الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل]
بين الترقيع
…
والأصالة
إن "الترقيع" و "التقليد" مرفوضان في طريق الإصلاح الإسلامي، فوضع المرأة الحالي الذي يحاول أن يسَوغَهُ بعضُ المنهزمين بنصوص إسلامية، إنما هو "ترقيع" في أحكام الإسلام التي لا تحتاج إلى عملية "تجميل" ليقبل عليها الناس، لأن هذه الأحكام الربانية السامية تحمل في طياتها جاذبية كامنة تهوى إليها أفئدة المؤمنين والمؤمنات الذين رَضوْا بالله ربُّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولًا.
إن تقليد أغلب المسلمين والمسلمات لغيرهم إنما هو أمارة الانهزام الداخلي الذي ينعكس في هذه التبعية العمياء التي أودت بأصالتهم، وأفقدتهم " العزة الإسلامية"، وجعلتهم يهونون على ربهم، ويهونون على أنفسهم. " ويل للمغلوب من الغالب":
ولله دَر العلامة ابن خلدون رحمه الله إذ عقد فصلًا خاصا في "مقدمته"(39) جعله بعنوان:
"المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده"، وبين فيه أن الذي يقلد غيره إنما هو الضعيف والناقص والمغلوب والجاهل، فقال:
(39)"مقدمة ابن خلدون"، الفصل الثالث والعشرون (ص 147) .
" ولذلك ترى المغلوب يتشبه أبدًا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتخاذها وأشكالها، بل وفي سائر أحواله، وانظر ذلك في الأبناء مع آبائهم كيف تجدهم متشبهين بهم دائما، وما ذلك إلا لاعتقادهم الكمالَ فيهم، حتى إنه إذا كانت أمة تجاور أخرى، ولها الغلب عليها، فيسرى إليهم من هذا التشبه والاقتداء حظ كبير، كما هو في الأندلس لهذا العهد مع أمم الجلالقة أي (الأسبان) ، فإنك تجدهم يتشبهون بهم في ملابسهم وشاراتهم والكثير من عوائدهم وأحْوالهم حتى في رسم التماثيل في الجدران والمصانع والبيوت، حتى لقد يَسْتَشْعِر من ذلك الناظرُ بعين الحكمة أنه من علامات الاستيلاء، فالأمر لله" اهـ.
وصدق ابن خلدون رحمه الله، فلقد توقع استيلاء الإفرنج على الأندلس الإسلامية، وخروج المسلمين منها قبل أن يقع ذلك بنحو مئتي سنة، ولم يكن له دليل على ذلك إِلا مشاهدته تشبه المسلمين بالأعداء في ملابسهم وشاراتهم وعاداتهم وأحوالهم.
إن الاعتزاز بالإسلام، والفخر بأحكامه الإلهية، والاستعلاء بها على كل ما خالفها من نظم ومناهج، هو مفتاح عودتنا إلى الإسلام، وعودة الإسلام إلى حياتنا.
"الإسلام يَعلُو، ولَا يُعلى"(40) :
وتأمل مَعي هذه القصة التي رواها الحاكم من طريق ابن شهاب قال:
(40) أخرجه الدارقطني في " سننه"(395) ، والبيهقي (6/205) ، عن حشرج بن عبد الله بن حشرج حدثني أبي عن جدي عن عائذ بن عمرو المزني أنه جاء يوم الفتح مع أبي سفيان بن حرب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حوله أصحابه، فقالوا:"هذا أبو سفيان، وعائذ بن عمرو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا عائذ بن عمرو، وأبو سفيان، الإسلام أعز من ذلك، الإسلام يعلو، ولا يعلَى"، وحسنه الحافظ في "الفتح" (3/220) ط. السلفية، وقال: (وفي هذه القصة أن للمبدأ به في الذكر تأثيرًا في الفضل، لما يفيده من الاهتمام) اهـ، وقد أراد صلى الله عليه وسلم هنا أن يعلمهم البداءة بذكر المسلم، وانظر: "إرواء الغليل" (5/106 - 109) ، "جامع الأصول" (9/ 604) .
أخرج عمر بن الخطاب إلى الشام، ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فأتوا على مخاضة، وعمر على ناقة، فنزل عنها، وخلع خفيه، فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، أأنت تفعل هذا؟! تخلع نعليك، وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك، وتخوض بها المخاضة؟ ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك! فقال عمر: أوَّه لو يقل ذا غيرُك أبا عبيدة جعلتهُ نكالًا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنا كنا أذلَّ قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله" (41)، وفي رواية:(يا أمير المؤمنين، تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على حالك هذه؟ فقال عمر: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلن نبتغي العز بغيره) .
وهذا ربعي بن عامر يرسله سعد رضي الله عنه قبل القادسية رسولا إلى رستم قائد الجيوش الفارسية وأميرهم، فدخل عليه وقد زينوا مجلسه بالنمارق والزرابي الحرير، وأظهر اليواقيت واللآلي الثمينة العظيمة، وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة، وقد جلس على سرير من ذهب، ودخل ربعي بثياب صفيقة وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه، فقالوا له: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فقال رستم: ائذنوا له، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق عامتها، فقالوا له: ما جاء بكم؟ فقال: (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى
(41) رواه الحاكم (1/61-62)، وقال:"صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، قال الألباني- حفظه الله -:"وهو كما قالا" اهـ. من "الصحيحة" رقم (51) .
عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام) (42) .
(وحينما كانت البعثات الطلابية النصرانية تفد إلى ديار الإسلام وحواضره لتلقي العلم رغما عن رجال الكنيسة كان ذوو هؤلاء الطلاب ورجال الكنائس التي يتبعونها يبذلون كل جهدهم لوضع حواجز نفسية في نفوس هؤلاء الطلاب وعقولهم تحول دون تأثرهم بالفكر الإسلامي وبحياة المسلمين، ولقد بلغ من حرص الكنيسة على هذا أنها أصدرت قرارَا كنسيا تقول فيه: " إن هؤلاء الشبان الرقعاء الذين ييدأون كلامهم بلغات بلادهم، ثم يكملون كلامهم باللغة العربية لنعلم أنهم تعلموا في مدارس المسلمين، هؤلاء إن لم يكفوا عن ذلك فستصدر الكنيسة ضدهم قرارات حرمان. ." وأما اليهود فتلمودهم وشروحه وتعاليم أحبارهم حافلة بكل ما من شأنه إيجاد الحواجز المادية والنفسية بينهم وبين سواهم، ولولا هذه الحواجز- بغض النظر عن خطئهم أو إصابتهم فيها- لذاب اليهود منذ قرون في سواهم من الأمم، ولانتهى وجودهم)(43) .
"موشى ديان".. واعظًا:
(لقى وزير الدفاع الإسرائيلي في إحدى جولاته شابا مؤمنًا في مجموعة من الشباب في حي من أحياء قرية عربية باسلة، فصافحهم بخبث يهودي غادر، غير أن الشاب المؤمن أبى أن يصافحه، وقال له: "أنتم أعداء أمتنا، تحتلون أرضنا، وتسلبون حريتنا، ولكن يوم الخلاص منكم لابد آتٍ
(42)"البداية والنهاية "(7/39) .
(43)
"النهي عن الاستعانة والاستنصار في أمور المسلمين بأهل الذمة والكفار" المقدمة (ص 11) .
بإذن الله، لتتحقق نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم:" لتقاتلن اليهود أنتم شَرْقِي النهر، وهم غَرْبِيه"، فابتسم ديان الماكر، وقال:"حقا! سيأتي يوم نخرج فيه من هذه الأرض، وهذه نبوءة نجد لها في كتبنا أصلا. . . ولكن متى؟ " واستطرد اليهودي الخبيث يقول: "إذا قام فيكم شعب يعتز بتراثه، ويحترم دينه، ويقدر قيمه الحضارية، وإذا قام فينا شعب يرفض تراثه، ويتنكر لتاريخه.. عندها تقوم لكم قائمة، وينتهي حكم إسرائيل ") (44) .
(44) "فصل الدين عن الدولة ضلالة مستوردة، للأستاذ يوسف العظم (ص 70- 71) .