الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفصل الخامس]
المرأة مؤمنةً مجاهدةً صابرةً
لقد رفع الإسلام المرأة إلى أبعد مما يطمح خيالها، ويصبو أملها،: ساق لها من آي الذكر الحكيم، ما بهر سناه بصرها، وملكت محجته نفسها، واستقادت بلاغته وحسن مساقه قلبها، وأنصتت لما وصف به الله رحمته وعزته، وناره وجنته، وما أعد للصابرات والمحسنات من جزيل الأجر، وسَنِي المنزلة، فأثار ذلك عاطفتها، وأفاض وجدانها، وأنار بصيرتها، فكان حقا لذلك أن يصيب حبة قلبها، ويجُول في مجال دمها، ويتأشب بين أحناء ضلوعها.
كذلك كان أمر نساء العرب، فإن أول قلب خفق بالإسلام، وتألق بنوره قلب امرأة منهن، هي سيدة نساء العالمين في زمانها: أم القاسم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، قال الإمام عز الدين بن الأثير رحمه الله تعالى:" خديجة أولُ خَلقِ الله أسلَمَ، بإجماع المسلمين "(1296) .
وما كانت تلك المرأة في سواء النساء، بل لقد هيئ لها من جلال الحكمة، وبعد الرأي، إلى زكاء الحسب، وذكاء القلب، ما عَزَّ على الأكثرين من الرجال، فلم تأخذ الدين مشايعة، ولم تتلقه مجاملة، بل أخذته عن تأثر به، وظمأ إليه.
ومناقبها جَمة، وهى مِمَّن كمُلَ من النساء، كانت عاقلة دَيِّنة
(1296)" أسد الغابة "(7/78) .
مَصُونةً كريمة، من أهل الجنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُثني عليها، ويُفَضلُها على سائر أمهات المؤمنين، ويبالغ في تعظيمها، بحيث إن عائشة رضي الله عنها كانت تقول:" ما غِرْتُ من امرأة ما غِرت من خديجة، من كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها "(1397) .
ومن كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنها لم يتزوج امرأة قبلها، وجاءه منها عدةُ أولاد، ولم يتزوج عليها قط، ولا تَسرَّي إلى أن قضت نَحْبَها، فَوَجَدَ لفقدها، فإنها كانت نِعم القرين، وكانت تنفق عليه من مالها، ويَتَّجِرُ هو صلى الله عليه وسلم لها.
" وقد أمره الله أن يبشرها ببيت في الجنة من قَصَب، لا صخَبَ فيه ولا نَصَب "(1298)) (1299) اهـ.
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار لها، فذكرها يومًا، فحملتني الغيرة، فقلت: " لقد عَوَّضك الله من كبيرة السن! "، قالت: فرأيتُه غضب غضبًا أسْقِطْتُ في خَلَدي (1300)، وقلت في نفسي:" اللهم إن أذهبتَ غضبَ رسولك عني لم أعُدْ أذكرها بسوء "، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما لقيتُ، قال:" كيف قلتِ؟ والله لقد آمنت بي إذ كَذَّبني الناسُ، وآوتني إذ رفضني الناس، وَرُزِقْتُ منها الولد وحرمتموه مني "، قالت:
(1297) تقدم برقم (1033) .
(1298)
أخرجه البخاري (7/105) ، ومسلم (2432) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وكذا أخرجه البخاري (7/104)، ومسلم (2433) من حديث عبد الله ابن أبي أوفى رضي الله عنه. وأراد بالبيت: القصر، والقصب هنا: لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف، والصخب: اختلاط الأصوات، والنصب: التعب.
(1299)
"سير أعلام النبلاء "(2/110) .
(1300)
الخلَد: بالتحريك، البال والقلب والنفس.
" فغدا وراح عَلَىّ بها شهرًا "(1301) .
أجل، لقد تأثرت خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين رضي الله عنها بهذا الدين تأثرا نفذ إلى قلبه صلى الله عليه وسلم، فكان مبعث الغبطة والسكينة عند تدافع النوب، واشتداد الخطوب، ثم أعقبها جمهور النساء فتأثرن بهذا الدين تأثرًا هان وراءه كل شيء.
وأول من سبق إليه فريق الضعاف اللواتي فقدن النصَفَة، وَاسْتَهَنَّ بما أصابهن في سبيل الله، من ظلم وذل وآلام.
وكانت لقريش صولة وانبساط بالأذى على من آمن من أولئك الضعاف حتى لقد تجاوزوا به حد التعذيب والإيلام، إلى الافتنان في التمثيل، والتأنق في التنكيل، ومن أولئك اللواتي استعذبن العذاب: سمية بنت خُبَّاط أم عمار بن ياسر كانت سابعة سبعة في الإسلام، وكان بنو مخزوم إذا اشتدت الظهيرة، والتهبت الرمضاء، خرجوا بها هي وابنها وزوجها إلى الصحراء، وألبسوهم دروع الحديد، وأهالوا عليهم الرمال المتقدة، وأخذوا يرضخونهم بالحجارة، (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بعمار وأمه وأبيه وهم يعذبون بالأبطح في رَمْضاء مكة فيقول:" صبرا آل ياسر، موعدكم الجنة "(1302) حتى تفادى الرجلان ذلك العذاب المر بظاهرة من الكفر أجرياها على لسانهما، وقلباهما مطمئنان بالإيمان، وقد عذر الله أمثالهما بقوله تعالى:(إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) فأما المرأة فاعتصمت بالصبر، وقرت على العذاب، وأبت أن تعطي القوم ما سألوا من الكفر بعد الإيمان، فذهبوا بروحها، وأفظعوا قِتلتها، فقد أنفذ الشريف النذل أبو جهل بن هشام حربته فيها، فماتت رضي الله عنها، وكانت أول شهيدة في الإسلام.
(1301) تقدم برقم (1036) .
(1302)
"الإصابة"(7/713) .
قال ابن حجر: (وأخرج ابن سعد بسند صحيح عن مجاهد قال: أول شهيد في الإسلام سمية والدة عمار بن ياسر، وكانت عجوزًا كبيرة، ضعيفة،. ولما قُتل أبو جهل يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمار: " قَتَل الله قاتِلَ أمك " (1303) اهـ.
وغير سمية كثيرات احتملن فوق ما احتملت:
فمنهن من كانوا يلقونها، ويحملون لها مكاوي الحديد، ثم يضعونها بين أعطاف جلدها، ويدعون الأطفال يعبثون بعينها حتى يذهب بصرها، وممن عُذب بهذا العذاب زنيرة جارية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان هو وجماعة من قريش يتولون تعذيبها، ولما ذهب بصرها قال المشركون:" ما أصاب بصرها إلا اللات والعزى "، فقالت لهم:" والله ما هو كذلك، وما تدري اللات والعزى من يعبدهما، ولكن هذا أمر من السماء والله قادر على أن يرد عليَّ بصري "، قيل:" فرد عليها بصرها"، فقالت قريش:" هذا من سحر محمد صلى الله عليه وسلم "، وقد اشتراها أبو بكر وأعتقها رضي الله عنه " (1304) .
ومنهن من كانوا يسقونها العسل، ويوثقونها بالأغلال، ثم يلقونها بين الرمال، ولها حرٌّ يذيب اللحم، ويصهر العظم، حتى يقتلها الظمأ " (1305)، وممن فعلوا بهن ذلك أم شريك غزيَّة بنت جابر بن حكيم- قال ابن عباس رضي الله عنهما: (وقع في قلب أم شريك الإسلام وهي بمكة، فأسلمت،
(1303)" الإصابة "(7/713) .
(1304)
" سيرة ابن هشام "(1/126) وقد أعتق أبو بكر الصديق رضي الله عنه ممن كان يعذب في الله سبعة، وهم: بلال، وعامر بن فهيرة، وزنيرة، وجارية بني المؤمل، والنهدية، وابنتها، وأم عُبَيس. (الإصابة 8/257) .
(1305)
" المرأة العربية"(2/73) .
ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرًّا، فتدعوهن، وترغبهن في الإسلام، حتى ظهر أمرها لأهل مكة، فأخذوها، وقالوا لها:" لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا، ولكنا سنردك إليهم "، قالت: فحملوني على بعير ليس تحتي شيء موطأ ولا غيره، ثم تركوني ثلاثًا لا يطعموني، ولا يسقوني، فنزلوا منزلا، وكانوا إذا نزلوا وقفوني في الشمس واستظلوا، وحبسوا عني الطعام والشراب حتى يرتحلوا، فبينما أنا كذلك إذا بأثر شيء بارد وقع علي منه ثم عاد، فتناولته، فإذا هو دلو ماء، فشربت منه قليلا ثم نزع مني، ثم عاد فتناولته، فشربت منه قليلا، ثم رفع، ثم عاد أيضا، فصنع ذلك مرارا حتى رويت، ثم أفضت سائره على جسدي وثيابي، فلما استيقظو " إذا هم بأثر الماء، ورأوني حسنة الهيئة، فقالوا لي: " انحللت فأخذتِ سقاءنا فشربت منه؟ " فقلت: " لا والله ما فعلت ذلك، كان من الأمر كذا وكذا"، فقالوا: " لئن كنت صادقة، فدينك خير من ديننا "، فنظروا إِلى الأسقية فوجدوها كما تركوها، فأسلموا لساعتهم) (1306) .
وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يسلم- يتولى تعذيب جارية مسلمة لبني المؤمل، فلا يزال يضربها بالسياط، حتى إذا مَل قال لها:" إني أعتذر إليك أني لم أتركك إلا ملالة "، فتقول له:" كذلك فعل الله بك "(1307) .
وقالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: (لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم من مكة حمل أبو بكر معه جميع ماله- خمسة آلاف، أو ستة آلاف- فأتاني جدي أبو قحافة وقد عمي، فقال: " إن هذا قد فجعكم بماله
(1306)"الإصابة"(8/248) ، " حلية الأولياء"(2/66) ، " الطبقات" لابن سعد (8/110-111) .
(1307)
" الطبقات" لابن سعد (2/187)، وانظر:" المرأة العربية"(2/73-74) .
ونفسه "، فقلت: " كلا، قد ترك لنا خيرًا كثيرًا "، فعمدتُ إلى أحجار، فجعلتهن في كوة البيت، وغطيت عليها بثوب، ثم أخذتُ بيده، ووضعتُها على الثوب، فقلت: هذا تركه لنا "، فقال:" أما إذ ترك لكم هذا، فنعم ".
وعن ابن إسحق قال: حُدِّثْتُ عن أسماء، قالت: أتى أبو جهل في نفر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك؟ قلت: لا أدري- والله أين هو؟، فرفع أبو جهل يَدَه، ولطم خدي لطمة خرَّ منها قُرطي، ثم انصرفوا) (1308) اهـ.
وخرجت أم أيمن مهاجرة، وليس معها زاد ولا ماء، فكادت تموت من العطش، فلما كان وقت الفطر، وكانت صائمة سمعت حسًّا على رأسها، فرفعته، فإذا دلو معلق، فشربت منه حتى رويت، وما عطشت بقية عمرها " (1309) .
آمنت أم كلثوم بنت عقبة- وهو سيد من سادات قريش- دون رجال بيتها، وفارقت خدرها، ومستقر أمنها ودعتها، تحت جنح الليل، فريدة شريدة، تطوي بها قدماها ثنايا الجبال، وأغوار التهائم بين مكة والمدينة، إلى مفزع دينها، ودار هجرتها، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أعقبتها بعد ذلك أمها، فاتخذت سنتها، وهاجرت هجرتها، وتركت شباب أهل بيتها وكهولهم، وهم في ضلال يعمهون (1310) .
ذلك قليل من كثير مما يشهد للمرأة المسلمة باحتكام الدين في ذات نفسها، واستهانتها بالدم والروح في سبيله.
(1308)" سير أعلام النبلاء "(2/290) .
(1309)
انظر: " حلية الأولياء"(2/67) ، "الطبقات "(8/162) .
(1310)
انظر: " الطبقات"(8/167) ، " المرأة العربية "(2/75) .
ومن هذا القبيل مواقف تكشف وضوح قضية " الولاء والبراء " في حس المرأة المسلمة وضوحًا لا يخالطه شائبة ضعف، أو انهزام، أو هوادة مع مَنْ حادَّ الله عز وجل ورسولَه صلى الله عليه وسلم.
فهذه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، وقد جاءتها أمها " قُتَيْلَة " راغبة في صلتها، فتوقفت حتى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:" يا رسول الله، إن أمي قدمت، وهى راغبة، أفأصلها "، قال:" نعم، صِلِي أمك "(1311)، وفيها نزل قوله تبارك وتعالى:(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)(الممتحنة: 8) .
وعن يزيد بن الأصم قال: تلقيتُ عائشة، وهي مقبلة من مكة، أنا وابنُ أختها ولدٌ لطلحة، وقد كنا وقعنا في حائط بالمدينة، فأصبنا منه، فَبَلَغَها ذلك؛ فأقبلت على ابن أختها تلومه؛ ثم وَعَظَتنِي موعظةً بليغةً، ثم قالت: أما عَلِمتَ أن الله ساقك حتى جعلك في بيت نبيه، ذهبتْ والله ميمونة، ورُمِي بحبلك على غاربك! أما إنها كانت من أتقانا لله، وأوصلِنا للرحم (1312) وعن يزيد: أن ذا قرابة لميمونة دخل عليها، فوجدتْ منه ريح شراب، فقالت:" لئن لم تخرج إلى المسلمين، فيجلدوك، لا تدخلْ عليَّ أبدا "(1313) .
كذلك تأثرت المرأة بأدب الإسلام، وخرجت به عما احتكم بها في الجاهلية من عادة نافرة، وتقليد ذميم.
(1311) تقدم برقم (349) .
(1312)
أخرجه ابن سعد (8/99) ، والحاكم (4/32) .
(1313)
أخرجه ابن سعد (8/99) .
وكان مِن أول ما لقنت المرأة من أدب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، الاعتصامُ بالصبر، إذا دجا الخطب، وجل المصاب.
وقد تقدم ذكر خبر الخنساء، وما ذهب به الدهر من حديث جزعها، وتصدع قلبها، واضطرام حشاها على أخيها، لقد استحال كل ذلك إلى صبرٍ أساغه الإيمان، وجمله التقى، فلم تأس على فائت من متاع الحياة الدنيا.
أولئك أبناؤها، وهم أشطار كبدها، ونياط قلبها، خرجوا إلى القادسية وكانوا أربعة، فكان مما أوصتهم به قولها: " يا بَني إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو، إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما هجَّنْت حَسبَكم، وما غيرت نسبكم، واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية.
اصبروا، وصابروا، ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت نارا على أرواقها، فيمموا وطيسها (1314) ، وجالدوا رسيسها (1315) ، تظفروا بالغنم والكرامة، في دار الخلد والمقامة ".
فلما كشرت الحرب عن نابها، تدافعوا إليها، وتواقعوا عليها، وكانوا عند ظن أمهم بهم، حتى قتلوا واحدا في أثر واحد.
ولما وافتها النعاة بخبرهم، لم تزد على أن قالت:" الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة "(1316) .
(1314) الوطيس: المعركة، أو الضرب فيها.
(1315)
الرسيس: الأصل.
(1316)
انظر: " الاستيعاب " لابن عبد البر (4/297) ، و "الإصابة"(7/615-616) ، و " المرأة العربية"(2/79 - 80) ، وقد تقدم برقم (و) ص (197) .
ذلك أبعد مدى تبلغه المرأة من جلال الصبر وقوة الإيمان، ولعل أبعد منه:
ما حدَّث أنس بن مالك عن أمه أم سُليم بنت مَلْحان الأنصارية زوج أبي طلحة زيد بن سهل قال: (مرض أخ لي من أبي طلحة يدعى أبا عمير، فبينما أبو طلحة في المسجد مات الصبي، فهيأت أم سليم أمره، وقالت: " لا تخبروا أبا طلحة بموت ابنه "، فرجع من المسجد، وقد تطيبت له وتصنعت، فقال: " ما فعل ابني "؟ قالت: " هو أسكن مما كان "، وقدمت له عشاءه، فتعشى هو وأصحابه الذين قدموا معه، ثم قامت إلى ما تقوم له المرأة، فأصاب من أهله، فلما كان آخر الليل قالت: " يا أبا طلحة، ألم تر إلى آل فلان، استعاروا عارية (1317) ، فتمتعوا بها، فلما طُلِبَتْ إليهم شق عليهم؟ " قال:" ما أنصفوا"، قالت:" فإن ابنك فلانا كان عارية من الله فقبضه إليه ".. فاسترجع، وحمد الله، وقال:" والله لا أدعك تغلبينني على الصبر "، حتى إذا أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال:" بارك الله لكما في ليلتكما"، فاشتملت منذ تلك الليلة على عبد الله بن أبي طلحة، ولم يكن في الأنصار شاب أفضل منه، وخرج منه رجل كثير، ولم يمت عبد الله حتى رزق عشر بنين كلهم حفظ القرآن، وأبلى في سبيل الله) (1318) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: شهدت أم سُلَيم " حنينًا " مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها خنجر قد حزمته على وسطها، وإنها يومئذ حامل بعبد الله بن أبي طلحة، فقال أبو طلحة: " يا رسول الله إن أم سليم معها
(1317) العارية: إباحة الانتفاع بعين من أعيان المال، مع بقاء عينها.
(1318)
" الإصابة"(8/229) ، (الطبقات الكبرى)(8/316) ، وقد استشهد عبد الله بفارس، وأصل الحديث في الصحيحين وغيرهما، وله عدة روايات جمعها العلامة الألباني في " أحكام الجنائز وبدعها" ص (24-26) .
خنجر " فقالت: " يا رسول الله أتخذه إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه، أقتل به الطلقاء، وأضرب أعناقهم إن انهزموا بك "، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " يا أم سليمِ، إن الله قد كفى وأحسن " (1319) .
وعن عبد المؤمن بن عبد الله القيسي قال: ضَرَبَتْ أم إبراهيم العابدة دابة فكسرت رجلها، فأتاها قوم يُعَزُّونها، فقالت:" لولا مصائب الدنيا لوردنا الآخرة مفاليس "(1320) .
[وقال أبو الفرج بن الجوزي في " عيون الحكايات ": (قال الأصمعي: خرجت أنا وصديق لي البادية، فضللنا الطريق، فإذا نحن بخيمة عن يمين الطريق فقصدناها، فسلمنا فإذا امرأة ترد علينا السلام، قالت: " ما أنتم؟ " قلنا: " قوم ضالون عن الطريق أتيناكم فأنسنا بكم "، فقالت: " يا هؤلاء ولوا وجوهكم عني حتى أقضي من حقكم ما أنتم له أهل "، ففعلنا فألقت لنا مِسْحا (1321) فقالت: " اجلسوا عليه إلى أن يأتي ابني "، ثم جعلت ترفع طرف الخيمة وترده " (1322) إلى أن رفعتها، فقالت: " أسأل الله بركة المقبل أما البعير فبعير ابني، وأما الراكب فليس بابني " (1323) ، فوقف الراكب عليها، فقال: " يا أم عقيل، أعظم الله أجرك في عقيل "، قالت: " ويحك مات ابني؟ " قال: " نعم "، قالت: " وما سبب موته؟ " قال: " ازدحمت عليه الإبل فرمت به في البئر "، فقالت: " انزل فاقض ذمام (1324) القوم، ودفعت إليه كبشا، فذبحه
(1319)" الطبقات "(8/311) ، وصححه الحافظ في " الإصابة"(8/229) .
(1320)
" صفة الصفوة"(3/190) .
(1321)
المسحُ: الفراش.
(1322)
يعني ترتقب قدوم ولدها.
(1323)
يعني أنها تفرست وحدثت نفسها بوقوع مكروه لولدها لما رأت غيره راكبا بعيره.
(1324)
الذمام: الحرمة، والحرمة ما لا يحل انتهاكه، والمقصود هنا أنها قالت له في أشد =
وأصلحه، وقرب إلينا الطعام فجعلنا نأكل ونتعجب من صبرها، فلما فرغنا خرجت إلينا وقد تكورت، فقالت:" يا هؤلاء هل فيكم من يحسن من كتاب الله شيئًا؟ " قلت: " نعم "، قالت:" اقرأ علي من كتاب الله آيات أتعزى بها "، قلت:" يقول الله عز وجل في كتابه: (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) قالت: " آلله إنها لفي كتاب الله هكذا؟ " قلت: " آلله إنها لفي كتاب الله هكذا "، قالت: " السلام عليكم "، ثم صفت قدميها وصلت ركعات، ثم قالت: " إنا لله وإنا إليه راجعون، عند الله أحتسب عقيلًا "، تقول ذلك ثلاثا، " اللهم إني فعلت ما أمرتني به فأنجز لي ما وعدتني "] (1325) .
ولما مات عبد الله بن الفرج لم تُعْلِم زوجته لإخوانه بموته، وهم جلوس بالباب ينتظرون الدخول عليه في علته، فغسلته، وكفنته في كساء كان له، فأخذت فرد باب من أبواب بيته، وجعلته فوقه، وشدته بشريط، ثم قالت لإخوانه:" قد مات، وقد فرغت من جهازه "، فدخلوا، فاحتملوه إلى قبره، وأغلقت الباب خلفهم (1326) .
وقد مر بك نبأ صفية بنت عبد المطلب الهاشمية رضي الله عنها، وهي عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وشقيقة أسد الله حمزة، وأم حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام، والعوام زوجها هو أخو سيدة النساء خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وأمها من بني زُهرة وهي هالة بنت وهب خالةُ رسول الله
= وقت وأصعبه عليها: اقض حق ضيافة القوم.
(1325)
" المنحة المحمدية " للشيخ محمد عبد السلام الشقيري رحمه الله ص (208-209) .
(1326)
" الغرباء " للآجري ص (67) .
صلى الله عليه وسلم، وهي من المهاجرات الأوَل، وكانت قد خرجت يوم أحد في طليعة النسوة اللواتي خرجن لخدمة المجاهدين، ومداواة الجرحى.
صلى الله عليه وسلم ولما انهزم المسلمون بعد أن خالف الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثبات سواء كان النصرُ أم كانت الأخرى، وانفض أكثر الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبق حوله سوى القلائل من أصحابه، قامت " صفية " رضي الله عنها وبيدها رمح تضرب به في وجوه الناس الفارين المنهزمين، والأعداء المشركين، وتقول لهم:" انهزمتم عن رسول الله!! "، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم أشفق عليها فقال لابنها " الزبير بن العوام ":" القَها فَأرجِعْها، لا ترى ما بشقيقها " أي حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه فلقيها " الزبير " فقال:
- " يا أمَّه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمرك أن ترجعي
…
".
فقالت صفية: " ولم؟ فقد بلغني أنه مُثِّل بأخي، وذلك في الله عز وجل قليل، فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله تعالى ".
وعاد الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فقال صلى الله عليه وسلم:" خل سبيلها "، فأتت " صفية "" الحمزة " فنظرت إليه، وصلت عليه، واسترجعت، واستغفرت، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فدُفِن (1327) .
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق جعل نساءه في أطُم (1328) يقال له فارع، ويُروى عن أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج لقتال عَدُوه رفع نساءه في أطم حَسان رضي الله عنه لأنه كان من أحصن الآطام) إلى أن قال: (فجاء يهودي فلصق
(1327) تقدم برقم (437) .
(1328)
الأطم: كل حصن مبني بحجارة.
بالأطم ليسمع، قالت صفية:" فأخذت عمودًا فنزلت إليه حتى فتحت الباب قليلًا قليلًا، فحملت عليه فضربته بالعمود فقتلته "(1329) .
وفي رواية ابن إسحاق زيادة: (وهي أول امرأة قتلت رجلًا من المشركين) .
وفي رواية: (
…
فجاء إنسان من اليهود فرقي في الحصن، حتى أطل عليهن، قالت صفية بنت عبد المطلب:" فقمت إليه، فضربتُه حتى قطعتُ رأسه، فأخذتُ رأسه فرميتُ به عليهم "(1330)) .
في طريق عودة النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة أحد إلى المدينة خرج الناس من المدينة للاستفسار عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وذويهم المشتركين في المعركة، ويُروى أنه كانت من بينهم امرأة من بني دينار قتل يوم أحُد أبوها وزوجها وأخوها وابنها، فلما نُعوا لها لم تكترث كثيرا، فقد أنساها قلقها على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كل أحد، ولهذا فإنها قالت بعد أن نُعِي لها أبوها وابنها وأخوها وزوجها:" ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " قالوا: " خيرًا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين "، قالت:" أرونيه حتى أنظر إليه "، فلما رأته سالمًا قالت- مشيرة إلى مصيبتها بفقد أبيها وزوجها وابنها وأخيها-:" كل مصيبة بعدك جلل "(1331) .
وفي رواية أن الدينارية هذه جاءت إلى مصارع القوم في المعركة فمرت
(1329) رواه بنحوه ابن سعد في "الطبقات"(8/27) ، والحاكم (4/51) ، وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله:(عروة لم يدرك صفية) ، وأورده الهيثمي في " المجمع"(6/134)، وقال: رواه الطبراني ورجاله إلى عروة رجال الصحيح، ولكنه مرسل.
(1330)
انظر: " الإصابة"(7/744) .
(1331)
تريد صغيرة، قال ابن هشام:(الجلل يكون من القليل ومن الكثير) اهـ.
بأبيها وابنها وأخيها وزوجها صرعى، وكلما سألت عن واحد وقالت:" من هذا؟ "، قيل لها:" هذا أبوك، وابنك، وزوجك، وأخوك "، فلم تكترث، بل صارت تقول:" ما فعل رسول الله؟ "، فيقولون:" أمامك "، حتى جاءته وأخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول:" بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا أبالي إذا سلمت من عطب "(1332) .
وقبل أن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة جاءت أم سعد بن معاذ سيد الأنصار رضي الله عنه تعدو نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على فرسه وسعد آخذ بلجامها، فقال سعد:" يا رسول الله.. أمي "، فقال:" مرحبًا بها "، فوقف لها، فلما دنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عزَّاها بابنها عمرو بن معاذ - وقد اسشهد في غزوة أحد وله اثنتان وثلاثون سنة- فقالت:" أما إذا رأيتك سالمًا، فقد اشتويْت المصيبة " - أي استقللتها -، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل من قتل بأحد، وقال لأم سعد:" يا أم سعد أبشري، وبشري أهلهم أن قتلاهها ترافقوا في الجنة جميعا، وقد شفعوا في أهلهم جميعًا "، قالت:" رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟ ثم قالت: يا رسول الله ادع لمن خلفوا منهم "، فقال صلى الله عليه وسلم:" اللهم أذهب حزن قلوبهم، واجبر مصيبتهم، وأحسن الخلف على من خلفوا "(1333) .
وهذه أم عُمَارة نَسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف الصحابية (الفاضلة المجاهدة الأنصارية الخزرجية، كان أخوها عبد الله بن كعب المازني من البدريين، وكان أخوها عبد الرحمن من البكَائين. شهدت أم عُمارة ليلة العقبة، وشهدت احُدًا، والحديبية، ويوم حُنين، ويوم اليمامة، وجاهدت، وفعلت الأفاعيل، وقُطِعت يدُها في الجهاد.
(1332)" السيرة الحلبية "(2/44) .
(1333)
" السابق"(2/47) .
قال الواقدي: شهدت أحدا، مع زوجها غَزِيَّة بن عَمرو، ومع وَلَدَيها.
وكانت قد خرجت في جيش المسلمين تسقي الظماء، وتأسو الجرحى، وقاتلت، وأبلت بلاءً حسنًا.
وكان ضَمْرَةُ بن سعيد المازني يحدث عن جَدته، وكانت قد شهدت أحُدًا، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لَمُقَامُ نسيبة بنت كعب اليوم خير من مُقام فلان وفلان "(1334) .
وكانت غرة الحرب وطلعتها للمسلمين، ثم أشاحت بوجهها عنهم، فتناولتهم سيوف المشركين، تنهل من نحورهم، وتطعن في ظهورهم، فانكشفوا وولوا مدبرين، إلا عشرة أو نحوهم، وقفوا يدرأون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحولون دون الوصول إليه.
هنالك جاء دور نسيبة، فانتضت سيفها، واحتملت قوسها، وذهبت تصول وتجول بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنزع عن القوس، وتضرب بالسيف، وحولها من الغر المذاويد علي وأبو بكر وعمر وسعد وطلحة والزبير والعباس، وولداها وزوجها، فكانت من أظهر القوم أثرا وأعظمهم موقفا.
وكانت لا ترى الخطر يدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تكون سداده وملء لهوته حتى قال صلى الله عليه وسلم: " ما التفت يمينًا ولا شمالًا إلا وأنا أراها تقاتل دوني "(1335) .
وعن عمارة بن غزية قال: قالت أم عُمارة: (رأيتُني، وانكشف
(1334)" الطبقات"(8/302) ، و " سير أعلام النبلاء"(2/278 -279) .
(1335)
" الطبقات"(8/303) .
الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بقى إلا في نُفَيْر ما يُتِمُّون عشرة؛ وأنا وابناي وزوجي بين يديه نَدب عنه، والناس يمرون به منهزمين، ورآني ولا ترسَ معي، فرأى رجلًا موليًا ومعه ترس، فقال: ألقِ ترسك إلى من يقاتل، فألقاه، فأخذته، فجعلت أترس به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما فعل بنا الأفاعيلَ أصحاب الخيل؛ لو كانوا رَجالةً مثلَنا أصبناهم، إن شاء الله.
فيُقبل رجل على فرس، فيضربني، وترستُ له، فلم يصنع شيئًا، وولَّى؛ فأضرب عُرقوب فرسه، فوقع على ظهره، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح: " يا ابن أم عمارة، أمَكَ! أمك! قالت: فعاونني عليه، حتى أوردتُه شَعوب) (1336) .
ومما حدث ابنها عمارة قال:
(جُرحْتُ يومئذ جرحًا في عضدي اليسرى، ضربني رجل كأنه الرَّقل (1337) ، ومضى عني، ولم يُعَرّج علىَّ، وجعل الدم لا يرقأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اعصب جرحك "، فأقبلت أمي إلي، ومعها عصائب في حَقْوَيْها، قد أعدَّتها للجراح، فربطت جرحي، والنبي واقف ينظر إليَّ، قالت:" انهض بُنَيَّ فضارِب القوم "، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟ " قالت: وأقبل الرجل الذي ضرب ابني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ضارب ابنك "، قالت:" فاعترضتُ له فضربتُ ساقه، فبرك"، قالت:" فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسمُ حتى رأيت نواجذه "، وقال:" استقدتِ يا أم عمارة "، ثم أقبلنا نَعُلَّه (1338) بالسلاح حتى أتينا على نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الحمد لله الذي ظفَّرك،
(1336)" الطبقات "(8/302)، وشَعوب: من أسماء المنية.
(1337)
الرقل: جمع رقلة، وهي النخلة العالية.
(1338)
عَلَّ الضاربُ المضروبَ: تابع عليه الضرب.
وأقرَّ عينك من عدوك، وأراك ثأرك بعينك ".
وأصيبت نسيبة في هذا اليوم بثلانة عشر جرحًا، واحد منها غار في عاتقها فنزف الدم منه (1339) ، وهي رغم ذلك كالصاعقة الساحقة، تضرب في نحور العدو، وترتمي بين صفوفهم، غير آبهة ولا دارية بالدم الناعر من جسمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أمّك أمك، اعصب جرحها، بارك الله عليكم من أهل بيت، مقام أمك خير من مقام فلان وفلان "، فلما سَمِعَتْ أمُه قالت:" ادع الله أن نرافقك في الجنة"، فقال:" اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة "، فقالت:" ما أبالي ما أصابني في الدنيا "(1340)) .
وولدها حبيب بن زيد بن عاصم هو الذي أخذه مسيلمة الكذاب، فقطًّع أعضاءه عضوًا عضوًا ليرتد عن دينه، حتى مات تحت العذاب، وهو ثابت على دينه (1341) .. وبلغها مقتله، فاحتسبته عند الله، وأقسمت أن تقاتل مسيلمة حتى يقتل أو تقتل، فذهبت إلى اليمامة، واشتركت في الموقعة
(1339) ولقد ظلت تداوي هذا الجرح سنة، وحين نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إلى حمراء الأسد "، بعد انتهاء غزوة أحد بساعات شدت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدم، رضي الله عنها ورحمها- انظر:" الطبقات" لابن سعد (8/302) .
(1340)
" الطبقات " لابن سعد (8/302-303) .
(1314)
وقصة ذلك: أن مسيلمة لعنه الله وجد فرصة على حبيب فقال له: " هل تشهد أني رسول الله "؟ فقال حبيب: " لا أسمع "، فقال مسيلمة:" أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ "، فقال حبيب:" نعم "، فأمر مسيلمة بقتل حبيب كما في " الحلية "(1/356) ، فكان رجاله يقطعون جسمه عضوا عضوا، وفي كل مرة يعرضون عليه نفس السؤالين، فكان رضي الله عنه يجيب السؤال الأول بالصمم، والثاني بنعم، وكأنه رضي الله عنه كان يتمثل قول الشاعر:
أصَمُّ عن الشيء الذي لا أريده
…
وأسمع خلقِ الله حين أريد
التي قتل فيها مسيلمة، وأبلت بلاء حسنًا -وكانت قد أصبحت مسنة- حتى قطعت يدها وهي تحاول قتل مسيلمة، وجُرِحت سوى يدها أحدَ عَشر جرحًا، ثم عادت من المعركة بيد واحدة، والدم ينزف، وكان أبو بكر رضي الله عنه وهو خليفة يأتيها يسأل عنها، واستمر جرحها ينزف دمًا حتى فارقت الحياة، وأدركتها الوفاة رضي الله عنها (1342) .
[بعد الانسحاب الرائع لخالد بن الوليد من سرية مؤتة والذي أنقذ به جيشه من فناء محقق، لم يكد خالد بن الوليد رضي الله عنه يعود بجيشه، إلى ضواحي المدينة بـ (الجرف) حتى اصطدم بأهل المدينة يصيحون بالجيش:" يا فرار يا فرار، فررتم في سبيل الله "، ويحثون في وجوههم التراب، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:" ليسوا بفرَّار، ولكنهم كُرَّار إن شاء الله".
ورغم ذلك ظل أهل المدينة حانقين على الجيش يؤنبون كل من لاقوه من أفراده حتى المرأة كانت لا تفتح الباب لزوجها منهم، وتذكره بأنه من الذين فروا؛ وفضلوا الحياة على الاستشهاد في سبيل الله:
فقد روي عن أبي بكر بن عبد الله بن عتبة أنه كان يقول: (ما لقي جيش بعثوا معنا ما لقي أصحاب مؤتة من أهل المدينة، لقيهم أهل المدينة بالشر، حتى إن الرجل لينصرف إلى بيته وأهله، فيدق عليهم الباب، فيأبون أن يفتحوا له، يقولون: " ألا تقدمت مع أصحابك؟ ") يعنى الذين استشهدوا] (1343) .
وفي وقعة اليرموك حرض أبو سفيان رضي الله عنه النساء، فقال:" من رأيتنه فارًّا فاضرِبْنه بهذه الأحجار والعصي حتى يرجع "(1344) ،
(1342)" الطبقات"(8/304) ، و " سير أعلام النبلاء "(2/281) .
(1343)
انظر: " البداية والنهاية "(4/ 241) ، و "غزوة مؤتة" لمحمد أحمد باشميل ص (330 - 331) .
(1344)
" البداية والنهاية "(7/11) .
وحمل المسلمون على الروم حملة منكرة، ودارت بينهم الحرب كما تدور الرحى، وتكاثرت جموع الروم على ميمنة المسلمين، فعادت الخيل تنكص بأذنابها راجعة على أعقابها منكشفة كانكشاف الغنم بين يدي الأسد، ونظرت النساء خيل المسلمين راجعة على أعقابها، فنادت النساء:" يا بنات العرب! دونكن والرجال، ردوهم من الهزيمة حتى يعودوا إلى الحرب "، قالت سعيدة بنت عاصم الخولاني:(كنت في جملة النساء يومئذ على التل، فلما انكشفت ميمنة المسلمين صاحت بنا عقيرة بنت غفار، وكانت من المترجلات الباذلات، ونادت: " يا نساء العرب! دونكن والرجال، واحملن أولادكن على أيديكن، واستقبلنهن بالتحريض "، فأقبلت النسوة، واستقبلن من انهزم من سرعان الناس يضربنهم بالخشب والحجارة، ويرجمن وجوه الخيل بالحجارة، وجعلت ابنة العاص بن منبه تنادي: " قَبح الله وجه رجل يفر عن حليلته "، وجعلت النساء يقلن لأزواجهن: " لستم لنا ببعولة إن لم تمنعوا عنا هؤلاء الأعلاج " (1345)، وكانت خولة تقول هذه الأبيات:
يا هاربًا عن نسوة ثقاتْ
…
لها حمال ولها ثباتْ
تُسلِمُوهُن إلى الهَنات
…
تَمْلِكُ نواصِينَا مع البنات
أعلاج سوء فسق عتاة
…
ينلن منا أعظم الشتات
قال ابن جرير: (وقد قاتل نساء المسلمين في هذا اليوم، وقتلوا خلقًا كثيرا من الروم، وكن يضربن من انهزم من المسلمين، ويقلن: " أين تذهبون وتَدَعوننا للعلوج؟ فإذا زجرنهم لا يملك أحد نفسه حتى يرجع إلى
(1345)(قال منهال: فقد كانت النساء أشد علينا غلظة من الروم) اهـ. من " فتوح الشام " للواقدي (1/129) ، وانظر " البداية والنهاية"(7/11) .
والأعلاج: جمع عِلْج: وهو الرجل من كفار العجم.
القتال) (1346) اهـ. ورجعت الفرسان تحرض الفرسان على القتال، فرجع المنهزمون رجعة عظيمة، عندما سمعوا تحريض النساء، وخرجت هند ابنة عتبة، وبيدها مزهر، ومن خلفها نساء من المهاجرين، وهي تقول الشعر الذي قالته يوم أحد:
نحن بنات طارق
…
نمشي على النمارق
مشي القطا الموافق
…
قيدي مع المرافق
ومن أبى نفارق
…
إن تغْلبُوا نعانق
أو تدبروا نفارق
…
فراق غير واثق
هل من كريم عاشق
…
يحمي عن العواتق
ثم استقبلت خيل ميمنة المسلمين، فرأتهم منهزمين، فصاحت بهم:" إلى أين تهزمون؟ وإلى أين تفرون؟ من الله ومن جنته؟ هو مطلع عليكم "، ونظرت إلى زوجها أبي سفيان منهزمًا، فضربت وجه حصانه بعمودها، وقالت له:" إلى أين يا ابن صخر؟ ارجع إلى القتال، ابذل مهجتك حتى تُمَحصَ ما سلف من تحريضك على رسول الله صلى الله عليه وسلم "، قال الزبير بن العوام: فلما سمعت كلام هند لأبي سفيان، ذكرت يوم أحد ونحن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فعطف أبو سفيان عندما سمع كلام هند، وعطف المسلمون معه، ونظرت إلى النساء وقد حملن معهم، وقد رأيتهن يسابقن الرجال، وبأيديهن العمد بين أجل الخل (1347) ، ولقد رأيت منهن امرأة وقد أقبلت على علج عظيم وهو على فرسه، فتعلقت به، وما زالت به حتى نكبته عن جواده، وقتلته، وهى تقول:" هذا بيان نصر الله للمسلمين " " وفي هذه الموقعة قتلت أسماء بنت يزيد بن السكن بعمود خبائها
(1346)" البداية والنهاية"(7/13) .
(1347)
كذا بالأصل!
تسعة من الروم " (1348) ، قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: " وحمل المسلمون حملة منكرة لا يريدون غير رضا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم " فانكسر الروم) (1349) .
ويُروى أنه لما أسر ضرار بن الأزور في وقعة أجنادين سار خالد بن الوليد في طليعة من جنده لاستنقاذه، فبينا هو في الطريق، مَرَّ به فارس معتقل رمحه، لا يبين منه إلا الحَدق، وهو يقذف بنفسه، ولا يلوي على ما وراءه، فلما نظر خالد قال:" ليت شعري من هذا الفارس؟ وأيم الله إنه لفارس "، ثم اتبعه خالد والناس من ورائه، حتى أدرك جند الروم، فحمل عليهم"، أمعن بين صفوفهم، وصاح بين جوانبهم، حتى زعزع كتائبهم، وحطم مواكبهم، فلم تكن غير جولة جائل، حتى خرج وسنانه ملطخ بالدماء، وقد قتل رجالا، وجندل أبطالًا، ثم عرض نفسه للموت ثانية، فاخترق صفوف القوم غير مكترث، وخامر المسلمين من القلق والإشفاق عليه شيء كثير، وظنه أناس خالدًا، حتى إذا قدم خالد قال له رافع بن عميرة: " من الفارس الذي تقدم أمامك؟ فلقد بذل نفسه ومهجته "، فقال خالد: والله لأنا أشد إنكارًا وإعجابًا لما ظهر من خلاله وشمائله، وبينا القوم في حديثهم، خرج الفارس كأنه الشهاب الثاقب، والخيل تعدو في أثره، وكلما اقترب أحد منه ألوى عليه، فأنهل رمحه من صدره، حتى قدم على المسلمين، فأحاطوا به وناشدوه كشف اسمه، ورفع لثامه، وناشده ذلك خالد، وهو أمير القوم وقائدهم، فلم يحر جوابًا، فلما أكثر خالد أجابه وهو ملثم فقال: " أيها الأمير إني لم أعرض عنك إلا حياءً منك، لأنك أمير جليل، وأنا من ذوات الخدور، وبنات الستور، وإنما
(1348)" سير أعلام النبلاء"(2/297) .
(1349)
"فتوح الشام"(1/127 - 128) .
حملني على ذلك أني مُحْرَقَةُ الكبد، زائدة الكمد "، فقال خالد: " من أنت؟ "، قالت: " أنا خَوْلَةُ بنت الأزور، كنت مع نساء قومي، فأتاني آت بأن أخي أسير، فركبتُ، وفعلتُ ما رأيتَ "، هنالك صاح خالد في جنده، فحملوا، وحملت معهم خولة، وعظم على الروم ما نزل بهم منها، فانقلبوا على أعقابهم، وكانت تجول في كل مكان علها تعرف أين ذهب القوم بأخيها، فلم تر له أثرًا، ولا وقفت له على خبر، على أنها لم تزل على جهادها، حتى استنقذ لها أخوها.
ومن مواقفها الرائعة، موقفها يوم أسر النساء في موقعة " صحورا "، (فقد وقفت في النساء، وكانت قد أسرت معهن، فأخذت تثير نخوتهن، وتضرم نار الحمية في قلوبهن، ولم يكن من السلاح شيء معهن، فقالت:" خذن أعمدة الخيام، وأوتاد الأطناب، ونحمل على هؤلاء اللئام، فلعل الله ينصرنا عليهم "، فقالت عفراء بنت عَفَار:" والله ما دعوتِ إلى ما هو أحب إلينا مما ذكرتِ "، ثم تناولت كل واحدة عمودًا من عمد الخيام، وصِحنَ صيحة واحدة، وألقت خَوْلَةُ على عاتقها عمودها، وتتابع النساء وراءها، فقالت لهن خولة:" لا ينفك بعضكن عن بعض، وكُنَّ كالحلقة الدائرة، ولا تتفرقن فتُمْلكْنَ، فيقع بكن التشتيت، واحطمن رماح القوم، واكسرن سيوفهم "، وهجمت خولة، وهجم النساء وراءها، وقاتلت بهن قتال المستيئس المستميت، حتى استنقذتهن من أيدي الروم، وخرجت وهي تقول:
نحن بنات تُبَّعٍ وحِمْيَر
…
وضربنا في القوم ليس يُنْكَر
لأننا في الحرب نار تسعر
…
اليوم تُسْقَوْن العذاب الأكبر) (1350)
(1350)" السابق "(1/28-29) .
وبعد:
فهؤلاء هن أمهاتنا الأوليات، كواكب السحَر في سماء العظائم، وأروع الغُرَرَ في جبين العزائم، وذلك شيء من حديث جهادهن، لا يَدَع لقائل قيلًا، ولا لِمُفْتَخِرٍ سبيلًا، يشهد بسر من أسرار القوة العظيمة، التي جعلت من العرب الأميين خير أمةٍ أخرجت للناس، إنها النفوس التي صاغها الله برحمته، ورواها من حكمته، واصطنعها لتربية جنده، هيَأها لتزكية خَلْقه:
سَلَامٌ عَلى تِلْك الخَلائِقِ إنَّها مُسَلًمَة
…
مِنْ كُل عارٍ ومَأثَم
وهذا موقف من مواقف الإيمان، وقد خالطت بشاشته قلب امرأة رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا، حكاه عن الماضي القريب الأستاذ عبد الله بن عفيفي الباجوري رحمه الله:
(في أصيل يوم من صيف سنة 1914 كنت واقفًا في جمهور الواقفين في محطة طنطا، أترقب القطار القادم من الإسكندرية لأتخذه إلى القاهرة. لقد كان كل في شُغل بتلك الدقائق المعدودات يقضيها في توديع وإشفاق، وترقب وانتظار، وحمل متاع وتنسيق آخر، وكنت في شغُل بصديق يجاذبنى حديثا شيقًا ممتعا.
في تلك اللحظات الفانيهَ، وبين ذلك الجمع المحتشد، راعَ الناسَ صياح وإعوال، وتهدج واضطراب، ومشادة ومدافعة، ثم أبصروا فإذا فتاة في السابعة عشرة من سنيها، يقودها إلى موقف القطار شرطي عات شديد، وساعٍ من سعاة معتمدي الدول قوي عتيد، ومن خلفها شيخ أوروبي جاوز الستين مكتئب مهزول، وهى تدافع الرجلين حولها بيدين لا حول لهما.
أقبل القطار ثم وقف! فكاد كل ينسى بِذلك الموقف موقفه وما قصد له، ثم أصعدت الفتاة، وصعد معها من حولها، وعجلت أنا وصاحبي فأخذنا مقاعدنا حيث أخذوا مقاعدهم، كل ذلك والفتاة على حال من الحزن والكرب لا يَجْملُ معها الصبر، ولا يُحْمدُ دونها الصمت، سألت الشيخ:" ما خطبه؟ وما أمر الفتاة؟ "، فقال وقد أشرقه الدمع، وقطع صوته الأسى:
" إنني رجل أسباني، وتلك ابنتي، عرض لها منذ حين ما لم أعلمه، فصحوت ذات صباح على صوتها تصلي صلاة المرأة المسلمة، ومنذ ذلك اليوم احتَجَزَتْ ثيابها لتتولى أمر غسلها، وأرسلت خمارها الأبيض على صفحتي وجهها، ومكشوف صدرها، ثم أخذت تُنْفِدُ وقتها في صلاة وصيام، وسجود وهجود، وكانت تُدْعَى " روز "، فأبت إلا أن تسمى " فاطمة "، ما لبثت أن تبعتها أختها الصغرى، فصارت أشبه بها من القطرة بالقطرة، والزهرة بالزهرة.
فزعت لهول ذلك الأمر، وقصدتُ أحد أساقفتنا، فأخذ يعاني رياضتها فلم يجد إلا شِماسا وامتناعًا، وعَزَت على الرجل خيبته، فكتب إلى معتمد الدولة الأسبانية، بأمر الأسرة الخارجة على دينها، وهنالك آمر المعتمد حكومة مصر فساقت إليه الفتاة كما ترى برغمها ورغم ذويها ليقذف بها بين جوانب دير تسترد فيه دينها القديم! ".. .
قلت: " أوَ أرضاك أن تساق ابنتك سوق الآثمات المجرمات على غير إثم ولا جريمة؟ ".
فزفر الرجل زفرة كاد يتصدَّع لها قلبه وأحناء ضلوعه، ثم قال:" أما لقد خُدعتُ ودُهِمْتُ، وغلب أمر الحكومتين أمري فما عساني أفعل؟ ".
على أثر ذلك انثنيت إلى الفتاة وهى تعالج من أهوال الحزن وأثقاله
ما تخشع الراسيات دون احتماله، فقلت:" ما بالك يا فاطمة؟ "- وكأنها أنِسَتْ منى ما لم تأنسه ممن حولها- فأجابتني بصوت يتعثر من الضنى: (لنا جيرة مسلمون، أغدو إليهم فأستمع أمر دينهم، حتى إذا أخذني النوم ذات ليلة رأيت النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم في هالة من النور يخطف سناها الأبصار، يقول وهو يلوح إلي بيده: " اقتربي يا فاطمة ") ، ولو أنك أبصرتها، وهي تنطق باسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم لرأيت رعْدَة تتمشى بين أعطافها وأطرافها حتى تنتهي إلي أسنانها فتخالف بينها، وإلى لسانِها فتعقله، وإلى وجهها فتحيل لونه، فلم تكد تستتم جملتها حتى أخذتها رجفة فهوت على مقعدها كأنها بناء منتقض!
إلى ذلك الحد غشي الناس ما غشيهم من الحزن، وأبصرت بشيخ يتمشى في ردهة القطار فطلبت إليه أن يؤذن في أذنها، فلما انتهى إلى قوله:" أشهد أن محمدًا رسول الله " تنفست الصُّعداء، وأمعنت في البكاء، وعاودتها سيرتها الأولى، فلما أفاقت قلت لها:" ومم تخافين وتفزعين؟ "، قالت:" إنه سيؤمر بي إلى دير.. حيث ينهلون من السياط دمي، ولست من ذلك أخاف، إلا إن أخوف ما أخاف يومئذ أن يحال بيني وبين صلاتي ونسكي! "، قلت لها:" يا فاطمة أولا أدلك على خير من ذلك؟ "، قالت:" أجل"، قلت:" إن حكم الإسلام على القلوب، فما عليك لو أقررت بين يدي المعتمد بدينك القديم، وأودعت الإسلام بين شغاف قلبك، حتى لا يفوتك أن تقيمي شعائره حيث تشائين؟ "، هنالك نظرت إليَّ نظرة تضاءلتُ دونها حتى خفيتُ على نفسي، ثم قالت:" دون ذلك حَزُّ الأعناق وتفصيل المفاصل! دعني! فإنني إن أطعت نفسي، عصاني لساني "، وكان ضلالًا ما توسلت به أنا وأبوها ومَن حولها.
كان ذلك حتى أوفينا على القاهرة فحيل دونها، لم أعلم بعد ذلك
شيئًا من أمر فاطمة لأني لم أستطع أن أعلم، رحمة الله وبركاته عليك يا فاطمة، فما أنت أولى شهيدات الرأي الحر، والإيمان الوثيق) (1351) .
(1351)" المرأة العربية "(2/8-11) .