المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفصل الثاني]المرأة أما - عودة الحجاب - جـ ٢

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الخامسة

- ‌ الباب الأول *

- ‌تمهيد

- ‌[فصل]المرأةسلاح ذو حدين

- ‌[فصل]القضية الأمالقرآن والسلطان

- ‌[فصل]بين الترقيع…والأصالة

- ‌[فصل]وضع المرأة ومسئولية الولاة

- ‌[فصل]موقف دعاة الإسلاممن قضية المرأة (52)

- ‌الباب الثانيإهانة الجاهلية للمرأة

- ‌[الفصل الأول]المرأة عند الآخرين (57)

- ‌[الفصل الثاني]المرأة عند العرب في الجاهلية

- ‌الباب الثالثشمس الإسلامتشرق على المرأة

- ‌[الفصل الأول]

- ‌مظاهر تكريم الإسلام للمرأة

- ‌[فصل]دحض بدعة المساواة المطلقةبين الرجل والمرأة

- ‌[فصل]الفروق بين الرجل والمرأة

- ‌مسألة: هل يجب تسوية الوالدينبين أولادهم الذكور والإناث في الهبة

- ‌عود على بدء

- ‌[الفصل الثاني]المرأة أُمًّا

- ‌[فصل]بر الوالدين بعد موتهما

- ‌[فصل]من مواقف الأم المسلمة

- ‌[فصل]الأم المسلمة وراء هؤلاء العظماء

- ‌[الفصل الثالث]المرأة بنتًا

- ‌[الفصل الرابع]المرأة زوجة

- ‌[فصل]الكفاءة في الزواج

- ‌فصلنص القرآن الكريم على تحريم نكاح الزانية

- ‌فصلوأما الأدلة على عدم اعتبار المال في الكفاءة:

- ‌فوائد

- ‌[فصل]الزوجيةبين الحقوق والواجبات والآداب

- ‌أولا: الحقوق والآداب المشتركة بين الزوجين

- ‌من مواقف الزوجة المسلمة

- ‌تنبيهات

- ‌ثانيا: حقوق الزوجة على زوجها

- ‌(أ) الحقوق المادية

- ‌(ب) الحقوق الأدبية

- ‌[فصل]لا نكاح إلا بولي

- ‌تنبيهات متفرقة

- ‌عود على بدءمن حقوق المرأة على زوجها

- ‌[فصل]مسئولية الرجل عن حماية الأسرة (915)

- ‌ثالثًا: حقوق الزوج على زوجته

- ‌[فصل] (1220)في علاقة الابن بوالديه بعد الزواجوعلاقة الحماة بالكَنَّة (1221)

- ‌[فصل]وفاؤها لزوجها

- ‌[الفصل الخامس]المرأة مؤمنةً مجاهدةً صابرةً

- ‌[الفصل السادس]المرأة عالِمةً

- ‌[فصل]صور من سيرة المسلمة العالمة

- ‌[الفصل السابع]المرأةُ…عابدةً

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌[الفصل الثاني]المرأة أما

[الفصل الثاني]

المرأة أُمًّا

أوصى الله تعالى في مواضع من كتابه بالإحسان إلى الوالدين، وقرنه بالأمر بعبادته والنهي عن الشرك به، وأمر بالشكر لهما متصلًا بالشكر له، وَخَص الأم بالذكر في بعض هذه الوصايا للتذكير بزيادة حقها على حق الأب.

قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدَينِ إحسانا) النساء (36) .

قال ابن عباس رضي الله عنهما: " يريد البر بهما مع اللطف، ولين الجانب، فلا يغلظ لهما في الجواب، ولا يحد النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللا لهما "(*) .

وقال تعالى: (وقضى (341) ربك ألَّا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولًا كريمًا واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا) الإسراء (23-24) .

قوله تعالى: (فلا تقل لهما أف) قال البغوي رحمه الله:

[يريد: لا تقل لهما ما فيه أدنى تبرم، والأُفُّ والتُّفُّ: وَسَخُ

(*) الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/66) .

(341)

قضى هنا بمعنى: أمر، وألزم، وأوجب، قال ابن عباس والحسن وقتادة:" ليس هذا قضاء حكم، بل هو قضاء أمر" اهـ. من "الجامع لأحكام القرآن "(10/237) .

ص: 156

الأظفار، ويقال لكل ما يُستثقل ويُضْجَرُ منه: أفّ له، قال مجاهد:" لا تَقْذَرْهُما كما كانا لا يَقْذَرانِكَ "(342) .

وقال الهيثمي رحمه الله:

[ (وقل لهما قولا كريمَا) ثم أمر بأن يقال لهما القول الكريم: أي اللين اللطيف المشتمل على العطف والاستمالة وموافقة مرادهما وميلهما ومطلوبهما ما أمكن سيما عند الكبر، فإن الكبر يصير كحال الطفل وأرذل، لما يغلب عليه من الخرف وفساد التصور، فيرى القبيح حسنًا، والحسن قبيحا، فإذا طُلِبَتْ رعايته وغايةُ التلطف به في هذه الحالة، وأن يُتَقَربَ إليه بما يناسب عقله إلى أن يرضى؛ ففي غير هذه الحالة أولى](343) .

قال أبو البداح التجِيبيُّ: (قلت لسعيد بن المسيب: " كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته، إلا قوله: (وقل لهما قولًا كريمًا) ما هذا القول الكريم؟ "، قال ابن المسيب: " قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ ") (344) .

وقال معاوية بن إسحاق عن عروة، قال:(ما بَرَّ والدَه، مَن شَدَّ الطَّرفَ إليه " (*) .

[وقوله عز وجل: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) قال عطاء: " لا ينبغي لك أن ترفع يديك على والديك، ولا إليهما تعظيما لهما "، وقال عروة: " لا تمتنع من شيء أحَبَّاه "](345) .

(342) ، (345)"شرح السنة "(13/15)، وانظر: " فضل الله الصمد، (1/60- 61) .

(343)

" الزواجر عن اقتراف الكبائر "(2/66) .

(344)

" الجامع لأحكام القرآن "(10/243) .

(*)" سير أعلام النبلاء "(4/433) .

ص: 157

وينبغي للإنسان- بحكم هذه الآية- أن يتذلل لوالديه تذلل الرعية للأمير، والعبيد للسادة، وقد ضرب خفض الجناح ونصبه مثلًا لجناح الطائر حين ينتصب بجناحه لولده.

[ثم أمر تعالى بعد القول الكريم بأن يخفض لهما جناح الذل من القول بأن لا يُكَلَّما إلا مع الاستكانة والذل والخضوع، وإظهار ذلك لهما، واحتمال ما يصدر منهما، ويريهما أنه في غاية التقصير في حقهما وبرهما، وأنه من أجل ذلك ذليل حقير، ولا يزال على نحو ذلك إلى أن ينثلج خاطرهما، ويرد قلبهما عليه، فينعطفا عليه بالرضا والدعاء، ومنْ ثم طلب منه بعد ذلك أن يدعو لهما، لأن ما سبق يقتضي دعاءهما له كما تقرر، فليكافئهما إن فُرِضَتْ مساواة، وإلا فشتان ما بين المرتبتين (346) ، وكيف تُتَوَهَّمُ المساواة، وقد كانا يحملان أذَاكَ وَكَلَّكَ، وعظيم المشقة في تربيتك، وغاية الإحسان إليك، راجين حياتك، مؤملين سعادتك، وأنت إن حملت شيئًا من أذاهما رجوت موتهما، وسئمت من مصاحبتهما، ولكون الأم أحمل لذلك وأصبر عليه مع أن عناءها أكثر وشفقتها أعظم بما قاسته من حمل وطلق وولادة ورضاع وسهر ليل، وتلطخ بالقذر والنجس، وتجنُّبٍ للنظافة والترفه، حَض النبي صلى الله عليه وسلم على برها ثلاث مرات، وعلى بر الأب مرة واحدة كما في الحديث الصحيح](347) .

تنبيه:

لا يختص بر الوالدين بكونهما مسلِمَيْن، بل يبرهما وإن كانا كافرين، ويحسن إليهما إذا كان لهما عهد، قال تعالى:(لا ينهكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دِياركُم أن تبروهم)

(346) انظر: " فضل الله الصمد "(1/41) .

(347)

"الزواجر"(2/66) .

ص: 158

الآية (الممتحنة: 8) .

وعن أسماء رضي الله عنها قالت: (قَدِمت عَلي أمي وهي مشركة - في عهد قريش إذ عاهدهم -، فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: " يا رسول الله إن أمي قدمت عليّ، - وهي راغبة - (348) أفأصلها؟ قال: " نعم، صلي أمك ") (349) .

وقال سبحانه: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وَهنًا على وهن (350) وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) لقمان (14)، وقال عز وجل:(وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) لقمان (15) .

فإذا أمر الله تعالى بمصاحبة هذين بالمعروف مع هذا القبح العظيم الذي يأمران ولدهما به، وهو الإشراك بالله تعالى، فما الظن بالوالدين المسلمَين سيما إن كانا صالِحَينِ، تالله إن حقهما لمن أشد الحقوق وآكدها، وإن القيام به على وجهه أصعب الأمور وأعظمها، فالموفَّق من هُدِي إليها،

(348) أي في برى وصلتي، وقيل: راغبة عن الإسلام كارهة له، قال ابن عطية:(والظاهر عندي أنها راغبة في الصلة، وما كانت لتقدم على أسماء لولا حاجتها) اهـ. من (الجامع لأحكام القرآن)(14/65) ، وأم أسماء هي قُتيلة بنت عبد العزى بن عبد أسد، وأم عائشة وعبد الرحمن هي أم رومان قديمة الإسلام.

(349)

رواه البخاري (13/ 17-18) في الأدب: باب صلة الوالد المشرك، وفي الهبة، والجهاد، ومسلم رقم (1003) واللفظ له، في الزكاة: باب فضل الصدقة على الأقربين، ولو كانوا مشركين، وأبو داود رقم (1668) في الزكاة: باب الصدقة على أهل الذمة، والإمام أحمد (6/ 344، 347، 355) .

(350)

أي حملته في بطنها، وهي تزداد كل يوم ضعفًا على ضعف، وقيل: المرأة ضعيفة الخِلقة، ثم يضعفها الحمل، ثم تعاني الوضع، ثم الرضاعة والتربية.

ص: 159

والمحروم كل المحروم من صرف عنها وقد جاء في السنة من التأكيد في ذلك ما لا تحصى كثرته ولا تحد غايته، فمن ذلك:

ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ "، قال: " أمك "، قال: " ثم من؟ "، قال: " أمك "، قال: " ثم من؟ "، قال: " أمك "، قال: " ثم من؟ "، قال: " ثم أبوك ")(351) .

وعن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بآبائكم، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب "(352)

وعن أبي رمثة رضي الله عنه قال: " انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: " بر أمك وأباك، وأختك وأخاك ن ثم أدناك أدناك ") (353) .

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم: " أي الأعمال أحب إلى الله؟ "، قال: الصلاة على وقتها، قلت:" ثم أي؟ "، قال:" ثم بر الوالدين "، قلت:" ثم أي؟ "، قال:" ثم الجهاد في سبيل الله " قال: " حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو استزدته،

(351) أخرجه البخاري (13/4-6) في الأدب: باب من أحق الناس بحسن الصحبة، ومسلم رقم (2548) في البر: باب بر الوالدين.

(352)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (60) واللفظ له، وابن ماجه (3661) ، والحاكم (4/151) ، والإمام أحمد (4/131، 132) ، وصححه الألباني في الصحيحة رقم (1666)

(353)

أخرجه الحاكم (4/151) واللفظ له، والإمام أحمد (2/226) ، وصححه الألباني في " إرواء الغليل "(3/322) ، وتأمل كيف قدم الأم على الأب، وكذا قدم الأخت على الأخ.

ص: 160

لزادني ") (354)

فاخبر صلى الله عليه وسلم أن بر الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام ورتب ذلك بـ "ثم" التي تقتضي الترتيب والمهلة.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل استأذنه في الجهاد: " أَحَيًّ والداك؟ "، قال:" نعم " قال: " ففيهما فجاهد "(355)، وفي رواية لمسلم قال:" (أقبل رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله قال فهل من والديك أحد حيُّ؟ " قال: " نعم بل كلاهما حي " قال فتبتغي الأجر من الله؟ قال نعم! قال فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما "، وفي رواية أخرى لأبي داود والنسائي عنه رضي الله عنه قال:(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " جئت أبايعك على الهجرة ن وتركت أبويَّ يبكيان "، قال: " فارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما ") ، وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد " (356) .

(354) رواه البخاري في مواقيت الصلاة وفضلها: باب فضل الصلاة لوقتها، وفي الجهاد والسير وفي الأدب، وخرجه مسلم واللفظ له في الإيمان رقم (139)

(355)

رواه البخاري (6/97 - 98) في الجهاد: باب الجهاد بإذن الأبوين، وفي الأدب، ومسلم رقم (2549) في البر والصلة: باب بر الوالدين، وأبو داود رقم (253) في الجهاد باب في الرجل يغزو، وأبواه كارهان، والترمذي رقم (1671) في الجهاد: باب فيمن خرج في الغزو وترك أبويه، والنسائي (6/10) في الجهاد: باب الرخصة في التخلف لمن له والدان، (7/143) في البيعة: باب البيعة على الهجرة وهذا محمول على ما لم يتعين الجهاد كأن يقع النفير، فإذا وقع وجب الخروج على الجميع.

(356)

رواه الترمذي رقم (1900) في البر والصلة: باب ما جاء في بر الوالدين، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (1/42) ، وصححه ابن حبان (2026 - موارد) ، =

ص: 161

تنبيه: قال الغزالي (من يخدم أبويه ينبغي ألا يطلب بخدمته منزلة عندهما إلا من حيث أن رضا الله في رضا الوالدين، فإن ذلك معصية في الحال، وسيكشف الله عن ريائه، فتسقط منزلته من قبلهما أيضا)(357) اهـ.

وعن معاوية بن جاهمة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله! أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؟ " فقال هل لك أم؟ قال نعم قال فالزمها فإن الجنة تحت رجليها (358)

وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحابه من جلده ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان خرج يسعى على أولاده صغارا فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان ") (359) .

= الحاكم (4/152) وصححه على شرط مسلم وأقره الذهبي وفيه نظر لأن عطاء العامري مجهول العين كما ذكره الذهبي رحمه الله

(357)

نقلا عن فضل الله الصمد (1/111)

(358)

رواه النسائي (6/11) في الجهاد باب الرخصة في التخلف لمن له والدة وابن ماجه رقم (2781) والحاكم (4/151) وصححه ووافقه الذهبي والإمام أحمد (3/429) وعبد الرزاق في المصنف (5/176) وذكره الهيثمي في المجمع (8/138) وقال (رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات اهـ، وانظر الترغيب والترهيب (3/316)

(359)

أخرجه الطبراني في معاجمه الثلاثة ورجال الكبير رجال الصحيح اهـ، كذا قال الهيثمي في المجمع والمنذري في الترغيب والترهيب (3/63) ورمز له =

ص: 162

وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:" يا رسول الله، إني أصبتُ ذنبًا عظيمًا، فهل لي من توبة؟ " فقال: "هل لك من أم؟ " قال: " لا"، قال:(فهل لك من خالة؟ " قال: " نعم "، قال؟ " فَبِرَّها ")(360) .

قال البغوي: " وقد صح عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الخالة بمنزلة الأم) (361) .

وقال مكحول: "بر الوالدين كفارة للكبائر، ولا يزال الرجل قادرًا على البر ما دام في فصيلته مَنْ هو أكبر منه "] (362) .

وعن عطاء بن يسار عن ابن عباس (أنه أتاه رجل فقال: " إني خطبت امرأة، فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري فَأحَبَّتْ أن تنكحه، فَغِرْتُ عليها، فقتلتها، فهل لي من توبة؟ "، قال:"أمُك حية؟ "، قال:" لا "، قال:" تُب إلى الله عز وجل، وتقرب إليه ما استطعت "، فذهبت، فسألت ابن عباس:" لم سألتَه عن حياة أمه؟ "، فقال:

= السيوطي في " الجامع الصغير" بالصحة " فيض القدير"(3/31) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع" (2/8) .

(360)

رواه الترمذي رقم (1905) في البر والصلة. باب بر الخالة، مرسلا ومسندا، وقال:" إن المرسل أصح"، وأما المتصل فصححه ابن حبان (2022- موارد)، والحاكم (4/ 155) بلفظ:" والدان "، وصححه على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، ورواه الإمام احمد (2/14) ، واللالكائي رقم (1968) .

(361)

رواه الترمذي رقم (1905) في البر والصلة: باب بر الخالة، وقال:" هذا حديث صحيح ".

والحديث رواه في قصة طويلة البخاري (7/ 385 - 391) في المغازي: باب عمرة القضاء، وفي الحج، والصلح، والجهاد، ومسلم رقم (1783) في الجهاد: باب صلح الحديبية في الحديبية.

(362)

"شرح السنة"(13/13) .

ص: 163

" إني لا أعلم عملًا أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة ") (363) .

وعن طيسلة بن مَياس قال: (كنت مع النجدات (364) فأصبت ذنوبا لا أراها إلا من الكبائر، فذكرت ذلك لابن عمر، قال: ما هي؟ قلت: كذا وكذا، قال: ليست هذه من الكبائر) إلى أن قال: (قال لي ابن عمر: أتفْرَق من النار، وتحب أن تدخل الجنة؟ قلت: إي والله!، قال: أحَي والداك؟ قلت: عندي أمي، قال: فوالله لو ألنت لها الكلام، وأطعمتها الطعام، لتدخلن الجنة، ما اجتنبت الكبائر)(365) .

وعن أبي هريرة مرفوعًا: " رَغِمَ أنفُهُ (366) ، رغم أنفه، رغم أنفه "، قيل:(من يا رسول الله؟، قال؟ (من أدرك أبويه عنده الكبرُ: أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة " (367)

وعد النبي صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، وخص الأمهات بالذكر، فقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعًا

(363) رواه البخاري في " الأدب المفرد" رقم (4) ، والبيهقي، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " رقم (1957) .

(364)

فرقة من الخوارج، تنسب إلى نجدة بن عامر الحنفي، انظر: " الملل والنحل للشهرستاني (1/122- 125) .

(365)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد، رقم (8) ، والطبري في " التفسير" وعبد الرزاق الخرائطي في مساوئ الأخلاق، كما في حاشية (فضل الله الصمد" (1/59) .

(366)

رغم أنفه: الرغام: التراب، ورغم أنفه: أي لصق بالتراب، والمعنى: ذل وخزي من قصر في برهما عند ذلك، وفاته دخول الجنة.

(367)

رواه مسلم رقم (2551) في الأدب: باب رغم أنف من أدرك أبويه، فلم يدخل الجنة، والبخاري في " الأدب المفرد"(1/86)، والترمذي رقم (3539) في " الدعوات": باب رقم (110) ، وحسنه والإمام أحمد (2/346) .

ص: 164

وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال " (368) .

وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " - ثلثا -، قلنا:" بلى يا رسول الله "، قال:" الإشراك بالله، وعقوق الوالدين "، وكان متكئًا فجلس، فقال:" ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور "، فما زال يقولها حتى قلنا:" لا يسكت "(369)، وفي رواية:" حتى قلنا: ليته سكت "، يعني: قلناها إشفاقًا عليه، لما رأوا من انزعاجه صلى الله عليه وسلم.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

" إن من الكبائر شتم الرجل والديه "، قالوا:(يا رسول الله! وهل يشتم الرجل والديه؟ "، قال: " نعم يسُب أبا الرجل فيسب أباه، ويسُب أمَّه، فيسب أمه " (370) .

(368) رواه من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه البخاري (3/270) في الزكاة ة باب قول الله تعالى: (لا يسألون الناس إلحافا)، وفي الأدب: باب عقوق الوالدين من الكبائر، ومسلم واللفظ له، رقم (953) في الأقضية: باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة.

(369)

رواه البخاري (5/193) في الشهادات: باب ما قيل في شهادة الزور، وفي الأدب: باب عقوق الوالدين من الكبائر، وفي الاستئذان، وفي استتابة المرتدين، ومسلم رقم (87) في الإيمان: باب بيان الكبائر وأكبرها، والترمذي رقم (2302) في الشهادات: باب ما جاء في شهادة الزور.

(370)

رواه البخاري (10/338) في الأدب: باب لا يسب الرجل والديه، ومسلم رقم (90) في الإيمان: باب بيان الكبائر وأكبرها، والترمذي رقم (1903) في البر: باب ما جاء في عقوق الوالدين، وأبو داود رقم (5141) في الأدب: في بر الوالدين.

ص: 165

وقد تقدم أنه كان من أشد ما يؤلم نفسه الكريمة صلى الله عليه وسلم: أن يسمع الرجل يعير الرجل بأمه، وآية ذلك ما حدَث المعرور بن سويد، قال:(رأيت أبا ذر الغفاري، وعليه حُلة، وعلى غلامه حلة، فسألناه عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلا، فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أعيرَته بأمه! إنك امرؤ فيك جاهلية "، ثم قال: " إن خدمكم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليُلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يَغْلِبُهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم " (371) .

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: " من الكبائر عند الله تعالى أن يستسب الرجل لوالده "(372) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " لا تمشين أمام أبيك، ولا تجلس قبله، ولا تَدعُه باسمه، ولا تستسب له) (373) .

(371) تقدم تخريجه برقم (163) .

(372)

رواه البخاري في " الأدب المفرد، رقم (28)، والمعنى: أن يكون سببا لسب الأبوين سواء سب أحدًا أو آذى أحدًا.

(373)

رواه البخاري في " الأدب المفرد " رقم (44) ، وعبد الرزاق في " مصنفه "، والبيهقي، وابن السني مرفوعا رقم (397) .

ص: 166