الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل]
موقف دعاة الإسلام
من قضية المرأة (52)
(والله يقول الحق وهو يهدى السبيل) :
إن دعاة الإسلام يدعون أولًا إلى الرجوع إلى حقيقة الإسلام ثم إلى صورة الإسلام، ثم إنهم يعتقدون أنهم يخاطبون أحد رجلين:
إما كافر مكذب، فمهمتهم الأولى إزاءه دعوته إلى التصديق والإقرار بحقيقة التوحيد والرسالة، وإما مؤمن مصدق فواجبهم نحوه إقامة الدليل على حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم من الكتاب المجيد والسنة المطهرة، وعليه أن يقول حينئذ (سمعنا وأطعنا) ، إنهم لا يحَكمون آراءهم في " قضية المرأة"، ولا في أي قضية قال الله سبحانه فيها قولا، وحكم فيها حكمًا، شعارهم الذي يرفعونه دائمًا قول الله عز وجل:(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) وقوله سبحانه: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا) وقوله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) الآية.
ولذلك تراهم لا يُحَكّمون أهواءهم بل كلام الحكيم الخبير العليم،
(52) استفدت كثيرا من فقراته من كتيب " المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التحرر، للأشقر، بتصرف.
ولا يَحكُمون لصالح الرجل ضد مصلحة المرأة، ولا لمصلحة المرأة ضد مصلحة الرجل، ذلك بأن الله يقول الحق وهو يهدي السبيل، إنه ليس في صالح المرأة ولا في صالح المجتمع أن تحيا مع الرجل حياة مواجهة وصراع، كذلك الذي وقع في أوربا وأمريكا إلى حد أن قامت هناك منظمات رجالية تدافع عن حقوق الرجال ضد تسلط المرأة، إن المرأة إذا سارت في الطريق الذي يريده لها أعداء دينها فلن تكسب شيئًا وستخسر كل شيء، إن الله تبارك وتعالى خلق المرأة للمهمة ذاتها التي خلق من أجلها الرجل، قال تعالى:(وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون) ، وأناط جل جلاله السعادة بتحقيق كل منهما لهذه المهمة، والشقاء بالإعراض عنها، قال جل وعلا:(فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) الآيات.
عبودية هي أعلى مراتب الحرية:
لقد ألزم الإسلام الرجل والمرأة بالعبودية لله وحده في صورة الخضوع لمهجه ودينه، وهذه العبودية هي أرقى مراتب الحرية، فالإنسان من خلال توجهه إلى الله وحده يتحرر من كل سلطان فلا يوجه قلبه، ولا يطأطئ رأسه إلا لخالق السموات والأرض (53) .
والمسلم بالإسلام يتحرر من سيطرة الهوى والشهوة، والسلطان الذي يسيطر عليه إنما هو سلطان الشرع الحنيف، قال تعالى:(وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) .
إذن هي حرية في صورة العبودية، ولا يمكن للبشرية أن تتحرر حقُّا إلا بتحقيق هذه العبودية.
(53) انظر " مجموع الفتاوى " لشيخ الإسلام ابن تيمية (10/593، 598) .
إن الحرية في غير الإسلام تصبح حرية جوفاء لا معنى لها، بل هي العبودية المذلة المهينة، وإن بدت في صورة الحرية، إن الخضوع للطواغيت من الزعماء والرؤساء والمناهج والقوانين والنظم وما تهواه الأنفس بعيدًا عن تشريع الخالق إنما هو عبودية لغير الله وأي عبودية:
هَرَبوا من الرق الذي خلِقُوا له
…
فَبُلُوا بِرِق الكفرِ والشيطانِ
كلانا مظلوم:
إن التشريعات الإسلامية منزهة عن الظلم والإجحاف: (إن الله لا يظلم الناس شيئا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون) ، ولئن ساء وضع المرأة المسلمة في بعض الظروف، فإن السبب الحقيقي لهذا لم يكن التزامها بأحكام الإسلام- حاشا وكلا- بل هو في المقام الأول انحرافها عن الإسلام. وإن الظلم الواقع على المرأة في ديارنا كالظلم الواقع على الرجل سواءً بسواء، ليس سببه الإسلام الذي ندين به، بل سببه البعد عن الإسلام، وفصل الدين الحنيف عن واقع الحياة ونظمها.
لا نسَوغُ الأخطاء:
نحن أيضا لا نسوغ ما حاق فعلًا بالمرأة من ظلم وأوضاع فاسدة، فهناك من يكلفها فوق طاقتها، ولا يرحم ضعفها، هناك الآباء القساة، والأزواج الجهلة الذين يضربون بناتهم وأزواجهم ضرب غرائب الإبل، هناك من يهملون المرأة إهمالًا تامَا، ويهدرون حقوقها، ونحن لا نتعامى عن ذلك، ولكننا نعلم أيضًا أنه مرض من أمراض كثيرة تحيط بالأمة في رجالها ونسائها وأطفالها، ونحمد كل مسعى لإصلاح الفاسد، وتقويم المعوج، ولكن لا نريد علاج الخطأ بخطأ آخر، ولا نريد أن ننتقل من إفراط إلى تفريط،
ومن ضلال إلى ضلال، ورحم الله الإمامَ مالكًا القائل:" لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".
ونحن أيضا حريصون على أن لا نشارك في هذا الظلم فنلقي اللوم كله على المرأة المظلومة أو الجاهلة.. فما أكثر هؤلاء النساء اللائي صُوِّر لهن أن خروجهن للتعليم - بوضعه الجاهلي - والعمل أيا كان نوعه، وأن خروجهن للمحافل والمجتمعات المختلطة واجب شرعي أو مستحب وأنه حق ينبغي لها أن لا تفرط فيه بحال، وأن قرارها في بيتها سجن وقيد وأغلال، وأنه شلل لطاقاتها العظيمة، وأن وظيفتها في هذا العصر صارت خارج البيت لا داخله، وما أكثر دعاوى علماء السوء الذين ضللوا الكثيرات بفتاواهم، وما أكثر النساء الصادقات النية في الالتزام بما يمليه عليهن دينهن لولا تشويش علماء السوء، ولولا قهر الآباء " التقدميين " والأزواج "العصريين"!
ما أكثر المسلمات اللائي أطعن الله ورسوله، وأرضين الله ورسوله فسخط عليهن الآباء أو الأزواج وراحوا يذيقونهن صنوف الأذى والعذاب، فاضطررن اضطرارًا للخضوع لقهرهم وإكراههم، وعسى أن يعذرهن الله عز وجل:
ومن يَأت الأمور على اضطرار
…
فليس كمثل آتيها اختيارا (54)
والحق أن الخطاب ينبغي أن يتوجه في المقام الأول إلى الرجال آباء أو أزواجا، قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارَا وقودها الناس والحجارة) الآية. (سورة التحريم: 6) .
وقال صلى الله عليه وسلم: " كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله، وهو مسئول عن
(54) انظر "القسم الثالث" ص (174-178) .
رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها" (55) الحديث.
شرع الله فوق الأمر الواقع:
[ونحن لا ننكر أن الهوة فسيحة بين ما نحن عليه، وبين ما ينبغي أن نكون عليه، ويخطئ من يعتذر عن هذا بأن خروج المرأة إلى ميادين العمل ومغادرتها حصنها الحصين مخالطةً للرجال قد أصبح أمرًا واقعا وقاعدة مقررة، فلا نملك إلا الخضوع لها، والجريان وراء التيار.
ولكننا نقولها لكل مسلمة ترجو الله واليوم الآخر، وتعلم أنها مسئولة غدَا بين يدي ربها عز وجل: إن هذا الذي يسمى (بالأمر الواقع، سوف يظل في ميزان إسلامنا الحنيف باطلًا منقوضًا مهما طال العهد عليه لأنها سنن الله الكبرى التي لا تتبدل ولا تتحول، والمعاند لها هالك لا محالة، فالحق واحد لا يتغير، ومهما يتقادم العهد على الباطل فسيظل باطلًا، ومهما يجر العمل على غير الحق فسيظل الحق هو هو وإن حاد عنه كل الناس، ثم إنه لا يبقى على توالي الأزمان إلا الحق، لأن الباطل زهوق لا تدوم له دولة، والحق هو الناموس، هو قانون الله الذي لا يتبدل، هو فطرة الله التي فطر عليها الخلق، هو ما ركبه الله سبحانه في طبائع الأشياء حين أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، (ولن تجد لسنة الله تبديلًا) ، ولكن الذي يحول ويزول هو المعاند لسنة الله وفطرته، والذي يعارض الناموس ويخرج
(55) رواه البخاري (13/100) في الأحكام: في فاتحته، وفي الجمعة: باب في القرى والمدن، وفي الاستقراض، والعتق والوصايا، والنكاح، ومسلم رقم (1829) في الإمارة: باب فضيلة الإمام العادل، والترمذي رقم (1705) في الجهاد: باب ما جاء في الإمام، وأبو داود رقم (2928) في الإمارة: باب ما يلزم الإمام من حق الرعية.
على الفطرة كالوعل الأحمق الذي وصفه الأعشى قديمًا حين قال:
كناطِح صخرةً يومًا ليُوهِنَها
…
فلم يَضِرْها وَأوهَى قَرْنَه الوَعْلُ] (56)
(56) حصوننا مهددة من داخلها " للدكتور محمد محمد حسين رحمه الله (ص 132) .