المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفصل السادس]المرأة عالمة - عودة الحجاب - جـ ٢

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الخامسة

- ‌ الباب الأول *

- ‌تمهيد

- ‌[فصل]المرأةسلاح ذو حدين

- ‌[فصل]القضية الأمالقرآن والسلطان

- ‌[فصل]بين الترقيع…والأصالة

- ‌[فصل]وضع المرأة ومسئولية الولاة

- ‌[فصل]موقف دعاة الإسلاممن قضية المرأة (52)

- ‌الباب الثانيإهانة الجاهلية للمرأة

- ‌[الفصل الأول]المرأة عند الآخرين (57)

- ‌[الفصل الثاني]المرأة عند العرب في الجاهلية

- ‌الباب الثالثشمس الإسلامتشرق على المرأة

- ‌[الفصل الأول]

- ‌مظاهر تكريم الإسلام للمرأة

- ‌[فصل]دحض بدعة المساواة المطلقةبين الرجل والمرأة

- ‌[فصل]الفروق بين الرجل والمرأة

- ‌مسألة: هل يجب تسوية الوالدينبين أولادهم الذكور والإناث في الهبة

- ‌عود على بدء

- ‌[الفصل الثاني]المرأة أُمًّا

- ‌[فصل]بر الوالدين بعد موتهما

- ‌[فصل]من مواقف الأم المسلمة

- ‌[فصل]الأم المسلمة وراء هؤلاء العظماء

- ‌[الفصل الثالث]المرأة بنتًا

- ‌[الفصل الرابع]المرأة زوجة

- ‌[فصل]الكفاءة في الزواج

- ‌فصلنص القرآن الكريم على تحريم نكاح الزانية

- ‌فصلوأما الأدلة على عدم اعتبار المال في الكفاءة:

- ‌فوائد

- ‌[فصل]الزوجيةبين الحقوق والواجبات والآداب

- ‌أولا: الحقوق والآداب المشتركة بين الزوجين

- ‌من مواقف الزوجة المسلمة

- ‌تنبيهات

- ‌ثانيا: حقوق الزوجة على زوجها

- ‌(أ) الحقوق المادية

- ‌(ب) الحقوق الأدبية

- ‌[فصل]لا نكاح إلا بولي

- ‌تنبيهات متفرقة

- ‌عود على بدءمن حقوق المرأة على زوجها

- ‌[فصل]مسئولية الرجل عن حماية الأسرة (915)

- ‌ثالثًا: حقوق الزوج على زوجته

- ‌[فصل] (1220)في علاقة الابن بوالديه بعد الزواجوعلاقة الحماة بالكَنَّة (1221)

- ‌[فصل]وفاؤها لزوجها

- ‌[الفصل الخامس]المرأة مؤمنةً مجاهدةً صابرةً

- ‌[الفصل السادس]المرأة عالِمةً

- ‌[فصل]صور من سيرة المسلمة العالمة

- ‌[الفصل السابع]المرأةُ…عابدةً

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌[الفصل السادس]المرأة عالمة

[الفصل السادس]

المرأة عالِمةً

يقولون- وكأنهم أدلَوْا بالجديد من الحجة والعلم-: " إن المرأة نصف المجتمع " يتخذونها وسيلة تسوغ هم كل مأرب في المرأة! ولكننا نعلم أن الإسلام قد أولى المرأة غاية الأهمية والعناية لا باعتبار أنها نصف المجتمع، بل إنها أكثر من نصف المجتمع، إنها صانعة المجتمع، فيجب أن تحوز تلك العناية كي تكون على مستوًى يجعلها تصوغ لَبِناتِ المجتمع على أكمل وجه.

- لقد كان أول ما نزل من الوحي قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم) العَلَق (1- 5) ، فدل ذلك على مكانة العلم وشرفه في الإسلام.

- وقال عز وجل: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) الزمر (9) .

- وقال سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة) التحريم (6) .

جاء عن عَليّ رضي الله عنه في تفسيرها: " أدبوهم، وعَلموهم "، وروى عنه الحاكم وابن المنذر قوله في تفسيرها:" عَلِّموا أنفسَكم، وأهليكم الخير، وأدبوهم ".

ص: 565

قال الألوسي رحمه الله: (واستُدل بها على أنه يجب على الرجل تعلم ما يجب من الفرائض وتعليمه لهؤلاء، وأدخل بعضهم الأولاد في الأنفس لأن الولد بَعْضٌ من أبيه) .

- وقال عز وجل مخاطبًا أمهات المؤمنين رضي الله عنهن: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) الأحزاب (34) .

- وقال صلى الله عليه وسلم: " طلب العلم فريضة على كل مسلم "(1352) .

قال الحافظ السخاوي: (قد ألحق بعض المصنفين بآخر هذا الحديث: " ومسلمة " وليس لها ذكر في شيء من طرقه وإن كان معناها صحيحًا)(1353) اهـ.

من هنا قال الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى:

(ويجب عليهن- أي النساء- النفار للتفقه في الدين، كوجوبه على الرجال، وفرض عليهن كلهن معرفة أحكام الطهارة والصلاة والصيام، وما يحل، وما يحرم: من المآكل، والمشارب، والملابس كالرجال، ولا فرق، وأن يعلمن الأقوال والأعمال: إما بأنفسهن، وأما بالإباحة لهم لقاء من

(1352)(رواه ابن عدي والبيهقي عن أنس، والطبراني في " الكبير" عن ابن مسعود، وفي " الأوسط " عن ابن عباس، وفيه أيضا وكذا البيهقي عن أبي سعيد، وتمام في فوائده عن ابن عمر، والخطيب في " تاريخه عن علي ") اهـ، وقال الحافظ العراقي- رحمه الله:(قد صحح بعض الأئمة طرقه)، وقال - المزي:(هذا الحديث روي من طرق تبلغ رتبة الحسن)، وقال السيوطي في " التعليقة المنيفة":(وعندي أنه بلغ رتبة الصحيح، لأني رأيت له نحو خمسين طريقا، وقد جمعها في جزء) اهـ، انظر:" تخريج أحاديث إحياء علوم الدين "(1/55 - 57) ، " تخريج أحاديث مشكلة الفقر " رقم (86) .

(1353)

" المقاصد الحسنة " ص (277) .

ص: 566

يعلمهن، وفرضٌ على الإمام أن يأخذ الناس بذلك) (1354) اهـ.

وعن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما رجل كانت عنده وليدة، فعلمها، فأحسن تعليمها، وأدَّبها، فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران "(1355) .

فقرن صلى الله عليه وسلم ثواب العتق من رِق العبودية بثواب العتق من رق الجهل بفرائض الله عز وجل، وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد أحست المرأة نتيجة لهذا الحث بحاجتها إلى العلم، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطلب منه مجلسًا خاصًا بالنساء، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:(جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: " يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله "، فقال صلى الله عليه وسلم: " اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا "، فاجتمعن، فأتاهن، فعلمهن مما علمه الله)(1356) .

لقد بلغ حرص النساء المسلمات على العلم غايته حتى تطلبن المجالس الخاصة بهن للتعليم مع أنهن يستمعن في المسجد لتعليمه ومواعظه صلى الله عليه وسلم.

كذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم يسن للنساء سنة مؤكدة، ألا وهي: شهود مجامع الخير يتزودن منها:

فعن عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1354) عزاه في" الأسرة في ضوء الكتاب والسنة" ص (28) إلى: " الأحكام" لابن حزم (1/413) ، ووقفت عليه بمعناه في طبعة زكريا علي يوسف (1/325) .

(1355)

تقدم تخريجه برقم (902) .

(1355)

أخرجه البخاري (1/175) في العلم: باب هل يجعل للنساء يومًا على حدة في العلم، وفي الجنائز، وفي الاعتصام، ومسلم رقم (2633) في البر والصلة: باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه.

ص: 567

أن نخرجهن في الفطر: والأضحى: العواتق (1357) والحُيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين.. قلت:" يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟ " قال: " لتلبسها أختها من جلبابها ") (1358) .

- وجاء في " فتوح البلدان " للبلاذري أن أم المؤمنين حفصة بنت عمر ابن الخطاب رضي الله عنهما كانت تتعلم الكتابة في الجاهلية على يد امرأة كاتبة تدعى " الشفاء العدوية "(1359) ، فلما تزوجها صلى الله عليه وسلم طلب إلى الشفاء أن تعلمها تحسين الخط وتزيينه كما علمتها أصل الكتابة) (1360) .

- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " نِعْمَ النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين "(1361) .

لقد أقبلت المرأة المسلمة على العلم منذ أكرمها الله تعالى بالإسلام، فنهلت من معينه، وأخذت منه بسهم وافر:

فهذه:

الصديقة بنت الإمام الصدِّيقِ الأكبر، خير من طلعت عليه الشمس

(1357) العواتق: جمع عاتق، وهي البنت البالغة، والتي قاربت البلوغ، لأنها تعتق من الخروج لخدمة أهلها، لتمكث في البيت إلى أن تتزوج.

(1358)

أخرجه البخاري (2/386) في العيدين، والحيض، والحج، ومسلم رقم (890) في صلاة العيدين، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة. (1359) الشفاء بنت عبد الله العدوية، كانت من عقلاء النساء وفضلائهن، وهى من المهاجرات الأول، كان عمر يقدمها في الرأي، ويرعاها، ويفضلها، وربما ولَّاها شيئا من أمر السوق- انظر:" الإصابة"(7/727 - 828) .

(1360)

" تربية الأولاد في الإسلام "(1/277)، وانظر:"المجموع "(9/55) . (1361) أخرجه مسلم رقم (332) في الحيض: باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فْرصَة من مسك في موضع الدم.

ص: 568

بعد الأنبياء والمرسلين، رفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار، ومعينه في الأسفار، ووزيره في عهده، وخليفته بحق من بعده، رضي الله عنه وعن ابنته، القرشية، التَّيمية، المكية، أم المؤمنين، زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، وحبيبة خليل الله صلى الله عليه وسلم، الفقيهة الربانية، المبرأة من فوق سبع سماوات، أفقه نساء هذه الأمة على الإطلاق، تزوج بها سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم وهي بنت تسع سنوات، وهو صلى الله عليه وسلم ابن أربع وخمسين سنة، وأقام معها تسع سنوات، ومات عنها وهو ابن ثلاث وستين سنة، وهي لم تخط بعد إلى التاسعة عشرة، على أنها ملأت أرجاء الأرض علمًا، فهى في رواية الحديث نسيج وحدها، وعت من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم تعه امرأة من نسائه، وروت عنه ما لم يَرْوِ مِثلَهُ أحد من الصحابة إلا أبا هريرة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين، قال الحافظ الذهبي رحمه الله:(روت عنه صلى الله عليه وسلم علما كثيرًا طيبا مباركا فيه، وعن أبيها، وعن عمر، وفاطمة، وسعد، وحمزة بن عمرو الأسلمي، وجُدامة بنت وهب)(1362) .

عاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين سنة، وتوفيت ولها من العمر ثمان وستون سنة.

قال الحافظ الذهبي رحمه الله:

(وكانت امرأة بيضاء جميلة، ومِن ثَم يقال لها: الحميراء، ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بِكرَا غيرها، ولا أحَب امرأةً حُبَّها، ولا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بل ولا في النساء مُطلقًا، امرأة أعلم منها، وذهب بعض العلماء إلى أنها أفضل من أبيها، وهذا مردود، وقد جعل الله لكل شيء قدرا، بل نشهد أنها زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، فهل فوق ذلك مَفْخَر؟)(1363) اهـ.

(1362)" سير أعلام النبلاء "(2/135) .

(1363)

"السابق"(2/140) .

ص: 569

من فضائلها رضي الله عنها:

ما رواه هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرِيتُكِ في المنام ثلاثَ ليال، جاء بكِ الملَكُ فِى سَرَقَةٍ (1364) من حرير، فيقول:" هذه امرأتك "، فأكشفُ عن وجهك، فإذا أنتِ فيه، فأقول: إن يكُ هذا من عند الله يُمْضِهِ " (1365)) .

وعن ابن أبي مُليكة، عن عائشة رضي الله عنها:(أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " هذه زوجتُك في الدنيا والآخرة " (1366)) .

(وكان تزويجه صلى الله عليه وسلم بها إثر وفاة خديجة، فتزوج بها وبسودة في وقت واحد، ثم دخل بسودة، فتفرد بها ثلاثةَ أعوام حتى بنى بعائشة في شوال بعد وقعة بدر، فما تزوج بكرًا سواها، وأحبها حُبُّا شديدًا كان يتظاهر به، بحيث إن عمرو بن العاص، وهو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة، سأل النبي صلى الله عليه وسلم: " أي الناس أحبُّ إليك يا رسولَ الله؟ " قال: " عائشة"، قال: " فَمِن الرجال؟ "، قال: " أبوها" (1367) .

وهذا خبر ثابت رغم أنوف الروافض، وما كان صلى الله عليه وسلم يُحِب إلا طيبا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " لو كنت مُتَخِذًا خليلًا من هذه الأمة، لاتخذت

(1364) السرقَة: بفتح السين والراء والقاف: هي القطعة، وانظر:" الفتح"(9/156) .

(1365)

" سير أعلام النبلاء "(2/140) .

(1366)

" السابق "(2/141) .

(1367)

أخرجه البخاري (7/19) في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (8/59) في المغازي: باب غزوة ذات السلاسل، ومسلم (2384) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي بكر رضي الله عنه.

ص: 570

أبا بكرٍ خليلًا، ولكن أخوةُ الإسلام أفضل " (1368) .

فَأحَبَّ أفضل رجل من أمته، وأفضل امرأة من أمته، فمن أبغض حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو حَري أن يكون بغيضًا إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم (1369) .

وعن عمرو بن غالب: أن رجلًا نال من عائشة عند عمَّار، فقال:(اعزب مقبوحا منبوحًا، أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟)(1370) .

وحُبُّه صلى الله عليه وسلم لعائشة كان أمرًا مستفيضًا، ألا تراهم كيف كانوا يتحروْنَ بهداياهم يومها تقربًا إلى مرضاته؟! قال حماد بن زيد، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: (كان الناس يتحرَّوْنَ بهداياهم يوم عائشة، قالت: فاجتمعن صواحبي إلى أم سلمة، فقلن لها: إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فقولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الناس أن يُهدوا له أينما كان، فذكرت أم سلمة له ذلك، فسكت، فلم يردَّ عليها، فعادت الثانية، فلم يَرُد عليها، فلما كانت الثالثة قال: " يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عَلَيَّ

(1368) أخرجه البخاري (7/15) في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المساجد، وفي الفرائض، وقد اختار صلى الله عليه وسلم أن يمرض في بيتها، ومن ثم قال أبو الوفا بن عقيل رحمه الله:(انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت، واختار لموضعه من الصلاة الأب، فما هذه الغفلة المستحوذة على قلوب الرافضة، عن هذا الفضل والمنزلة التي لا تكاد تخفى عن البهيم فضلًا عن الناطق) اهـ نقلًا من " الإجابة " للزركشي ص (54) .

(1369)

" سير أعلام النبلاء"(2/142) .

(1370)

أخرجه الترمذي رقم (3888) في المناقب وحسنه، وابن سعد في "الطبقات"(8/65) ، و" الحلية "(2/44) .

ص: 571

الوحي وأنا في لحاف امرأةٍ منكنَّ غيرِها " (1371) متفق على صحته. وهذا الجواب منه دالّ على أن فضل عائشة على سائر أمهات المؤمنين بأمر إلهي وراء حُبه لها، وأن ذلك الأمر من أسباب حبه لها) (1372) .

وعن أنس مرفوعًا: " فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام "(1373) .

وعنها رضي الله عنها قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عائشُ، هذا جبريل وهو يقرأ عليكِ السلام"، قالت: " وعليه السلامُ ورحمةُ الله، تَرى ما لا نَرى يا رسول الله " (1374)) .

لقد كانتَ رضي الله عنها إحدى المجتهدات من أنفذ الناس رأيا في أصول الدين ودقائق الكتاب المبين، وكانت رضي الله عنها تحسن أن تقرأ، ولم يكن يعرف ذلك إلا عدد محدود من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكم كان لها رضي الله عنها من استدراكات على الصحابة وملاحظات، فإذا علموا

(1371) أخرجه البخاري (7/84) في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب فضل عائشة، وفي الهبة، وأخرجه مسلم مختصرا رقم (2441) ، ومطولًا رقم (2442) .

(1372)

" سير أعلام النبلاء "(2/143) .

(1373)

أخرجه البخاري (7/73) في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب فضل عائشة، وفي الأطعمة: باب الثريد، ومسلم رقم (2446) في فضائل الصحابة: باب فضل عائشة رضي الله عنها، والترمذي رقم (3887) .

(1374)

أخرجه البخاري (7/83) في فضل عائشة، وبدء الخلق، والأدب، والاستئذان، ومسلم رقم (2447)، في فضائل الصحابة: باب فضائل عائشة رضي الله عنها، وأبو داود رقم (5232) ، والترمذي رقم (3876) .

وقال الزركشي رحمه الله: (قال أبو الفرج: " وإنما سلم عليها ولم يواجهها لحرمة زوجها، وواجه مريم لأنه لم يكن لها بعل؛ فمن نُزهت لحرمة بعلها عن خطاب جبريل، كيف يسلط عليها أكف أهل الخطايا؟! ") اهـ. ص (55) .

ص: 572

بذلك منها رجعوا إلى قولها) (1375) .

قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: (ما أشكَلَ علينا أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا)(1376)، وقال مسروق:"رأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرايِض "(1377) .

وقيل لمسروق: " كانت عائشة تحسن الفرائض؟ " قال: " والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض "(1378) .

وقال عطاء بن أبي رباح: " كانت عائشة أفقه الناس، وأحسنَ الناس رأيا في العامة "(1379) .

قال الزهري: (لو جمع علم الناس كلهم، وأمهات المؤمنين، لكانت عائشة أوسعَهم عِلما)(1380) .

وعنه أيضًا: قال: " لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل "(1381) .

قال الذهبي رحمه الله: (مسند عائشة يبلغ ألفين ومائتين وعشرة

(1375) انظر: " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة، للزركشي، و" السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين" للمحب الطبري ص (33-94) .

(1376)

أخرجه الترمذي رقم (3883)، وقال:" حسن صحيح".

(1377)

" الإجابة" للزركشي ص (58) .

(1378)

أخرجه الدارمي (2/342، 343) ، وابن سعد في " الطبقات "(8/45) ، والحاكم (4/11) .

(1379)

" سير أعلام النبلاء "(2/185) .

(1380)

" المستدرك"(4/11) .

(1381)

قال الهيثمي في " المجمع": (رواه الطبراني، ورجاله ثقات) اهـ (9/243) ، وكذا الحاكم (4/11) .

ص: 573

أحاديث، اتفق لها البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثًا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين) (1382) .

[وذكرها- رضي الله عنها الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقاته في جملة فقهاء الصحابة، ولما ذكر ابن حزم أسماء الصحابة الذين رويت عنهم الفتاوى في الأحكام على مزية كثرة ما نقل عنهم، قدَّم عائشة على سائر الصحابة، وقال الحافظ أبو حفص عمر بن عبد المجيد القرشي الميانشي في كتاب" إيضاح ما لا يسع المحدث جهله": " اشتمل كتاب البخاري ومسلم على ألف حديث ومائتي حديث من الأحكام فروت عائشة من جملة الكتابين مائتين ونيفا وتسعين حديثا لم يخرج عن الأحكام منها إلا يسير " قال الحاكم أبو عبد الله: " فحُمِل عنها ربع الشريعة "] ، (1383) .

وعن عروة بن الزبير قال: " ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة رضي الله عنها "(1384) .

وذكر أبو عمر بن عبد البر رحمه الله: " أنها كانت وحيدة عصرها في ثلاثة علوم: علم الفقه، وعلم الطب، وعلم الشعر "(1385) .

ورُوي عن ابن شهاب قال: حدثنا القاسم بن محمد: أن معاوية دخل على عائشة، فكلمها، قال: فلما قام معاوية، اتكأ على يد مولاها ذكوان، فقال: " والله، ما سمعتُ قط أبلغَ من عائشة، ليس رسولَ الله صلى الله عليه وسلم (1386) .

(1382)" سير أعلام النبلاء "(2/139) .

(1383)

" الإجابة " للزركشي ص (59) .

(1384)

"الإصابة"(8/18) .

(1385)

انظر: " الاستيعاب "(4/1881) وما بعده.

(1386)

" سير أعلام النبلاء"(2/183) .

ص: 574

وعن موسى بن طلحة قال؟ "ما رأيت أحدًا أفصح من عائشة "(1387) .

وعن هشام عن أبيه قال: ربما روت عائشة القصيدة ستين بيتًا وأكثر، (1388) (وعن أبي الزناد؛ قال: ما رأيت أحدًا أروى لشعر من عروة، فقيل له:" ما أرواك! "، فقال:" ما روايتي في رواية عائشة؟ ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرًا "(1389)) .

ورُوى عن ابن سيرين عن الأحنف، قال:(سمعت خطبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء بعدهم، فما سمعتُ الكلامَ من فم مخلوق أفخمَ ولا أحسنَ منه مِن في عائشة)(1390) .

وعن الشعبي: أن عائشة قالت: رَوَيتُ لِلَبِيد نحوا من ألف بيت، وكان الشعبي يذكرها، فبتعجبُ من فِقهها وعلمها، ثم يقول: ما ظنكم بأدب النبوة (1391) !

وعن هشام بن عروة قال: كان عروة يقول لعائشة رضي الله عنها: يا أمَّتاه، لا أعجب من فقهك؛ أقول: زوجةُ نبي الله، وابنةُ أبي بكر، ولا أعجب من عِلمك بالشعْر وأيام الناس؛ أقول: ابنةُ أبي بكر، وكان أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب: كيف هو، ومن أين هو، أو ما هو؟

قال: فضربَت علىَ منْكبِه، وقالت: أي عُرَية، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1387) رواه الترمذي (3884)، وقال: حسن صحيح غريب ".

(1388)

" سير أعلام النبلاء"(2/189) .

(1389)

"الإصابة"(8/ 18) .

(1390)

" المستدرك"(4/11) .

(1391)

" سير أعلام النبلاء "(2/197) .

ص: 575

كان يَسقمُ عند آخر عُمُره- أو في آخر عُمُره- وكانت تَقْدَمُ عليه وفودُ العرب من كل وجه، فَتَنْعَتُ له الأنعات، وكنتُ أعالجها له، فَمِنْ ثمَّ) (1392) .

وعن عروة قال: (ما رأيتُ أحدًا أعلم بالطب من عائشة رضي الله عنها، فقلتُ: يا خالة، مِمن تعلمتِ الطب؟ قالت: كنت أسمع الناس يَنعَت بعضهم لبعض، فأحفظُه)(1393) .

وعن هشام، عن أبيه، قال: (لقد صحبت عائشة، فما رأيت أحدًا قط كان أعلم بآية نزلت، ولا بفريضة، ولا بسنة، ولا بشعر، ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب، ولا بكذا، ولا بكذا، ولا بقضاء، ولا طب منها، فقلت لها:" يا خالةُ، الطب، من أين عُلِّمْتِهِ؟ "، فقالت:" كنتُ أمرضُ فيُنْعَتُ لي الشيءُ، ويمرض المريض، فينعتُ له، وأسمع الناسَ ينعتُ بعضهم لبعض، فأحفظه ".

قال عروة: فلقد ذهب عامةُ علمها، لم أسأل عنه) (1394) .

(وكانت زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعًا قسيمات عائشة رضي الله عنها في إذاعة العلم وإفاضة الدين على المسلمين، مما يؤكد أن المرأة المسلمة أقبلت على العلم منذ أكرمها الله تعالى بالإسلام، كثيرة تلك الأحاديث التي روتها أمهات المؤمنين عنه صلى الله عليه وسلم، وكثيرة تلك الأقوال المنسوبة إليهن في التفسير وفقه الحديث، وكثيرات هن النساء اللاتي حفظن كتاب الله تعالى أو حفظن كثيرة، وحفظن الكثير من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكن يبلغن

(1392) أخرجه الإمام أحمد (6/67) ، وأبو نعيم في " الحلية "(2/50)، وانظر:" مجمع الزوائد "(9/242) .

(1393)

" سير أعلام النبلاء "(2/183) .

(1394)

" السابق "(2/183) ، " الحلية "(2/49) .

ص: 576

ذلك الرجال من وراء حجاب كما أمر الله تعالى: (وإذا سألتموهن متاعًا فسألوهن من وراء حجاب) الأحزاب (53) .

ولقد وجد على مر القرون نساء تجاوزن علوم فرض العين إلى فروض الكفاية، فكانت منهن المحدثات العظيمات، والراويات الثقات، وهذا الإماء محمد بن سعد صاحب الطبقات يعقد جزءًا من كتاب " الطبقات الكبير " لراويات الحديث من النساء أتى فيه على نيِّف وسبعمائة امرأة روين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن صحابته رضي الله عنهم، وروى عنهم أعلام الدين وأئمة المسلمين، وكذا فعل غيره من الأئمة في مصنفاتهم.

وهل تجد موطنًا أوثق، ومرتقى أسمق، ومنزلة أوثق من أن عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه وهو العَلَم الأشم الذي لا يدانيه أحد في علمه وحكمته، وقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته- يتلقى الحديث على مولاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تقوم على خدمته، وهي ميمونة بنت سعد؟ فكيف بمن دون علي رضي الله عنه؟! (1395) .

ويُروى عن أم الدرداء الفقيهة الزاهدة قولها: " لقد طلبت العبادة في كل شيء فما أصبت لنفسي شيئًا أشفى من مجالسة العلماء ومذاكرتهم (1396) .

لقد تصدت المرأة لفنون العلم وشئون الأدب، وأمعنت في كل ذلك إمعانًا أعيا على الرجل دركه في مواطن كثيرة، (وكان لها مظهر خلقي كريم في العلم والتعليم فقد امتازت " العالمة المسلمة " بالصدق في العلم، والأمانة في الرواية، واستمع إلى هذه الشهادة يشهدها واحد من عظماء العلماء ألا

(1395)" المرأة العربية"(3/141-142) بتصرف.

(1396)

" الأخت المسلمة" للجوهري ص (74)، وانظر:" سير أعلام النبلاء"(4/277) .

ص: 577

وهو الحافظ الذهبي (ت 748) ، وقد ألف كتابه " ميزان الاعتدال " في نقد رجال الحديث، خرَّج فيه عدة آلاف مُتَّهم من المحدثين، ثم أتبع قوله بتلك الجملة التي كتبها بخطه الواضح وقلمه العريض فقال:" وما علمت من النساء من اتُّهِمَتْ ولا من تركوها "(1397) .

ولعل قائلًا يقول: " وما للنساء ورواية الحديث؟ وهل تركهن الذهبي إلا من قلة أو ذلة؟ "، والجواب: أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ عهد عائشة رضي الله عنها حتى عهد الذهبي ما حُفِظَ ولا رُوِيَ بمثل ما حفظ في قلوب النساء، وروي على ألسنتهن.

ذلكم الحافظ ابن عساكر (ت 571 هـ) أوثق رواة الحديث عقدة، وأصدقهم حديثا، حتى لقبوه بـ " حافظ الأمة "، كان له من شيوخه وأساتذته بضع وثمانون من النساء، فهل سمع الناس في عصر من العصور، وأمة من الأمم أن عالمًا واحدا يتلقى عن بضع وثمانين امرأة علمًا واحدًا؟ فكم ترى منهن من لم يلقها أو يأخذ عنها، والرجل لم يجاوز الجزء الشرقي من الدولة الإسلامية، فلم تطأ قدماه أرض مصر، ولا بلاد المغرب، ولا الأندلس وهي أحفل ما تكون بذوات العلم والرأي من النساء) (1398) .

(وهذا الإمام أبو مسلم الفراهيدي المحدث يكتب عن سبعين امرأة)(1399) .

(وقد شهد الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله مجالس حافلة قرأ فيها على بعض المحدثات الحافظات الفقيهات، فتراه يختم كتابه " بغية الوعاة "

(1397)" ميزان الاعتدال"(4/604) .

(1398)

" المرأة العربية "(2/138-139) .

(1399)

" من أخلاق العلماء " هامش ص (345) .

ص: 578

بمسلسلات قرأ منها على الأصيلة الثقة الخيرة الفاضلة الكاتبة أم هانئ بنت الحسن الهوريني.

- وعلى هاجر بنت محمد المصرية.

- وأخبرته الشيختان المسندتان أم هانئ وأم الفضل بنت محمد المقدسي.

- وقرأ على الأصيلة نشوان بنت عبد الله الكناني.

- وأخبرته كمالية بنت محمد بن أبي بكر الجرجاني.

- وأنبأته أمة الخالق بنت عبد اللطيف العقبي.

- وأخبرته أمة العزيز بنت محمد الأمباسي.

- وفاطمة بنت علي بن اليسير مشافهة بالفسطاط.

- وخديجة بنت أبي الحسن بن الملقن

إلخ) (1400) .

ولقد بلغت الكثيرات من العالمات المسلمات منزلة علمية رفيعة، فكان منهن الأستاذات والمدرسات (للإمام الشافعي، والإمام البخاري، وابن خلكان، وابن حيان)(1401) .

ونعرض فيما يلي نماذج من هؤلاء الفقيهات والمحدثات اللائي اعتززن بالإسلام، فكان لهن سهم في إعزازه، والبذل في سبيله.

(1400)" السابق" ص (345) .

(1401)

" تربية الأولاد في الإسلام"(1/279) ، وانظر مجلة " الأزهر " عدد رمضان 1404 هـ ص (1482) .

ص: 579