المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفصل الثالث]المرأة بنتا - عودة الحجاب - جـ ٢

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الخامسة

- ‌ الباب الأول *

- ‌تمهيد

- ‌[فصل]المرأةسلاح ذو حدين

- ‌[فصل]القضية الأمالقرآن والسلطان

- ‌[فصل]بين الترقيع…والأصالة

- ‌[فصل]وضع المرأة ومسئولية الولاة

- ‌[فصل]موقف دعاة الإسلاممن قضية المرأة (52)

- ‌الباب الثانيإهانة الجاهلية للمرأة

- ‌[الفصل الأول]المرأة عند الآخرين (57)

- ‌[الفصل الثاني]المرأة عند العرب في الجاهلية

- ‌الباب الثالثشمس الإسلامتشرق على المرأة

- ‌[الفصل الأول]

- ‌مظاهر تكريم الإسلام للمرأة

- ‌[فصل]دحض بدعة المساواة المطلقةبين الرجل والمرأة

- ‌[فصل]الفروق بين الرجل والمرأة

- ‌مسألة: هل يجب تسوية الوالدينبين أولادهم الذكور والإناث في الهبة

- ‌عود على بدء

- ‌[الفصل الثاني]المرأة أُمًّا

- ‌[فصل]بر الوالدين بعد موتهما

- ‌[فصل]من مواقف الأم المسلمة

- ‌[فصل]الأم المسلمة وراء هؤلاء العظماء

- ‌[الفصل الثالث]المرأة بنتًا

- ‌[الفصل الرابع]المرأة زوجة

- ‌[فصل]الكفاءة في الزواج

- ‌فصلنص القرآن الكريم على تحريم نكاح الزانية

- ‌فصلوأما الأدلة على عدم اعتبار المال في الكفاءة:

- ‌فوائد

- ‌[فصل]الزوجيةبين الحقوق والواجبات والآداب

- ‌أولا: الحقوق والآداب المشتركة بين الزوجين

- ‌من مواقف الزوجة المسلمة

- ‌تنبيهات

- ‌ثانيا: حقوق الزوجة على زوجها

- ‌(أ) الحقوق المادية

- ‌(ب) الحقوق الأدبية

- ‌[فصل]لا نكاح إلا بولي

- ‌تنبيهات متفرقة

- ‌عود على بدءمن حقوق المرأة على زوجها

- ‌[فصل]مسئولية الرجل عن حماية الأسرة (915)

- ‌ثالثًا: حقوق الزوج على زوجته

- ‌[فصل] (1220)في علاقة الابن بوالديه بعد الزواجوعلاقة الحماة بالكَنَّة (1221)

- ‌[فصل]وفاؤها لزوجها

- ‌[الفصل الخامس]المرأة مؤمنةً مجاهدةً صابرةً

- ‌[الفصل السادس]المرأة عالِمةً

- ‌[فصل]صور من سيرة المسلمة العالمة

- ‌[الفصل السابع]المرأةُ…عابدةً

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌[الفصل الثالث]المرأة بنتا

[الفصل الثالث]

المرأة بنتًا

إن الإسلام لم يفرق في المعاملة الرحيمة والعطف الأبوي بين رجل وامرأة، وذكر وأنثى، وإنما دعا إلى المساواة والعدل الشامل بينهما في هذا الباب، قال الله تعالى:(إن الله يأمر بالعدل والإحسان) الآية (النحل: 90)، وقال عز وجل من قائل:(اعدوا هو أقرب التقوى)(المائدة: 8)

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اعدِلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائًكم"(471)، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيمن أراد أن يفضل بعضَ ولده على بعض في الهبة:" أعْطَيتَ سائرَ ولدِك مثل هذا؟ " قال: " لا "، قال:" فاتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم "(472)، وفي رواية أخرى أنه لما جاء يشهده صلى الله عليه وسلم قال له:" فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور "، وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا:" سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلًا أحدًا لفضَّلتُ النساء "(473) .

قال الألوسي رحمه الله: " المعهود من ذوي المروءة جبر قلوب النساء لضعفهن، ولذا يندب للرجل إذا أعطى شيئًا لولده أن يبدأ

(471) تقدم تخريجه رقم (311) .

(472)

تقدم تخريجه رقم (311) .

(473)

تقدم تخريجه رقم (322) .

ص: 213

بأنثاهم " (474) اهـ.

وقال أيضًا في تفسير قوله تعالى: (وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا) الآية الأنعام (139) .

(واسْتُدِلَّ بالآية على أنه لا يجوز الوقف على أولاده الذكور دون الإناث، وأن ذلك الوقف يفسخ ولو بعد موت الواقف، لأن ذلك من فعل الجاهلية، واستدل بذلك بعض المالكية على مثل ذلك في الهبة، وأخرج البخاري في " التاريخ " عن عائشة رضي الله عنها قالت: " يعمد أحدكم إلى المال فيجعله للذكور من ولده؟! إن هذا إلا كما قال الله تعالى: (خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا)(475) ") اهـ.

حرم الإسلام الوأد، وشنع على فاعليه بالخسران والسفه، قال تعالى:(قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهًا بغير علم) الآية الأنعام (140)، وقال عز وجل:(وإذا المَوءُودَة سُئِلَت بأي ذنب قُتلَت) التكوير (9، 8) .

وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعا وهات،

ووأد البنات " (476) .

وَبَيَّنَ الإسلام أن كراهية البنات، والتشاؤم بهن، والحزن لولادتهن جاهلية بغيضة إلى الله تعالى، قال سبحانه ناعيا على أهلها:(وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مُسْوَدًّا وهو كظيم (477) ، يتوارى من القوم من

(474)" روح المعاني "(8/36) . (475)"السابق "(8/37) .

(476)

تقدم تخريجه رقم (368) .

(477)

(وهو كظيم) أي مشتد الغيظ على امرأته، لأنه- بزعمه- حصل له منها ما يوجب أشد الحياء. (القاسمي 10/3819)، (والكظيم: المغموم الذي يُطبق فاه فلا يتكلم من الغم، مأخوذ من الكظامة، وهو شَدُّ فم القِربة) اهـ. من " الجامع لأحكام القرآن "(10/116)، وقال أبو حيان:(أخبر عمَّا يظهر في وجهه، وعن ما يُجِنه في قلبه) اهـ. من" البحر المحيط "(5/504) .

ص: 214

سوء ما بشر به (278) أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ألا ساء ما يحكمون) (479) (النحل: 58 - 59) بل إن هذا من ضعف الإيمان وزعزعة اليقين لكونهم لم يرضوا بما قسم الله لهم من إناث فهذا أمره الغالب ومشيئته المطلقة وإرادته النافذة لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه قال عز وجل: (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير)(الشورى: 49 - 50)[وما سماه الله تعالى (هبة) فهو بالشكر أولى وبحسن التقبل أحرى] .

قال واثلة بن الأسقع: [إن من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر وذلك أن الله تعالى قال (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) فبدأ

(478)(ويروى أن بعض الجاهلية كان يتوارى في حال الطلق فإن أخبر بذكر ابتهج أو بأنثى حزن وبقي متواريا أياما يدبر ما يصنع: أيمسكه أيتركه ويربيه على هون أي ذل وهوان لا يورثه ولا يعتني به ويفضل ولده الذكور عليه؟ فهي مهانة عنده وعبر عنها بـ "ما" عرفا لإسقاطها في زعمهم عن درجة العقلاء) اهـ من روح المعاني (14/168) .

(479)

قال الألوسي رحمه الله في تفسير هذه الآية: (والآية ظاهرة في ذم من يحزن إذا بشر بالأنثى حيث أخبرت أن ذلك فعل الكفرة وأخرج ابن جرير وغيره عن قتادة أنه قال في قوله سبحانه: (وإذا بشر

) الآية هذا صنيع مشركي العرب أخبركم الله تعالى بخبثه فأما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله تعالى له وقضاء الله تعالى خير من قضاء المرء لنفسه ولعمري ما ندري أي خير؟ لرب جارية خير لأهلها من غلام وإنما أخبركم الله عز وجل بصنيعهم لتجتنبوه ولتنتهوا عنه وكان أحدهم يغذو كلبه ويئد ابنته " اهـ من "روح المعاني" (14/169)

وما كل مئناث سيشقى ببنته

وما كل مذكار بنوه سرور

والمئناث: الذي لم ينجب إلا بنات.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا كان عنده وله بنات فتمنى =

ص: 215

بالإناث] (480) .

قال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله:

(فقسم سبحانه حال الزوجين إلى أربعة أقسام اشتمل عليها الوجود، وأخبر أن ما قدَّره بينهما من الولد فقد وهبهما إياه، وكفى بالعبد تَعرُّضًا لمقته أن يتسخط ما وهبه.

وبدأ سبحانه بذكر الإناث، فقيل: جبرَا لهنَّ لأجل استثقال الوالدين لمكانهن، وقيل - وهو أحسن -: إنما قدَّمهن لأن سياق الكلام أنه فاعلَ ما يشاء، لا ما يشاء الأبوان، فإن الأبوين لا يُريدان إلا الذكور غالبا، وهو سبحانه قد أخبر أنه يخلق ما يشاء، فبدأ بذكر النصف الذي يشاء، ولا يريده الأبوان.

وعندي وجه آخر: وهو أنه سبحانه قدَّم ما كانت تؤخره الجاهلية من أمر البنات حتى كانوا يئدونهن، أي: هذا النوع المؤخر عندكم مقدُّم عندي على الذكَر، وتأمل كيف نكر سبحانه الإناث، وعَرف الذكور، فجبر نقص الأنوثة بالتقديم، وجبر نقص التأخير بالتعريف) (481) اهـ.

وقال ابن القيم رحمه الله: (وقد قال الله تعالى في حق النساء: (فإن

= موتهن، فغضب ابن عمر، فقال:(أنت ترزقهن؟ " رواه البخاري في "الأدب المفرد" (83) .

والله سبحانه وتعالى قد تكفل برزق خلقه كافة، فقال عز وجل:(وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)(هود: 6)، وقال جل وعلا:(ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم)(الأنعام: 151) ، فالضجر من البنات من جهة الرزق لا مسوغ له، ولا داعي، وهو لا يصدر في الحقيقة إلا عمن ساء ظنه بربه، وضعُف يقينه به، فالمؤمن يثق بما في يد الله أكثر من ثقته بما في يده.

(480)

" الجامع لأحكام القرآن "(16/48) .

(481)

" تحفة المودود بأحكام المولود " ص (20- 21) .

ص: 216

كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعلَ الله فيه خيرًا كثيرا) (النساء: 19) ، وهكذا البنات أيضًا قد يكون للعبد فيهن خير في الدنيا والآخرة، ويكفي في قبح كراهتهن أن يكره ما رضيه الله، وأعطاه عبده (482) .

وقال صالح بن أحمد: كان أبي إذا وُلد له ابنة يقول: " الأنبياء كانوا آباء بنات "، ويقول:(قد جاء في البنات ما قد علمت "، وقال يعقوب ابن بختان: وُلِد لي سبع بنات، فكنت كلما وُلِد لي ابنة دخلت على أحمد ابن حنبل، فيقول لي: " يا أبا يوسف! الأنبياء آباء بنات "، فكان يُذْهِبُ قولُه هَمِّي)(483) اهـ.

وقد اقتلع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض النفوس الضعيفة جذور الجاهلية فخص البنات بالذكر، أمر الآباء المربين يحسن صحبتهن، والعناية بهن، والقيام على أمورهن، وحض على رحمتهن، والشفقة عليهن.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسنَ

(482) ولعله لأجل هذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تهنئة المتزوج بعبارة: " بالرفاء والبنين " لأن فيها الدعاء له بالبنين دون البنات، فعن الحسن أن عقيل بن أبي طالب تزوج امرأة من جشم، عليه القوم، فقالوا:" بالرفاء والبنين"، فقال:" لا تفعلوا ذلك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك"، قالوا:" فما نقول يا أبا زيد؟ "، قال: قولوا: " بارك الله لكم، وبارك عليكم، إنا كذلك كنا نؤمر" رواه ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق في "مصنفه" والنسائي (2/91) ، وابن ماجه (1/589) ، والدارمي (2/ 134) ، والإمام أحمد (3/451)، وقال الألباني:(.. هذا في حكم المنقطع لكن رواه أحمد من طريق أخرى عن عقيل، فهو قوي بمجموع الطريقين، والله أعلم) اهـ من " آداب الزفاف " ص (176)، وانظر: " أركان النكاح وشروطه، للشيخ عبد العزيز بن محمد بن داود ص (90) الفصل الثالث من الباب الثاني.

(483)

" تحفة المودود " ص (26) .

ص: 217

ابنَ علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي، فقال الأقرع:" إن لي عَشرةَ من الولد ما قبَّلْتُ منهم أحدًا "، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" من لَا يَرحَم لا يرحَم "(484) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " أتقَبلون صبيانكم؟ فما نقبلهم "، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أوَ أمْلِكُ لك أن نزع الله من قلبك الرحمة (485) ؟ ") .

ويروَى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من كان له أنثى فلم يئدْها، ولم يُهِنْهَا، ولم يؤثر وَلَده - يعني الذكور - عليها، أدخله الله تعالى الجنة "(486) أي: مع السابقين.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله: " أي الذنب عند الله أعظم؟ "، قال: " أن تجعلَ لله ندا وهو خَلَقَكَ "، قال: قلت: " إن ذلك لعظيم؛ ثم أي؟ " قال: " أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك ")(487) الحديث.

(484) رواه البخاري (10/ 359، 360) في " الأدب ": باب رحمة الولد وتقبيله، ومسلم رقم (2318) في الفضائل: باب رحمته صلى الله عليه وسلم بالصبيان والعيال، والترمذي رقم (1912) في البر: باب في رحمة الولد، وأبو داود رقم (5218) في الأدب: باب في قبلة الرجل ولده، وقال السيوطي رحمه الله:" هذا حديث متواتر" اهـ. من " فيض القدير "(6/239) .

(485)

رواه البخاري (10/360) في الأدب: باب رحمة الولد وتقبيله، ومسلم رقم (2317) في الفضائل: باب رحمته صلى الله عليه وسلم بالصبيان والعيال.

(486)

رواه أبو داود (5146) في الأدب: باب فضل من عال يتيما، والحاكم (4/177) ، وصححه، ووافقه الذهبي،: في سنده زياد بن حدير، وهو لا يعرف، وباقي رجال السند ثقات، ولذا ضعفه الألباني في " تحقيق المشكاة "(3/1389) رقم (4979) .

(487)

أخرجه البخاري (8/378) في تفسير سورة الفرقان: باب قوله: (والذين =

ص: 218

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عال جاريتين حتى تبلغا (488) جاء يوم القيامة أنا وهو - وضم أصابعه - "(489)، أى: معا.

وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن من جِدَته - يعني ماله -، كنَّ له حجابا من النار "(490) .

ويروَى عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كان له ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو بنتان، أو أختان، فأحسن صحبتهن، واتقى الله فيهن، فله الجنة ط (491) وفي رواية أبي داود: (من

= لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس) الآية، وفي تفسير سورة البقرة: باب قوله تعالى: (فلا تجعلوا لله أندادَا) ، وفي الأدب، والمحاربين، والتوحيد، ومسلم رقم (86) في الإيمان: باب كون الشرك أقبح الذنوب، وأبو داود رقم (2310) في الطلاق: باب تعظيم الزنا، والترمذي رقم (3183) من طريقين قال في أحدهما:" حسن غريب "، وفي الآخر:" حسن صحيح "(5/336 - 337) .

حنى تبلغا: " أي حتى تتزوجا، قال القرطبي: (أي: إلى أن تستقلا بأنفسهما، وذلك أن يُدخَل بهن، ولا يعني بلوغ المحيض، (إذ قد تتزوج قبل ذلك، وقد تبلغ غير مستقلة بحال نفسها، ولو تركت لضاعت، ولذا لا تسقط نفقتها عن الأب بالبلوغ بل بالدخول بها) اهـ - انظر: " شرح الأبي " (7/66) ، و " فتح القدير " لابن الهمام (3/322) .

(489)

أخرجه مسلم رقم (2631) في البر والصلة: باب فضل الإحسان إلى البنات، واللفظ له، والترمذي رقم (1917) في البر والصلة: باب في النفقة على البنات، ولفظه:" من عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة كهاتين، وأشار بأصبعه ".

(490)

رواه الإمام أحمد في " مسنده "(4/154) ، والبخاري في الأدب المفرد " (76) ، وابن ماجه (3669) ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5/34) .

(491)

رواه أبو داود رقم (5147) في الأدب: باب في فضل من عال يتيما، والترمذي =

ص: 219

عال ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو أختين، أو ابنتين، فَأدبَهُنَ، وأحسن إليهن، وزوَجهن، فله الجنة) .

ويروَى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم تدرك له ابنتان، فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما، إلا أدخلتاه الجنة "(492) .

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان له ثلاثُ بنات يُؤويهُن، ويرحمهُنَّ، ويكفلُهُنَّ وجبت له الجنة البتة)، قيل: يا رسول الله! فإن كانتا اثنتين؟ قال: (وإن كانتا اثنتين)، قال: فرأى بعض القوم أن لو قالوا له: واحدة؟ ، لقال:(واحدةً)(493) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخلت علي امرأة ومعها ابنتان تسأل، فلم تجد عندي شيئا، غير تمرة واحدة، فأعطيتُها إياها، فَقَسَمَتْها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فَخَرَجَت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا، فأخبرتُه، فقال: " من ابتلي (494) من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن،

رقم (1913) في البر والصلة: باب ما جاء في النفقة على البنات، وأخرجه بنحوه البخاري في "الأدب المفرد"(1/162) ، وفي سنده سعيد بن عبد الرحمن بن مكمل الأعشى، لم يوثقه غير ابن حبان، وأخرج حديثه في " صحيحه رقم (2044) ، والحديث ضعفه الألباني في ضعيف الجامع، (5/243) .

(492)

رواه الإمام أحمد (1/362) ، والبخاري في " الأدب المفرد"(1/77) ، وابن حبان (2043) ، والحاكم (4/178) ، وصححه، وصحح المنذري إسناده، وقال الحافظ الذهبي:" شرحبيل بن سعد واهٍ " وقال الحافظ الناجي تلميذ الحافظ ابن حجر: " وفيه شرحبيل اختلط بأخَرة " اهـ.

(493)

أخرجه الإمام أحمد (3/303) ، والبخاري في " الأدب "(78) ، وغيرهما، وهو حديث حسن بشواهده، انظر:" الترغيب والترهيب"(3/67 - 68) ، و" تحفة المودود " ص (23 - 25) .

(494)

وفي لفظ: " من ابتلي بشيء من البنات، فصبر عليهن، كُنَّ له حجابًا من النار " =

ص: 220

كن له سترًا من النار " (495) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: " بشيء" يصدق على البنت الواحدة.

قال محمد بن سليمان: (البنون نِعَم، والبناتُ حسنات، والله عز وجل يحاسب على النِّعم، ويجازي على الحسنات" (496) .

وعنها أيضا رضي الله عنها قالت: (جاءت مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطَت كُل واحدة تمرة، وَرَفَعَت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار " (497)) .

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء "(498) الحديث.

لقد كان العرب في الجاهلية يأنفون أن يداعب الرجل وليدته، أو يسمح لها أن تمرح بين يديه، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد نقض تلك السنة

= والابتلاء: الاختبار بما يظهر به التزام الحق والشرع أو عدمه، قال شيخ الإسلام النووي رحمه الله:(إنما سماه ابتلاء لأن الناس يكرهونهن في العادة) اهـ. من " شرح النووي لصحيح مسلم "(16/179) .

(495)

تقدم تخريجه برقم (427) .

(496)

" صون المكرمات برعاية البنات " ص (28) .

(497)

تقدم تخريجه برقم (427) .

(498)

رواه أبو داود رقم (4941) في الأدب: باب في الرحمة، والترمذي رقم (1925) ، وصححه، ووافقه الذهبي، وانظر:" مجمع الزوائد"(8/187)، وقال الترمذي:" حسن صحيح "، وصححه الحافظ العراقي، وغيره، وانظر:" السلسلة الصحيحة " رقم (925) .

ص: 221

السيئة، ولم يكن يضن بوقته الأعز أن يداعب فيه الولائد من بناته أو بنات صحابته:

عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: (خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم وأمامة بنت أبي العاص (499) على عاتقه، فصلى، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها، حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها " (500) .

وحدثت أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعَلي قميص أصفر، قال رسول الله: " سَنَهْ سَنَهْ - وهي بالحبشية حسنة -، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة، فانتهرني أبي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعها" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبلي وأخلِقي، ثم أبلي وَأخْلِقي " فعُمّرَتْ بعد ذلك ما شاء الله أن تُعَمَّرَ)(501) .

أما حبه صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة، وشغفه بها، وحنانه عليها، وإكرامه إياها، فمما لا يحيط به وصف، ولا يناله بيان، وهي التي يقول فيها:" فاطمة بَضعة مني، يريبني ما رَابها، ويؤذيني ما آذاها "(502) ، وقالت

(499) وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت أمامة من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد زُوجَتْ من علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد موت خالتها فاطمة رضى الله عنها.

(500)

أخرجه البخاري (1/487، 488) في سترة المصلي: باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة، ومسلم (543) في المساجد: باب جواز حمل الصبيان، و"الموطأ" (1/170) في قصر الصلاة في السفر: باب جامع الصلاة.

(501)

رواه البخاري في اللباس: باب ما يُدعَى لمن لبس ثوبا جديدا، وفي الجهاد، والأدب، ومناقب الأنصار.

(502)

أخرجه البخاري (7/67 - 68) في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب أصهار النبي صلى الله عليه وسلم، وباب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي النكاح، ومسلم (2449) في فضائل الصحابة: باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو داود (2069) في النكاح: باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء، والترمذي (3866) في المناقب:

ص: 222

أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (جاءت فاطمة تمشي، ما تُخطِئ مِشيَتُها. مِشيئةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام إليها، وقال: " مرحبًا بابنتي " (503) .

أبصر المسلمون كل ذلك، ورأوا أن الله تعالى لم يختص فاطمة رضي الله عنها بذريته صلى الله عليه وسلم ليُشيد بالمرأة، وينهض بأمرها، ويرفع من شأنها، ويأخذ العرب بحبها، والابتهاج بها، فغدا مَنْ بعده يحبون بناتهم، ويكرمونهن، ويرون الخير كله معقودا بنواصيهن.

وعن البراء قال: (أتى أبو بكر رضي الله عنه ابنته عائشة رضي الله عنها وقد أصابتها الحمى، فقال: " كيف أنتِ يابنية؟ "، وقبل خدَّها)(504) .

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم بالبنت من أبيها، وَإن فيما روى البخاري عن سعد بن أبي وقاص لبلاغًا لقوم يعقلون: قال سعد رضي الله عنه: (مرضت بمكة مرضا أشفيت منه على الموت، فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، فقلت:" يا رسول الله إن لي مالًا كثيرًا، وليس يرثني إلا ابنتي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ " قال: " لا"، قلت:" فالشطر؟ " قال: " لا"،

= باب مناقب فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم من حديث المسور بن مخرمة. (503) قطعة من حديث رواه البخاري (6/462) في الأنبياء: باب علامات النبوة في الإسلام، وفي فضائل الصحابة، والمغازي، والاستئذان، ومسلم (2450) في فضائل الصحابة: باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم بدون قولها: " فقام إليها " فقد رواه أبو داود (5217) ، والترمذي (3872) ، والحاكم (3/154) ، وصححه، ووافقه الذهبي، ولفظ الشيخين:" فلما رآها رحب بها، وقال: مرحبا بابنتي، وأجلسها عن يمينه".

(504)

رواه أبو داود رقم (5222) في الأدب: باب في قبلة الخد، والحديث سكت عنه المنذري.

ص: 223

قلت: " الثلث؟ " قال: " الثلث كبير، إنك إن تركت ولدك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقهّ إلا أجرْتَ عليها، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك ") (505) الحديث.

وقد تأثر المسلمون بهذا التكريم والتشريف للمرأة، فصار أدباء الصدر الأول يصوغون في مدحهن ما هو أبهى من عقود الجمان:

فمن ذلك ما قاله منصور الفقيه:

أحِبُّ البناتِ فَحُبُّ البنا

تِ فرضٌ على كُل نفس كرِيمَهْ

لأن شعيبًا لأجل البنا

تِ أخدمه الله موسى كليمَه (505)

وقال حِطان بن المعلي:

لولا بُنَيات كزُغُبِ القَطا (507)

رُدِدن من بعض إلى بعض

إن هَبت الريحُ على بعضهم

لم تطعَمِ العينُ من الغَمْض

لكان لي مضطَرَبٌ واسع

في الأرض ذات الطول والعرض

(505) رواه البخاري (3/132) في الجنائز: باب رثاء النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة، وفي الإيمان، والوصايا، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المغازي، والنفقات، والمرضى، والدعوات، والفرائض، ومسلم رقم (1628) في الوصية: باب الوصية بالثلث، و "الموطأ" (2/763) في الوصية: باب الوصية في الثلث لا تتعدى، والترمذي رقم (975) في الجنائز: باب ما جاء في الوصية بالثلث والربع، وفي الوصايا، وأبو داود رقم (2864) في الوصايا: باب ما جاء فيما لا يجوز للوصي في ماله، والنسائي (6/241-243) في الوصايا: باب الوصية بالثلث، والإمام أحمد (1/172) .

(506)

" صون المكرمات برعاية البنات" ص (26) ، وقد حقق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن شيخ مدين لم يكن شعيبًا، تحقيقا جيدًا، فانظره في (جامع الرسائل " المجموعة الأولى تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم رحمه الله ص (59-66) .

(507)

هي فراخ القطا التي ليس عليهن إلا شَعر لين.

ص: 224

وإنما أولادُنا بيننا

أكبادنا تمشي على الأرض (508)

وكان لمعن بن أوس ثمان بنات، وكان يقول: (ما أحب أن يكون لي بهن رجال "، وفيهن قال:

رأيتُ رجالَا يكرهون بناتهم

وفيهن - لا نُكْذَبُ - نساء صوالحُ

وفيهن والأيام يعثرن بالفتى

عوائد لا يمللنه ونوائحُ (509)

وقال العلوي الجمانيُّ في صديق له وُلِدَتْ له بنت فسخطها:

قالوا له: ماذا رُزِقتا

فأصاخ ثُمَّتَ قال: بنتا

وأجل من ولد النساء

أبو البناتِ، فَلِم جزعتا

إن الذين تَوَدُّ مِنْ

بين الخلائق ما استطعتا

نالوا بفضل البنت ما

كَبَتُوا به الأعداءَ كبتا (510)

وقال أبو محمد الحسن بن عبيدة الريحاني:

حبذا من نعمة الله

البناتُ الصالحات

هن للنسل وللأنس

وهن الشجرات

وبإحسانٍ إليهن

تكونُ البركات

إنما الأهلون أرضو

ن لنا محترثات

فعلينا الزرع فيها

وعلى الله النبات (511)

ومما يُحكى عن معاوية رضي الله عنه قوله في شأن البنت: " والله

(508)" شرح الحماسة "(1/287) .

(509)

" المرأة العربية " لعبد الله عفيفي (8/18 - 19) .

(510)

" محاسن التأويل " للقاسمي (17/6074 - 6075) .

(511)

" صون المكرمات برعاية البنات " لجاسم الدوسري ص (27) .

ص: 225

ما مرض المرضى، ولا ندب الموتى، ولا أعان على الزمان، ولا أذهب جيشَ الأحزان مِثْلُهُنَّ، وإنك لواجِدٌ خالًا قد نفعه بنو أخته، وأبا قد رفعه نسلُ بنته) (512) .

وفي رواية عنه: (والله ما مَرَّضَ المرضى، ولا ندب الموتى، ولا أعان على الأحزان مِثْلُهن، وَرُب ابن أخت قد نفع خاله)(513) .

وفي رقعة للصاحب بالتهنئة بالبنت:

(أهلًا وسهلا بعقيلة النساء، وأم الأبناء، وجالبة الأصهار، والأولاد الأطهار، والمبشرة بإخوة يتناسقون، ونجباء يتلاحقون:

فلو كان النساء كمن ذكرنا

لفُضِّلت النساءُ على الرجالِ

وما التأنيثُ لاسم الشمس عَيْب

وما التذكيرُ فَخْر للهلال

والله تعالى يعرفك البركة في مطلعها، والسعادة بموقعها، فادَّرع اغتباطَا، واستأنف نشاطَا، فالدنيا مؤنثة، والرجال يخدمونها، والذكور يعبدونها (*) والأرض مؤنثة، ومنها خلقت البرية، وفيها كثرت الذرية، والسماء مؤنثة، وقد زينت بالكواكب، وَحُليَتْ بالنجم الثاقب، والنفس مؤنثة، وهي قوام الأبدان، وملاك الحيوان، والحياة مؤنثة، ولولاها لم تتصرف الأجسام، ولا عرف الأنام، والجنة مؤنثة، وبها وعد المتقون، وفيها ينعم المرسلون، فهنيئًا لك هنيئاً بما أوتيت، وأوزعك الله شكر ما أعطيت) (514) .

والأخبار والنوادر في هذا لا تُحصى، وكلها من بركة الإسلام وفضله.

(512)"محاسن التأويل"(17/6075) .

(513)

" صون المكرمات " ص (26-27) .

(*) هذا التعبير في هذا السياق لا يجوز، فتنبه!

(514)

" محاسن التأويل "(17/6075) .

ص: 226