الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل]
لا نكاح إلا بولي
ربما يتوهم البعض أن للمرأة أن تزوج نفسها، وأن ذلك حق من حقوقها مادام أن الشارع اعتبر رضاها كما بيناه آنفا، لكن مما ينبغي أن يعلم: أنه مع ثبوت حق المرأة في قبول من ترضاه من الأزواج - فإن هذا الحق مقيد بإذن وليها، فإن النكاح لا يصح الا بولي (819) ، ولا تملك المرأة تزويج نفسها، ولا غيرها، ولا توكيل غير وليها في تزويجها (820) ، فإن فعلت لم يصح النكاح، وهاك أدلة هذا الحكم:
(819)
والمراد بالولي هو الأقرب من العَصبَة من النسب ثم من السبب ثم من عَصبته، وليس لذوي السهام ولا لذوي الأرحام ولاية، وهذا مذهب الجمهور، فأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها ثم أبوه وإن علا، ثم ابنها وابنه وإن سفل، ثم أخوها لأبيها وأمها ثم أخوها لأبيها.
واعلم أن الولاية بعد من ذكرنا تترتب على ترتيب الإرث بالتعصيب، فأحقهم بالميراث أحقهم بالولاية فأولاهم بعد الآباء ينو المرأة ثم بنوهم وإن سفلوا، ثم بنو أبيها وهم الإخوة ثم بنوهم وإن سفلوا، ثم بنو جدها، وهم الأعمام ثمْ بنوهم وإن سفلوا، ثم بنو جد الأب، وهم أعمام الأب، ثم بنوهم وإن سفلوا ثم بنو الجد ثم بنوهم.
ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب كالأخ من الأم والخال وعم الأم والجد أب الأم ونحوهم، وانظر " المغني" لابن قدامة (6/456 - 467) .
(820)
واشتراط الولي هو مذهب جمهور أهل العلم، منهم: عمر، وعلى، وابن مسعود، وابن عمر، وابن أبي ليلى، وأحمد، وإسحق، والشافعي، ونقِلَ عن ابن المنذر أنه لا يعرفُ عن أحد من الصحابة خلاف ذلك، وانظر:" فتح الباري"(9/187) .
الأول: قوله تعالى: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون) البقرة (232) .
(ومعنى العَضل: منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحدٍ منهما في صاحبه)(821) .
وعن مَعقِل بن يَسار رضي الله عنه قال: (كانت لى أخت تخطَبُ إلي، وأمْنَعُها من الناس، فأتاني ابن عَم لي، فأنكحتُها إياه، فاصطحبا ما شاء الله، ثم طَلقَها طلاقًا له رجعة، ثم تركها حتى انقضت عِدَّتُها، فلما خُطِبت إلي أتاني يخطبها مع الخُطاب، فقلتُ له: خُطِبَتْ إلي فمنعتُها الناسَ، وآثرتُك بها، فَزَوجتُكَها، ثم طَلقْتَها طلاقًا لك رجعة، ثم تركتها حتى انقضت عدتها، فلما خُطِبت إلي أتيتني تخطبها مع الخطاب؟! والله لا أنكحتكها أبدا، قال: فَفِي نزلت هذه الآية: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهُن أن ينكحن أزواجهن) الآية، فكفرتُ (822) عن يميني، وأنكَحتُها إياه) (823) .
(821)"المغني"(6/477) .
(822)
تكفير اليمين: إخراج الكفارة التي تلزم الحالف إذا حنث، كأنها تغطي الذنب الذي يوجبه الحنْثُ، والتكفير: التغطية.
(823)
رواه بنحوه البخاري (8/143) فتح - ط. السلفية، في التفسير: باب (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن)، وفي النكاح: باب من قال: لا نكاح إلا بولي، وفي الطلاق: باب (وبعولتهن أحق بردهن)، وأبو داود رقم (2087) في النكاح: باب في العضل، والترمذي رقم (2985) في التفسير: باب: ومن سورة البقرة، ولفظه: عن الحسن عن معقل بن يسار (أنه زوج أخته رجلا من المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت عنده ما كانت، ثم طلَّقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العدة، فهويها وهويته، ثم خطبها مع الخطاب، فقال له: يا لكع، =
وفي رواية أخرى للبخاري: (فحَمِيَ (824) معقل من ذلك أنفا (825)، وقال: خلا عنها، وهو يقدر عليها، ثم يخطبها؟ فحال بينه وبينها، فأنزل الله هذه الآية، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه، فترك الحَمِيةَ، واستقاد لأمر الله عز وجل (826) .
قال الشافعي رحمه الله تعالى: (وهذا أبين ما في القرآن من أن للولي مع المرأة في نفسها حقًّا، وأن على الولي أن لا يعضلها إذا رَضِيَتْ أن
أكرمتُك بها وزوجتكها، فطلقتها! والله لا ترجع إليك أبدا آخر ما عليك، قال: فعلم الله حاجته إليها، وحاجتها إلى بعلها، فأنزل الله تبارك وتعالى:(وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن - إلى قوله - وأنتم لا تعلمون)، فلما سمعها معقل قال: سمع لربي وطاعة، ثم دعاه، فقال:" أزوجُك وَأكرمُك") قال الترمذي: (هذا حديث صحيح، وقد روي من غير وجه عن الحسن، ثم قال: وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا يجوز النكاح بغير ولي، لأن أخت معقل بن يسار كانت ثيبا، فلو كان الأمر إليها دون وليها لزوجت نفسها، ولم تحتج إلى وليها معقل ابن يسار، وإنما خاطب الله في هذه الآية الأولياء، فقال: (ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) ففي هذه الآية دلالة على أن الأمر إلى الأولياء في التزويج مع رضاهن) اهـ.
(824)
حَمِيَ: أي أخذته الحمية، وهي الأنفَة والغيرة.
(825)
بفتح الهمزة والنون منون، أي ترك الفعل غيظا وترفعا.
(826)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وفي حديث معقل أن الولي إذا عضل لا يزوج السلطان إلا بعد أن يأمره بالرجوع عن العضل، فإن أجاب فذاك، وإن أصر زوج عليه الحاكم، والله أعلم) اهـ. من " الفتح"(9/188) ، وقد ذكر سماحة العلامة عبد العزيز بن باز حفظه الله صورة من صور العضل المبنية على الحمية، حيث قال رحمه الله:(ومن المسائل المنكرة في هذا ما يتعاطاه الكثير من البادية وبعض الحاضرة من حجر ابنة العم ومنعها من التزويج من غيره، وهذا منكر عظيم، وسنة جاهلية، وظلم للنساء، وقد وقع بسببه فتن كثيرة، وشرور عظيمة من شحناء، وقطيعة رحم، وسفك دماء، وغير ذلك) اهـ. من رسالة بعنوان: " نصيحة وتنبيه على مسائل في النكاح مخالفة للشرع".
تُنكَحَ بالمعروف) (827) اهـ.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى عند تفسير هذه الآية: (.. وهذا دليل قاطع على أن المرأة لا حق لها في مباشرة النكاح، إِنما هو حق الولي، ولولا ذلك لما نهاه الله سبحانه وتعالى عن منعها) ، ثم ذكر سبب نزول الآية، وقال: " لو لم يكن لمعقل حق لقال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: لا كلام لمعقل) (828) اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وقد اختلف العلماء في اشتراط الولي في النكاح، فذهب الجمهور إلى ذلك، وقالوا: لا تزوج المرأة نفسها أصلًا، واحتجوا بالأحاديث المذكورة، ومن أقواها هذا السبب المذكور في نزول الآية المذكورة، وهي أصرح دليل على اعتبار الولي، وإلا لما كان لعضله معنى، ولأنها لو كان لها أن تزوج نفسها لم تحتج إلى أخيها، ومن كان أمره إليه لا يقال إن غيره منعه منه، وذكر ابن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك)(829) اهـ.
الثاني: قوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) الآية البقرة (221) .
قال القرطبي رحمه الله: (في هذه الآية دليل بالنص على أن لا نكاح إلا بولي، قال محمد بن على بن الحسين: النكاح بولي في كتاب الله؛ ثم قرأ (ولا تنكحوا المشركين)(830) اهـ.
(827)" تكملة المجموع شرح المهذب"(15/41) .
(828)
" أحكام القرآن"(1/201) ، وانظر " الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (3/158) .
(829)
"فتح الباري"(9/187) .
(830)
"تفسير القرطبي"(3/72) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وجه الاحتجاج بالآية والتي بعدها أنه خاطب بإنكاح الرجال، ولم يخاطب به النساء، فكأنه قال: لا تنكحوا أيها الأولياء مولياتكم للمشركين)(831) اهـ.
قال القرطبي رحمه الله: (ومما يدل على هذا أيضًا من الكتاب: الثالث: قوله تعالى: (فانكحوهن بإذن أهلهن) النساء (25) .
الرابع: وقوله: (وأنكحوا الأيامى منكم) النور (32) .
فلم يخاطب تعالى بالنكاح غير الرجال، ولو كان إلى النساء لذكرهن) (832) اهـ.
الخامس: قوله تعالى حكاية عن صالح مدين: (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتيْ هاتين) الآية القصص (27) ، فقد تولى هو النكاح، فدل على أن لا حظ للمرأة فيه، وهذا مقتضى قوله عز وجل:(الرجال قوامون على النساء) الآية النساء (34) .
السادس: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي"(833) وفي لفظ: " لا نكاح إلا بولي، والسلطان ولي من لا ولي له"(834) وفي
(831)"فتح الباري"(9/184) .
(832)
"تفسير القرطبي "(3/73) .
(833)
رواه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أبو داود رقم (2085) في النكاح: باب في الولي، والترمذي رقم (1101) في النكاح: باب ما جاء لا نكاح إلا بولي، والدارمي (2/137) ، وابن حبان (1243) ، وصححه، والحاكم (1/170) ، وصححه، وأحمد (4/394) ، والحديث صححه الألباني في "الإرواء"(6/ 235) .
(834)
رواه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وابن عباس رضي الله عنهما الإمام أحمد (6/260) ، (1/250) ، وابن ماجه رقم (1880) ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع "(6/203) .
لفظ: " لا نكاح إلا بولي، وشاهدي عدل "(835) .
قال الصنعاني رحمه الله: " والحديث دَل على أنه لا يصح النكاح إلا بولي، لأن الأصل في النفي، نفي الصحة لا الكمال"(836) اهـ.
السابع: قوله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، وإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي لها"(837) .
ففي هذا الحديث نص صريح لا يحتمل التأويل على أن المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي" محمول على نفي الصحة والحقيقة الشرعية، ولا يصح بحال حمله على نفي الكمال.
الثامن: قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها "(838) .
(835) رواه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ابن حبان (1247 - موارد) ، والدارقطني (383- 384) ، والبيهقي (7/125) ، وصححه الألباني في "الإرواء" رقم (1858) .
(836)
"سبل السلام"(3/117) .
(837)
رواه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أبو داود رقم (2083) ، والترمذي رقم (1102) ، وابن ماجه (1879) ، وصححه ابن حبان (1248) ، والحاكم (2/168) ، ووافقه الذهبي، وأبو عوانة، وابن خزيمة وغيرهم، انظر:" تلخيص الحبير"(3/179) ، و " إرواء الغليل"(1840) .
(838)
رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ابن ماجه رقم (1882) ، والدارقطني (384) ، والبيهقي (7/110)، وقال الحافظ في " بلوغ المرام" ص (225) :" رجاله ثقات"، وصححه الألباني في " الإرواء"(1841) دون الجملة الأخيرة، وصحح وقفها على أبي هريرة رضي الله عنه.
وهذا الحديث يدل على أن المرأة ليس لها ولاية في الإنكاح لنفسها ولا لغيرها، فلا عبارة لها في النكاح إيجابا ولا قبولا، فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا =
التاسع: عن ابن عمر رضي الله عنهما: " أن عمر حين تأيمت حفصة بنت عمر من ابن حُذافة السهمي - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أهْل بدر - توفي بالمدينة، فقال عمر: لقيت عثمان بن عفان فعرضتُ عليه، فقلت: إن شئتَ أنكحتُك حفصةَ، قال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، ثم لقيني، فقال: بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيتُ أبا بكر فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة فصمت أبو بكر، فلم يرجع إلي شيئَا، وكنت أوجد عليه مني على عثمان، فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكحتها إياه "(839) الحديث.
ووجه الدلالة منه اعتبار الولي في الجملة، لقول عمر:
"أنكحتُك".
[قال الطبري: (في حديث حفصة حين تأيمت، وعقد عمر عليها النكاح، ولم تعقده هي، إبطال قول من قال: " إن للمرأة البالغة المالكة لنفسها تزويج نفسها، وعقد النكاح دون وليها، ولو كان ذلك لها لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع خطبة حفصة لنفسها إذا كانت أولى بنفسها من أبيها، وخطبها إلى من لا يملك أمرها ولا العقد عليها، وفيه بيان قوله صلى الله عليه وسلم: " الأيم أحق بنفسها من وَليها" أن معنى ذلك أحق بنفسها في أنه لا يعقد عليها إلا برضاها، لا أنها أحق بنفسها في أن تعقد النكاح على نفسها دون وليها) ](840) اهـ.
العاشر: عن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته:
= غيرها، ولا تزوج غيرها بولاية ولا وكالة، ولا تقبل النكاح بولاية ولا وكالة، والله أعلم.
(839)
رواه البخاري (9/183) في النكاح: باب من قال: لا نكاح إلا بولي.
(840)
نقله عنه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن " (3/73) ، وانظر: "الفتح" (9/186، 175-176) .
" أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فنكاح منها نكاحُ الناس اليوم، يخطُبُ الرجل إلى الرجلِ وَليته أو ابنته فيُصْدِقُها، ثم يَنْكِحُها " الحديث، إلى أن قالت رضي الله عنها: "
…
فلما بُعِثَ محمد صلى الله عليه وسلم بالحق هَدَمَ نكاحَ الجاهلية كله، إلا نكاحَ الناس اليوم " (841) ، وفيه حجة على اشتراط الولي.
(841) رواه البخاري (9/182-183) في النكاح: باب من قال: لا نكاح إلا بولي.
[فصل]
ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه لا يُشترط الولي أصلًا، ويجوز للمرأة أن تزوِّج نفسها ولو بغير إذن وَلِيها إذا تزوجت كفؤَا، واحتج بما يأتي:
أولًا: قوله تعالى: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) فذهب إلى اًن الخطاب للأزواج لا للأولياء كما قال الجمهور، وقد أسند إليها النكاح فدل على أنه يصدر عنها، قالوا:
" والمقصود نهى الأزواج عن أن يكون الارتجاع مضارةً وعضلا عن نكاح الغير بتطويل، لعدة عليها".
وجوابه:
- أن سبب نزول الآية يدل على أن الخطاب للأولياء لا للأزواج، كما قدمنا بيانه، قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: في باب (لا نكاح إلا بولي) من " الأم " [ (إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) يعني فانقضى أجلهن يعني عدتهن (فلا تعضلوهن) يعني أولياءهن (أن ينكحن أزواجهن) إن طلقوهن ولم يبتوا طلاقهن.. قال: ولا أعلم الآية تحتمل غيره لأنه إنما يؤمر بأن لا يعضل المرأة مَن له سبب إلى العضل بأن يكون يتم به نكاحها من الأولياء، والزوج إذا طلقها، فانقضت عدتها فليس منها بسبيل فيعضلها (842) ، وإن لم تنقض عدتها، فقد يحرم عليها أن تنكح غيره، وهو لا يعضلها عن نفسه، وهذا أبين ما في القرآن من أن للولي
(842) انظر: " الجامع لأحكام القرآن"(3/159) .
مع المرأة في نفسها حقًا، وأن على الولي أن لا يعضلها إذا رضيت أن تنكح بالمعروف] (843) .
ثانيا: قوله صلى الله عليه وسلم: " الثيب أحق بنفسها من وليها "، والجواب: أن سبب النزول كان في ثيب، وقد تقدم بيان معنى الحديث بما يغني عن إعادته (844) .
ثالثا: احتج بالقياس على البيع، فإنها تستقل به، وجواب: أن هذا من أفسد أنواع الأقيسة، لأنه قياس مع وجود النص الصحيح الصريح، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:(حديث معقل المذكور رفع هذا القياس، ويدل على اشتراط الولي في النكاح دون غيره، ليندفع عن موليته العار باختيار الكفء)(845) اهـ.
رابعا: وقد يُحتج لهذا المذهب بما رواه عبد الله بن بريدة عن عائشة رضي الله عنها:
(أن فتاة دخلت عليها، فقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، وأنا كارهة، قالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخْبرَته، فأرسل إلى أبيها، فدعاه، فجعل الأمر إليها، فقالت: يا رسول الله، قد أجزتُ ما صنع أبي، ولكن أردتُ أن أعْلِمَ الناس: أن ليس للآباء من الأمر شيء)(846) .
والجواب عنه من وجوه:
(843) نقلا من " تكملة المجموع شرح المهذب"(15/41) .
(844)
راجع الحاشيتين رقمي (784) ، (823) .
(845)
"فتح الباري"(9/187) .
(846)
رواه النسائي (6/87) ، والإمام أحمد (6/136) ، والدارقطني (3/232) ، وابن ماجه (1874) إلا أنه جعله من حديث بريدة رضي الله عنه.
أحدها: أن هذا الحديث ضعيف، لأنه من رواية كهس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عائشة رضي الله عنها، قال الدارقطني عقبه:(وهذا مرسل، لأن ابن بريدة لم يسمع من عائشة شيئًا) اهـ.
وكل الرواة عن كهمس قالوا: عن عبد الله بن بريدة عن عائشة سوى وكيع، فقال: عن ابن بريدة عن أبيه، قال: فذكر الحديث، وهذه رواية ابن ماجه، قال الألباني حفظه الله:
(وهذا خطأ من هناد، فقد قال أحمد: ثنا وكيع ثنا كهمس عن عبد الله بن بريدة عن عائشة، وهذا هو الصواب أن الحديث عن عائشة لموافقة هذه الرواية عن وكيع لرواية الجماعة عن كهس) اهـ. من: " نقد الكتاني ص 46 "، ولهذا قال الألباني في رواية ابن ماجه:(ضعيف شاذ) .
ثانيا: أنه لو صح فإنما جعل الأمر إليها لوضعها في غير كفء، قاله شمس الحق في " التعليق المغني " (847) وكأنه أخذه من قولها:" ليرفع بي خسيسته " وفيه نظر، (لأن أباها زوجها، من ابن أخيه، وهو كفؤ لها، وإنما جعله إليها لعدم الرضا منها، ولهذا نفذ العقد بإجازتها) ، قاله الشوكاني رحمه الله في " السيل الجرار"(848)، وقال فيه أيضا:(إنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر إليها لكون رضاها معتبرًا، فإذا لم ترض، لم يصح النكاح، سواء كان المعقود له كفؤَا أو غير كفء)(849) اهـ.
وقد تواردت عبارات العلماء على إنكار مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله:
(847)"التعليق المغني على الدارقطني"(3/232) .
(848)
"السيل الجرار"(2/274) .
(849)
"السابق"(2/292) .