الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عود على بدء
من حقوق المرأة على زوجها
(5)
وقايتها من النار بتعليمها وتأديبها
وذلك بأن يعلمها أصول دينها: كيف تؤمن بالله تعالى الإيمان الحق، وتوحده التوحيد الخالص، وتؤمن بأسمائه وصفاته على الوجه اللائق بجلاله سبحانه وتعالى.
وتعرف ما يجب لله تعالى، وما يجوز له سبحانه، وما يستحيل عليه تبارك وتعالى، ونؤمن بما جاء من عند الله تعالى من أركان الإيمان، وسائر أحكام الإسلام الواجبة عليها، وأصول معرفة الحلال والحرام.
وأن يعلمها أحكام العبادات، ويحضها على القيام بها، خاصة الصلاة في أول الوقت وشروطها وأركانها ومفسداتها ومكروهاتها، وسائر العبادات، وحقوق الله تعالى عليها، وحقوق الزوجية.
وأن يعلمها مكارم الأخلاق من وقاية القلب من أمراض الحسد والبغضاء، ووقاية اللسان من الغيبة والنميمة والسب والكذب.
ويراقبها في ذلك كله ما استطاع إلى المراقبة سبيلًا.
قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) التحريم (6) .
قال علي رضي الله عنه في قوله تعالى: (قوا أنفسكم وأهليكم
نارا) : " علموا أنفسكم وأهليكم الخير، وأدبوهم "(892) .
وقال قتادة: " أن يأمرهم بطاعة الله تعالى، وينهاهم عن معصيته، واًن يقوم عليهم بأمر الله تعالى، يأمرهم به، ويُساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية ردعتهم عنها، وزجرتهم عنها "(893) .
قال الألوسي رحمه الله: (واستُدل بها على أنه يجب على الرجل تعلم ما يجب من الفرائض، وتعليمه لهؤلاء، وأدخل بعضهم الأولاد في الأنفس، لأن الولد بعض من أبيه)(894) اهـ.
وقال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: (فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية، ففي صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته: فالإمام الذي على الناس راعٍ، وهو مسئول عنهم، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسئول عنهم " (895)، وعن هذا عبَّر الحسن في هذه الآية بقوله:" يأمرهم وينهاهم "، وقال بعض العلماء: لما قال: (قوا أنفسكم) دخل فيه الأولاد؛ لأن الولد بعض منه، كما دخل في قوله تعالى:(ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم)(896) ، فلم يُفْرَدُوا بالذكر إفراد سائر القرابات، فيعلمه الحلال والحرام، ويجنبه المعاصي والآثام، إلى غير ذلك من الأحكام.
(892) عزاه في " الدر المنثور"(6/244) إلى عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في " المدخل".
(893)
" تفسير الطبري"(28/166) .
(894)
" روح المعاني"(28/156) .
(895)
تقدم تخريجه برقم (55) .
(896)
انظر: " الجامع لأحكام القرآن"(12/314) .
.. وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: " مُرُوا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع"(897) خرجه جماعة من أهل الحديث، وهذا لفظ أبي داود، وخرج أيضًا عن سَمُرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، فإذا بلغ عشر سنين، فاضربوه عليها "(898) .
وكذلك يخبر أهله بوقت الصلاة، ووجوب الصيام، ووجوب الفطر إذا وجب؛ مستندًا في ذلك إلى رؤية الهلال، وقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوتَرَ يقول:" قومي فأوتِري يا عائشة"، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" رحم الله امرأ قام من الليل، فصلَّى، فأيقظ أهله، فإن لم تقم رَشَّ وجهها بالماء، رحم الله امرأة قامت من الليل تصلي، وأيقظت زوجها، فإذا لم يقم رشَّت على وجهه من الماء "(899)، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:" أيقظوا صواحب الحُجَر "(900)، ويدخل هذا في عموم قوله تعالى:(وتعاونوا على البر والتقوى) الآية.
…
قال إلكيا: " فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير، وما لا يُستغنى عنه من الأدب "(901) اهـ.
(897) رواه الإمام أحمد (2/187) ، وابن أبي شيبة (1/347) ، وأبو داود (495، 496) ، والدارقطني (1/230) ، والحاكم (1/197) ، والبيهقي (7/94) وغيرهم، وصححه الألباني في "الإرواء"(1/266) .
(898)
رواه أبو داود رقم (494) في الصلاة: باب (26) ، والبيهقي (2/11) عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه.
(899)
تقدم تخريجه برقم (597) .
(900)
رواه بنحوه في حديث أطول منه البخاري (3/8) في التهجد، والعلم، واللباس، والأدب، والفتن، والترمذي رقم (2197) في الفتن.
(901)
" الجامع لأحكام القرآن"(18/195-196) بتصرف.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما رَجل كانت عنده وليدة، فعلمها، فأحسن تعليمها، وأدَّبها، فأحسن تأديبها، ثم أعتقها، وتزوجها، فله أجران "(902) أي أجر العتق، وأجر التعليم.
وترجم البخاري لهذا الحديث: باب تعليم الرجل أمته وأهله، وقال الحافظ ابن حجر في شرحه:(مطابقة الحديث للترجمة في الأمة بالنص، وفي الأهل بالقياس، إذ الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض الله، وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم آكد من الاعتناء بالإماء)(903) اهـ.
وعن أبي سليمان مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: (أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شَبَبة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتهينا أهلينا، فسألنا عمن تركنا في أهلينا، فأخبرناه، وكان رفيقًا رحيما، فقال: " ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي " (904) الحديث، وقد بلغ من اعتناء السلف بهذه التربية أنهم كانوا حريصين على متانة الروابط بينهم وبين من يؤدبون أولادهم، فكانوا يحزنون إذا غابوا عن الأولاد فترة لسبب من الأسباب، لخوفهم على أولادهم أن لا يؤدبوا على ما يريدون ويشتهون، وذكر الراغب الأصفهاني أن المنصور بعث إلى مَنْ في الحبس من بني أمية يقول لهم:" ما أشد ما مَرَّ بكم في هذا الحبس؟ " فقالوا: " ما فقدنا من تربية أولادنا "(905) .
(902) رواه البخاري (1/190) في العلم، والعتق، والجهاد، والأنبياء، والنكاح، ومسلم رقم (154) في الإيمان، وأحمد (4/395، 414) ، والبغوي في" شرح السنة "(1/53، 55) .
(903)
" فتح الباري"(1/190) .
(904)
رواه البخاري (1/183) ، (9/107) ، ومسلم في المساجد (292) ، والنسائي (2/9) ، والدارمي (1/286) ، وأحمد (3/436) ، وغيرهم.
(905)
" تربية الأولاد في الإسلام"(1/152) .
وقد أثنى الله على نبيه إسماعيل عليه السلام فيما أثنى بقوله: (وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا) مريم (55) .
وقال تعالى: (وَأمُرْ أهلك بالصلاة واصطبر عليها) الآية طه (132) .
أمر الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن يأمر أهله بالصلاة، ويمتثلها معهم، ويصطبر عليها ويلازمها، والظاهر أن المراد بالصلاة الصلوات المفروضة، ويدخل في عموم هذا الأمر جميع أمته صلى الله عليه وسلم وأهل بيته على التخصيص (906) .
ويُروى عن ثابت قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابه خصاصة نادى أهله: " يا أهلاه! صَلوا، صلوا "، قال ثابت: " وكانت الأنبياء إذا نزل بهم أمر، فزعوا إلى الصلاة ")(907) ، وكان عروة بن الزبير رضي الله عنه
(906) سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
(عمن له زوجة لا تصلي: هل يجب عليه أن يأمرها بالصلاة؟ وإذا لم تفعل: هل يجب عليه أن يفارقها، أم لا؟ فأجاب: نعم، عليه أن يأمرها بالصلاة، ويجب عليه ذلك؛ بل يجب عليه أن يأمر بذلك كل من يقدر على أمره به إذا لم يقم غيره بذلك، وقد قال تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) الآية، وقال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) الآية، وقال عليه الصلاة والسلام:" علموهم، وأدبوهم ".
وينبغي مع ذلك الأمر أن يحضها على ذلك بالرغبة، كما يحضها على ما يحتاج إليها، فإن أصرت على ترك الصلاة فعليه أن يطلقها، وذلك واجب في الصحيح، وتارك الصلاة مستحق للعقوبة حتى يصلي باتفاق المسلمين؛ بل إذا لم يُصَل قتِل، وهل يقتل كافرا مرتدا؟ على قولين مشهورين، والله أعلم) اهـ. من " مجموع الفتاوى"(32/276 - 277) ، والحديث المذكور موقوف، راجع الحاشية رقم (892) .
(907)
رواه الإمام أحمد في " الزهد " ص (10) ، وابن أبي حاتم، والبيهقي في " شعب الإيمان " كما في " الدر المنثور "(4/313) .
إذا دخل على أهل الدنيا، فرأى من دنياهم طرفًا، فإذا رجع إلى أهله، فدخل الدار، قرأ:(ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى) ثم يقول: " الصلاةَ الصلاة، رحمكم الله "(908) ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي من الليل ما شاء الله تعالى أن يصلي، حتى إذا كان آخر الليل أيقظ أهله للصلاة، ويقول لهم:" الصلاةَ، الصلاةَ " ويتلو هذه الآية: (وأمر أهلك) الآية (909) .
[ (وعن القاسم بن راشد الشيباني قال: كان زمعة نازلًا عندنا بالمحصب، وكان له أهل وبنات، وكان يقوم فيصلي ليلًا طويلًا، فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته: (أيها الركب المعرسون، أكُلَّ هذا الليل ترقدون! أفلا تقومون فترحلون؟ " فيتواثبون، فَيُسمع من ههنا باك، ومن ههنا داع، ومن ههنا قارئ، ومن ههنا متوضئ، فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته: " عند الصباح يحمد القوم السرى " (910) ] .
فائدة جليلة: (قوله تعالى في هذه الآية: (لا نسألك رزقًا نحن نرزقك) فيه دفع لما عسى أن يخطر ببال أحد من أن المداومة على الصلاة ربما تضر بأمر المعاش، فكأنه قيل: داوموا على الصلاة غير مشتغلين بأمر المعاش عنها، إذ لا نكلفكم رزق أنفسكم، إذ نحن نرزقكم، وتقديم المسند إليه للاختصاص أو لإفادة التقوى، وقد قال تعالى: (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون، إن الله
(908) أخرجه الطبري (16/170) ، وعزاه السيوطي في " الدر المنثور"(4/313) لابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(909)
أخرجه الإمام مالك في " الموطأ "(1/119) في صلاة الليل: باب ما جاء في صلاة الليل، وقال في " تحقيق جامع الأصول " (6/69) :" إسناده صحيح ".
(910)
"الإحياء"(15/2772) .
هو الرزاق) الآيات الذاريات (56-58) ، ومعلوم أن ترك الاكتساب للصلاة المفروضة فرض، وليس المراد بالمداومة عليها إلا أداؤها دائمًا في أوقاتها المعينة لا استغراق الليل والنهار بها، ويستشعر من الآية أن الصلاة مطلقًا تكون سببًا لإدرار الرزق، وكشف الهم، وعن عبد الله بن سلام قال:" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت بأهله شدة أو ضيق أمرهم بالصلاة، وتلا: (وأمر أهلك بالصلاة) (911) ، وأخرج أحمد في الزهد وغيره عن ثابت قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابت أهلَه خصاصة نادى أهله بالصلاة: صلوا صلوا، قال ثابت: وكانت الأنبياء عليهم السلام إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة ") أفاده الألوسي (912) .
إذا فسد القوام عَم الفساد جمع الأقوام:
والرجل قدوة أهل بيته، والقدوة من أخطر وسائل التربية:
عن فضيل بن عياض قال: (رأى مالك بن دينار رجلا يسيء صلاته، فقال: " ما أرحمني بعياله! "، فقيل له: " يا أبا يحيى يسيء هذا صلاته، وترحم عياله! " قال: " إنه كبيرهم، ومنه يتعلمون " (913)) .
قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله ضمن آداب الزوج:
(أن يتعلم المتزوج من علم الحيض وأحكامه ما يحترز به الاحتراز الواجب، ويُعَلم زوجته أحكام الصلاة، وما يقضى منها في الحيض، وما
(911) عزاه في " الدر المنثور " إلى: (أبي عبيد، وسعيد بن منصور، وابن المنذر، والطبراني في " الأوسط"، وأبو نعيم في " الحلية "، والبيهقي في " شعب الإيمان" بسند صحيح) اهـ (4/313) .
(912)
" روح المعاني"(16/ 285) .
(913)
"حلية الأولياء"(2/384) .
لا يقضى، فإنه أمر بأن يقيها النار بقوله تعالى:(قوا أنفسكم وأهليكم نارًا) فعليه أن يلقنها اعتقاد أهل السنة، ويزيل عن قلبها كل بدعة إن استمعت إليها، ويخوفها في الله إن تساهلت في أمر الدين، ويعلمها من أحكام الحيض والاستحاضة ما تحتاج إليه.
وعلم الاستحاضة يطول، فأما الذي لابد من إرشاد النساء إليه في أمر الحيض بيان الصلوات التي تقضيها، فإنها مهما انقطع دمها قبيل المغرب بمقدار ركعة، فعليها قضاء الظهر والعصر، وإذا انقطع قبل الصبح بمقدار ركعة، فعليها قضاء المغرب والعشاء، وهذا أقل ما يراعيه النساء.
فإن كان الرجل قائما بتعليمها، فليس لها الخروج لسؤال العلماء، وإن قصر علم الرجل، ولكن ناب عنها في السؤال، فأخبرها بجواب المفتي فليس لها الخروج، فإن لم يكن ذلك، فلها الخروج للسؤال، بل عليها ذلك، ويعصي الرجل بمنعها، ومهما تعلمت ما هو من الفرائض عليها، فليس لها أن تخرج إلى مجلس الذكر، ولا إلى تعلم فضل إلا برضاه، ومهما أهملت المرأة حكمًا من أحكام الحيض والاستحاضة، ولم يعلمها الرجل، خرج الرجل معها، وشاركها في الإثم) (914) اهـ.
(914)"الإحياء "(4/730) .