الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل]
وضع المرأة ومسئولية الولاة
"عندما تميد الأرض تحت أقدام الناس لا تجد بينهم من يستطيع تحديد موقفه ولا مصيره، إذ يكون الجميع مأخوذين بدهشة المفاجأة، - فليس لدى أحدهم فرصة لسؤال غيره، بل لا يخطر في بال أحد أن يسأل غيره. والعين التي تستطيع تسجيل هذه الحركة العامة يجب أن تكون خارج المجال، وفِى وضع معزول تماما عن تأثيره.
ويبدو أن العقل الذي صنع قصة جحا وهو يقطع الغصن في وضع معكوس إنما يريد إعطاء هذه الصورة.. صورة فقدان الوعي الذي يصاحب مثل هذه الحركة في مجالها العين، فجحا يقف على طرف غصن يعمل هو في قطعه من ناحية الجذع، دون أن ينتبه إلى حتمية السقوط الذي سيصير إليه، فإذا مر به من ينبهه إلى هذا المصير، الذي انتهى إليه فعلًا بعد قليل، نهض يعدو خلفه ليقول له: لقد عرفت أمر سقوطي قبل حصوله
…
فلن أدعك حتى تنبئني بنهايتي متى تحين!
هذه الصورة تمثل واقع المرأة المسلمة اليوم، في اندفاعها المحموم وراء المجهول، الذي لم تجرب قط أن تسأل نفسها عن غايته ومحتواه.. وهو واقع لا يتاح التخلص من ضغطه إلا للإنسان الذي استطاع أن يعزل نفسه عن مؤثراته، ضمن حصانة من الفكر الحر المزود بمقاييس الطوارئ " (45) .
(45)"تأملات في المرأة والمجتمع" لمحمد المجذوب ص (7-8) .
والمؤلم في هذا الواقع المرير أن المرأة قد رضيت أن تُؤلفَ نقطة الضعف، فهى ملقية بزمامها إِلى التيار يقذف بها حيث اتجه وسار، دون أن تفكر بالمقاومة، وأصبحت كل طاقاتها موجهة للاندفاع وراء هذا التيار فأصبحت كحجرة الانفجار في محرك السيارة، لا عمل لها الا الدفع، ولكنه الدفع الذي يسوق إلى الهاوية.
بل بلغ الاستخفاف بها مداه حين صوروا لها أنها بهذا المسلك ترتفع إلى أعلى وأعلى، ولم تفطن إلى أنها في حقيقة الأمر قد صارت كالكرة الطائرة، تتقاذفها أيدي اللاعبين فتتهادى في كل اتجاه.. ولعلها مع ذلك لو نطقت لفاخرت بأنها ترفع على أكف المعجبين إلى عليين!
لقد جاهرت المرأة الجديدة بالإعراض عن دينها، وقد يلتمس المتكلفون لها عذرًا لنقص عقلها ودينها، ولكن ما هو العذر الذي قد يلتمس للرجال الذين استغلوا نقصها، فنقصوا عنها عقلًا ودينًا أيضًا، وراحوا يدفعونها بإصرار إلى هلاكها بما يخالف العقل والنقل والفطرة.
لقد جاء اليوم الذي يدفع فيه الرجال زوجاتهم وبناتهم دفعًا إلى مخالطة الرجال والعمل في محافلهم، فما أجدرهم بقول الشاعر:
جرد السيفَ لرأس
…
طارت النَّخوةُ منه
إن الحديث عن المرأة لا ينتهَي، لأنها نصف البشرية، والذي يهمنا أن نؤكده هو أن كل ما نسطره في حق المرأة إنما هو من منطلق غيرتنا بصفتنا مسلمين على أخواتنا في الإسلام، وحرصنا على صيانتهن وحمايتهن، وليس انطلاقًا من "عداوة" للمرأة، فإنه لا يتصور رجل سَوِيٌّ يكون عدوُّا للمرأة، أليست المرأة هي أمه أو زوجه أو ابنته أو أخته أو قريبته، فكيف يكون عدوا لهؤلاء؟!
وكذا ينبغي ألا ننخدع بأكاذيب من يَدَّعون "صداقة المرأة"،
ويقومون على دعوة تحريرها، ويقودون تجمعاتها، وهم في الحقيقة ألدُ أعدائها، يتاجرون بقضيتها، وينتفعون بانحلالها، مموِّهين على ضحاياهم ببريق المصطلحات الخداعة، وما هي في الحقيقة إلا كساتر الدخان الذي يطلقه المحاربون لتغطية الزحف، ثم لا تلبث النفوس الضعيفة أن تخر صريعة تحت مطارق أوهام "الحرية والتحرير"، وقد تبلورت على أيدى هؤلاء الأنصار والأصدقاء، في معانٍ طريفة من الفوضى المنظمة.
فتش عن اليهود:
[لقد ترقت المفاهيم السياسية في هذا العالم الفسيح حتى أصبح كل ذى بصيرة يملك من قوة الحَدس ما يكشف له اليد الصهيونية (46) وراء انهيار صرح الأخلاق في كثير من الأمم والشعوب، فما بالنا نغفل عن تدبير هذه اليد المختفية وراء قضايانا الاجتماعية عامة، وقضية المرأة المسلمة خاصة،
(46) ونظرة إلى كتاب (أوقفوا هذا السرطان) للدكتور سيف الدين البستاني الذي حلل فيه بروتوكولات اليهود ومساعيهم في إفساد المرأة (وتحريرها" تبين حقيقة هذه اليد الصهيونية وراء إفساد المرأة المسلمة، وقد اتفق مخطط الدولة الصهيونية العالمية التي تريد اًن تسيطر على العالم وتتسلط على كافة الأمم بعد أن تقيم "ملك داود" على أن من السبل التي يجب اتباعها لإخضاع من يسمونهم (الجوييم) أو (الأمميين) حرب الأخلاق وتقويض نظام الأسرة بشتى الوسائل الممكنة: فالأفلام الماجنة توزعها في العالم "دور صهيونية"، والأزياء الفاحشة تتميز بها دور الأزياء الصهيونية، والمجلات الخليعة والقصص الفاجرة تصدرها دور طبع يهودية، وكثير من " أبطال""الفن" الذين أسسوا ألوانه المتعددة ونشروها في ديار المسلمين هم من اليهود.
وصدق الله العظيم: (ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين)(المائدة 64) - انظر "المرأة المسلمة" لوهبي غاوجي (ص 252) ، "ماذا عن المرأة" للدكتور نور الدين عتر (ص 41) ، و "خطر التبرج والاختلاط" لعبد الباقي رمضون (ص 196) .
إن المشكلة في حقيقتها صارت تخضع من جراء التكتيك الصهيوني الصليبي لإيحاءات تسلطها على مشاعرنا المختبرات والأجهزة المختصة، حتى لا نستطيع أن نوجه سلوكنا الفكري طبقًا للمقاييس التي تحددها عقولنا وتعيها ضمائرنا، وهذا أمر من حقه أن يستوقف أولي البقية من الإيمان والحياء ليثير تفكيرهم فيما وراءه من جوائح لا تبقِي ولا تَذَر.
إن ثمة توجيهًا خفيا يستهدف وضع المرأة المسلمة في ظروف مقصودة تسلبها الثقة بنفسها ومقوماتها، ولا جَرَمَ أن الهدف من وراء ذلك خطير رهيب، إنه تحطيم السدود الروحية التي حفظت لهذه الأمة حتى الآن مشاعر العزة والحرية الدافعة إلى الجهاد والبذل في سبيل الله، ثم اجتثاث الجذور التي تربطنا في أعماق التاريخ برسالة المجد الإلهي، التي جعلت من أمتنا خير أمة أخرجت للناس.
لقد بات وضع المرأة المسلمة في مهب الأعاصير، فليس من الحكمة أن يترك زمامه للأمواج تقذف به حيث يشاء أولو الأهواء، ولا ريب أن الواجب يضع على كل عاتق نصيبه من المسئولية، لا يُستَثنى من ذلك صغير ولا كبير، ولا حاكم ولا محكوم.
على أن الخطر بات من " الإحكام" بحيث لا يصلح لدرئه عمليا سوى " الكبار" الذين وضع الله في أيديهم مصاير البلاد، ومصالح العباد، فرب حكمة من مسئول تكون كالسد في طريق السيول.
ولا نريد أن نكذب على الحقيقة فنقول: "إن الأمة تريد"، فالأمة غافلة عما يراد بها من كيدٍ بهذه الانحرافات الاجتماعية المُبَيَّتة، وما دامت في غمرة الرجفة، فعسير عليها- إن لم نقل: مستحيل- أن تدرك واقعها..
وإنما نقول: إن واجب الديانة ثم مصلحة الأمة يهيبان بالمسئولين أن
يضغطوا على كابح القاطرة، قبل أن تصير إلى حافة الهاوية، وأين موضع هذا الكابح إن لم يكن في التشريع الذي يفرض على المرأة أن تكف عن السباق المجنون الذي تمارسه في حلبة التقليد الأعمى..
التشريع الذي يقول لمعاول الهدم من أصحاب الفنون الهابطة:
"ارتفعوا عن هذه الأوحال، فليس في حياة الأمم الجادة مجال لرقاعات السفهاء وثرثرات السخفاء"، التشريع الذي يقول للمرأة:"مهلا، لقد ملأتِ بتهتككِ دروبَ الناس ألغاما، فاقني حياءك، والزمي حدود الحشمة التي حتمتها تعاليم السماء على لسان جميع الأنبياء، فإن لم تفعلي ذلك مختارة فعلتِهِ مكرهة".
فليست أمريكا وهي مزرعة الرذائل اليهودية بأغير على الآداب من أمة المسلمين (47) ، وليس " بيتان " ابن باريس أم الفسوق والفجور بأحرص على هذه الآداب من أمة القرآن] (48) .
(47) سُن في بعض الولايات المتحدة قانون يفرض على المرأة ألا يزيد كعب حذائها عن مقياس معين، وقد زُود رجال الشرطة هناك بمنشار يقطع كل زائد عن المباح، وقال جورج بالوشي في كتابه "الثورة الجنسية": (في سنة 1962 صرح كنيدي بأن مستقبل أمريكا في خطر لأن شبابها مائع منحل غارق في الشهوات، لا يُقَدِّر المسؤولية الملقاة على عاتقه، وأنه من بين كل سبعة شبان يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين، لأن الشهوات التي أغرقوا فيها أفسدت لياقتهم الطبية والنفسية، وفي سنة 1962 صرح خروشوف بأن مستقبل روسيا في خطر، وأن شباب روسيا لا يؤتمن على مستقبلها لأنه مائع منحل غارق في الشهوات.
وفي شهر أبريل سنة 1964 أثيرت في السويد ضجة كبرى عندما وجه (140) طبيبا من الأطباء المرموقين مذكرة إلى الملك والبرلمان يطلبون فيها اتخاذ إجراءات للحد من الفوضى الجنسية التي تهدد حقا حيوية الأمة وصحتها، وطالب الأطباء بسن قوانين ضد الانحلال الجنسي) اهـ. من " تربية الأولاد في الإسلام"(1/ 278، 280) . (48) في فرنسا أعلن المريشال (بيتان) عقب هزيمة بلاده أمام الألمان في الحرب العالمية =
اهـ (49)
[لقد فقدنا شخصيتنا المميزة، فبات كل ما نستطيعه هو تقليد هذا الغرب الذي آمنا بتفوقه، وأقبلنا نعدو وراءه دون وعي، فإذا نحن أسرع منه هبوطًا إلى أسفل، وإذا نحن نتلقى كل أخطائه الاجتماعية بالقبول والتطبيق، لا نشك في أنها خير ما أبدعه التقدم البشري، حتى إذا وجد من كبار رجال الغرب من يكشف فضائح هذه الأخطاء أغلقنا أسماعنا دون صوته! .. ولا عجب في ذلك، فالانحدار أيسر من الصعود، وليس من السهل أن تكلف من يهوي في السفح أن يتماسك فجأة عند نقطة الخطر، فضلًا عن أن تأمره بالصعود، وقديما صور الشاعر هذا المعنى بقوله:
سُبُل الغَي سهلة واسعات
…
وطريق الهدى كَسَمِّ الخِياط
مصعد شَق لا تُكَلفه الضُّمَّرُ
…
إلا مضروبةً بالسياط
ومن هنا كان إصلاح الأمم المتخلفة موقوفًا بالدرجة الأولى على قادتها السياسيين، الذين بيدهم مقاليد الإصلاح.
وحق ما قاله حكيم العرب (أكثم) قديمًا من أن (إصلاح فساد الرعية خير من إصلاح فساد الراعي) .. ولكن صحة هذا الرأي مقيدة بنسبة الأوضاع؛ فالشعوب الواعية هي التي تملي خطط الحكام، ومن وعيها السياسي يستمد هؤلاء اتجاهاتهم، ولكن الجماعات التي لم تستكمل نضجها السياسي، ولم تستبن لها الأهداف في وضوح، وبخاصة إذا كانت حديثة
= الثانية: أن سر الكارثة يعود إلى الفجور، وأصدر تشريعا يحدد للمرأة قياس ثوبها وأكمامها بشكل يستأصل دابر الفتنة، وها هو ذا القسيس (نيريرى) ديكتاتور تنزانيا يفعل بالأمس القريب قريبا من ذلك، وكانت قوات الشرطة في العراق (سنة 1968) تتتبع النساء اللاتي ترتفع ثيابهن فوق الركبة، وتطاردهن، فإن لاذت المرأة بالفرار، وإلا قام البوليس بطلاء ساقها وقدمها بدهان أزرق عقوبة لها على ذلك.
(49)
"تأملات" للمجذوب ص (13-16) بتصرف.
النهوض من عثرات قرون وقرون.. هذه الجماعات لا تقبل الإصلاح إلا بقوانين، وكل دعوة فيها إلى الخير ينبغي أن تسبق بالأسوة الصالحة أولًا في شخص الحكام ومَن حولهم (50) ثم بالمؤيدات القانونية التي تحسن التأديب لمن يند عن طريق الجماعة
…
ولقد كان من سنة الفاروق رضي الله عنه كلما أراد أن يشيع في الناس أمرًا، أن يجمع أهل بيته ويقول لهم:" إني آمرٌ الناسَ بكَذا، وإنهم لينظرون إليكم؟ تنظر الطير إلى اللحم، فوالله لا أعلم بمخالفة أحدكم لهذا الأمر إِلا أضعفت له العقوبة"] (51) .
(50) انظر تفصيل ذلك في "الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة " للأستاذ عبد الله ابن عمر الدميجي طبعة دار طيبة ص (371-374) .
(51)
(تأملات في المرأة والمجتمع) لمحمد المجذوب (ص 96-97) .