الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل]
الزوجية
بين الحقوق والواجبات والآداب
الزواج كغيره من العقود، ينشئ بين العاقدين الزوجين حقوقا وواجبات متبادلة، عملًا بمبدأ التوازن، والتكافؤ، وتساوي أطراف العقد الذي يقوم عليه كل عقد.
والحقوق الزوجية التي نتكلم عنها ليست مجرد وصايا ينفذها الزوجان بدافع الوجدان المحض كالصدق، والاحترام وغيرهما، أو السلوك الذي يعتمد على المميزات الشخصية، وإنما نريد بالحقوق الزوجية ما يلزم به كل من الزوجين تجاه الآخر من حقوق يحميها القانون الإسلامي، وتتدخل السلطة لإجبار من أخل بشيء منها على أدائه كاملًا لشريكه في الحياة الزوجية، ذلك لأن النفوس جبلت على الشح في المسائل المادية، وما يتصل بها، فنصت الشريعة على هذه الحقوق، وجعلتها لازمة بحكم القضاء دعمًا للاستقرار العائلي، فإن الدافع الأول لأداء الحقوق هو تلك المزايا الشخصية التي يتحلى بها الزوجان من سعة الصدر والأناة والمداراة والتلطف تحركها عوامل المودة والرحمة (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون) الروم (21) .
وفي الحقيقة أنا "المَوَدَّة" بما تدل عليه من تقرب كلٍّ إلى الآخر، والتلطف معه، و " الرحمة" بما تشعر من حرص كل من الزوجين على
مصلحة صاحبه، والرفق به، والإشفاق عليه من كل سوء ومكروه، هما عماد البيت الذي يبقي على سكينة النفس، ويجعلها حقيقة مُدْرَكة في الحياة، وهما دستور المعاشرة بين الزوجين التي تجعل كلا منهما يشعر أنه متمم للآخر، وأنه هو مُتَمَّم به أيضا، فإذا بالرجل والمرأة الغريبين عن بعضهما المتباعدين من قبل، يتقاربان هذا التقارب، ويتحابان محبة تجعل كلا منهما أقرب إلى الآخر من أبيه وأمه!
فإذا وجد مع ذلك كله القضاء الشرعي الملزم، كان أدعى لسكون النفس، ومنعها أن تنزع إلى التمرد، أو التخفف من بعض المسئوليات، فإن نزعت، لجأ الطرف الآخر لقوة القضاء يلزمه بالتنفيذ وأداء الحق كاملا.. ولقد قرر القرآن الكريم هذه الحقوق في قاعدة تشريعية دقيقة هي قوله تعالى:(ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة) .
حقوق الزوجين متبادلة:
فالآية نصت على أن الحقوق بين الزوجين متبادلة، طبقا لمبدأ:" كل حق يقابله واجب"، فكل حق لأحد الزوجين على زوجه يقابله واجب يؤديه إليه، وبهذا التوزيع تكفلت هذه القاعدة أن تحقق التوازن بين الزوجين من كافة النواحي، مما يدعم استقرار حياة الأسرة، واستقامة أمورها.
(قال ابن عباس رضي الله عنهما:
" أني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي، وما أحب أن أستنظف (588) كل حقي الذي لي عليها فتستوجب حقها الذي لها عَلي؛ لأن الله تعالى قال:
(588) استنظفت الشيء: إذا أخذته كله.
(ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) أي زينة من غير مأثم "، وعنه أيضًا: " أي لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لأزواجهن "، وقال ابن زيد: " تتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله عز وجل فيكم".
قال القرطبي: " الآية تعم جميع ذلك من حقوق الزوجية ") (589)) .
(589) انظر: " الجامع لأحكام القرآن " للقرطبي (3/123 - 124) .