الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل]
الكفاءة في الزواج
الكفاءة: هي المساواة، والمماثلة، والكفء والكفاء: المثيل والنظير، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:" المسلمون تتكافأ دماؤهم "(551) ، أي تتساوى، فيكون دم الوضيع منهم كدم الرفيع.
والمقصود بالكفاءة في الزواج: " المماثلة بين الزوجين، دفعا للعار في أمور مخصوصة، هي عند المالكية: الدين، والحال (552) ، وعند الجمهور: " الدين، والنسب، والحرية، والحرفة (أو الصناعة)، وزاد الحنفية والحنابلة: اليسار (أو المال) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه، فلا تحل المسلمة لكافر أصلًا)(553) اهـ. وأهل الكفر بعضهم أكفاء لبعض، لأن اعتبار الكفاءة لدفع النقيصة، ولا نقيصة أعظم من الكفر. وقد اختلف العلماء فيما تعتبر الكفاءة فيه:
فقد ذهب الجمهور إلى أن الكفاءة معتبرة في الاستقامة والصلاح (554) ،
(551) صدر حديث رواه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أبو داود رقم (4531) في الديات: باب إيقاد المسلم بالكافر؟ ، وغيره، وصححه الألباني في " إرواء الغليل "(7/265) .
(552)
ومقصودهم بالحال: السلامة من العيوب التي توجب لها الخيار.
(553)
" فتح الباري"(9/132) .
(554)
فالفاسق ليس بكفء للعفيفة، لأن التعيير بالفسق أشد وجوه التعيير، ولأن =
والنسب، والحرية، والحرفة، والمال، وإنما كان مقصودهم بهذا توفير دواعي الاستقرار والانسجام في الأسرة، وتجنب دواعي الشقاق والضرر والتنغيص، (ولأن النكاح يعقد للعمر، ويشتمل على أغراض ومقاصد: كالازدواج، والصحبة، والألفة، وتأسيس القرابات، ولا ينتظم ذلك عادة إلا بين الأكفاء)(555) .
وقد جزم بأن اعتبار الكفاءة مختص بالدين مالك، ونقل عن ابن عمر وابن مسعود، ومن التابعين عن محمد بن سيرين، وعمر بن عبد العزيز.
فقد ذهب هؤلاء العلماء، ومن وافقهم إلى أن الكفاءة معتبرة بالاستقامة والخلق فقط، ولا اعتبار لنسب (556) ، ولا لصناعة، ولا لغنى، ولا لشيء آخر
…
فيجوز للرجل الصالح الذي لا نسب له، أن يتزوج المرأة النسيبة، ولصاحب الحرفة الدنيئة أن يتزوج المرأة الرفيعة القدر، ولمن لا جاه له أن يتزوج صاحبة الجاه والشهرة، وللفقير أن يتزوج المثرية الغنية- ما دام مسلمًا عفيفًا -، وأنه ليس لأحد من الأولياء الاعتراضُ، ولا طلب
= الفاسق مردود الشهادة والرواية، وغير مأمون الجانب على النفس والمال، ناقص عند الله وعند خلقه، فلا يجوز أن يكون كفئا ولا مساويًا للصالحة، خلافا لما ذهب اليه ابن حزم رحمه الله حيث قال:" والفاسق الذي بلغ الغاية من الفسق المسلم- ما لم يكن زانيا- كفء للمسلمة الفاضلة، وكذلك الفاضل المسلم كفء للمسلمة الفاسقة ما لم تكن زانية" اهـ. من " المحلى"(10/24)، وخلافًا أيضًا لمحمد بن الحسن رحمه الله حيث قال:" إن الفسق لا يمنع الكفاءة، إلا إذا كان صاحبه متهتكا يصْفَع، ويُسْخَر منه، أو يخرج إلى الأسواق سكران؛ لأن الفسق من أحكام الآخرة، فلا تبتني عليه أحكام الدنيا" اهـ. نقلًا من: " الفقه الإسلامي وأدلته، (7/241) .
(555)
انظر: " إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري " للقسطلاني (8/19) .
وقد مَال الحافظ في "الفتح": (ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب حديث) اهـ. (9/133) .
التفريق، وإن كان غير مستوٍ في الدرجة مع الولي الذي تولى العقد، ما دام الزواج كان عن رضي منها، فإذا لم يتوفر شرط الاستقامة عند الرجل، فلا يكون كفؤا للمرأة الصالحة..، ولها الحق في طلب فسخ العقد، إذا كانت بكرا، وأجبرها أبوها على الزواج من الفاسق.
قال في " بداية المجتهد ": (ولم يختلف المذهب- أي المالكي- أن البكر إذا زوجها الأب من شارب الخمر، وبالجملة من فاسق، أن لها أن تمنع نفسها من النكاح، وينظر الحاكم في ذلك، فيفرق بينهما، وكذلك إذا زوَّجها مِمَّن ماله حرام، أو ممن هو كثير الحلف بالطلاق)(557) اهـ.
واستدل أصحاب هذا المذهب بأدلة:
منها: قوله عز وجل: (والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات) النور (26) .
ومنها قوله جل وعلا: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) التوبة (71) .
ومنها: قوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات:
(13)
قالوا: فالمسلمون جميعا أكفاء للمسلمات.
ومنها: قول الله عز وجل: (إنما المؤمنون إخوة) الحجرات (10) ، فأهل الإسلام إخوة.
ومنها: قوله سبحانه بعد ما ذكر ما حرم علينا من النساء: (وأحل لكم ما وراء ذلك) النساء (241) .
وقوله تعالى: مخاطباً جميع المسلمين: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) النساء (3) .
(557)" بداية المجتهد"(2/16)، وانظر:" الفتاوى الخانية "(1/443) ، "فتح القدير (2/442) ، " الشرح الكبير" (2/345) ، "الروضة" (7/370) ، " المجموع" (15/326) ، " كشاف القناع، (5/148) .
ومنها: قوله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخِيَرةُ من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينًا) الأحزاب (36) .
قال القرطبي رحمه الله: (في هذه الآية دليل بل نص في أن الكفاءة لا تعتبر في الأحساب، وإنما تعتبر في الأديان، خلافًا لمالك والشافعي والمغيرة وسحْنون، وذلك أن الموالي تزوجت في قريش، تزوج زيد زينب بنت جحش، وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير، وزوج أبو حذيفة سالمًا من فاطمة بنت الوليد بن عتبة، وتزوج بلال أخت عبد الرحمن بن عوف)(558) اهـ. فهكذا كان شأن التزوج في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يعرج أحد منهم على الكفاءة في النسب، بل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما استشارته فاطمة بنت قيس في معاوية وأبي الجهم أمرها أن تنكح أسامة (559) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب إليكم مَنْ ترضَوْنَ دينه وخلقه، فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)(560) .
وقال القرطبي رحمه الله: (الكفاءة في النكاح معتبرة؟ واختلف العلماء هل في الدين والمال والحسب، أو في بعض ذلك؟ والصحيح جواز نكاح الموالي للعربيات والقرشيات؛ لقوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) .
(558)" الجامع لأحكام القرآن "(14/187) ، وانظر الحاشية رقم (858) .
(559)
كما رواه مسلم (4/195) في الطلاق.
(560)
أخرجه الترمذي" (1/201) ، وابن ماجه (1967) ، والحاكم (2/164-165) ، وحسنه الألباني لشواهده كما في" الإرواء" (6/266) رقم (1868) .
وقد جاء موسى إلى صالحِ مدين غريبًا طريدا خائفًا وحيدًا جائعًا عريانًا فأنكحه ابنته لما تحقق من دينه، ورأى من حاله، أعرض عما سوى ذلك) (561) اهـ.
قال ابن القيم رحمه الله: (والذي يقتضيه الحكم اعتبار الدين في الكفاءة أصلًا وكمالا، فلا تزوج عفيفة لفاجر، ولم يعتد القرآن والسنة في الكفاءة أمرا وراء ذلك)(562) اهـ.
فليتق الله أناس هان عليهم دينهم، فلا يبالون بتزوج بناتهم الصالحات ممن هم عن الدين معرضون، وللصلاة مضيعون، وبالمنكر آمرون، وعن المعروف ناهون، إيثارًا لأعراض الدنيا ومتاعها الزائل، وليعلموا أنهم بين يدى ربهم موقوفون، وعن فتنتهم بناتهم مسئولون (وسيعلمُ الذين ظلموا أي منقلب يقلبون) .
عن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه، أحفِظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسألَ الرجل عن أهل بيته " (563) .
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من عبد يسترعيه الله رعية، فلم يحطها بنصحه، إلا لم يجد رائحة الجنة "(564) .
(561)" الجامع لأحكام القرآن "(13/278) .
(562)
" زاد المعاد"(5/159) .
(563)
انظر الحاشية رقم (741) .
(564)
رواه البخاري (13/112) في الأحكام: باب من استرعى رعية فلم ينصح، ومسلم رقم (142) في الإيمان، وفي الإمارة، والإمام أحمد في " المسند "(5/25، 27) .
وعن الشعبي قال: "من زَوَّج كريمته من فاجر، فقد قطع رحمها "(565) .
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته الجامعة بمنى في أوسط أيام التشريق: " يا أيها الناس: ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى "(566) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أيها الناس: إن الله قد أذهب عنكم عُبيةَ الجاهلية، وتعاظمها بآبائها؛ فالناس رجلان: بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدمَ من تراب " الحديث (567) .
وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ عليه رجل، فقال:" ما تقولون في هذا؟ "، قالوا:(حَري إن خطب أن يُنْكَح، وإن شفع أن يُشَفع، وإن قال أن يُسْتَمَعَ "، ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم: " ما تقولون في هذا؟ "، قالوا: " حَرِيُّ إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يستمع "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا خير من ملء الأرض مثلَ هذا " (568) .
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(565) ذكره شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى، (32/120) .
(566)
رواه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الإمام أحمد في " مسنده"(5/411) ، وصححه محققا " زاد المعاد"(5/158) .
(567)
رواه الترمذي رقم (3270)، كتاب تفسير القرآن: باب " ومن سورة الحجرات "، وقال:" هذا حديث غريب"، وحسنه الألباني في " صحيح الجامع"(6/271)، وعُبية الجاهلية: هي الكبر، وتضم عينها وتكسر.
(568)
رواه البخاري رقم (5091) في النكاح: باب الأكفاء في الدين.