الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل]
الفروق بين الرجل والمرأة
منها: تخصيص النبوة والرسالة بالرجل:
الرسالة دعوة إلى الله تعالى قولًا وفعلا، وهي تلقى عادة أعداء ومخالفين يدفعهم إلى معاداتها مصالح دنيوية، أو تقليد للأسلاف على غير عقل ولا بصيرة، وقد تلقى من المخالفين ملاحقة وأذى وضربا وقتلَا، وقد تلقى منهم طردًا وتشريدًا، وسجنًا وتعذيبا.
ثم إن الرسالة تقوم على قوة العارضة، وصدق الحجة، وعلى الحِلم والجَلَد في المجادلة، وقطع الطريق على الباطل بالدليل الحاضر، ودفع الشبهة بالحقيقة، وإضاءة الظلمة بالنور القاهر، ولعمر الله إن الرجل هو الذي يقدر على ذلك لأنه خُلِقَ لذلك، وما تقدر المرأة على ذلك، لأنها لم تخلق له، ولعله لهذه الحكم وغيرها اصطفى الله تبارك وتعالى من الرجال خيرهم وأفضلهم وهم الأنبياء (302) عليهم السلام (وربك يخلق ما يشاء ويختار) القصص (68)، وقال عز وجل:(وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا نوحي إليهم) يوسف (109) .
ومنها: تخصيص فرضية الجهاد الشرعي بالرجل:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: (يا رسول الله ألا نغزو، ونجاهد معكم؟ "، فقال: " لَكنَّ أحسن الجهاد وأجمله: الحج، حج مبرور"، فقالت عائشة رضي الله عنها: " فلا أدعُ الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم (303) .
(302) انظر: " الفِصَل"(5/12 - 14) ، و " الرسل والرسالات، للدكتور عمر الأشقر ص (14-15) .
(303)
رواه البخاري (1/465) ، والبيهقي (4/326) ، والإمام أحمد (6/79) .
ومنها: تخصيص القوامة الأدبية والتعليمية والتربوية بالرجل في المقام الأول: لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة) الآية التحريم (6) .
ومنها: جعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل أمام القضاء:
فقد جعل الإسلام نصاب الشهادة التي تثبت الحقوق لأصحابها شهادة رجلين عدلين، أو رجلًا وامرأتين، قال عز وجل:(واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضَونَ من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) البقرة (282) .
وهذا مظهر تشريعي لتطبيق قاعدة صلاحية الرجل للعمل خارج البيت دون المرأة، فإن الآية الكريمة تشير بذلك الحكم إلى أن وظيفة المرأة الأولى القرار في البيت، والقيام على تربية الأولاد، ومراعاة شئون بيتها، وهى إن اضطرت تحت بعض الظروف إلى مخالطة الرجال في شئون العمل والحياة، فإنها تتحفظ في هذا الاختلاط أشد التحفظ إِن دعتها إليه حاجة، أو ساقتها إليه المقادير، مما يقتضيها عدم مخالطة الرجال غالبًا، وعدم حضور العقود المالية، وحالات البيع والشراء إلا نادرًا، فالمرأة وإِن حضرت شيئا من ذلك فإن قلة ممارستها له قد يفقدها الاستيعاب الكامل لجوانب الموضوع، وبالتالي قد تنقص شيئًا من الحق فيما تشهد به، فكان لابد من إضافة امرأة مثلها إليها، لاستدراك ذلك النقص أو توهمه، قال تعالى:(أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)(304) والحقوق لابد فيها من التثبت والتحقيق.
ولهذا المعنى نفسِه ذهب كثير من الفقهاء إلى أن شهادة النساء لا تقبل في الجنايات، وليس ذلك إلا لأنها غالبًا ما تكون قائمة بشئون بيتها، ولا يتيسر لها أن تحضر مجالس الخصومات التي تنتهي بجرائم القتل وما أشبهها،
(304) البقرة (282) ، وانظر ص (208) .
وإذا حضرتها فقلَّ أن تستطيع البقاء إلى أن تشهد جريمة القتل بعينيها، وتظل رابطة الجأش، بل الغالب أنها إذا لم تستطع الفرار تلك الساعة فما يكون منها إلا أن تُغمض عينيها، وتولول، وتصرخ، وقد يغمي عليها، فكيف يمكن بعد ذلك أن تتمكن من أداء الشهادة، فتصف الجريمة والمجرمين وأداة الجريمة وكيفية وقوعها، قال الحافظ العراقي رحمه الله: (إن الرجال هم الذين يُبتلون بالشدائد والمحن، ويظهر فيهم ثمرة الفتن، بخلاف النساء فإنهن محجوبات في الأغلب، لا يصلين نار الفتن، قال الشاعر:
كُتِبَ القتلُ والقتالُ علينا
…
وعلى الغانيات جَرُّ الذيولِ) (305)
ومن المسلَّم به أن الحدود تُدْرَأ بالشبهات، وشهادتها في القتل وأشباهه تحيط بها الشبهة: شبهة عدم إمكان تثبتها من وصف الجريمة لحالتها النفسية عند وقوعها.
ويؤكد مراعاة هذا المعنى في الاحتياط لشهادتها فيما ليس من شأنها أن تحضره غالبًا: أن الشريعة قبلت شهادتها وحدها فيما لا يقَع عليه غيرها، أو ما تطلع عليه دون الرجال غالبًا، فقد قرروا أن شهادتها وحدها تقبل في إِثبات الولادة، وفي الثيوبة والبكارة، وفي العيوب الجسدية لدى المرأة (306) ، وكذا في الإرضاع، قال عقبة بن الحارث: (تزوجت امرأة، فجاءتني امرأة سوداء، فقالت:"أرضعتكما"، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت:"تزوجتُ فلانة بنت فلان، فجاءتنا امرأة سوداء، فقالت لي: "أرضعتُكما"، وهي كاذبة، فأعرض، فأتيت من قِبَلِ وجهه، فقلت: " إنها كاذبة"، قال: " كيف وقد زَعَمَتْ أنها أرضعتكما؟ "، ففارقها
(305)"طرح التثريب"(3/260) .
(306)
وهذا الحكم أيضا يعكس ما كان عليه الأوائل من تولي النساء توليد النساء وعلاجهن وتطبيبهن.
عقبة، ونكحت زوجًا غيره) (307) .
ومنها: أن ميراث المرأة أقل من ميراث الرجل في الغالب:
فقد جاء الإسلام يقرر للمرأة نصيبا مفروضًا من الميراث لا يصح الانحراف عنه بحال، قال تعالى:(للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر، نصيبًا مفروضًا) النساء (7) ، والرجل هو أصل عمود النسب، وهذا النصيب يختلف في أحكام الإرث بين حالات:
(أ) بين أن يكون نصيبها مثل الذكر؟ في الأخوات لأم، فإن الواحدة منهن إذا انفردت تأخذ سدس الميراث، كما يأخذ الأخ لأم كذلك إذا انفرد، وإذا كانوا ذكورا وإناثًا اثنين فأكثر فإنهم يشتركون جميعًا في الثلث، للذكر مثل حظ الأنثى، قال الله تعالى:(وإن كان رجل يُورَثُ كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحدٍ منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، النساء (12) .
(ب) وبين أن يكون نصيبها مثله أو أقل منه، كما في الأم مع الأب إذا مات ولدهما، فإن ترك الولدَ أولادًا ذكورا وإناثا، أو ذكورًا ولو واحدَا فللأب السدس وللأم كذلك، وإذا ترك بنتًا أو بنتين فأكثر فللأم السدس، وللأب السدس فرضًا وما يبقى تعصيبًا، وإن ترك الولد أبوين، ولم يترك أولادًا فللأم الثلث، وللأب الثلثان، قال الله تعالى: (ولأبويه لكل واحد
(307) رواه البخاري (5/184) في الشهادات: باب إذا شهد شاهد أو شهود بشيء، وباب شهادة الإماء والعبيد، وباب شهادة المرضعة، وفى العلم، والبيوع، والنكاح، والترمذي رقم (1151) في الرضاع: باب ما جاء في شهادة المرأة الواحدة في الرضاع، وأبو داود رقم (3603) و (3604) في الأقضية: باب الشهادة في الرضاع، والنسائي (6/109) في النكاح: باب الشهادة في الرضاع، وانظر:(رد المحتار على الدر المختار" (4/514) .
منهما السدس مما ترك إن كان له ولد، فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) .
(ج) وبين أن تأخذ نصف ما يأخذه الذكر، وهذا هو الأعم الأغلب (308) ، كما إذا مات رجل، وترك ابنًا وبنتًا مثلًا، فللذكر مثل حَظَّيْ أخته الأنثى، قال الله تعالى:(يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) النساء (11)، وقال عز وجل:(وإن كانوا إخوة رجالا ونساءً فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم) النساء (176) .
والله سبحانه وتعالى صرح في هذه الآية الكريمة أنه يبين لخلقه هذا البيان الذي من جملته تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث لئلا يضلوا، فمن سوى بينهما فيه فهو ضال قطعًا، ثم بين أنه سبحانه أعلم بالحكم والمصالح وبكل شيء من خلقه بقوله تعالى:(والله بكل شيء عليم) والحكمة في هذا التفضيل ظاهرة إذ إن الأمر يتعلق بالعدالة في توزيع الأعباء والواجبات على قاعدة " الغُرم بالغُنْم".
والحكمة البالغة تقتضي أن يكون الضعيف الناقص مقومًا عليه من قِبَلِ القوى الكامل، واقتضى ذلك أيضًا أن يكون الرجل مُلْزَمًا بالإنفاق على نسائه، والقيام بجميع لوازمهن في الحياة، كما قال تعالى:(وبما أنفقوا من أموالهم) ، ومال الميراث لم يتسبب فيه أحدهما ألبتة، وما سعيا في تحصيله عرفًا، وإنما هو تمليك من الله مَلَكَهُما إياه تمليكًا جبريا، فاقتضت حكمة الحكيم الخبير أن يؤثر الرجل على المرأة في الميراث، وإن أدليا بسبب واحد،
(308) تأمل رحمك الله الربط بين الشرائع وبين الواقع في هذا الحكم، فإنه لما كان الرجل قواما على المرأة مكلفا بالإنفاق على أسرته، جاء هذا التشريع مظهرًا من المظاهر التشريعية لتطبيق هذا الأصل، وهو تكليف الرجل بالإنفاق على أسرته.
لأن الرجل مترقب للنقَص دائمًا بالإنفاق على نسائه وأولاده، وبذل المهور لهن، والبذل في نوائب الدهر، والنفقة على أقاربه الفقراء الذين يرثونه، وهو أصل عمود النسب، ومنزله مقصد للزائرين، أما المرأة فإنها مترقبة للزيادة، إذ يأتي يوم يضمها إليه رجل يتزوجها، يبذل لها مهرها نحلة، ويقوم هو بالإنفاق عليها، والقيام بشئونها، ولا يجب عليها أن تسهم بشيء من نفقات البيت على نفسها وعلى أولادها ولو كانت غنية، كما أن مالها يزيد ربحه إذا نَمَّته بالتجارة، أو بأية وسيلة من وسائل الاستثمار المشروعة. والحاصل أن إيثار مترقب النقص دائمًا على مترقب الزيادة دائمًا لجبر بعض نقصه المترقب حكمة ظاهرة واضحة، لا ينكرها إلا من أعمى الله بصيرته بالكفر والمعاصي عصمنا الله منهما، فلا عبرة بما يردده الملاحدة الذين فسقوا عن أمر ربهم من شبهات حول هذا الحكم الرباني وأمثاله (309) .
قال تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم بعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون، أفحكم
(309) وأول من أحدث ضلالة التسوية بين الذكور والإناث في الميراث تركيا في ظل مصطفى كمال أتاتورك، حيث استبدلت الأحكام الشرعية بالقانون السويسري، ثم انتقلت عدوى هذه الضلالة إلى تونس على يد "البغيض " بورقيبة ثم إلى الصومال حيث استحل طاغوتاهما تبديل شرع الله، وقد حصل في إثر ذلك في الصومال ما حصل من قتل وإحراق العلماء المسلمين الذين فضلوا المنية على الدنية، وآثروا الفضيلة والنعش على الرذيلة والعيش، رحمهم الله تعالى، وأخزى أعداءهم.
وقد صرح المدعو زياد برى طاغوت الصومال في 21 أكتوبر 1970م بواسطة الإذاعة باعتناق حكومته المبدأ الماركسي اللينيني، وجاء - بعد ذلك- على لسانه في الجريدة الرسمية قوله:" كنا نسمع عن أقوال تقول الربع والثلث والخمس والسدس، فإنا نقول: إن ذلك لا وجود له بعد اليوم، وإن الولد والبنت متساويان في الميراث " اهـ من جريدة " نجمة أكتوبر " الصومالية بتاريخ (31/1/1974) .
الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون) المائدة (49 - 50)، وقال عز وجل:(ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بض للرجال نصيب مما كسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وَسئَلُوا الله من فضله) النساء (32) .
وقد أجمع العلماء على كفر من استباح المساواة في الميراث بين الذكور والإناث فيما ورد فيه التفاضل في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه كفر بالكتاب، وبما أرسل الله به رسله، وخروج عن شريعة الله إلى حكم الطاغوت، قال تعالى:(إنما كان قول المؤمنين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) النور (51)، وقال جل وعلا:(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيتَ ويسلموا تسليمًا) النساء (65) .