتل، وذلك مجمل حديثها في سبيل ذلك، قالت رضي الله عنها:(ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره بثوبه، فسلمت عليه، فقال: " من هذه؟ "، فقلت: "أنا أم هانئ بنت أبي طالب "، فقال: "مرحبا بأم هانئ"، فلما فرغ من غسله، قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد، فلما انصرف قلت: " يا رسول الله، زعم ابنُ أمي عَلي: أنه قاتل رجلًا فد أجَرْتُه (183) - فلان بن هُبيرة- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ"، قالت أم هانئ: " وذلك ضحى") .
وفي رواية الترمذي: (أن أم هانئ قالت: أجرتُ رجلين من أحمائي (184)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قد آمنا من آمنت") .
وفي رواية أبي داود: (أنها أجارت رجلًا من المشركين يومَ الفتح، فأتتِ النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: (قد أجرنا من أجرت، وآمنا من آمنت")(185) .
(183) أجَرتُ الرجل: منعت من يريده بسوء، وآمنته شره وأذاه.
(184)
حمو المرأة، وحموها، وحماها: أبو زوجها، ومن كان من قِبلِه.
(185)
رواه البخاري (1/331) في الغسل: باب التستر في الغسل عند الناس، وفي الصلاة، وفي الجهاد: باب أمان النساء وجوارهن، وفي الأدب، ومسلم رقم (336) في الحيض: باب تستر المغتسل بثوب ونحوه، وفي صلاة المسافرين وقصرها، و"الموطأ" (1/152) في قصر الصلاة: باب صلاة الضحى، والترمذي رقم (2735) في الاستئذان، وأبو داود رقم (1290) في الصلاة: باب صلاة =
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (إن كانت المرأة لتجِيرُ على المسلمين، فيجوز" (186) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن المرأة لتأخذ على القوم، يعنى تُجِير على المسلمين "(187) .
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويُجير عليهم أقصاهم (188) ، وهم يد على مَن سواهم، (189) الحديث.
ولما أسر المسلمون أبا العاص بن الربيع، وغنموا ماله فيما أسروا وغنموا وكان زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن الإسلام فرق بينهما، استجار أبو العاص بزينب رضي الله عنها فوعدته خيرًا، وانتظرت حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر بالمسلمين، ثم وقفت على بابها- في المسجد - فنادت بأعلى صوتها:"إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أيها الناس هل سمعتم ما سمعت"؟ قالوا: "نعم"، قال: "فوالذي نفسي بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت الذي
= الضحى ورقم (2763) في الجهاد: باب في أمان المرأة، والنسائي (1/126) في الطهارة: باب ذكر الاستتار عند الاغتسال، وأخرجه الدارمي في "سننه" (1/339) في الصلاة: باب الضحى، والإمام أحمد (6/343، 423، 425) .
(186)
رواه أبو داود رقم (2764) في الجهاد: باب في أمان المرأة.
(187)
أخرجه الترمذي رقم (1579) في السير: باب ما جاء في أمان العبد والمرأة، وقال الترمذي:" حديث حسن غريب"، وحسنه الألباني في "المشكاة، رقم (3978) .
(188)
"يجير عليهم أقصاهم" يعني أن أبعد المسلمين دارًا يجير عليهم، ويمنعهم ممن يريدونه إِذا كان قد أعطاه بذلك عهدا، وقيل: هو إذا وَجه الإمام سرية فأجازوا أحدًا أمضاه.
(189)
رواه أبو داود رقم (4531) في الديات: باب إيقاد المسلم بالكافر، وابن ماجه رقم (2683) ، وصححه الألباني في" صحيح ابن ماجه" رقم (2172) .
سمعتم، المؤمنون يَد على من سواهم، يجير علَيهم أدناهم، وقد أجرنا من أجارت " (190) ، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله دخلت عليه زينب فسألته أن يرد على أبي العاص ما أخِذَ منه ففعل (191) .
أما كرامة سيرتها، وصيانة اسمها، فذلك ما لا نحسب شريعة من الشرائع حاطتهما بمثل حياطة الإسلام لهما، وحسبك أن الله سبحانه وتعالى اشتد في كتابه الكريم على قاذفي النساء في أعراضهن بأشد مما اشتد على القتلة وقطاع الطريق، فقد قال الله سبحانه في سورة النور:(والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون) النور (4) .
فجعل سبحانه للقاذف عقوبة ثمانين جلدة، ثم دعم هذه العقوبة بأخرى أشد وأخزى وهي اتهامه أبد الدهر في ذمته، واطراح شهادته، فلا تقبل له شهادة أبدا، ثم وَسَمه بعد ذلك بسمة هي شر الثلاثة جميعا، وهي سمة الفسق، ووصمة الفجور.
لم يكن كل ذلك عقاب أولئك الأثمة الجناة، فقد عاود الله أمرهم بعد ذلك بما هو أشد وأهول من تمزيق ألسنتهم فقال:(إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لُعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين) النور (23) وإن في حديث الإفك، وما أفاض الله في شأنه لموعظة وذكرى لقوم يعقلون.
(190)"السيرة" لابن هشام (1/653 - 659) ، والحاكم (3/236 - 237) .
(191)
وقد عاد أبو العاص بحد ذلك إلى مكة، فأدى الحقوق إلى أهلها، ثم آب إلى المدينة مسلما، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجه رضي الله عنها، وانظر:" سير أعلام النبلاء"(1/ 332 - 334) ، "الإصابة"(7/248) .
الوحي ينتصر للمرأة
كان الوحي ربما ينزل إنصافًا للمرأة، وانتصارًا لحقها، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(كنا في الجاهلية لا نعدُّ النساء شيئًا، فلما جاء الإسلام وذكَرَهُن الله رأينا لهن- بذلك- علينا حَقا)(192) إلخ.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا نتقي الكلام والانبساط إِلى نسائنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هيبةَ أن ينزل فينا شيء، فلما تُوُفّيَ تكلمنا، وانبسطنا)(193) .
وتأمل كيف انتصر الوحي لتلك المرأة التي جاءت تجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفلت كتب السنة بالروايات التي تفصل قصتها مع زوجها أوس ابن الصامت رضي الله عنه، تقول خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها:(فِيَّ والله، وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة)، قالت:(كنت عنده، وكان شيخا كبيرًا قد ساء خُلُقه، قالت: فدخل عليَّ يومًا فراجعته بشيء، فغضب، فقال: "أنت عَلَي كظهر أمي"، فقالت: "والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إليَّ، وقد قلتَ ما قلتَ، حتى يحكم فينا الله ورسولُه بحكمه"، فشكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل صدر السورة، ثم بين لها النبي صلى الله عليه وسلم حكم الظهار، وهو: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينًا (194) .
(192) رواه البخاري (10/301- فتح) ط. السلفية.
(193)
رواه البخاري (9/253- فتح) ط. السلفية، والذي كانوا يتركونه كان من المباح، لكن الذي دخل تحت البراءة الأصلية، فكانوا يخافون أن ينزل في ذلك منع أو تحريم، وبعد الوفاة النبوية أمنوا ذلك، ففعلوه تمسكا بالبراءة الأصلية.
(194)
عزاه في " الدر المنثور، إلى الإمام أحمد (6/ 410) وأبي داود، وابن المنذر، =
وفي رواية ابن أبي حاتم عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت:" تبارك الذي أوعى سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى علىَّ بعضُه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: (يا رسول الله، أكل مالي، وأفنى شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني، وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك "، قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير)(المجادلة: 1)(519) لقد نزل الوحي مؤيداً تلك المرأة الصالحة، وأعلى ذكرها حتى صار قرآنا يتلى في المحاريب.
(عن ابن زيد قال: لقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة يقال لها " خولة" وهو يسير مع الناس، فاستوقفته، فوقف لها، ودنا منها، وأصغى إليها رأسه، ووضع يديه على منكبيها حتى قضت حاجتها، وانصرفت، فقال له رجل:"يا أمير المؤمنين حبستَ رجالَ قريش على هذه العجوز؟ "، قال:"ويحك! وتدري من هذه؟ " قال: "لا"، قال:
"هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عني إلى الليل، ما انصرفت حتى تقضي حاجتها ") (196) .
= والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي من طريق يوسف بن عبد الله بن سلام (6/179) .
(195)
رواه البخاري (13/316) في التوحيد: باب قول الله تعالى: (وكان الله سميعا بصيرا) تعليقًا، ووصله النسائي (6/168) في النكاح: باب الظهار، وأخرجه الإمام أحمد في "المسند"(6/46) وصححه الحاكم في "المستدرك"(2/ 481) ، ووافقه الذهبي، وأخرجه ابن ماجه رقم (2063) من حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها.
(196)
عزاه في " الدر المنثور، إلى ابن أبي حاتم، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (6/179) .
(وعن ثمامة بن حزن قال: بينما عمر بن الخطاب يسير على حماره، لقيته امرأة، فقالت: " قف يا عمر"، فوقف، فأغلظت له القول، فقال رجل: " يا أمير المؤمنين ما رأيت كاليوم"، فقال: "وما يمنعني أن أستمع إليها، وهي التي استمع الله لها، وأنزل فيها ما أنزل: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) الآية (197) .
وفي بعض الروايات أنه رضي الله عنه مر بها في خلافته، والناس معه، على حمار، فاستوقفته طويلًا، ووعظته، وقالت:" يا عمر: قد كنت تدعى عميرا، ثم قيل لك: عمر، ثم قيل لك: أمير المؤمنين، فاتق الله يا عمر، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب"، وهو واقف يسمع كلامها، فقيل له:" يا أمير المؤمنين"، أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف؟ ! ، قال:(والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لازلت إلا للصلاة المكتوبة، أتدرون من هذه العجوز؟ هي خولة بنت ثعلبة، سمع الله قولها من فوق سبع سموات، أيسمع رب العالمين قولها، ولا يسمعه عمر؟!) .
وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء
وكانت في رجال قريش صرامة على نسائهم، ومنهم من كان يعمد إليهن بالأذى، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ضرب في حياته امرأة ولا خادمَا- وهو الذي يقول:(اتقوا الله في النساء)(198) و (استوصوا بالنساء خيرًا)(199) ويقول: "إني أحَرِّج عليكم حَق الضعيفين: اليتيم، والمرأة "(200) ، وكان
(197) عزاه في " الدر المنثور " إلى البخاري في " تاريخه"، وابن مردويه (6/179) .
(198)
انظر تخريجه بهامش رقم (240) .
(199)
انظر تخريجه بهامش رقم (243) .
(200)
انظر تخريجه بهامش رقم (938) .
كأغضب ما يكون إذا سمع بامرأة يضربها زوجها:
فعن عبد الله بن زمعة قال: وعظ النبي صلى الله عليه وسلم في النساء فقال: "يضربُ أحدكم امرأته ضرب العبدِ، ثم يعانقها آخر النهار؟ "(201) .
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: " ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن يُنْتَهَكَ شيء من محارم الله، فينتقم "(202) .
وعن إياس بن عبد الله بن أبي ذُباب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تضربوا إماء الله"، فجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" ذَئِرْنَ (203) النساء على أزواجهن"، فرخص في ضربهن،
(201) أخرجه البخاري (8/542) في تفسير سورة الشمس، وفي الأنبياء، وفي النكاح: باب ما يكره من ضرب النساء، وفي الأدب، ومسلم رقم (2855) في الجنة وصفة نعيمها، والترمذي رقم (3340) في التفسير: باب "ومن سورة الشمس، والدارمي (2/147) .
رواه مسلم رقم (2327) في الفضائل: باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، وأبو داود رقم (4786) في الأدب: باب التجاوز في الأمر، والدارمي (2/147) بنحوه مختصرا.
ذئرن النساء: من باب: " أكلوني البراغيث" على لغة بني الحارث، ومن باب قوله تعالى:(وأسروا النجوى الذين ظلموا) ، اجترأن ونشزن، ويقال الذائر: المغتاظ على خصمه، المستعد للشر، قال محيي السنة البغوي عليه الرحمة:(وفي الحديث دليل على أن ضرب النساء في منع حقوق النكاح مباح، ثم وجه ترتيب السنة على الكتاب في الضرب يحتمل أن يكون نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ضربهن قبل نزول الآية، ثم لما ذئر النساء، أذن في ضربهن، ونزل القرآن موافقا له، ثم لما بالغوا في الضرب، أخبر أن الضرب- وإن كان مباحًا على شكاسة أخلاقهن- فالتحمل والصبر على سوء أخلاقهن وترك الضرب أفضل وأجمل، ويُحكى عن الشافعي هذا المعنى) اهـ من " شرح السنة"(9/187) ، وانظر " فضل الله الصمد (1/81 - 83) ، =
فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير، يشكون أزواجهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم) (204) ، وعن بهز بن حكيم حدثني أبي عن جدي قال: (قلت يا رسول الله نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر؟ قال: ائت حرثك أنى شئت (205) ، وأطعمها إذا طعمت، واكسها إذا اكتسيت، ولا تُقَبح الوجه، ولا تضرب) (206) وفي رواية بزيادة: " ولا تهجر إلا في البيت".
ولم يقف الإسلام من كرامة المرأة ورعايتها موقف المكتفي بكف الأذى عنها فحسب، بل كان مما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ترفيهها والحرص على سرورها، واجتلاب ما يفرحها، ويشرح صدرها في حدود ما أباحه الله وفي غير معصية
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت ألعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يأتيني صواحبي، قالت: فكن ينقمعن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
= وانظر ص (454 -470) من هذا القسم.
(204)
رواه الإمام الشافعي (2/ 361، 362)، وأبو داود رقم (2146) في النكاح: باب في ضرب النساء، وابن ماجه رقم (1985) في النكاح: باب ضرب النساء، والدارمي (2/147) في النكاح: باب في النهي عن ضرب النساء، وابن حبان رقم (1316) في النكاح: باب ضرب النساء (319 - 320) موارد، والحاكم في "المستدرك"(2/188)، وقال:" هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" وأقره الذهبي، وإياس مختلف في صحبته، انظر:" الإصابة"(1/165) ، وللحديث شاهد عند ابن حبان (1315 - موارد) من حديث ابن عباس، وآخر مرسل عند البيهقي (7/304) من حديث أم كلثوم بنت أبي بكر، والحديث صححه الألباني في " صحيح الجامع" رقم (7237) .
(205)
انظر آداب الزفاف للألباني ص (99 - 106) ، و" أضواء البيان، للشنقيطي (1/124-128) .
(206)
انظر تخريجه هامش رقم (737) .
قال أنس: ينقمعن (207) يفرِرْنَ، قالت: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يُسَربُهُنَّ إليَّ، فيلعبن معي) (208) .
(وعنها رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سَهْوَتها (209) سِتر، فهبت ريح، فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لُعَب، فقال:" ما هذا يا عائشة؟ "، قالت:" بناتي"، ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع، فقال:" ما هذا الذي أرى وسطهن؟ " قالت: " فرس"، قال:(وما هذا الذي عليه؟ " قالت: " جناحان"، قال: " فرس له جناحان؟!) قالت: " أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ " قالت: " فضحك حتى رأيت نواجذه"(210) .
وعنها رضي الله عنها قالت: "والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقُوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لأنظر إلى لعبهم، بين أذنه وعاتقه، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن (211) ، الحريصة
(207) أي يتغيبن، والانقماع: الدخول في بيت أو ستر، والمراد: يستترن حياء منه صلى الله عليه وسلم.
(208)
رواه البخاري (10/437) في الأدب: باب الانبساط إلى الناس، ومسلم رقم (2440) في فضائل الصحابة: باب في فضل عائشة رضي الله عنها، وأبو داود رقم (4931) بلفظ:(كنت ألعب بالبنات، فربما دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي الجواري، فإذا دخل خرجن، وإذا خرج دخلن) .
(209)
السهوة: صُفة صغيرة قدام البيت كالمخدع، وقيل: بيت صغير منحدر قليلا إلى الأرض.
(210)
رواه أبو داود رقم (4932) في الأدب: باب في اللعب بالبنات، وزاد الألباني عزوه إلى (النسائي في " عشرة النساء، (75/1) ، بسند صحيح، وابن عدى (182/1) مختصرا) اهـ. من " آداب الزفاف" ص (276) .
(211)
أي قيسوا قياس أمرها، وأنها مع حداثتها، وشهوتها النظر وحرصها عليه، كيف مسها التعب والإعياء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمسه شيء من ذلك حفظا لقلبها.
على اللهو" (212) .
وقد دخل صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها يوم عيد فوجد عندها فتاتين تنشدان أشعارًا حربية، ولما لم يكن إلا بيت واحد فقد استلقى على فراشه، وولى ظهره إليهن، ولما دخل أبو بكر رضي الله عنه وسمع الصوت بالشعر عَنف ابنته فقال له صلى الله عليه وسلم:" دعهن يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا "(213) .
اللهو المباح في العرس
وعن عائشة رضي الله عنها: أنها زَفت امرأةً إلى رجل من الأنصار، فقال نبى الله صلى الله عليه وسلم:" يا عائشة، ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو "(214) .
وعن محمد بن حاطب الجمَحي رضي الله عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فصل ما بين الحلال والحرام: الصوت بالدف " (215)
(212) انظر تخريجه برقم (1024) .
(213)
أصل الحديث رواه البخاري (2/366-370) في العيدين، والجهاد، وفضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي النكاح: باب حسن المعاشرة مع الأهل، ومسلم رقم (892) في العيدين: باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه، والنسائي (3/ 195-197) في العيدين، وباب الرخصة في الاستماع إلى الغناء وضرب الدف يوم العيد.
(214)
رواه البخاري (9/ 225) ط. السلفية في النكاح: باب النسوة اللاتي يهدين المرأة إلى زوجها، والحاكم (2/184) ، وعنه البيهقي (7/288) .
(215)
رواه الترمذي رقم (1088) في النكاح: باب ما جاء في إعلان النكاح، وحسنه، والنسائي (6/128، 127) في النكاح: باب إعلان النكاح بالصوت وضرب
الدف، وابن ماجه (1896) ، والحاكم (2/184) وصححه، ووافقه الذهبي، والبيهقي (7/289) ، والإمام أحمد (3/418) ، (4/259) ، وقد حسنه الألباني في تحقيق =
وفي: رواية: " الدف، والصوت ".
وذلك لأن به يتم إعلان النكاح.
ويروَى عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: " أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف (216) .
وعن عامر بن سعد رضي الله عنهما قال: (دخلت على قَرَظَة بن كعب واًبي مسعود الأنصاري في عُرْس، وإذا جوالي يغنين، فقلت: " أيْ صاحِبَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهلَ بدر، يُفعَل هذا عندكم؟ "، فقالا: " اجلس إن شئت فاسمع معنا، وإن شئت فاذهب، فإنه قد رُخصَ لنا في اللهو عند العرس ")(217) .
= المشكاة، (2/943) .
(216)
رواه الترمذي رقم (1089) في النكاح: باب ما جاء في إعلان النكاح، والبيهقي (7/290)، وقال الترمذي:(حديث غريب حسن، وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث) اهـ. وقال الحافظ في " الفتح": " وسنده ضعيف"، ثم قال رحمه الله:(واستدِل بقوله: "اضربوا" على أن ذلك لا يختص بالنساء، لكنه ضعيف، والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء، فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهى عن التشبه بهن) اهـ. من "فتح الباري" ط. السلفية (9/226)، وتقدمه إليه الحليمي حيث خص حله بالنساء والحديث ضعفه أيضًا: ابن الجوزي، والزيلعي؟ في فيض القدير (2/ 11) .
وقال الألباني: (وأما تحسين الترمذي للحديث فإنما هو باعتبار الفقرة الأولى منه، فإن له شاهدًا من حديث عبد الله بن الزبير مرفوعا، والترمذي إنما أورده في باب " ما جاء في إعلان النكاح" وأما الجملة التي بعدها فإني لم أجد لها شاهدا فهي لذلك منكرة) اهـ من: " سلسلة الأحاديث الضعيفة"(2/410) حديث رقم (978) .
واعلم أنه بفرض صحة الحديث فإنه ينبغي أن يصان المسجد عن أن يضرب فيه بالدف، لكن يكون ذلك خارجه ويكون المأمور بجعله فيه هو مجرد العقد فحسب- أفاده بمعناه المناوي في " الفيض، (2/11) .
(217)
رواه النسائي (6/ 135) في النكاح: باب اللهو والغناء عند العرس، وسكت عليه =
تنبيه: مما ينبغي أن يعلم أن هذا اللهو المباح إنما هو صوت الدف - وهو ما لا جلاجل له -، أو إِنشاد الجواري الصغار بأشعار مباحة، بخلاف الكلام المحظور، وغناء الفاجرات، والمعازف الإبليسية التي فتن بها أهل زماننا، نسأل الله العافية.
حياته صلى الله عليه وسلم مع نسائه، وإحسانه إليهن
أما حياته صلى الله عليه وسلم في بيته بين نسائه فقَد كانت المثل الأعلى في الموادة، والموادعة، والمواتاة، وترك الكلفة، وبذل المعونة، واجتناب هُجْر الكلام ومُرِّه، وهو الذي يقول:" خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي "(218) .
عن الأسود قال: سألت عائشة رضي الله عنها: "ما كان يصنع النبي صلى الله عليه وسلم في أهله؟ "، فقالت: " كان يكون في مهنة (219) أهله، فإذا
= الحافظ في "الفتح"(9/226) ط. السلفية ورواه الحاكم (2/184)، وزاد:" وفي البكاء عند المصيبة " قال شريك: أراه قال: " في غير نوح"، وفي رواية عن ثابت بن وديعة، وقرظة بن كعب: " إنه رخص في الغناء في العرس، والبكاء على الميت من غير نياحة، قال الحاكم:(صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي (184/2) .
(218)
رواه الطحاوي في "مشكل الآثار"(3/211) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وروى الشطر الأول منه الحاكم (4/173) ، وصححه، ووافقه الذهبي، وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه أبو نعيم في (الحلية، (7/138)، والترمذي رقم (3892) في المناقب: باب في فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح"، وزاد في روايته: " وإذا مات صاحبكم فدعوه" أي: اتركوا ذكر مساوئه، ورواه بهذه الزيادة الدارمي (2/159) بدون قوله: " وأنا خيركم لأهلي"، وانظر: " المسند، للإمام أحمد (2/250، 472) .
(219)
المِهنَة: بكسر الميم وفتحها الخدمة، والمراد أنه كان يعاونهن، ويعمل معهن.
حضرت الصلاة قام إلى الصلاة" (220) .
وعن عروة قال: سألت عائشة رضي الله عنها: " ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ "، قالت:" يخصف (221) نعله، ويعمل ما يعمل الرجل في بيته "(222) .
وعنه أيضا أنها قالت: " ما يصنع أحدكم في بيته: يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويخيط) (223) .
وعن عمرة قالت: (قيل لعائشة: " ماذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته؟، قالت: " كان بَشَرا من البَشَر؟ يفْلِي ثوبه، ويَحلُبُ شاتَه، ويَخدِم نفسه")(224) .
وعنها رضي الله عنها أنها سئلت: " ما كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ "، قالت: " كما يصنع أحدكم؛ يشيل هذا، ويحط هذا،
(220) أخرجه البخاري في " صحيحه، في صلاة الجماعة، والنفقات، والأدب (10/461) ، ط. السلفية، وفي " الأدب المفرد، رقم (538) بلفظ "خرج"، بدل:" قام، والترمذي في " الزهد".
(221)
يخصف نعله: يخرزها.
(222)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد، رقم (539) ، والإمام أحمد (6/121) بنحوه.
(223)
رواه البخاري في الأدب المفرد، رقم (540) ، وصححه ابن حبان، والإمام أحمد بنحوه (6/ 260) .
(رواه البخاري في الأدب المفرد، رقم (541) بدون قولها (ويخدم نفسه، وعنه بهذه الزيادة الترمذي في " الشمائل، رقم (293) ، والبغوي في " شرح السنة"(3676) ، ورواه عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها الإمام أحمد (6/256) ، وابن حبان في صحيحه، (2136) ، وأبو نعيم في (الحلية، (1/331) ، وصححه الألباني في " الصحيحة" رقم (671)، وروى ابن سعد عنها رضي الله عنها:" كان ألين الناس، وأكرم الناس، وكان رجلًا من رجالكم، إلا أنه كان بساما، كذا في (فتح الباري "(10/461) ط. السلفية.
ويخدم في مهنة أهله "، وفي رواية: " كان صلى الله عليه وسلم يخدم في مهنة أهله، ويقطع لهم اللحم، ويقمُّ البيت، ويعين الخادم في خدمته، (225) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
(خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أف قط (226)، وما قال لي لشيء صنعته:" لم صنعته؟ "، ولا لشيء تركته:" لم تركته؟ "؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خُلُقاً (227) الحديث.
وكان صلى الله عليه وسلم من التبسط ورفع الكلفة إلى حَدِّ أن يستبق هو وامرأته كما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وهي جارية، قالت:" لم أحمل اللحم، ولم أبدِن (228) ، فقال لأصحابه: "تقدموا"، فتقدموا، ثم قال: " تعالي أسابقك"، فسابقته، فسبقته على رجلي، فلما كان بعدُ، خرجت معه في سفر، فقال لأصحابه: "تقدموا"، ثم قال " تعالي أسابقك"، ونسيت الذي كان، وقد حَمَلْتُ اللحم، وبدنت، فقلت: " كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذه
(225) " السمط الثمين، ص (12) .
(226)
أف: اسم فعل مضارع بمعنى: أتضجر، وأتوجع، وهي كلمة تبرم وملال، تقال لكل ما يتضجر منه.
(227)
رواه البخاري في " الأدب" والوصايا، و"الديات" وسلم رقم (4774) ، والترمذي رقم (2016) ، وفي "الشمائل " رقم (296) ، وأبو داود والدارمي (1/ 31) ، والبغوي رقم (2664) .
واعلم أن هذا التسامح منه صلى الله عليه وسلم إنما فيما يتعلق بحظ الإنسان، وأما الأمور اللازمة شرعا فلا يتسامح فيها، لأنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(228)
بَدُنَ وبَدَّن: بالتشديد بمعنى كبر وأسن، وبالتخفيف من البدانة، وهي كثرة اللحم والسمنة، وهذا المعنى هو الأليق بالسياق، انظر النهاية (1/107) .
الحال؟ "، فقال: " لتفعلن"، فسابقته، فسبقني، فجعل يضحك، وقال: " هذه بتلك السبقة ") (229) .
وعن عمر رضي الله عنه قال: (تغضبت يومًا على امرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك، فو الله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل؟، قال: فانطلقت، فدخلت على حفصة، فقلت: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، قلت: وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم، قلت: " قد خاب من فعل ذلك منكن وخسرت (230) الحديث.
وقال أنس رضي الله عنه في حديثه- عن صفية رضي الله عنها: (.. فكان صلى الله عليه وسلم يحوى لها وراءها بعباءة، ثم يجلس عند بعيره، فيضع ركبته، فتضع صفية رضي الله عنها رجلها على ركبته حتى تركب)(231) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخزيرة قد طبختُها له، فقلت لسودة رضي الله عنها والنبي بيني وبينها:" كلي"،
(229) أخرجه أبو داود (403) ، والإمام أحمد (6/ 264) ، وابن ماجه (1/ 610) مختصرا، وغيرهم، وصححه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء، (2/40) ، وعزاه الألباني أيضا إلى النسائي في (عشرة النساء) (74/2) وصححه، كما في آداب الزفاف" ص (276) ط 1409 هـ.
(230)
قطعة من حديث طويل رواه عن ابن عباس رضي الله عنهما البخاري (8/503)، في تفسير سورة التحريم: وفي كتاب المظالم: باب الغرفة والعلية، وفي النكاح، واللباس ومسلم رقم (1479) في الطلاق: باب الإيلاء واعتزال النساء، والترمذي رقم (3315) في التفسير: باب ومن سورة التحريم، والنسائي (4/ 137-138) في الصوم: باب كم الشهر؟
(231)
رواه البخاري (1/404، 405) في الصلاة: باب ما يذكر في الفخذ، وفي الأذان، وَفي صلاة الخوف، وفي الجهاد، والأنبياء، والمغازي: باب غزوة خيبر، ومسلم رقم (1365) في النكاح: باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها، وفي المغازي.
فأبت، فقلت:" لتأكلين أو لألطِّخنَّ وجهَك"، فأبت، فوضعتُ يدي في الخزيرة فطليت وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فوضع بيده لها: وقال لها: الطخي وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية:(فخفض لها ركبته لتستقيد مني، فتناولَت من الصحفَةِ شيئًا، فَمَسَحَتْ به وجهي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك)(232) .
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: (جاء أبو بكر يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع عائشة رضي الله عنها وهي رافعة صوتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن له، فدخل، فقال: (يا ابنة أم رومان أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ، وتناولها أبوها رضي الله عنه (233)(أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "، قال: فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها، فلما خرج أبو بكر رضي الله عنه جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها يترضاها (234) : " ألا تَرَينَ أني قد حُلْتُ بين الرجل وبينك؟ "، قال: ثم جاء أبو بكر (235) رضي الله عنه فاستأذن عليه، فوجده يضاحكها، قال: فأذن له، فدخل، فقال أبو بكر: " يا رسول الله أشركاني في سِلمِكُما (236) كما أشركتماني
(232) رواه أبو يعلى الموصلي، "ورجاله رجال الصحيح خلا محمد بن عمرو بن علقمة، وحديثه حسن" كذا في " مجمع الزوائد، (4/316) ، وقال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء" (رواه الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة والمزاح، وأبو يعلى، بإسناد جيد)، والخزير والخزيرة: لحم تقطع، ويصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذر عليه الدقيق.
(233)
وفي رواية أبي داود: " تناولها ليلطمها" وهو ضرب الخد، وهو منهي عنه، ولعله كان قبل النهي، أو وقع ذلك من أبي بكر رضي الله عنه لغلبة الغضب، أو أراد، ولم يلطم.
(234)
أي يلاطفها، ويمازحها، وهذا من كرم أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وحسن معاشرته لأزواجه.
(235)
وجاء عند أبي داود: (قال: فمكث أبو بكر أياما) .
(236)
أي صلحكما.
في (237) حربكما) (238) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم (239) الحديث.
وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: " فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، (240) وفي رواية: (ألا واستوصوا بالنساء خيرَا، فإنهن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة"(241) الحديث.
وقال صلى الله عليه وسلم: " إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائكم) (242) .
(237) زاد أبو داود: (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، قد فعلنا، قد فعلنا) .
أخرجه الإمام أحمد (4/272)، وأبو داود رقم (4978) (13/344) من " عون المعبود" في الأدب: باب ما جاء في المزاح، والنسائي في "عشرة النساء" كما في "تحفة الأشراف، (9/28) ، وسكت عنه أبو داود، والمنذري، " ورجاله كلهم ثقات، كما في " بلوغ الأماني، (16/234) .
(239)
رواه مسلم رقم (2316) في الفضائل: باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال.
(240)
رواه مسلم في الحج: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، انظر:(شرح النووي" (8/183) .
(241)
رواه الترمذي رقم (3087) في تفسير سورة التوبة، وقال الترمذي:" هذا حديث حسن صحيح"، وفي الفتن: باب تحريم الدماء رقم (2610) ، وابن ماجه رقم (1873) من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه، وصححه الإمام ابن القيم في " زاد المعاد، (4/46) .
و"عوانٍ، جمع عانية، وهى مؤنثة العاني، وهو الأسير، شبه النساء بالأسرى عند الرجال، لتحكمهم فيهن، واستيلائهم عليهن، وانظر: (آداب الزفاف" ص (270) .
انظر تخريجه بهامش رقم (300) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيرا، فإن المرأة خلقت من ضِلَع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء، (243) .
وصدق الله العظيم: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) التوبة (128) .
إبطال عادات الجاهلية في الجنائز
لقد تأثرت المرأة بأدب الإسلام، وخرجت عما احتكم بها في الجاهلية من عادة نافرة، وتقليد ذميم، وكان أول ما لُقنت المرأة من أدب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الاعتصام بالصبر، إذا دجا الخطب، وجل المصاب، فحال الإسلام بينها وبين ما كانت تعتاده في الجاهلية إذا ذهب الموت بعزيز لها أو كريم من آلها من شق الجيوب، ولطم الوجوه، إلى غير ما ذكرناه سابقَا.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء في المدينة: " على ألا يَنُحْنَ، ولا يخمشن وجهًا، ولا يشققن جيبًا، ولا يدعين ويلًا، ولا ينشرن شعرا، ولا يقلن هجرا "(244) .
طوقت تلك البيعة أعناق المؤمنات جميعا، فأصبحت من أركان دينهن، وعمد إيمانهن، ثم أصغين إلى ما كتب الله للصابرين والصابرات من
(243) رواه البخاري (9/218) في النكاح: باب المداراة مع النساء، وفي الأنبياء، والأدب، والرقاق، ومسلم رقم (1468) في الرضاع: باب الوصية بالنساء، والترمذي رقم (1188) في الطلاق: باب ما جاء في مداراة النساء - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وانظر:" زاد المسلم"(2/140) ، (3/263) .
(244)
انظر تخريجه هامش رقم (257) .
جليل الأجر وجميل المثوبة، ورأينه خَلة (245) الأنبياء وسنة الصديقين، وآية المقربين، وقرأن قول الله تباركت حكمته:(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) وقوله جلت آياته في الصابرين: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) البقرة (157)، وسمعن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما يرويه عن ربه عز وجل:(يقول الله: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صَفِيه (246) من أهل الدنيا ثم احتسبه (247) إلا الجنة (248) .
وقوله صلى الله عليه وسلم للنساء: "ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابا من النار " فقالت امرأة: " واثنين؟ " قال صلى الله عليه وسلم: " واثنين "(249) .
كل ذلك وأشباهه - سمعنه ووعينه، فكان مسلاة نفوسهن، وراحة قلوبهن، وبرد أكبادهن (250) ، ثم جاءت السنة الشريفة بزواجر ومواعظ تبطل ما كان من عادات الجاهلية، وتنقضها من أصلها:
(245) الخلًة: بفتح الخاء، الخصلة، وجمعها: خِلالً.
(246)
صفي الإنسان: خليله، وخاصته الذي يصطفيه، ويختاره دون الناس.
(247)
احتسبه: أي ادخر أجره عند الله تعالى.
(248)
أخرجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه البخاري (11/207) في الرقاق: باب العمل الذي يبتغى به وجه الله.
(249)
رواه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه البخاري (1/175) في العلم: باب هل يجعل للنساء يوما على حدة في العلم، وفي الجنائز: باب فضل من مات له ولد فاحتسب، وفي الاعتصام: باب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الرجال والنساء مما علمه الله ليس برأي ولا تمثيل، ومسلم رقم (2633) في البر والصلة: باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه.
(250)
وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر نماذج عملية لامتثال المؤمنات هذه التعاليم في الفصل الخامس من الباب الثالث: " المرأة مؤمنة مجاهدة صابرة،.
فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع في أمتي من الجاهلية، لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعنُ في الأنساب، والاستسقاءُ بالنجوم، والنياحة"، وقال: " النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سِربال من قَطِرانٍ، ودِرْع من جَرَب (251) .
والنوح: أمر زائد على البكاء، قال ابن العربي " النوح ما كانت الجاهلية تفعل، كان النساء يقفن متقابلات يصحن، ويحثين التراب على رؤوسهن، ويضربن وجوههن" اهـ نقله الأبي (252) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت "(253) .
وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: " أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البيعة ألا ننوح (254) .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعى بدعوى الجاهلية (255) .
(251) رواه مسلم رقم (934) في الجنائز: باب التشديد في النياحة.
(252)
" إكمال إكمال المعلم "(3/73) .
(253)
رواه مسلم رقم (67) في الإيمان: باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة.
(254)
رواه البخاري (3/141) في الجنائز: باب ما ينهى من النوح والبكاء والزجر من ذلك، وفي تفسير سورة الممتحنة، وفي الأحكام، ومسلم رقم (936) في الجنائز: باب التشديد في النياحة، والنسائي (7/148، 149) في البيعة: بيعة النساء، وأبو داود رقم (3127) في الجنائز: باب في النوح، والبيهقي (4/62) .
(255)
انظر تخريجه بهامش رقم (274) .
وعن أبي بردة بن أبي موسى رضي الله عنهما قال: " وَجِعَ أبو موسى وجعًا، فَغشِيَ عليه، ورأسه في حَجْر امرأةٍ من أهله، فصاحت امرأة من أهله، فلم يستطع أن يَرُدَّ عليها شيئًا، فلما أفاق قال: (أنا بريء ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالِقة، والحالِقة، والشاقة ") (256) .
وعن امرأة من المبايعات قالت:
(كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعروف الذي أخذ علينا أن لا نَعْصِيَه فيه: أن لا نُخَمّش وجهًا، ولا ندعُوَ ويلًا، ولا نشُق جيبًا، وأن لا ننشر شعرًا " (257) .
(وحكى الأوزاعي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع صوت بكاء فدخل ومعه غيره، فمال عليهم ضربًا حتى بلغ النائحة، فضربها حتى سقط خمارها، فقال: " اضرب فإنها نائحة ولا حرمة لها، إنها لا تبكي لشجوكم، إنها تهريق دموعها على أخذ دراهمكم، وإنها تؤذى موتاكم في قبورهم، وأحياكم في دورهم، إنها تنهى عن الصبر، وقد أمر الله به، وتأمر
(256) رواه البخاري تعليقًا (3/132) في الجنائز: باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة، وقد وصله مسلم رقم (104) في الإيمان: باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب، والدعاء بدعوى الجاهلية، وأبو داود رقم (3130) في الجنائز: باب في النوح، والنسائي (4/20) في الجنائز: باب السلق، وباب الحلق.
والصالقة: التي ترفع صوتها، وتصرخ عند المصيبة وَتضج.
والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة.
والشاقة: التي تَشُق ثيابها.
(257)
رواه أبو داود رقم (3131) في الجنائز: باب في النوح، ومن طريقه البيهقي (4/64) ، وصححه الألباني في أحكام الجنائز، ص (30) .
بالجزع، وقد نهى الله عنه) (258) اهـ.
وعن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ على النساء - حين بايعهنَّ- ألا يَنُحْنَ، فقلن: " يا رسول الله، إن نساء أسْعَدْتَنا في الجاهلية: أفَنُسْعِدُهُن؟ "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا إسعادَ في الإسلام " (259) .
والإسعاد: إعانة النساء بعضهن بعضا في النياحة بموت الميت.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: " لما مات أبو سلمة قلت: غريب وفي أرض غُرْبة، لأبكينه بكاءً يُتَحَدثُ عنه، فكنتُ قد تهيأتُ للبكاء عليه، إذ أقبلت امرأة من الصعيد تريد أن تُسْعِدَني، فاستقبلَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أتريدين أن تُدْخلي الشيطان بيتًا أخرجه الله منه؟ "مرتين "، فكففتُ عن البكاء، فلم أبكِ) (260) .
قولها: " غريب وفي أرض غربة ": معناه أنه كان من أهل مكة، ومات بالمدينة.
والمراد بالصعيد هنا: عوالي المدينة، وأصل الصعيد في اللغة وجه الأرض سواء كان عليه تراب أوْ لا.
كراهة الاجتماع للتعزية:
وكان من هدي الإسلام في الجنائز أن كره الاجتماع للتعزية في مكان
(258)) الزواجر، للهيثمي (1/160) ، وانظر " الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (18/75) .
(259)
رواه النسائي (4/16) في الجنائز: باب النياحة على الميت، والإمام أحمد في "المسند"(3/197) ، وصححه ابن حبان رقم (738 - موارد) .
(260)
رواه مسلم رقم (922) في الجنائز: باب البكاء على الميت.
خاص كالدار أو المقبرة أو المسجد، وذلك لحديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال:" كنا نعد - وفي رواية: نرى - الاجتماع إلى أهل الميت، وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة"(261)، قال النووي رحمه الله:" وأما الجلوس للتعزية فنص الشافعي والمصنف (262) وسائر الأصحاب على كراهته، قالوا: يعني بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية، قالوا: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم، فمن صادفهم عزاهم، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها "(263) .
الترخيص في البكاء بغير نوح:
على أن الإسلام قد أباح للناس أن يشتفوا بالدمع، ويستريحوا إلى البكاء، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل ابنًا لابنته زينب قد حُضر، ونفسه تقعقع في صدره، ففاضت عيناه، فقال له سعد بن عبادة رضي الله عنه: " ما هذا يا رسول الله وقد نهيت عن البكاء؟ "، قال: "إنما هذه رحمة يضعها الله في قلوب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ")(264) .
(261) أخرجه الإمام أحمد رقم (6905) ، وابن ماجه (1/252) ، وصححه النووي في "المجموع"(5/320) ، والبوصيري في "الزوائد"(1/535) ، والشوكاني في " نيل الأوطار، (4/148) ، والشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند "(11/125) .
(262)
يعني الإمام أبا إسحاق الشيرازي صاحب " المهذب، رحمه الله.
(263)
"المجموع"(5/306) .
(264)
رواه البخاري (3/124 -126) في الجنائز: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه "، وفي المرضى: باب عادة الصبيان، وفي القدر، وفي الإيمان والنذور، وفي التوحيد، ومسلم رقم (923) في الجنائز: باب البكاء على الميت، والنسائي (4/22) في الجنائز: باب الأمر بالاحتساب والصبر عند نزول المصيبة.
وعن أنس رضي الله عنه قال: (دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أي سيف القَيْن - وكان ظِئرًا (265) لإبراهيم عليه السلام فأخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم، فقبَّله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك، وإبراهيمُ يجودُ بنفسه، فَجَعَلَتْ عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تَذْرِفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف:" وأنتَ يا رسول الله؟ "، فقالَ:(يا ابنَ عوني، إنها رحمة"، ثم أتبعها بأخرى، فقال: " إنَّ العين تدمع، والقلب يخشع، ولا نقول إلا ما يرضِي رَبنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم محزونون)(266) .
وعن عائشة رضي الله عنها: " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه فقبله، وبكى حتى رأيت الدموع تسيل على وجنتيه"(267) .
هدي الإسلام في الحداد على الميت:
ولا ينافي الصبر أن تمتنع المرأة من الزينة كلها حدادا على وفاة ولدها أو غيره إذا لم تزد على ثلاثة أيام، إلا على زوجها فتحد أربعة أشهر وعشرا لغير الحامل،: عن حميد بن نافع قال: " أخبرتني زينب بنت أبي سلمة قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان ابن حرب، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صُفرَة خَلوق أو غيره، فدهنت منه جارية، ثم مَست بعارضَيها، ثم قالت: (والله ما لى بالطيب من
(265) أي زوج مرضعة إبراهيم عليه السلام.
(266)
رواه البخاري (3/139) في الجنائز: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا بك لمحزونون، ومسلم رقم (2315) في الفضائل: باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه، وأبو داود رقم (3126) في الجنائز: باب في البكاء على الميت.
(267)
أخرجه أبو داود رقم (3163) في الجنائز: باب في تقبيل الميت، والترمذي رقم (989) في الجنائز: باب ما جاء في تقبيل الميت، وقال الترمذي:"حديث عائشة حديث حسن صحيح"، وقال: " وفي الباب عن ابن عباس وجابر وعائشة قالوا: =
حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر:" لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحِدَّ على مَيّتٍ فوقَ ثلاثِ ليالٍ، إلا على زوجٍ: أربعةَ أشهر وعشرا ") ، قالت زينب: ثم دخلتُ على زينبَ بنتِ جحش حين توفي أخوها، فدعت بطيب فمسحت منه، ثم قالت:(أما والله، ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، الحديث)(268) .
وإظهارًا لعدم التعرض للزواج، ومراعاة لحق الزوج في الوفاء له أوجب الشرع على الحادة أن تجتنب ما يدعو إلى نكاحها، ويرغب في النظر إليها، ويحسنها، وذلك أربعة أشياء:
أحدها: الطيب (269)، والثاني: اجتناب الزينة في نفسها كالخضاب والتحمير والحف وما أشبهه مما يُحَسنها كالاكتحال بالإثمد (270) واجتناب زينة الثياب المصبغة للتحسين، وكذا اجتناب الحلي، فيحرم عليها لبس الحلي كله حتى الخاتم في قول عامة أهل العلم.
= إن أبا بكر قبل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت" (3/ 315)، وأخرجه ابن ماجه رقم (1456) في الجنائز: باب ما جاء في تقبيل الميت.
(268)
رواه البخاري (9/427) في الطلاق: باب تحد المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرا، وفي الجنائز، ومسلم رقم (1486) حتى (1489) في الطلاق: باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة، و" الموطأ" (2/596-598) في الطلاق: باب ما جاء في الإحداد، وأبو داود رقم (2299) في الطلاق: باب إحداد المتوفى عنها زوجها، والترمذي رقم (1195) ، (1196)، (1197) في الطلاق: باب ما جاء في عدة المتوفى عنها زوجها، والنسائي (6/201) في الطلاق: باب ترك الزينة للحادة المسلمة دون النصرانية.
(269)
إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها بنبذة أو أظفار.
(270)
ولا تمنع من التنظيف بتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق الشعر المندوب إلى حلقه، ولا من الاغتسال بالسدر والامتشاط به.
والثالث: مما تجتنبه الحادة النقاب (271) ، وما في معناه مثل البرقع ونحوه، وإذا احتاجت إلى ستر وجهها أسدلت عليه كما تفعل المحرمة.
والرابع: المبيت في غير منزلها- فيجب على الحادة أن تعتد في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنة به، سواء كان مملوكًا لزوجها أو بإجارة أو عارية إِلا لعذر (272) .
تهذيب الإسلام لمشاعر المرأة (273)
عمد الإسلام إلى قلب المرأة، فاستل سخيمته، وأخرج ضغينته، وطهره من غِل الثائر، نزعة الانتقام، وقد كان ذلك من أشد ما يجيش به صدرها، وتهتف به نفسها، ويقذف حممه فمها ولسانها، فاليوم وقد شرع الله القصاص في الدنيا والآخرة، واستنقذ العرب من مفارق الفُرق، ومنازع الفِتن، وألف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانَا، فقد تبدل الحقد وُدُّا، واستحالت البغضاء ولاء.
وأنى يكون لسخائم النفوس، وتطلب الأوتار، من أثر في صدر المرأة المؤمنة، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الداعين بدعوة الجاهلية، وقال:" ليس منا.. من دعا بدعوى الجاهلية "(274) ، وما دعوة الجاهلية إلا أن يقول
(271) انظر: " الإمداد بأحكام الحداد" للدكتور فيحان بن شالي المطيري ص (96) .
(272)
"المغني لابن قدامة (7/518-522) .
(273)
مستفاد من "المرأة العربية"(2/82-85) بتصرف يسير.
(274)
جزء من حديث أخرجه من حديث عبد الله بن مسعود: " البخاري (3/ 133) في الجنائز باب ليس منا من ضرب الحدود، وفي الأنبياء: باب ما ينهى من دعوى الجاهلية ومسلم رقم (103) في الإيمان: باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، والترمذي رقم (999) في الجنائز باب ما =
الرجل أو المرأة، " يا لَفلان"، فتعقد الألوية، وتجاش الجيوش، وتنتضي السيوف، وتخاض الدماء، إن ظالمًا وإن مظلومًا.
وهل طوى قلب على أشد وأهول مما طوى عليه قلب هند ابنة عتبة، من سموم الموجدة، ونيران العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وآل بيته؟ فهم الذين قتلوا آلها يوم بدر، واستقادوا زوجها يوم زحفهم على مكة، وهي التي أهدر نبي الله صلى الله عليه وسلم دمها يوم فتح مكة جزاء تمثيلها بجثمان عمه حمزة يوم أحد، وكانت بقرت بطنه بعد مصرعه، وأخرجت كبده، فلاكتها، ثم لفظتها، وتلك شر نزعات الجاهلية، رُوي أن هندًا جاءت تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى مقنعة، فقالت:"يا رسول الله الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه، لتنفعني رَحِمُك، يا محمد أني امرأة مؤمنة بالله، مصدقة برسوله "(527) ، ثم كشفت عن نقابها، فقالت:" أنا هند بنت عتبة"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مرحبًا بك"، فقالت: "والله ما كان على الأرض أهل خباء أحب إليَّ من أن يذلوا من خبائك، ولقد أصبحت وما على الأرض أهل خباء أحب إليَّ من أن يعزوا من خبائك) (276) .
ففي سبيل الله، وفي سبيل دينه، ما غسل الدم، وزالت الوحشة، وأتلفت نوافر القلوب.
وكما أن الله طهَّر نفس المرأة من الحقد، وأبرأ قلبها من قرحة الغل، كذلك حسر عن عقلها حجاب الجهل، ونزع عن إدراكها غشاء الأباطيل، فلم تخضع لعقيدة فاسدة، ولم ترضخ لوهم مُمَوَّه، وعلمت أن الله قد أسدل
= جاء في النهي عن ضرب الخدود، وشق الجيوب عند المصيبة، والنسائي (4/20) في الجنائز: باب ضرب الخدود.
(275)
وروي أنها لما أسلمت، جعلت تضرب صنمًا لها في بيتها بالقدوم حتى فَلَذَتهُ فلذة فلذة، وتقول:" كنا معك في غرور، من "الإصابة" (8/156) .
(276)
"الطبقات الكبرى" لابن سعد (7/ 171-172) .
حجب الغيب دون أوليائه وأصفيائه، فلم تطلبه، أو تحاول كشفه، فطويت بذلك صحف الكهان والعرافين، وزواجر الطير، وطوارق الحصى، وأمثال كل أولائك من كل ذي لغو مموه، وظن مُرَجم، وضلالة باطلة (277) ، وتبينت أن الأمر كله بيد الله، وأنه وحده مقلب القلوب، ومُحَول الحالات، فلم تحتل على الحب واللقاء، والبرء والشفاء، ومدِّ حبل العُمُر، ورد سهم القدر بتعليق الخرزات والاستقاء بمائها، ولا بقول الرُّقى الشركية وعقد التمائم فلم يكن مفزعها في الأمر كله إلا رجاء طيب في الله وحده، ودعاءٌ صالح يزلفها لديه سبحانه، وبطل ما كانت تعتقد في المعاني التى ألبسها الخيال لَبوسًا من الأشباح المترائية، والخيالات الخرافية، كل كل أولائك محاه الدين، ومحقه العلم الصحيح، وبدد ظلماتِه نُور التوحيد، وهاك طائفة من الآثار في ذلك:
عن قيس بن السكن الأسدي قال: دخل عبد الله بن مسعود رضى الله عنه على امرأته، فرأى عليها حرزًا من الحُمرَةِ، فقطعة قطعا عنيفا، ثم قال:" إن آل عبد الله عن الشرك أغنياء"، وقال: كان مما حفظنا عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إِن الرقى، والتمائم، والتولة شرك "(278) .
(277) انظر: " معارج القبول"(1/338-343) ، (1/375 - 385) .
(278)
أخرجه الحاكم (4/217)، وقال:" صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي، ثم الألباني في "الصحيحة" رقم (331) ، وروى المرفوع منه أبو داود رقم (3883) ، وابن ماجه رقم (3530) ، وابن حبان (1412) ، والإمام أحمد (1/381)، والرقى: هنا غير الشرعية، وهى ما كان فيه الاستعاذة بالجن، أو كانت مما لا يفهم معناها، والتمائم: جمع تميمة، أصلها خرزات تعلقها العرب على رأس الولد لدفع العين، ثم توسعوا فيها، فسموا بها كل عوذة، ومثله: تعليق نعل الفرس على باب الدار، أو في صدر المكان، أو تعليق بعض السائقين نعلًا في مقدمة السيارة أو مؤخرتها، أو الخزر الأزرق على مرآة السيارة لدفع العين زعموا.
والتولة: بكسر التاء وفتح الواو: ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر وغيره.
وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط، فبايع تسعة، وأمسك عن واحد، فقالوا:" يا رسول الله بايعت تسعة، وتركت هذا؟ "، قال:(إن عليه تميمة "، فأدخل يده، فقطعها، فبايعه، وقال: " من علَّق تميمة فقد أشرك)(279) .
ويروى عنه رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من تعلق تميمة، فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة، فلا ودع (528) الله له " (281) .
وعن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فأرسل رسولا:" أن لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر، أو قلادة إلا قطعت"(282) .
وعن رويفع رضي الله عنه قال: قال في رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا رويفع، لعل الحياة تطول بك، فأخبر الناس أن من عقد لحيته، أو تقلد وترًا، أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدًا بريء منه) (283) .
(279) أخرجه الإمام أحمد (4/156) ، ومن طريق آخر الحاكم (4/219) ، وصححه الألباني في " الصحيحة" رقم (492) .
(280)
أي: لا جعله في دعة وسكون، ولا خفف الله عنه ما يخافه، وهذا دعاء أو خبر.
(281)
أخرجه الحاكم (4/417، 216) ، وصححه، ووافقه الذهبي، وفيه جهالة خالد بن عبيد المَعَافري، وقال المنذري (4/157) :" رواه أحمد وأبو يعلى بإسناد جيد، والحاكم، وقال: (صحيح الإسناد" اهـ.، وضعفه الألباني في (الضعيفة، رقم (1266) .
(282)
رواه البخاري (6/98، 99) الجهاد: باب ما قيل في الجرس، ومسلم رقم (2115) في اللباس: باب كراهة قلادة الوتر في رقبة البعير، والموطأ في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: باب ما جاء في نزع المعاليق، وأبو داود رقم (2252) في الجهاد: باب في تقليد الخيل بالأوتار.
(283)
رواه أبو داود رقم (36) في الطهارة: باب ما ينهى عنه أن يستنجى به، والنسائي (8/135) في الزينة: باب عقد اللحية، والإمام أحمد (4/108، 109) ، وصححه
وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا:
"من أتى عرافًا أو كاهنًا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد"(384) صلى الله عليه وسلم.
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما مرفوعًا:
"ليس منا من تطيَّر أو تطير له، أو تكهن أو تُكُهنَ له، أو سحر أو سُحِر له، ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد"(285) صلى الله عليه وسلم.
وعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى عرافا، فسأله عن شيء، فصدقه، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة "(286) .
= الألباني في " المشكاة" رقم (351) .
(284)
رواه الإمام أحمد (2/408، 429) ، والحاكم (1/8) عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال الحاكم، " على شرطهما".
(وقال الحافظ العراقي في أماليه: " حديث صحيح، ورواه عنه البيهقي في السنن، وقال الذهبي: "إسناده قوي") اهـ. من " فيض القدير، (6/23) .
(285)
(رواه الطبراني، وكذا البزار، قال المنذري: " إسناد الطبراني حسن وإسناد البزار جيد، وقال الهيثمي: " فيه إسحاق بن ربيع العطار، وثقه أبو حاتم، وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات، ورواه في الأوسط عن ابن عباس، ورمز السيوطي لحسنه) اهـ. " فيض القدير "(5/385) .
(286)
رواه مسلم رقم (2230) في السلام: باب تحريم الكهانة، وإتيان الكهان، والإمام أحمد (4/68) ، (5/0 38) .