المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الخامسة

- ‌ الباب الأول *

- ‌تمهيد

- ‌[فصل]المرأةسلاح ذو حدين

- ‌[فصل]القضية الأمالقرآن والسلطان

- ‌[فصل]بين الترقيع…والأصالة

- ‌[فصل]وضع المرأة ومسئولية الولاة

- ‌[فصل]موقف دعاة الإسلاممن قضية المرأة (52)

- ‌الباب الثانيإهانة الجاهلية للمرأة

- ‌[الفصل الأول]المرأة عند الآخرين (57)

- ‌[الفصل الثاني]المرأة عند العرب في الجاهلية

- ‌الباب الثالثشمس الإسلامتشرق على المرأة

- ‌[الفصل الأول]

- ‌مظاهر تكريم الإسلام للمرأة

- ‌[فصل]دحض بدعة المساواة المطلقةبين الرجل والمرأة

- ‌[فصل]الفروق بين الرجل والمرأة

- ‌مسألة: هل يجب تسوية الوالدينبين أولادهم الذكور والإناث في الهبة

- ‌عود على بدء

- ‌[الفصل الثاني]المرأة أُمًّا

- ‌[فصل]بر الوالدين بعد موتهما

- ‌[فصل]من مواقف الأم المسلمة

- ‌[فصل]الأم المسلمة وراء هؤلاء العظماء

- ‌[الفصل الثالث]المرأة بنتًا

- ‌[الفصل الرابع]المرأة زوجة

- ‌[فصل]الكفاءة في الزواج

- ‌فصلنص القرآن الكريم على تحريم نكاح الزانية

- ‌فصلوأما الأدلة على عدم اعتبار المال في الكفاءة:

- ‌فوائد

- ‌[فصل]الزوجيةبين الحقوق والواجبات والآداب

- ‌أولا: الحقوق والآداب المشتركة بين الزوجين

- ‌من مواقف الزوجة المسلمة

- ‌تنبيهات

- ‌ثانيا: حقوق الزوجة على زوجها

- ‌(أ) الحقوق المادية

- ‌(ب) الحقوق الأدبية

- ‌[فصل]لا نكاح إلا بولي

- ‌تنبيهات متفرقة

- ‌عود على بدءمن حقوق المرأة على زوجها

- ‌[فصل]مسئولية الرجل عن حماية الأسرة (915)

- ‌ثالثًا: حقوق الزوج على زوجته

- ‌[فصل] (1220)في علاقة الابن بوالديه بعد الزواجوعلاقة الحماة بالكَنَّة (1221)

- ‌[فصل]وفاؤها لزوجها

- ‌[الفصل الخامس]المرأة مؤمنةً مجاهدةً صابرةً

- ‌[الفصل السادس]المرأة عالِمةً

- ‌[فصل]صور من سيرة المسلمة العالمة

- ‌[الفصل السابع]المرأةُ…عابدةً

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌(أ) الحقوق المادية

‌ثانيا: حقوق الزوجة على زوجها

(أ) الحقوق المادية

(1)

هدية التكريم للمرأة

"المهر"

" خير النكاح أيسره "(689)

حديث شريف

المهر: هو ما تُعطاه الزوجة من مالٍ (690) ومنفعة بسبب النكاح. حكمه: الوجوب، فقد أوجب الشرع الإسلامي على الرجل أن يبذل الصداق للمرأة إذا أراد أن يتزوجها.

أما أدلة الوجوب:

- فمن القرآن الكريم قوله تعالى: (وءَاتوا النساء صَدُقاتهن نِحْلَة)(النساء: 4)، أي: عطية من الله مبتدَأة، والمخاطب بذلك الأزواج عند الأكثرين، وقيل: الأولياء.

(689) انظر رقم (696) .

(690)

بشرط أن يكون المال متقومًا، معلوما، مقدورا على تسليمه، وأن تكون المنفعة منفعة شخص أو عين يستحق في مقابلها المال، وانظر:" البدائع"(2/277-287) ، و" الشرح الكبير"(2/294) ، " كشاف القناع"(5/147) ، (مغني المحتاج " (3/220) ، ولم يدل نص صريح ولا قياس صحيح عل تحديد المهر قلة أو كثرة، فالصداق جائز بما قل أو كثر من المال، إذا حصل عليه التراضي، لعموم الأدلة في ذلك، وهذا مذهب الجمهور، انظر:"الجامع لأحكام القرآن"(5/128) ، " المغني، (6/680) ، " المحلى" (9/603) ، " مغني" المحتاج"(3/220) ، " فتح القدير "(2/436) ، " زاد المعاد"(4/29) .

ص: 293

وقوله جل وعلا: (فانكحوهن بإذن أهلهن وءاتوهن أجورهن بالمعروف)(النساء: 25) .

وقوله سبحانه: (فآتوهن أجورهن فريضة)(النساء: 24) .

وقال عز وجل: (وأحِل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين)(النساء: 24) .

وقال جل وعلا: (ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن)(الممتحنة: 10) .

- ومن السنة:

ما رواه أنس رضي الله عنه أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " تزوجتُ امرأة "، فقال:" ما أصدقتَها؟ " قال: " وزنَ ئواة من ذهب"(691)، فقال:" بارك الله لك، أولم، ولو بشاة "(692) .

وعنه رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية، وجعل عِتقها صَداقها "(693) .

النواة: اسم لما وزنه خمسة دراهم.

(692)

رواه البخاري (9/ 101) في النكاح، وغيره، ومسلم رقم (1427) في النكاح: باب الصداق، وأبو داود رقم (2109) في النكاح: باب قلة المهر، والترمذي رقم (1094) في النكاح: باب ما جاء في الوليمة، والنسائي (6/119، 120) في النكاح: باب التزويج على نواة من ذهب، والبيهقي (7/227) .

(693)

طرف من حديث طويل أخرجه البخاري (9/111) في النكاح: باب من جعل عتق الأمة صداقها، وفي البيوع، والجهاد، ومسلم رقم (1365) في النكاح: باب فضيلة إعتاق أمة ثم يتزوجها، ورواه بلفظه المذكور أبو داود رقم (2054) في النكاح، والترمذي رقم (115) فيه، وكذا النسائي (6/114) : باب التزويج على العتق.

ص: 294

وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه في قصة الواهبة نفسها أن رجلًا من أصحابه صلى الله عليه وسلم قام، فقال:" يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة، فزوجنيها "، فقال:" فهل عندك من شيء؟ "، فقال:" لا، والله يا رسول الله، فقال: " اذهب إلى أهلك، فانظر هل تجد شيئاً؟ " فذهب، ثم رجع، فقال: " لا، والله ما وجدت شيئًا "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انظر، ولو خاتمًا من حديد "، فذهب، ثم رجع، فقال: " لا، والله يا رسول الله، ولا خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " ما تصنع بإزارك؟ إن لبِسَتْهُ لم يكن عليك منه شيء، وإن لَبِسْتَهُ لم يكن عليها منه شيء "، فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسُه قام، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مُوَليا، فأمر به فَدُعِي، فلما جاء قال: " ماذا معك من القرآن؟ "، قال: " معي سورة كذا، وسورة كذا: عَدَّدَها "، فقال: (تقرؤهن عن ظهر قلب؟ "، قال:" نعم "، قال:" اذهب فقد مَلكْتُكَها بما معك من القرآن "(694) .

(694) رواه البخاري (9/113) في النكاح: باب تزويج المعسر، وثمانية أبواب أخرى، وفي الوكالة، وفضائل القرآن، واللباس، والتوحيد، ومسلم رقم (1425) في النكاح: باب الصداق، وأبو داود رقم (2111) في النكاح، والترمذي رقم (1114) فيه: باب رقم (23)، والنسائي (6/113) في النكاح: باب التزويج على سور من القرآن، وابن ماجه رقم (1889) ، والبيهقي (7/85) ، والدارقطني (3/248) ، وأحمد (5/330) ، والدارمي (2/142) .

وفي هذا الحديث الرخصة في تعليم القرآن صداقا للزوجة، إذا عدم الرجل المال، ولم يجد شيئا يقدمه، وهذا الحديث يخصص عموم قوله تعالى:(أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين)(النساء: 24)، وكذا قوله عز وجل:(فنصف ما فرضتم)(البقرة: 237) ، والذي يحتمل التنصيف هو المال، فالنص القرآني عام في التزويج بالمال لمن وجد المال، وأما من لم يجد المال، فقد دلت السنة الصحيحة على الرخصة له في أن يتزوج بتعليم القرآن الكريم، وهذه رخصة مشروطة، فلتؤخذ بقدرها، ولا يتوسع فيها، والله أعلم، وانظر:" فتح الباري"(9/205) ، " شرح النووي، (9/214) ، " أحكام القرآن " لابن العربي (3/1459) ، " المغني" (7/214) ، "المحلى" (9/305) .

ص: 295

وفي رواية للبخاري: " ولو خاتمًا من حديد".

فلو كان لأحد أن يتزوج بدون صداق، لكان التسامح مع الفقير الذي لم يجد ولا خاتمًا من حديد، ليتزوج المرأة، مما اضطره الحال إلى أن يدفع صداقًا إزارَهُ، ولم يكن له رداء كما قال سهل رضي الله عنه.

وأما الإجماع: فقد ثبتث مشروعية الصداق في النكاح بالإجماع، ولم يخالف فيها أحد من المسلمين، كما ذكره ابن قدامة في "المغني"(695) .

ويستحب أن لا يعري النكاح عن تسمية الصداق، لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج أحدًا من نسائه رضي الله عنهن، ولا زوج أحدَا من بناته رضي الله عنهن إلا بِصَداقٍ سماه في العقد، ولأن تسمية المهر في العقد أدفع للخصومة، وأبعد عن النزاع.

عر أن ذكر المهر ليس شرطا ولا ركنا في العقد، وإنما هو أثر من آثاره المترتبة عليه، ولذا اغتفر فيه الجهل اليسير، والغرر الذي يرجَى زَوالُه، فإن لم يُسَمَّ المهر في العقد صح بالإجماع - مع الكراهة - على أن يسمي لها مهر بعد العقد، أو يكون لها مهر المثل في ذمة الزوج، ودليل صحة العقد قوله تعالى:(لا جناح عليكم إذا طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة)(البقرة: 236) ، فرفَعَ الله الجناح عمن طَلق في نكاح لا تسمية فيه، والطلاق لا يكون إلا بعد النكاح الصحيح، فدل على جواز النكاح بلا تسمية مهر.

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: " أترضى أن أزوجك من فلانة؟ "، قال:" نعم "، وقال للمرأة:" أترضَيْنَ أن أزوجك فلانا؟ " قالت: " نعم"، فزوج أحدَهما صاحبَه،

(695)"المغني"(6/679) .

ص: 296

فدخل بها الرجل، ولم يفرض لها صداقا، ولم يعطها شيئًا، وكان ممن شهد الحديبية، وكان من شهد الحديبية له سهم بخيبر، فلما حضرته الوفاة قال:" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة، ولم أفرض لها صداقًا، ولم أعطها شيئا، وإني أشهدكم أني قد أعطيتها صداقًا سهمي بخيبر "، فأخذته، فباعته بعد موته بمائة ألف، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير النكاح أيسره "، وفي رواية:" خير الصداق أيسره "(696) .

وعن علقمة قال: (أتي عبد الله - أي ابن مسعود رضي الله عنه في امرأة تزوجها رجل، ثم مات عنها، ولم يفرض لها صداقَا، ولم يكن دخل بها، قال: فاختلفوا إليه، فقال: " أرى لها مِثل مهر نسائها، ولها الميراث، وعليها العِدة "، فشهد مَعقلُ بن سنان الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بَرْوَع ابنة واشق بمثل ما قضى)(697) .

ومع أن الإسلام قد جعل المهر - نقدًا أو عينا - حقا للمرأة، وألزم الزوج الوفاء به، إلا أنه حرره من عنصر " الثمنية" المادية، فلم يحدده بقدر محدد أصلا، ولم ينظر إليه بذاته، ولقد كان عرب الجاهلية يرونه ثمنًا للمرأة عند زواجها، ويطلقون عليه " النافجة"، أي الزيادة والكثرة، وكان من حق الأب، لا الابنة المخطوبة، ولذا كانت العرب في الجاهلية

(696) رواه أبو داود رقم (2117) في النكاح: باب فيمن تزوج ولم يسم صداقا حتى مات، وابن حبان (1257) ، (1262) ، (1281) ورواه الحاكم (2/182) ، والبيهقي (7/232) ، وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، قال الألباني:(إنما هو على شرط مسلم وحده) اهـ. من " إرواء الغليل"(6/345)، وانظر:" سلسلة الأحاديث الصحيحة" رقم (1842) .

(697)

رواه أبو داود رقم (2114: 2116)، والترمذي رقم (1145) وقال:" حسن صحيح "، والنسائي (6/121 - 123) كلهم في النكاح، ورواه الحاكم (2/180) ، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، والبيهقي (7/245)، وقال:" إسناده صحيح"، وغيرهم.

ص: 297

تقول للرجل إذا وُلدت له بنت: " هنيئا لك النافجة"، أي المعظِّمة لمالك، وذلك أنه يزوجها، فيأخذ مهرها من الإبل، فيضمها إلى إبله، فينفجها، أي يرفعها، ويكثِّرها (698) .

والمهر عطية فرضها الله للمرأة: ليست مقابل شيء يجب عليها بذله إلا الوفاء بحقوق الزوجية، كما أنها لا تقبل الإسقاط - ولو رضيت المرأة - إلا بعد العقد، وهذه الآية تعلن على الملأ:(وآتوا النساء صدقاتهن (699) نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا) .

وقيل في قوله تعالى: (نِحلة) : فريضة، أي أعطوهن مهورهن حال كونها فريضةً من الله تعالى لهن، وقيل: هبة وعطية، قال ابن

(698)" لسان العرب" لابن منظور (6/4492) مادة " نفج".

(699)

قوله تعالى: (صَدُقاتهن) أضاف " صدقات " إليهن إضافة تمليك، وهذا يدل على أن المهر ملك للمرأة، ولا يجوز لأحد سواها، سواء كان أباها أو غيره أن يتصرف فيه أو يأخذه، قال علامة القصيم عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسير الآية:(وفيه أن المهر يدفع إلى المرأة إذا كانت مكلفة، وأنها تملكه بالعقد لأنه أضافه إليها، والإضافة تقتضي التمليك، وأنه ليس لوليها من الصداق شيء غير ما طابت به) اهـ. من " تيسير الكريم الرحمن"(2/9)، وانظر:" نيل الأوطار"(6/258)، أما قول الرجل الصالح لموسى عليه السلام:(إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج)(القصص: 27) ففيه مواعدة، ومواصفة أمر قد عُزِم عليه، وهو إنكاحه إحدى ابنتيه مقابل مهر معلوم، هو أجر عمل ثماني حجج، على أن يكون المهر حقا خالصا للزوجة لا لأبيها، ومن ثم قال الزمخشري في تفسير هذه الآية:(ويجوز أن يستأجره لرعيه ثماني سنين بمبلغ معلوم، ويوفيه إياه، ثم ينكحه ابنته) ، وربما كان هذا من باب اختلاف الشرائع في مواجب النكاح، كما في " روح المعاني "(20/69)، ولهذا قال الصنعاني في " سبل السلام":(وكان الصداق في شرع من قبلنا للأولياء) اهـ. (3/193) .

ص: 298

الأنباري: " كانت العرب في الجاهلية لا تعطي النساء شيئًا من مهورهن، فلما فرض الله لهن المهر كان نحلة من الله، أي هبة للنساء، فرضًا على الرجال "(700) .

وقال القاضي أبو يعلى: (وقيل: إنما سمى المهر نحلة لأن الزوج لا يملك بدله شيئًا، لأن البضع بعد النكاح في مِلك المرأة، ألا ترى أنها لو وطئت بشبهة كان المهر لها دون الزوج، وإنما الذي يستحقه الزوج الاستباحة، لا الملك)(701) .

قال الألوسي: (فإن قلت: " إن النحلة أخذت في مفهومها أيضا عدم العوض، فكيف يكون المهر بلا عوض وهو في مقابلة البضع والتمتع به؟ "، أجيب: " بأنه لما كان للزوجة في الجماع مثل ما للزوج أو أزيد، وتزيد عليه بوجوب النفقة والكسوة كان المهر مجانا لمقابلة التمتع بأكثر منه " (702) اهـ.

وقيل: النحلة: العطية بطيب نفس، أي:" لا تعطونهن مهورهن وأنتم كارهون "، وقيل: النحلة: الديانة، أي: آتوهن صدقاتهن ديانةً. والحاصل أن المهر حق مفروض للمرأة، فرضته لها الشريعة ليكون تعبيرًا عن رغبة الرجل فيها، ورمزَا لتكريمها وإعزازها، وقد صرح الفقهاء بقولهم:

(المهر فُرضَ شرعَا لإظهار خطَرِ المحل)

ولقد حرست الشريعة هذا الحق للمرأة، فَحَرمَت على أي إنسان أكلَه أو التصرفَ فيه بغير إذنها الكامل ورضاها الحقيقي، قال تعالى: (فإن

(700) ، (701)" زاد المسير"(2/11) .

(702)

" روح المعاني"(4/198) .

ص: 299

طِبنَ لكم عن شيء منه نفسًا) أي من غير إكراه ولا إلجاء بسبب سوء العشرة ولا إخجال بالخلابة والخديعة (فكلوه هنيئًا مريئا) أي سائغا لا غصص فيه ولا تنغيص، فإذا طلب منها شيئًا فحملها الخجل أو الخوف على إعطائه ما طلب فلا يحل له، وعلامات الرضا وطيب النفس لا تخفى، وقد روى جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيب نفس منه "(703) .

قال الألوسي: (والمعنى: فإن وهبن لكم شيئا من الصداق متجافيًا عن نفوسهن طيبات غير مخبثات بما يضطرهن إلى البذل من شكاسة أخلاقكم وسوء معاملتكم، وإنما أوثر ما في النظم الكريم دون " فإن وهبن لكم شيئا منه عن طيب نفس" إيذانًا بأن العمدة في الأمر طيب النفس وتجافيها عن الموهوب بالمرة، حيث جعل ذلك مبتدأ، وركنا من الكلام لا فضلة، كما في التركيب المفروض)(704) .

(وأخرج ابن جرير عن حضرمي أن ناسا كانوا يتأثمون أن يرجع أحدهم في شيء مما ساقه إلى امرأته فنزلت هذه الآية، وفيها دليل على ضيق المسلك في ذلك، ووجوب الاحتياط حيث بنى الشرط على طيب النفس، وقلما يتحقق)(705) اهـ.

إن المهر - قلَّ أو كثر - حق للمرأة، في مقابل الميثاق الغليظ،

(703) رواه من حديث عم أبي حرة الرقاشي الدارقطني (3/26) ، وأحمد (5/72) ، والبيهقي (6/100) ، ومن حديث أبي حميد الساعدي الإمام أحمد (5/425) ، وابن حبان (1166) ، ومن حديث عمرو بن يثربي الدارقطني (3/26) ، والبيهقي (6/97) والإمام أحمد (3/423، 5/113)، ومن حديث ابن عباس: البيهقي، والحديث صححه الألباني في " إرواء الغليل"(5/279) .

(704)

"روح المعاني"(4/199) .

(705)

" السابق"(4/200)، وانظر:" الكشاف " للزمخشري (1/377) .

ص: 300

قال تعالى: (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظًا)(النساء: 21)، والميثاق الغليظ: هو حق الصحبة والمعاشرة، والإمساك بمعروف، أو التسريح بإحسان.

ولقد حرص التشريع الحكيم على حماية حق المرأة في تملكها للمهر، وتوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يضيع هذا الحق بأشد الوعيد: فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أعظم الذنوب عند الله رجل تزوجَ امرأة؛ فلما قضى حاجتَهُ منها طلقَها، وذهب بمهرها، ورجل استعمل رجلًا فذهبَ بأجرته، وآخَرُ يقتل دابَّة عَبَثَا "(706) .

والمرأة لا تفقد مهرها الا في حالة واحدة فقط، هي حالة الخُلْع، وهو طلبها مفارقة الزوج مقابل مال تبذله له، وذلك جائز إذا تم مخافة أن تقيم حدود الله في زوجها بسبب كراهية تؤدي إلى تضييع حقوق الزوج، وحُسْن معاشرته (707) ، وإذا كان عارض الكراهية من قبل الرجل، بغير ذنب منها، وخشي ألا يعاملها بما يجب بالمعروف، فله أن يُسَرحَها بإحسان، لأن عقدة الزوجية بيده، وليس له في هذه الحالة أن يأخذ مما أعطاها شيئا، بل يعطيها حقوقها كاملة لقول الله عز وجل:(وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارَا فلا تأخذوا منه شيئا)

(706) رواه الحاكم (2/182)، وقال:" صحيح على شرط البخاري"، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في " الصحيحة" رقم (999) .

(707)

وأول خلع وقع في الإسلام حين جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت:" يا رسول الله إني لا أعتب على ثابت بن قيس في دين ولا خلق، ولكني لا أطبقه "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أتردين عليه حديقته؟ "، قالت:" نعم "، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة "، رواه البخاري، وانظر:" فتح الباري"(9/325) ط. السلفية، باب الخلع.

ص: 301

الآية (النساء: 21) .

ومن يُسْرِ الإسلام وسماحته، وتشجيعه على الزواج، ورفعه الحرجَ عن الأمة أنه شرع لمن لم يجد مالًا حالا أن يتزوج بمهر مؤجل، قال الفقهاء رحمهم الله:" يصح كونُ المهر مُعَجَّلا أو مُؤجَّلاً، كله أو بعضه، إلى أجل قرِيب أو بعيد، أو أقرب الأجلين (708) : الطلاق، أو الوفاة "(709) .

والأوْلى الموافق لفعل السلف الصالح رضي الله عنهم تعجيل المهر كله بعد تيسيره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" التمس ولو خاتمًا من حديد "، ولم يُزَوجْه بمؤخر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

(ويكره للرجل أن يصدق المرأة صداقا يَضُرُّ به إن نقَدَه، ويعجز عن وَفائه إن كان دَينًا

، وإذا أصدقها دينًا كثيرًا في ذمته، وهو ينوي أن لا يعطيها إياه كان ذلك حرامًا عليه..

وما يفعله أهل الجفاء والخيلاء والرياء من تكثير المهر للرياء

(708) وعلى ذلك جرى العرف في بلاد المسلمين، وكل ما سبق الاستدلال به على صحة العقد بدون تسمية مهر يصح الاستدلال به على تأجيله، بل أوْلى، لأن زواج المرأة بمهر معلوم مؤجل خير لها من أن تتزوج بدون تسمية صداق، وكلا الأمرين جائز، وربما كان لها في التأجيل مصلحة، فإنه في حالة الفراق قد تكون في حاجة إلى المبلغ المؤجل، لتستعين به على نوائب الدهر.

(709)

فإذا طلقها وجب عليه أن يدفع مَا لَها بذمته من المهر المؤجل، ونفقة عدة الطلاق، وإذا مات عنها كان مهرها المؤجل دينًا في التركة، يبدأ بأدائه بعد تجهيزه ودفنه، وقبل تنفيذ وصيته، لأنه حق ثابت في ذمة المتوفي كالديون الأخرى، فإذا ماتت قبله فهو ميراث متروك عنها لمن يرثها، وزَوْجُها من جملتهم، وله النصف إذا لم يكن لها ولد مطلقًا منه أو من زوج آخر قبله، والربع إذا كان لها ولد منه أو من زوج آخر قبله، والباقي لبقية الورثة الأقرب فالأقرب.

ص: 302

والفخر (710) ، وهم لا يقصدون أخذه من الزوج، وهو ينوي أن لا يعطيهم إياه: فهذا منكر قبيح، مخالف للسنة، خارج عن الشريعة (711) .

وإذا قصد الزوج أن يؤديه، وهو في الغالب لا يطيقه، فقد حمل نفسه، وشغل ذمته، وتعرض لنقص حسناته، وارتهانه بالدين، وأهل المرأة قد آذَوْا صِهرَهم، وضَرُّوه) (712) اهـ.

قال الشيخ محمد كمال الدين الأدهمي:

(وللزوج أن يخلص من التبعة، فيعطيها - وهو في حياته، وهي تحت

(710) ويظهرون مهرا في العلانية يقل عن مهر السر لأجل السمعة والتباري والمباهاة. (711)"مجموع الفتاوى"(32/193-194) بتصرف، والناظر إلى العقود التي يكون فيها مهور مؤجلة يدرك أن القصد منها ليس المهر بقدر ما هو التضييق على الزوج، وتقييده إذا فكر في الطلاق، ولذا يكون المؤجل أضعاف المعجل، ويتساهلون في المعجل ظنا منهم أنه إذا أقدم على طلاقها، تذكر إغرامه بالمؤخر عند حلوله، فيمتنع عن التسرع في طلاقها، وفي ذلك قول شاعرهم:

مَهْر الفتاةِ إذا غلا صَوْن لها

عن أن يبت عَشِيرُها تطليقَها

يهْوى الفِراقَ، وخَافَ مِنْ إغرامِهِ

فأدامَ في أسبابه تعْلِيقَها

ولربما ؤرِثَتْهُ أو سبقَتْ بها

أقدارُ مَيتتها فكان طَليقَها

ان المغالاة في المهر تثير الحقد والغضب والعداوة في نفس الخاطب، كما بين ذلك أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وإن من أراد أن يكون نكاح ابنته ميمونا عظيم البركة، فعليه أن يسعى إلى ذلك بتيسير المهر وتقليله، تصديقا لقول الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم:" إن أعظم النكاح بركة: أيسره مؤنة "، وليعلم الآباء "التجار" الذين ينظرون إلى بناتهم نظرتهم إلى السلع المبيعة، والذين يتوهمون أن في رفع مهور بناتهم ضمانا لمستقبلهن، ليعلم هؤلاء أن الذي يكره زوجنه، ويريد طلاقها لا يمكن أن تقف في وجهه مشكلة المال، إذا كان ميسور الحال، وإلا فربما زين الشيطان له عَضلها والإضرار بها حتى تفتدي نفسها منه، أو خداعها بالمكر والخلابة، فيعود الحال إلى نقيض ما قصده أبوها، بشؤم المغالاة في المهور!

(712)

" مجموع الفتاوى"(32/192-194) بتصرف.

ص: 303

عصمته - مؤجل صداقها الذي تستحقه بطلاقها أو بموته تخلصا من تبعة الدينِ الثقيلة الوطأة على المَدِين - المديون- ولها أن تسقط عنه مهرها المؤجل كله أو بعضه، في حياته وبعد موته، وعليه أن يوصي به- أي بلزوم دفع مؤجل مهرها - وليست هذه وصية صدقة، بل وصية تأدية حق كالديون الأخرى، يسْأل عنها في قبره، ويعذب على سكوته عليها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يُقادَ للشاةِ الجَلْحَاء من الشاة القرناء تنطحها، رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة، وقال في حديث آخر:(نفس المؤمن معلقة بدَينه حتى يُقضَى عنه، رواه الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم عن أبي هريرة)(713) اهـ.

(713)"مرآة النساء" ص (167) .

ص: 304

كراهة المغالاة في المهور

لقد فرض الشرع الشريف المهر للزوجة منحة تقدير تحفظ عليها حياءها وخَفرَها، وتعبر عن تكريم الزوج لها ورغبته فيها، إلا أنه مِن جانب آخر- حَث على يُسْرِه وخِفتِهِ.

- فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خير النكاح أيسره "(714) .

وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من يُمْنِ المرأة: تيسيرَ خِطبتها، وتيسير صداقها، وتيسيرَ رحِمها " (715)، قال عروة: " يعني تيسير رحمها للولادة.

وأتبع النبي صلى الله عليه وسلم السنة القولية بالسنة العملية موضحا معنى هذا التيسير، فلم يزد في مهور بناته ولا نسائه أكثر من اثنتي عشرة أوقِيَّةً ونَشًّا: - فعن أبي العجفاء السلمي قال: خطبنا عمر يومًا، فقال: " ألا لا تُغَالوا في صدُقاتِ النساء، فإن ذلك لو كان مَكْرُمَة (716) في الدنيا، وتقوى

(714) تقدم برقم (696) .

(715)

رواه الإمام أحمد (6/77، 91) ، والبيهقي (7/235) ، وابن حبان (1256) ، والحاكم (2/181)، وقال:" صحيح على شرط البخاري ومسلم، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع"(2/251) ، إن كان أسامة ابن زيد- أحد الرواة- هو الليثي، وإن كان العدوى فضعيف، وقال عروة الراوي عن عائشة رضي الله عنها:(وأنا أقول من عندي: " من أول شؤمها أن يكثر صداقها ") .

(716)

وفي هذا النص من أمير المؤمنين رضي الله عنه إبطال صريح لما يتوهمه الذين =

ص: 305

عند الله، كان أوْلاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم امرأةً من نسائه، ولا أصْدِقَتْ امرأة من بناته، أكثر من ثنتي عَشرةَ أوقية " (717) .

= لا يفقهون من أن غلاء مهر المرأة مكرمة لها في الدنيا، إذ لو كان كذلك لكان أحق الناس بهذه المكرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تزوج، وزوج بمهر لا يتجاوز اثنتي عشرة أوقية، ومن الأمور المسلمة أن الشرف والمكرمة إنما يكون في البذل والعطاء والمسامحة والتيسير على الآخرين، وليس في الأخذ والطلب منهم، والتشديد عليهم، وهذا هو شأن الفضلاء والكرماء لا يرون كثرة الصداق في نفوسهم شيئًا، وإنما جل هم الكريم اختيار الكفؤ لموليته، الذي يتقي الله فيها، وهذا هو النكاح الجدير باليمن والبركة.

(717)

رواه أبو داود رقم (2106) في النكاح: باب الصداق، والترمذي رقم (1114) في النكاح: باب رقم (23) وصححه، والنسائي (6/117-118) في النكاح: باب القسط في الأصدقة، وابن ماجه (1887) ، والبيهقي (7/234) ، والحاكم (2/175) وصححه، ووافقه الذهبي، وابن حبان (1259) ، والدارمي (2/141) ، وأحمد (1/40، 48) ، وصححه الألباني في "الإرواء"(6/347) .

فائدتان:

الأولى: في قيمة الأوقِية، والنش، والنواة، وهى من مضاعفات الدرهم.

وزن الدرهم الشرعي = 2. 97 جراما من الفضة.

الأوقية =40 درهمًا =40 * 2. 97 = 118. 8 جراما.

النش = 20 درهمًا =20 * 2. 97 = 59. 4 جراما.

النواة = 5 دراهم = 5 * 2. 97 = 14. 95 جراما، وانظر " المقادير الشرعية" للكردي ص (147) .

الثانية: شاع على الألسنة قصة اعتراض المرأة على عمر، قائلة له:" نهيتَ الناسَ آنفا أن يغالوا في صداق النساء، والله تعالى يقول في كتابه: (وءاتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) ؟! ، فقال عمر رضي الله عنه: " كل أحد أفقه من عمر " مرتين أو ثلاًثا، ثم رجع إلى المنبر، فقال للناس: " إني كنت نهيتكم أن تُغالُوا في صَداق النساء، ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له"، أخرجه البيهقي (7/233) ، وقال: " هذا منقطع"، وقال الألباني في الإرواء،:(ضعيف منكر) اهـ. (6/348) ، وحتى لو كان في الآية دليل على إباحة المغالاة في المهور =

ص: 306

- وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت عائشة رضي الله عنها: كم كان صَداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقُه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشا، قالت:" أتدري ما النشُّ؟ "، قلت:" لا"، قالت:" نصف أوقية، فذلك خمسمائة درهم ") (718) .

- وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: " لما تزوج عليّ بفاطمة رضي الله عنهما، وأراد أن يدخل بها، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعطها شيئا "، قال: " ما عندي شيء "، قال " أين دِرْعكَ الحطَمِية "؟ ، فأعطاها درعه) (719) .

- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن ابن عوف أثر صُفرة، فقال:" ما هذا؟ " قال: " يا رسول الله إني تزوجت امرأة من الأنصار "، قال:" كم سُقْتَ إليها؟ "، قال: " زِنةَ

= كما قال القرطبي رحمه الله، لأن الله لا يمثل إلا بمباح، لكن ليس كل جائز مستحسنا، ولا كل مباح مُرَغبا فيه، بل لقد نهى عمر عنه لما تحول إلى وضع ضار، كما في رواية أبي العجفاء السلمي، وفي رواية النسائي زيادة تجَسدُ خطر المغالاة في المهور ولفظه:" وإن الرجلَ ليعلِى بصَدُقة المرأة، حتى يكون لها عداوة في نفسه، وحتى يقول: " كَلِفتُ لكم عَلَقَ القِربَة"، وعَلَق القربة: يقال:

جَشِمتُ إليك علق القربة وعرَقَ القِربة، أي تكلفت إليك، وتعبت، حتى عرَقتُ كعَرَقِ القِربة، يعنى بذلك: الشدة، وأصله: أن القِرَب إنما كان يحملها الإماء ومَن لا مُعين له، وربما افتقر الرجل الكريم، واحتاج إلى حملها، فيعرق، لما يلحقه من المشقة والحياء من الناس، وهذا إنما يقال في الأمر يجد فه الإنسان كُلْفَة وشدة. (718) رواه مسلم رقم (1426) في النكاح: باب الصداق، وأبو داود رقم (2105) في النكاح: باب الصداق، والنسائي (6/116، 117) في النكاح: باب القسط في الأصدقة، وابن ماجه رقم (1886) .

(719)

رواه أبو داود أرقام (2125، 2126، 2127) في النكاح: باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئا، والنسائي (6/129، 130) في النكاح: باب تحلة الخلوة، والبيهقي (7/252) ، (10/269) ، والطبراني في " الكبير"(11/355) ، وابن أبي شيبة في " المصنف "(4/199)، وقال في تحقيق " جامع الأصول": " إسناده صحيح، اهـ. (7/21)، والحطمِية: درع تكسر السيوف، وقيل: العريضة الثقيلة، وقيل: إنها منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال له: حُطَمة بن محارب، كانوا يعملون الدروع.

ص: 307

نواة من ذهب "، قال: " بارك الله لك، أولم ولو بشاة "، وفي رواية البيهقي: " على وزن نواة من ذهب، قُومَت خمسة دراهم) (720) .

وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرة المهر، فقد جاءه رجل من الصحابة يستعينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" على كم تزوجتها؟ "، قال:" على أربع أواقٍ "، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" على أربع أواقٍ؟ كأنما تنحتون الفضة من عُرْض هذا الجبل ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثَك في بَعْثٍ تُصِيبُ منه "(721) الحديث.

قال الإمام الشافعي رحمه الله: (والقصد في المهر أحب إلينا، وأستحب أن لا يزيد في المهر على ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وبناته، وذلك خَمسمائة درهم)(722) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [ (والمستحب في الصداق - مع القدرة واليسار- أن يكون جميع عاجله وآجله لا يزيد على مهر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولا بناته، وكان ما بين أربعمائة إلى خمسمائة بالدراهم الخالصة، نحوا من تسعة عشر دينارا، فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من فعل ذلك فقد استن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصداق، قال أبو هريرة رضي الله عنه: " كان صداقنا إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر أواق، وطبق بيديه، وذلك أربعمائة درهم " (723) إلى أن قال رحمه الله:

(720) تقدم برقم (692) .

(721)

أخرجه مسلم رقم (1424) في النكاح: باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها، و " غُرْض" الشيء جانبه، وانظر:" المصنف" لابن أبي شيبة (4/190) .

(722)

"الأم"(5/143) .

(723)

رواه بنحوه النسائي (6/117) في النكاح: باب القسط في الأصدقة، والدارقطني (3/222) في النكاح، والإمام أحمد (2/367) ، واللفظ له، ورجال إسناده ثقات =

ص: 308

(.. فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة، وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة، فهو جاهل أحمق، وكذلك صداق أمهات المؤمنين، وهذا مع القدرة واليسار، فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة) اهـ.

ثم قال رحمه الله تعالى: (.. وقد كان السلف الصالح الطيب يرخصون الصداق، فتزوج عبد الرحمن بن عوف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على وزن نواة من ذهب، قالوا: وزنها ثلاثة دراهم وثلث، وزوج سعيد بن المسيب بنته على درهمين، وهي من أفضل أيم من قريش، بعد أن خطبها الخليفة لابنه، فأبى أن يزوجها به)(724) ] اهـ.

هكذا كانت سيرة السلف الصالح رضي الله عنهم في شأن المهر، ثم خَلَفَ من بعدهم خَلف سيطر على أفكارهم النظرة التجارية، فتراهم يُغالون في المهور، حتى إنه لا يكاد يخرج بعضهم من عقد زواج إلا وهم يتحدثون عن المهر، وكم بلغ من الأرقام القياسية..! ؟ كأنما خرجوا من حلبة سباق، أو مزايدة!

وترى بعضهم إذا خطب إليه الرجل ابنته أو موليته أخذ يُحِدُّ شفرته ليفصل ما بين لحمه وعظمه، فإذا قطع منه اللحم، وهشم العظم، وأخذ منه كل ما يملك، سلمَها له، وهو في حالة بؤس وفقر شديدين، مُثْقَلا بأوزار الديون، والتي من لوازمها الهموم والغموم التي تكدر عليه صفوه، فتذله بالنهار، وتقض مضجعه بالليل، ويغلي بنارها قلبه، ولا تزال به حتى تجعل القوي ضعيفًا، والسمين نحيفًا، كما قيل:

= كما في " نيل الأوطار"(6/190) ، و "الفتح الرباني"(16/168) .

(724)

" مجموع الفتاوى"(32/194 - 195) بتصرف.

ص: 309

والهم يخترم الجسيم نحافة

ويشيب ناصية الصبي ويهرم

إن المغالاة في المهور، وعدم تيسيرها أنتجت أسوأ العواقب، فتركت البنات العذارى عوانس وأيامى في بيوت آبائهن، يأكلن شبابهن، وتنطوي أعمارهن سنة بعد سنة (725) ، وتعذَّر النكاح على جمهور الشباب بل تعسر، فعزفوا عنه، رغم رغبتهم فيه، بل حاجتهم إليه، وفي هذا مضادة لمقاصد الشريعة التي رغبت في النكاح والتناسل، وبهذا يعلم مدى شؤم مخالفةَ مَنْ هَدْيُه خير الهدي صلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى.

(725) ولا شك أن الولي الذي يمتنع من تزويج موليته بالكفء الصالح لظنه أنه لا يدفع له صداقَا كثيرا، لا شك أنه غاش لرعيته، لا ينظر في مصلحتها، بل في هوى نفسه، وهو مع ذلك مرتكب للعضل الذي يعتبر من تكرر منه فاسقًا، ناقص الدين، ساقط العدالة حتى يتوب، انظر: مجموعة ثلاث رسائل للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، ص (100) .

ص: 310

ليس من الإسلام

ليس من الإسلام: ما نراه اليوم من استبداد بعض الآباء بمهور بناتهم والإجحاف بها، أو استيلاء بعض الأشقاء على مهور أخواتهن.

وليس من الإسلام: ما يرتكب في بعض البيئات الجاهلية حيث يعمد بعض الناس إلى المقايضة بين النساء في سبيل توفير المهر، وهو المسمى " نكاح الشغار " يزوج الرجل ابنته أو أخته مقابل أن يزوجه ذلك الشخص ابنته أو أخته، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا شِغار في الإسلام "(726) .

وذلك لأن كل واحد منهما جعل بُضْعَ كل واحدة منهما مهرًا للأخرى، والبُضع ليس بمال، فلا يصلح مهرا.

وليس من الإسلام: " ما يحاوله بعض الذين استعبدتهم أوربة أن يغضوا من شأن المهر، والإفاضة في ذكر مساوئ المغالاة فيه بهدف التوصل إلى غاية خطيرة ألا وهي: إلغاء المهر، كلا.. فليس من المنطق الصحيح في شيء أن نعالج تعسف الناس في استعمال القانون بأن نلغي القانون، لأنا بهذا لن نبقي في الدنيا قانونا، إنما نكون كالذي آلمته عينه فعمد إليها وقلعها، كي لا تؤلمه من بعد. . .

وقد أدى هذا المسلك الوخيم بالأوربيين إلى أن تُقَدمَ المرأة هناك بعض المال للرجل، وتكلف هي بإعداد المنزل من مالها.. نعم من مال المرأة..! ! .

وهذا معناه أنه لا تزوج المرأة إلا إذا كانت ذات مال، أو تضطر لمعاناة مشقات الحياة ونكد الدنيا لتحصيل نفقات الزواج، ومعناه أيضًا

(726) رواه مسلم في النكاح، الباب رقم (7) ص (035 1) ، والترمذي رقم (1123) ، وابن ماجه رقم (1885) ، وأحمد (3/162) ، وابن حبان رقم (738، 1269، 1270) .

ص: 311

أن نغض من كرامة المرأة، ونضطرها أن تسعى إلى الرجل تطلب يده، فنفرض عليها أن تمزق حجب الحياء والخفر الذي هو زينة أخلاق المرأة، وميزان أصالتها

إننا نرفض الدعوة إلى إلغاء المهر، لأننا لا نقبل التفريط فيما شرع الله من تكريم المرأة وإعزازها، كما أننا في نفس الوقت نرفض الاعتبارات التجارية التي تسيطر على أفكار طائفة من الناس وطائفة من السيدات، إذ يؤدي إلى التغالي في المهور الذي يئن منه المجتمع، ويرزح تحت أعبائه شبابنا وفتياتنا على حد سواء.

إن المهر هدية تعطى للمرأة، فهل يقتنع العقل قط أن المُهدَى إليه يشارط فيها، ويكلف صاحبه من أمره شططا؟!) (727) اهـ.

(2)

النفقة

ومن حقوق الزوجة المادية وجوب نفقتها على زوجها، وهي تشمل الطعام، والشراب، والملبس، والمسكن (728) ، وسائر ما تحتاج إليه الزوجة (729) لإقامة مهجتها، وقوام بدنها.

(727)" ماذا عن المرأة؟ " للدكتور نور الدين عتر ص (68) .

(728)

وهي التي أشار إليها قوله تعالى: (إن لك أن لا تجوع فيها ولاتعرَى * وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحَى) طه (118-119)، وقد خصَّ الله آدم بذكر الشقاء فقال:(فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى)(طه: 117)، و"لم يقل:" فتشقيان" يعلمنا أن نففة الزوجة على الزوج، انظر:" الجامع لأحكام القرآن"(11/253) .

(729)

وقال الفقهاء: " إنه يلزم للزوجة نفقة الخادم إذا كان الزوج موسرا، وكانت المرأة ممن تُخدم في بيت أبيها مثلا، ولا تخدم نفسها لكونها من ذوي الأقدار، أو مريضة؛ لأنه من المعاشرة بالمعروف، والخادم هو من يحل له النظر إلى المرأة، بأن يكون امرأة أو ذا رحم محرم؛ لأن الخادم يلزم المخدوم في أغلب أحواله، فلا يسلم من =

ص: 312

وقد أخبر عز وجل أن الرجال هم المنفقون على النساء، ولذلك كانت لهم القوامة والفضل عليهن بسبب الإنفاق عليهن بالمهر والنفقة، فقال تبارك وتعالى:(الرجال قوامُون على النساء بما فضلَ الله بعضهم على بعض وبما أنففوا من أموالِهم)(النساء: 34) .

وقد دل على وجوب هذه النفقة؟ الكتاب، والسنة، والإجماع، والمعقول.

أما أدلة الكتاب الكريم:

- فمنها قوله تعالى: (لينفق ذو سعَةِ من سعته. ومن قُدِرَ عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله. لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها. سيجعل الله بعد عُسْر يُسْرًا)(الطلاق: 7) .

- ومنها قوله جل وعلا: (وعلى المولود له رزقُهن وكِسوَتهن بالمعروف لا تكَلَّفُ نفس إلا وُسعَها)(البقرة: 233) .

- ومنها قوله سبحانه: (وإن كُن أولاتِ حَمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حَملَهن)(الطلاق: 6) . فدلت الآية على وجوب النفقة على المطلقة الحامل، فكانت النفقة للزوجة من باب أولى.

وأما أدلة السنة الشريفة:

فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: " اتقوا الله في النساء فإنهن عوانٍ عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف "(730) .

= النظر " انظر: " بدائع الصنائع" (5/2215) ، " فتح القدير"، (3/327 - 329) ، " بداية المجتهد " (2/54) ، " شرح منح الجليل" (2/434) ، " تكملة المجموع" (17/140) ، " كشاف القناع" (5/378) ، "المحلى" (10/111) .

(730)

تقدم تخريجه رقم (240) .

ص: 313

وعن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قي حجة الوداع: ".. ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حَقُّكم على نسائكم: فلا يوطئن فُرُشَكم مَنْ تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحَقُّهُنَّ عليكم أن تحسنوا إليهن في كِسوَتهن وطعامهن "(731) .

وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: " يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ "، قال:" أن تُطعمها إذا طعِمتَ (732) ، وتكسوَها إذا اكتسيت، ولا تُقَبح الوجه (733) ، ولا تضرب "(734)، وفي رواية للإمام أحمد بزيادة: " ولا تهجر إلا في البيت (735) ، كيف وقد

(731) انظر تخريجه برقم (1135) .

(732)

وما أقبح أن يتعاطى الرجل أطايب الطعام، ويلتذ بأشهى الشراب في المطاعم والنوادي والرحلات، ثم يبخل بشيء منه على زوجته وأولاده، كما يصدر ممن لا مروءة له، (حدَّث القالي قال: كان رجل من أهل الشام مع الحجاج يحضر طعامه، فكتب إلى امرأته يعلمها بذلك، فكتبت إليه:

أيهْدى إلي القِرطاس والخبز حاجتي

وأنت على باب الأميرِ بطين

إذا غبت لم تذكر صديقا ولم تُقِمْ

فأنت على ما في يديك ضنين

فأنت ككلب السوء ضيع أهله

فيُهزل أهل البيت وهو سمين)

انتهى من " المرأة العربية " لعبد اللَه عفيفي (2/192) .

(733)

أي: لا يُسمعها المكروه، ولا يشتمها بأن يقول: " قبح الله وجهك، وما أشبهه من الكلام.

(734)

أي: لا تضرب الوجه، أو لا تضرب إلا بما حل عليهن من الضرب والهجر بسبب نشوزهن، كما في قوله تعالى:(واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا. إن الله كان عليا كبيرا)(النساء: 34) ، وانظر ص (454 - 470) من هذا الكتاب.

(735)

أي لا يهجرها إلا في المضجع، ولا يتحول عنها، أو يحولِها إلى دار أخرى، وقد ورد ما يدل على جواز هجرة النساء في غير بيوتهن في البخاري في كتاب النكاح =

ص: 314

أفضى بعضكم إلى بعض (736) ، إلا بما حل عليهن " (737) .

قال البغوي: (قال أبو سليمان الخطابي: في هذا إيجاب النفقة والكسوة لها، وهو على قدر وُسع الزوج (738) ، وإذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم حقا لها، فهو لازم حضر، أو غاب، فإن لم يجد في وقته، كان دينًا عليه كسائر الحقوق الواجبة، سواء فرض لها القاضي عليه أيام غيبته، أو لم

يفرض) (739) اهـ.

= باب (هجرة النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن) ، والجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال، انظر " فتح الباري "(9/300 - 302) .

(736)

يعنى الجماع.

(737)

رواه أبو داود (2/244) رقم (2142)، في النكاح: باب في حق المرأة على زوجها، وابن ماجه (1850) ، والحاكم (2/187 - 188) ، وصححه، وأقره الذهبي، وابن حبان (1286) ، والبغوي في " شرح السنة "(9/160) ، والإمام أحمد (4/446، 447) ، (5/5، 3) ، والبيهقي (7/295) ، وصححه الألباني في " الإرواء"(7/98) .

(738)

وهذا هو التحقيق؛ أن النفقة تقدر بحسب حال الزوج - لا الزوجة - يسارًا وإعسارا، لقول الله تعالى:(لينفق ذو سعة من سعته ومن قُدِر عليه رزقه فينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها)(الطلاق: 7)، وقال تعالى:(وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ، والمعروف أن النفقة تكون على قدر حال الزوج من اليسار والإعسار، ويؤيده قوله سبحانه:(أسكنوهن من حيث سكنتم من وُجدِكم)(الطلاق: 6) قال ابن عباس: " أسكنوهن من سعتكم"، فدل على أن الإنفاق مخصوص بحال الزوج جِدَة وفقرا، انظر:" بدائع الصنائع"(5/2216) .

ويدل لهذا أيضًا قوله عز وجل: (وبما أنفقوا من أموالهم)(النساء: 34) ، فالرجل صاحب القوامة عليها بالفضل والإنفاق فكان الاعتبار بحاله.

ويدل لهذا أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: " أطعموهن مما تأكلون، واكسوهن مما تكتسون" الحديث رواه أبو داود (2/245) رقم (2144) من حديث معاوية القشَيري، وانظر رقم:(737) .

(739)

"شرح السنة"(9/160) .

ص: 315

وقد رُوي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت "(740) .

وعن أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفِظَ ذلك أم ضَيع، حتى يَسألَ الرجلَ عن أهل بيته) (741) .

وعن قيس بن حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " والله لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره، فيبيعه، ويستغني به، ويتصدق منه، خير له من أن يأتي رجلا فيسأله، يؤتيه أو يمنعه، وذلك أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول)(742)، وفي رواية:(فقيل: " مَنْ أعول يا رسول الله؟ " قال: " امرأتك ممن تعول " (743) ،

(740) رواه أبو داود رقم (1692) في الزكاة: باب في صلة الرحم، وأحمد (2/160، 194، 195) ، والبيهقي (7/467) ، (9/25) ، والطبراني في " الكبير"(12/382)، قال الألباني حفظه الله:(ضعيف بهذا اللفظ، وأخرجه مسلم بلفظ: " كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوتَه ") اهـ. من " غاية المرام" رقم (245)، وقال في " إرواء الغليل " رقم (894) :(وفي رواية لأحمد عن وهب قال: إن مولى لعبد الله بن عمرو قال له: (إني أريد أن أقيم هذا الشهر ههنا ببيت المقدس، فقال له: (تركت لأهلك ما يقوتهم هذا الشهر؟ "، قال: "لا"، قال: فارجع إلى أهلك، فاترك لهم ما يقوتهم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ") ، ثم حسنه الألباني بعد أن ذكر له شاهدًا، فانظر:" الإرواء"(3/407) .

(741)

رواه ابن حبان رقم (1562) ، وابن عدي في " الكامل، (1/307) ، وأبو نعيم في " الحلية" (6/281) ، وصححه الحافظ في " الفتح" (13/113) ط.

السلفية، وانظر:" سلسلة الأحاديث الصحيحة" حديث رقم (1636) .

(742)

أخرجه مسلم في الزكاة (106)(3/96) ، وأحمد (2/475) ، والترمذي (1/132)، وقال:" حديث حسن صحيح".

(743)

رواه الدارقطني: (3/296) ، والإمام أحمد (2/524، 527)، وقال العلامة أبو الطيب محمد شمس الحق آبادي في " التعليق المغني":(رواه أحمد أيضا بإسناد صحيح مثله) اهـ (3/296) ، وجوَّد الألباني إسنادها في " الإرواء"(3/317) .

ص: 316

تقول (744) : " أطعمني، وإلا فارقني، وجاريتك تقول: (أطعمني، واستعملني "، وولدك يقول:" إلى مَن تتركني؟ ".

وجاء في تفسير قوله تعالى: (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) أن العفو: الزائد على قدر الحاجة التي لابد منها على أصح (745) التفسيرات، وهو مذهب الجمهور، وقد قال صلى الله عليه وسلم:" وابدأ بمن تعول"(746)، وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل:" ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلِذي قرابتك، فإن فضل عن ذى قرابتك شيء فهكذا وهكذا، يقول: " فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك، (747)، وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا أعطى الله أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته "(748) .

(744) وفي البخاري: (فقالوا: " يا أبا هريرة، سمعتَ هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "، قال: " لا، هذا من كيس أبي هريرة ") اهـ. وقوله: " من كِيسي، بكسر الكاف، أي من حاصله، إشارة إلى أنه من استنباطه مما فهمه من الحديث المرفوع مع الواقع، وفي رواية الأصيلي: بفتح الكاف، أي من فطنته رضي الله عنه وانظر: " فتح الباري" (9/ 500 - 501) ط. السلفية.

(745)

انظر: (أضواء البيان" (1/38 -40) .

تقدم تخريجه برقم (742) ، ومعنى " مَن تعول" من تجب عليك نفقته.

(747)

أخرجه مسلم (2/692) رقم (997) في الزكاة: باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة، والنسائي (5/69 -70) ، (7/304) ، البيهقي (4/178) ، وسبب ورود الحديث أن رجلا من بني عُذرَة أعتق عبدًا له عن دُبُر (أي علق عتقه بموته، فقال: أنت حر يوم أموت) ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:" ألك مال غيره؟ "، فقال:" لا"، فقال:" من يشتريه مني؟ "، فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوى بثمانمائة درهم، فجاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعها إليه، ثم قال: " فذكره.

(748)

رواه مسلم (1454) ، وأحمد (5/86، 89) ، والطبراني (2/217) .

ص: 317

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن هند بنت عُتْبة قالت: " يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يُعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم"، فقال: (خذي ما يكفيك وولدَك بالمعروف" (749)) .

قال ابن قدامة رحمه الله: (وفيه دلالة على وجوب النفقة لها على زوجها (750) ، وأن ذلك مقدر بكفايتها، وأن نفقة ولده عليه دونها بقدر كفايتهم، وأن ذلك بالمعروف، وأن لها أن تأخذ ذلك بنفسها، من غير

(749) رواه البخاري (5/107) ط. السلفية، في المظالم: باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه، وفي النفقات، والإيمان، والأحكام، ومسلم رقم (1714) في الأقضية: باب قضية هند، والنسائي (8/246 - 247) ، وابن ماجه (2293) ، والإمام أحمد (6/39، 50، 206) ، والدارمي (2/159) ، والبيهقي (7/466) ، والبغوي (8/206 -207) .

طريفة: من طرائف ما يروى في بخل الرجل وشدة محاسبة أهله ما حكاه ابن الجوزي رحمه الله في كتابه (الأذكياء) من (أن المغيرة بن شعبة وفتى من العرب خطبا امرأة، وكان الفتى جميلا، فأرسلت إليهما المرأة، فقالت: " إنكما قد خطبتماني، ولست أجيب أحدا منكما، دون أن أراه، وأسمع كلامه، فاحضرا إن شئتما "، فحضرا، فأجلستهما بحيث تراهما، وتسمع كلامهما، فلما رأى المغيرة الفتى وحسن هيئته يئس منها وعلم أنها لن تؤثره عليه، فأقبل على الفتى - وقد فكر في مخرج - فقال له: " لقد أوتيت جمالًا وحسنا وبيانا، فهل عندك سوى ذلك "؟ قال: " نعم"، فعدد محاسنه، ثم سكت، فقال له المغيرة؟ " كيف حسابك؟ " فال: " ما يسقط علي منه شي، وإني لأستدرك منه أدق من الخردلة! "، فقال له المغيرة: " لكنني أضع البدرة- والبدرة كيس يكون فيه ألف، أو عشرة آلاف درهم، أو سبعة آلاف دينار- في زاوية البيت، فينفقها أهلي على ما يريدون، فما أعلم بنفادها، حتى يسألوني غيرها "، فقالت المرأة في نفسها: " والله لهذا الشيخ الذي لا يحاسبني أحب إلي من هذا الذي يحصي علي مثل صغير الخردلة "، فتزوجت المغيرة) اهـ.

(750)

ووجهه أنه لو لم تكن النفقة واجبة، لم يحتمل أن يأذن لها بالأخذ من غير إذنه.

ص: 318

علمه إذا لم يعطها إياه " (751) .

وأما دليل الإجماع على وجوب النفقة:

فقد نقله كثير من العلماء منهم ابن المنذر، والمهلب، وابن قدامة، والنووي، وابن حجر رحمهم الله أجمعين.

قال ابن قدامة رحمه الله: (وأما الإجماع فاتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين إلا الناشز منهن، ذكره ابن المنذر وغيره)(752) اهـ

وأما دليل العقل (753) :

فهو أن المرأة محبوسة على الزوج بمقتضى عقد الزواج، ممنوعة من التصرف والاكتساب لتفرغها لحقه، فكان نفع حبسها عائذا عليه، فكان عليه أن ينفق عليها، وعليه كفايتها وإلا هلكت، لأن الغنم بالغرم، والخراج بالضمان، فالنفقة جزاء الاحتباس، فمن احتبس لمنفعة غيره وجبت نفقته في مال الغير كالقاضي والولي والموظف والجندي جعل رزقهم في بيت المال لأن كلا منهم محبوس لحق المسلمين، ممنوع من التكسب لتفرغه لمصالحهم. من أجل هذا تجب نفقة الزوجة على الزوج حتى ولو كانت الزوجة موسرة (754) ، لأن نفقتها لم تجب للحاجة، وإنما بسبب احتباسها لحق الزوج.

(751)"المغني"(7/563) .

(752)

" المغني"(7/564)، وانظر:" المبسوط"(5/181) ، " فتح القدير"(3/231) ، " بدائع الصنائع"(5/2197) ، " فتح الباري"(7/498، 500، 509) ط. السلفية.

(753)

انظر: " المغني"(7/564) ، " المبسوط"(5/181) ، " شرح النووي"(8/184) .

(754)

بل لا تكلف المرأة بشيء من الإنفاق عموما: أما كانت أو أختا، بنتًا كانت =

ص: 319

......................

= أو زوجة، قادرة على العمل أو عاجزة عنه، غنية كانت الزوجة أو ففيرة، كان زوجها قادرا على العمل أو عاجزًا عنه، غنيا كان أو فقيرا، فالرجل هو المسئول عن النفقة البيتية، وليس من حقه أن يلزمها بها إلا إذا تبرعت مساهمة في تحمل بعض العبء.

والمرأة قبل البلوغ تحت وصاية أوليائها، وهي ولاية رعاية وتأديب وعناية بشأنها، وتنمية لأموالها، وليست ولاية تملك واستبداد، ثم هي بعد البلوغ كاملة الأهلية للالتزامات المالية سواء بسواء.

ص: 320

[فصل]

استحباب تصدق المرأة على زوجها وولدها

عن زينب - امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَصَدقْنَ يا معشر النساء، ولو من حُلِيكُن "، قالت: " فرجعتُ إلى عبد الله، فقلت: إنك رجل خفيف اليد، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة، فَائْتِهِ "، فاسْألهُ، فإن كان ذلك يجزى عني، وإلا صرفتُها إلى غيركم؟ "، فقال في عبد الله: " بل ائتيه أنت "، قالت: فانطلقتُ، فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حاجتي حاجتُها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقِيَتْ عليه المهابةُ، قالت: فخرج علينا بلال، فقلنا له: " ائتِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَأخْبِرْهُ: أن امرأتين بالباب، يسألانك: أتجْزئُ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن "، قالت: فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من هما؟ " قال: " امرأة من الأنصار وزينب "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أي الزيانب؟ "، قال: " امرأةُ عبدِ الله "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة " (755)، وفي رواية للبخاري: أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم:

(755) رواه البخاري (3/328) ط. السلفية في الزكاة: باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر، ومسلم- واللفظ له- رقم (1000) في الزكاة: باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج، والنسائي (5/92، 93) في الزكاة: باب الصدقة على الأقارب، وأما رواية البخاري فقد أخرجها من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (3/325) في الزكاة: باب الزكاة عل الأقارب، وفي الحيض، والعيدين، =

ص: 321

" يا نبي الله، انك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حُلِيّ لي، فأردتُ أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود: أنه وولدَ أحقُّ من تُصُدقَ به عليهم "، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" صدق ابنُ مسعود، زوجُكِ وولدُك أحقُّ من تصدقتِ به عليهم "، وفي رواية ابن خزيمة:" تصدقي به عليه وعلى بنيه، فإنهم له موضع ".

فضل الإنفاق على الأهل والأولاد

ثبت في فضل النفقة على الأهل أحاديث كثيرة:

منها: ما رواه أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أنفق المسلم نفقة على أهله، وهو يحتسبها، كانت له صدقة "(756) .

ومنها: ما رواه سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنك تؤجر، حتى اللقمة ترفعها

= والصوم، والشهادات، وابن خزيمة (4/ 106-107) رقم:(2461) .

(756)

قوله: " وهو يحتسبها " يفيد منطوقه أن الأجر في الإنفاق إنما يحصل بقيد قصد القربة، سواء كانت واجبة أو مباحة، أفاده القرطبي، كما نقله عنه في " فتح الباري "(1/136) ، والحديث أخرجه البخاري (1/136) ، (9/497) فتح - ط. السلفية، رقم (55) في الإيمان: باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، والنسائي (5/69) ، والطيالسي رقم (615) ص (86) ، والطبراني في "الكبير"(17/196) .

فائدة: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (النفقة على الأهل واجبة بالإجماع، وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه، وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر، فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم، ترغيبا لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع) اهـ. من " الفتح"(9/498) .

ص: 322

إلى في امرأتك " (757) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: " دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة (758) ، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرَا الذي أنفقته على أهلك "(759) .

وعن المقدام بن معديكرب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أطعمتَ نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة)(760) .

وعن كعب بن عُجرَة رضي الله عنه قال: (مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحابه من جَلَده ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا:

" يا رسول الله! لو كان هذا في سبيل الله؟ "، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن كان خرج يسعى على أولاده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يُعِفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو

(757) قطعة من حديث رواه البخاري (3/164) ط. السلفية في الجنائز: باب رثاء النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة، ومسلم رقم (1628) في الوصية، والترمذي رقم (2116) في الوصايا: باب ما جاء في الوصية بالثلث، وأبو داود رقم (2864)(3/112) في الوصايا، وأحمد (1/172)، وفي أفراد مسلم:" وإن نفقتك على عيالك صدقة، وإن ما تأكل امرأتك من مالك صدقة ".

(758)

أى: في إعتاقها.

(759)

رواه مسلم رقم (995)(2/692) في الزكاة: باب فضل النفقة على العيال والمملوك، والإمام أحمد (2/473) ، والبيهقي (7/467) .

(760)

رواه الإمام أحمد (4/ 131، 132) ، والبيهقي (4/179)، وقال المنذري:" بإسناد جيد "(3/62)، وانظر:" صحيح ابن ماجه "(2/5) رقم (1739) .

ص: 323

في سبيل الشيطان ") (761) .

وعن عبد الله بن المبارك رحمه الله قال: " لا يقع موقع الكسب على العيال شيء، ولا الجهاد في سبيل الله "(762) .

وقال رحمه الله وهو مع إخوانه في الغزو: " تعلمون عملًا أفضل مما نحن فيه؟ "، قالوا:" ما نعلم ذلك"، قال:" أنا أعلم "، قالوا:" فما هو؟ "، قال:" رجل متعفف ذو عائلة، قام من الليل، فنظر إلى صبيانه نيامًا متكشفين، فسترهم، وغطاهم بثوبه، فعمله أفضل مما نحن فيه "(763) .

وينبغي على الرجل أن يطعمها وأولادها حلالا لا إثم فيه، ولا شبهة، فإن طلب الحلال فرض عين عند أهل الكمال.

عن كعب بن عُجْرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا كعبُ ابن عجرة" إنه لا يدخل الجنة لحمٌ ودم نَبَتا على سحْت؛ النار أولى به " (764) الحديث.

ولهذا كانت الزوجة من السلف الصالح تقول لزوجها إذا خرج إلى عمله: " اتق الله، وإياك والكسبَ الحرام، فإنا نصبر على الجوع والضر، ولا نصبر على النار "(765) .

(761) تقدم برقم (359) .

(762)

" سير أعلام النبلاء، (8/399) .

(763)

" الإحياء"(4/701) .

(764)

رواه ابن حبان (261) ، (1569) ، والإمام أحمد (3/399) ، والدارمي (2/ 318) ، والطبراني (19/ 106، 141، 145) ، والحاكم (4/422) ، وصححه، ووافقه الذهبي، وابن عبد البر في " التمهيد"(2/303) ، والحديث صححه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب" رقم (861) .

(765)

" الإحياء "(1/748) .

ص: 324

ومن النفقة الواجبة:

(3)

المسكن

قال الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالي:

(ويجب لها مسكن (766) بدليل قوله سبحانه وتعالى: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وُجدكم) فإذا وجبت السكنى للمطلقة، فَلِلتي في صلب النكاح أوْلى، قال الله تعالى:(وعاشروهن بالمعروف) ، ومن المعروف أن يسكنها في مسكن (767) ، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون، وفي التصرف والاستمتاع، وحفظ المتاع، ويكون المسكن على قدر يسارهما وإعسارهما لقول الله تعالى:(من وُجْدِكم)(768) ولأنه واجب لها لمصلحتها في الدوام فجرى مجرى النفقة والكسوة) (769) اهـ.

(766) إما بملك، أو إجارة، أو إعارة، أو وقف.

(767)

أي: مستقل لدفع الحرج، وللأمن على الأمتعة والحوائج، ولأنه أكثر سلامة، وأحسن للعشرة حيث يضيق نطاق النزاع، ويسهل التسامح في حال وقوع خلاف بينهما، بعكس ما لو اطلع عليه أحماؤها كأمه وأخواته، فقد تأخذه العزة أن يتنازل ويصفع، والاستقلال بالمسكن يقلل حوافز الغيرة التي تحصل بالاجتماع معهن، وفوق كل ذلك قول الله تعالى في آية الطلاق:(واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) الآية (الطلاق: 1) ، فدل القرآن على أن لهن الحق في البيوت، حق تمتع لا حق تمليك، قبل أن يطلقن، فمن كانت في صلب النكاح وعصمته أولى بهذا الحق، ولا تسلم من تنغيص الحياة، وشدة الخصومات والشكاوى إلا بسكن مستقل في الغالب، والله تعالى أعلم.

(768)

الوُجد: السعة والمقدرة.

(769)

" المغني (7/569) ، وقد سبق بيان أن التحقيق تقدير النفقة بحسب حال =

ص: 325

والسُّكْنَى من كفايتها، فتجب لها كالنفقة، وقد أوجبه الله عز وجل مقرونا بالنفقة، وإذا وجب حقا لها، فليس له أن يشرك غيرها فيه، إلا أن ترضى بذلك، فإن تضررت من السكنى مع ضرتها أو أحمائها، أو كانوا يؤذونها، فعليه أن يُسكِنَها في منزل منفرد ملائم لحاله يسارا وإعسارا، والله تعالى أعلم.

= الزوج - لا الزوجة - يسارا وإعسارًا، راجع هامش رقم (738) ، وعلى هذا فإن المسكن يكون على حسب حاله هو، وإن تضررت، لأنها تزوجته وهي تعرف حاله، فلم يكن لها إلا أن تسكن معه على قدر حاله، لأنه هو الذي آتاه الله، قال عز وجل:(لينفق ذو سعَةٍ منْ سعته ومن قدِرَ عليه رزقُه فلينفق مما آتاه الله لا يكلفُ الله نفسا إلا ما آتاها) الآية (الطلاق: 7) .

ص: 326