المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: حقوق الزوج على زوجته - عودة الحجاب - جـ ٢

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الخامسة

- ‌ الباب الأول *

- ‌تمهيد

- ‌[فصل]المرأةسلاح ذو حدين

- ‌[فصل]القضية الأمالقرآن والسلطان

- ‌[فصل]بين الترقيع…والأصالة

- ‌[فصل]وضع المرأة ومسئولية الولاة

- ‌[فصل]موقف دعاة الإسلاممن قضية المرأة (52)

- ‌الباب الثانيإهانة الجاهلية للمرأة

- ‌[الفصل الأول]المرأة عند الآخرين (57)

- ‌[الفصل الثاني]المرأة عند العرب في الجاهلية

- ‌الباب الثالثشمس الإسلامتشرق على المرأة

- ‌[الفصل الأول]

- ‌مظاهر تكريم الإسلام للمرأة

- ‌[فصل]دحض بدعة المساواة المطلقةبين الرجل والمرأة

- ‌[فصل]الفروق بين الرجل والمرأة

- ‌مسألة: هل يجب تسوية الوالدينبين أولادهم الذكور والإناث في الهبة

- ‌عود على بدء

- ‌[الفصل الثاني]المرأة أُمًّا

- ‌[فصل]بر الوالدين بعد موتهما

- ‌[فصل]من مواقف الأم المسلمة

- ‌[فصل]الأم المسلمة وراء هؤلاء العظماء

- ‌[الفصل الثالث]المرأة بنتًا

- ‌[الفصل الرابع]المرأة زوجة

- ‌[فصل]الكفاءة في الزواج

- ‌فصلنص القرآن الكريم على تحريم نكاح الزانية

- ‌فصلوأما الأدلة على عدم اعتبار المال في الكفاءة:

- ‌فوائد

- ‌[فصل]الزوجيةبين الحقوق والواجبات والآداب

- ‌أولا: الحقوق والآداب المشتركة بين الزوجين

- ‌من مواقف الزوجة المسلمة

- ‌تنبيهات

- ‌ثانيا: حقوق الزوجة على زوجها

- ‌(أ) الحقوق المادية

- ‌(ب) الحقوق الأدبية

- ‌[فصل]لا نكاح إلا بولي

- ‌تنبيهات متفرقة

- ‌عود على بدءمن حقوق المرأة على زوجها

- ‌[فصل]مسئولية الرجل عن حماية الأسرة (915)

- ‌ثالثًا: حقوق الزوج على زوجته

- ‌[فصل] (1220)في علاقة الابن بوالديه بعد الزواجوعلاقة الحماة بالكَنَّة (1221)

- ‌[فصل]وفاؤها لزوجها

- ‌[الفصل الخامس]المرأة مؤمنةً مجاهدةً صابرةً

- ‌[الفصل السادس]المرأة عالِمةً

- ‌[فصل]صور من سيرة المسلمة العالمة

- ‌[الفصل السابع]المرأةُ…عابدةً

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌ثالثا: حقوق الزوج على زوجته

‌ثالثًا: حقوق الزوج على زوجته

" كن نساء المدينة إذا أردن أن يبنين بامرأة

على زوجها، بدأن بعائشة، فأدخلنها عليها،

فتضع يدها على رأسها، تدعو لها، وتأمرها

بتقوى الله، وحق الزوج " (1039) أم حُمَيد

أوجب الله سبحانه وتعالى على الزوجة حقوقًا تجاه زوجها، وألزمها بواجبات إزاء بيتها وأولادها، لكي تستقيم الحياة، وتسعد الأسرة نفصلُها فيما يلي:

1-

وجوب طاعة المرأة زوجها في المعروف:

على المرأة خاصة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به في حدود استطاعتها، وهذه الطاعة أمر طبيعي تقتضيه الحياة المشتركة بين الزوج والزوجة، ولا شك أن طاعة المرأة لزوجها يحفظ كيان الأسرة من التصدع والانهيار، وتبعث إلى محبة الزوج القلبية لزوجته، وتعمق رابطة التآلف والمودة بين أعضاء الأسرة، وتقضي على آفة الجدل والعناد التي تؤدى في الغالب إلى المنازعة، وتعطي الرجل أحقية القِوامة، ورعاية الأسرة بما وهبه الله من خصائص القوة والتعقل، وبما كلفه به من مسؤولية الإنفاق، فإن هذا مما فضل الله به الرجال على النساء، كما في قوله تعالى:(الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات) أي مطيعات لأزواجهن (حافظات للغيب بما حفظ الله)(النساء: 34) .

(1039) رواه ابن أبي شيبة في " المصنف"(4/305 - 306) .

ص: 441

وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة مؤكدة لهذا المعنى، ومبينة بوضوح ما للمرأة وما عليها إذا هي أطاعت زوجها أو عصته: منها: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: (قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " أي النساء خير؟ "، قال: " التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره ")(1040) .

ومنها: ما رواه حصين بن مُحصِن قال: (حدثتني عمتي قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الحاجة، فقال: " أي هذه! أذات بعل؟ " قلت: " نعم "، قال: " كيف أنتِ له؟ ". قالت: " ما آلوه (1041) ؛ إلا ما عجزتُ عنه "، قال: " فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك " (1042) ، فالزوج هو باب للمرأة إما إلى الجنة في حالة رضاه عنها، أو للنار عند سخطه عليها بالحق، والطاعة لا تكون إلا بالمعروف، أما إذا أمرها بمعصية فلا سمع حينذاك ولا طاعة، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " (1043) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" ولو دعاها الزوج إلى معصية، فعليها أن تمتنع، فإن أدبها على

(1040) رواه النسائي، والحاكم (2/161) ، والإمام أحمد (2/251، 432، 438) ، والبيهقي (7/82)، وقال الحاكم:" صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي، وقال الحافظ العراقي:" سنده صحيح "(1/715) ، وحسنه الألباني في "الصحيحة" رقم (1838)، وانظر:"عشرة النساء" للنسائي ص (106) .

(1041)

ما آلوه: أي لا أقصر في طاعته وخدمته.

(1042)

رواه ابن أبي شيبة (4/304) ، وابن سعد (8/459) ، والإمام أحمد (4/341) ، (6/419) ، والحاكم (2/189) ، والبيهقي (7/291) ، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال المنذري:"رواه أحمد والنسائي بإسنادين جيدين"(3/74) . (1043) تقدم تخريجه برقم (638) .

ص: 442

ذلك، كان الإثم عليه " (1044) اهـ.

وفي الحديث التالي - إن صح - جَعَل رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة المرأة زوجها أولى الخصال التي تستحق بها المرأة أن توصف بالصلاح:

فمما يُروى عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول:

" ما استفاد المؤمن - بعد تقوى الله عز وجل خيرًا له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإِن أقسم عليها أبرَّته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله "(1045) .

ولعظم حق الزوج أضاف صلى الله عليه وسلم طاعة الزوج إلى مباني الإسلام كما في الحديث التالي:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا صلت المرأة خَمْسَها، وصامت شهرها، وحصَّنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئتِ) (1046) .

فالزوج أولى الناس بالمرأة، ومكانته بالنسبة إليها عالية مقدسة لا يبلغها أحد من أقاربها أبدًا.

(1044)" فتح الباري"(9/304) .

(1045)

رواه ابن ماجه رقم (1857) في النكاح: باب أفضل النساء، وضعفه الألباني في " المشكاة" رقم (3095) ، وانظرا " الصحيحة" المجلد الثالث ص (455)، وانظر:" فيض القدير"(5/419) .

(1046)

رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ابن حبان رقم (1296 - موارد) ، وأحمد رقم (1661) عن عبد الرحمن بن عوف، وأبو نعيم (6/308) عن أنس بن مالك، وقال الألباني:(حديث حسن أو صحيح، له طرق) انظر: " آداب الزفاف " ص (286) .

ص: 443

ولما كانت الصلاة أسمى أنواع العبادات، والسجود فيها ذروتها، فقد اعتبر الشرع مكانة الزوج بالنسبة لزوجته أنها بمستوى سجودها له، وكاد أن يأمرها بالسجود له لولا أنه لا ينبغي السجود لغير الله سبحانه وتعالى. (وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطًا من حوائط الأنصار، فإذا فيه جملان يضربان ويرعدان، فاقترب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما، فوضعا جرَانهما (1047) بالأرض، فقال من معه:" نسجد لك؟ " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد، ولو كان أحد ينبغي له أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، لما عظم الله عليها من حقه "(1048)، وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " قال:" لو كنت آمِرًا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها، حتى تؤدي حق زوجها كلَّه، حتى لو سألها نفسها وهي على قَتَب لم تمنعه "(1049) .

(1047) الجرَان: باطن العتق، أي أنهما بركا ومدا عنقهما على الأرض. " النهاية"(1/263) .

(1048)

أخرجه الترمذي (1/217) ، وابن حبان (1291 - موارد) - واللفظ له - والبيهقي (7/ 291)، وقال الترمذي:" حسن غريب "، وقال الألباني:" وهو كما قال "، انظر:" الإرواء "(7/54) .

(1049)

وسبب ورود هذا الحديث أن (معاذًا رضي الله عنه لما قدم من الشام، سجد للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: " ما هذا يا معاذ؟ ! " قال: " أتيت الشام فوافيتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فلا تفعلوا، فإني لو كنت آمرًا.. " فذكر الحديث، أخرجه الإمام أحمد (4/381) ، وابن ماجه (1853)(1/570) ، وابن حبان (1290 - موارد) ، والبيهقي (7/292) ، وحسنه الألباني في " صحيح الجامع"(5/69) ، وراجع الحاشية رقم (627) .

وقال ابن الأثير في " النهاية": (القَتَب للجمل كالإكاف لغيره، ومعناه - أي الحديث - الحث لهن على مطاوعة أزواجهن، وأنه لا يَسَعُهُن الامتناع في هذه =

ص: 444

وعن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يصلح لبشرٍ أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها "(1050) .

إن المرأة المسلمة حين تطيع زوجها تكون في طاعة لله، وهي بذلك مأجورة، ولا سيما عندما تكون الطاعة فيما لا توافق عليه، بل إن الطاعة لتتجلى في طاعته فيما تكره، أكثر مما تتجلى في طاعته فيما تحب، إن طاعته في قبول الجواهر النفيسة ليست كطاعته في تنفيذ أمر لا تريده، وكمال الطاعة يتحقق في أن تؤدي الأمر بكل سرور ورضى، أما إذا أذا أدته متبرمة متأففة، يعلو وجهَها العبوسُ وأماراتُ الكراهية والضيق، فإن هذه الطاعة كعدمها، إن إظهارها الرضى والسرور، وإشعار نفسها وزوجها بالقناعة مما يخفف عليها تنفيذ ما تكره (1051) .

وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب المرأة في طاعة زوجها، حتى فيما لم يتبين لها فيه المنفعة، أو ما قد تخالف فيه رأي زوجها تقربًا إلى الله ببره ومرضاته:

= الحال، فكيف في غيرها؟

وقيل: إن نساء العرب كُن إذا أردن الولادة جلسن على قتب، ويقال: إنه أسلس لخروج الولد، فأرادت تلك الحالة.

قال أبو عبيد: كنا نرى أن المعنى: وهي تسير على ظهر البعير، فجاء التفسير بغير ذلك) اهـ (4/11) .

(1050)

أخرجه الإمام أحمد (3/158)، وكذا البزار كما في " مجمع الزوائد" (9/4) وقال:" ورجاله رجال الصحيح غير حفص بن أخي أنس، وهو ثقة " اهـ، وقال المنذري:" رواه أحمد بإسناد جيد، رواته ثقات مشهورون، والبزار بنحوه "، وانظر:" الإرواء"(7/55) .

(1051)

انظر: " نظرات في الأسرة المسلمة" ص (96) .

ص: 445

فقد رُوي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أن رجلا أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، أو من جبل أسود إلى جبل أحمر لكان نَوْلها (1052) أن تفعل "(1053) .

وعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (أتى رجل بابنته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " إن ابنتي هذه أبت أن تتزوج "، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أطيعي أباك "، فقالت: " والذي بعثك بالحق، لا أتزوج حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته؟ "، قال: " حق الزوج على زوجته أن لو كانت به قَرْحَة فَلَحَسَتْها، أو انتثر مِنْخَراه صديدًا أو دما، ثم ابتلعته، ما أدَت حقه "، قالت: " والذي بعثك بالحق لا أتزوج أبدا " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تنكحوهن إلا بإذنهن " (1054) .

(1052) نوْلَها: أي حقها، والذي ينبغي لها، وقوله:(من جبل أحمر إلى جبل أسود) الحديث، يعني أحجارَ هذا إلى ذلك، مع أنه أمر شاق، وقد يكون عبثا، وتخصيص اللونين تتميم للمبالغة، لأنه لا يكاد يوجد أحدهما بقرب الآخر، وانظر " المرقاة "(3/471) .

(1053)

أخرجه ابن ماجه رقم (1852) ، وابن أبي شيبة (4/306) ، والإمام أحمد (6/76) ، من طريق علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، كما في "التقريب" (2/37) وقال البوصيري في " زوائده ":(هذا إسناد ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان،.. وله شاهد من حديث طلق بن علي رواه الترمذي والنسائي، ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث أم سلمة) اهـ. (2/67) ، والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(5/40) .

(1054)

رواه الحاكم (2/189) مختصرا ولفظه: " حق الزوج على زوجته أن لو كانت به قُرحْة، فلحستها ما أدت حقه "، وصححه، وقال الذهبي في " التلخيص":" بل منكر"، ابن حبان (1289 - موارد) - واللفظ له - وابن أبي شيبة (4/303) ، والدارقطني (3/237) ، والبيهقي (7/291)، وقال العلامة أبو الطيب شمس الحق في " التعليق المغني": (رواه البزار بإسناد جيد، ورواته =

ص: 446

وعن معاذ رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو تعلم المرأة حق الزوج، لم تقعُد ما حضر غداؤه وعشاؤه؛ حتى يفرغ منه "(1055) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (يا معشر النساء! لو تعلمن حق أزواجكن عليكن لجعلت المرأة منكن تمسح الغبار عن وجه زوجها بنَحر وجهها)(1056) .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرًا: رجل أمَّ قومًا وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان)(1057) .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: (اثنان لا تجاوز صلاتهما رءوسهما: عبد أبق من مواليه حتى يرجع إليهم، وامرأة عصت زوجها حتى ترجع)(1058) .

= ثقات مشهورون) اهـ. (3/237) ، وصحح الألباني لفظ الحاكم في "صحيح الجامع"(3/92) .

(1055)

عزاه الهيثمي في " المجمع" إلى الطبراني في "الكبير"، وقال:" وفيه عبيدة بن سليمان الأغر، لم أعرف لأبيه من معاذ سماعًا، وبقية رجاله ثقات" اهـ.

(4/309) ، والحديث صححه الألباني في " صحيح الجامع"(5/61) .

(1056)

رواه ابن أبي شيبة (4/305) ، والنحر هنا بمعنى القطعة، وقد ذكره ابن الجوزي في " أحكام النساء" ص (72) بلفظ:(عن قدمي زوجها بحر وجهها) .

(1057)

رواه ابن ماجه رقم (971) ، واللفظ له، وابن حبان (377)، وقال البوصيرى في " الزوائد" (1/330) :" هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات "، ويشهد له حديث أبي أمامة الذي أخرجه بنحوه الترمذي (2/193) حديث رقم (360)، وقال:(حسن غريب) .

(1058)

أخرجه الحاكم (4/173) وسكت عنه هو والذهبي، والطبراني في "الصغير"(1/172)، وقال المنذري:" إسناده جيد"(3/79)، وقال الهيثمي:(رواه الطبراني في " الصغير" و " الأوسط "، ورجاله ثقات)"المجمع"(4/313) ، =

ص: 447

فلتحذر المسلمة المؤمنة أن تكون من أولئك النساء المولعات بمخالفة أزواجهن، فلا تؤمر الواحدة منهن بشيء إلا سارعت إلى مخالفته حتى ولو كان فيه مصلحتها، إن هؤلاء يقعن في سخط الله، ويعرضن حياتهن للدمار، وتدعو عليهن الحور العين:

فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعًا: (لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلكِ الله، فإنما هو عندك دخيل (1059) يوشك أن يفارقك إلينا) (1060) .

وإن الإصرار على مخالفة الزوج يوغر صدره، ويجرح كرامته، ويسيء إلى قوامته، فيبادلها ذلك ممانعة لما تحب، ومخالفة لما ترغب. قال الشنفري الشاعر الجاهلي الصعلوك مخاطبا زوجته:

إذا ما جئتِ ما أنهاكِ عنه

ولم أنكر عليكِ فَطَلقيني

فأنت البعلُ يومئذ فقومي

بسوطك - لا أبا لَكِ - فاضربيني

ومن أخلاق المرأة الصالحة أنها تبادر إلى إرضاء زوجها إذا غضب، ولا تنتظر أن يبدأ هو بذلك:

ومنها: عن ابن عباس مرفوعًا: (ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة؟ النبي في الجنة، والصِّدِّيق في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر، لا يزوره إلا لله عز وجل، ونساؤكم من أهل الجنة الودود (1061) ........................................

= والحديث حسنه الألباني في " الصحيحة" رقم (288) .

(1059)

الدخيل: الضيف، والنزيل.

(1060)

تقدم تخريجه برقم (629) .

(1061)

الودود: التي تتودد إلى زوجها، وقد وصف تعالى الحور العين في سورة الواقعة بأنهن " عُرُب" جمع "عَرُوب" وهي المرأة المتحببة إلى زوجها.

ص: 448

الولود (1062) العؤود على زوجها (1063)، التي إذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها وتقول: لا أذوق غُمْضًا حتى ترضى ") (1064) .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أخبركم بنسائكم في الجنة "؟ قلنا: " بلى يا رسول الله "، قال: " ودود ولود، إذا غضبت أو أسيء إليها، أو غضب زوجها قالت: هذه يدي في يدك، لا أكتحلُ بغُمْض - أي لا أنام - حتى ترضى ")(1065) .

أما الفتاة الدَّيِّنة ذات الزوج المتدين القابض على دينه فهي أولى وأولى بأن ترفق بزوجها، ولا تجمع عليه النكد والشقاء في البيت، مع ما يلقى من أعداء الله، وخصوم الدعوة في خارج البيت، وهناك حديث غير قوي وإن كان معناه صحيحًا (1066) يبشرها إن هي أحسنت قيامها بحقوق زوجها بثواب يعدل ثواب الجهاد والفوز بالشهادة في سبيل الله بالنسبة للرجال: وهو ما رُوِى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة إلى

= الولود: ليست بعقيم بل هي كثيرة الولادة، ويعرف في البكر بأقاربها.

(1063)

وفي لفظ: (قالت: هذه يدي في يدك) أمدها لمصالحتك (لا أكتحل بغمض) أي لا أنام حتى يذهب ما بيننا من خصام، ومعنى هذا أنها سهلة الخلق، لينة العريكة، إذا غضبت لم يطل غضبها، بل تسرع بالرجوع إلى مألوف عادتها - انظر" تمام المنة " لعبد الله بن محمد بن الصديق ص (171-173) .

(1064)

رواه بنحوه النسائي في "عشرة النساء" رقم (257) ، وذكر الألباني له شواهد يتقوى بها، فانظر:"الصحيحة" رقم (287) ، و "مجمع الزوائد "(8/174) ، و "المعجم الكبير" للطبراني (19/140) ، و "الصغير"(1/47) . (1065) أخرجه الطبراني في "الصغير "، و " الأوسط "، وقال المنذري في الترغيب ":" ورواته محتج بهم في الصحيح إلا إبراهيم بن زياد القرشي، فإني لم أقف له على جرح ولا تعديل، وقد روى هذا المتن من حديث ابن عباس وكعب بن عجرة وغيرهما) اهـ. (3/77) ، وقال " الألباني في "الصحيحة " تحقيق رقم (287) : " لا بأس به في الشواهد، والله أعلم) اهـ.

(1066)

انظر: " نظرات في الأسرة المسلمة " للدكتور محمد الصباغ حفظه الله ص (97) .

ص: 449

النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: " يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال، فإن أصيبوا أجروا، وإن قُتلوا كانوا أحياءً عند ربهم يرزقون، ونحن معشر النساء نقوم عليهم، فما لنا من ذلك؟ "، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبلغي من لَقِيتِ من النساء أن طاعة الزوج واعترافًا بحقه يعدل ذلك، وقليل منكن من يفعله) (1067) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معلقًا على هذا الحديث: (أي أن المرأة إذا أحسنت معاشرة بعلها كان ذلك موجبًا لرضاء الله وإكرامه لها، من غير أن تعمل ما يختص بالرجال، والله أعلم)(1068) اهـ.

قال فضيلة الدكتور محمد بن لطفي الصباغ حفظه الله معلقًا على مبدأ طاعة الزوج فيما لا معصية فيه: (وهذا أمر طبيعي، فإن كان الزواج شركة، وكان الرجل هو صاحب القوامة، فلابد من طاعته فيما يأمر وينهى في حدود الشرع، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

قد شاعت بين عدد من المثقفات فكرة خاطئة، وهي أن مساواة الرجل بالمرأة تقتضي تحررها نهائيا من طاعته، وهي غلط في مقدمتها ونتيجتها، فمساواة المرأة بالرجل خديعة أطلقها ناس وهم لا يصدقونها، لأن الواقع لا يصدقها، ولو كان ذلك صحيحا، فليس من الضروري أن يترتب عليها عدم الطاعة، لأن طاعة الرئيس لا تعني عدم المساواة بينه وبين مرؤوسيه، وهذه الفكرة هي السبب في هدم بنيان كثير من الأسر اليوم.

إن الحياة المشتركة ينبغي أن تكون مبنية على التفاهم والتحاور

(1067) رواه البزار (1474 - كشف الأستار) ، وزاد في " الترغيب " عزوه إلى الطبراني (3/53) ، وزاد في " الدر المنثور" عزوه إلى عبد الرزاق (2/152)، وقال في " مجمع الزوائد" (4/308) :(فيه رشدين بن كريب، وهو ضعيف) اهـ.

(1068)

"مجموع الفتاوى"(32/275) .

ص: 450

والتشاور، ولكن القوامة ينبغي أن تكون للرجل كما قال ربنا تبارك وتعالى:(الرجال قوامون على النساء) .

وهناك حقيقة لابد أن تعلمها الزوجة المثقفة، وأن تتذكرها دائمًا، وهي أن الرجل السوي لا يحب المرأة المسترجلة التي ترفع صوتها فوق صوته، والتي تشاجره في كل أمر، وتخالفه في كل رغبة، وتسارع إلى رَد رأيه أو ما يقول، إن هذا الرجل - إن لم يطلقها- عاش معها كئيبًا عابسًا كارها، فتكون بذلك قد حرمت نفسها رؤية البهجة المرحة في وجه زوجها ومعاملته، وحرمت بيتها التمتع بالحنان الدافئ.. وهى الخاسرة سواء شُرِّدَ أولادها بالطلاق، وتحطمت نفسيتها بالترمُّل، أم بقيت في بيتٍ تعلوه سحب المصادمات اليومية، والحرائق النزاعية.

إن الزوجة الذكية هي التي لا تتخلى عن طبيعتها الرقيقة الهادئة الطيبة، إنها كما صورها الحديث الشريف راعية في بيت زوجها، تصونه، وترعاه، إذا نظر إليها زوجها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته فِى نفسها وماله) (1069) اهـ.

تنبيه: حق الزوج عل المرأة أعظم من حق والديها:

يروَى عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ " قال: " زوجها"، قلت: " فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟ " قال: " أمه ")(1070) .

(1069)"نظرات في الأسرة المسلمة" ص (71-72) .

(1070)

رواه الحاكم (4/150) ، (4/175)، وقال:(هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه "، وقال المنذري في "الترغيب": (رواه البزار والحاكم، وإسناد البزار حسن) اهـ. (3/53) ، والحديث ضعفه الألباني في " ضعيف الجامع"

(1/304)، وانظر:" مجمع الزوائد"(4/308) .

ص: 451

وقد تقدم خبر (1071) الثلاثة الذين (آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدَت عليهم الغار، فقالوا: " إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم، قال رجل منهم: " اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبِقُ (1072) قبلهما أهلًا ولا مالًا، فنأى بي طلب الشجر يومًا) الحديث، والشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك في مقام الثناء على هذا الرجل ببر والديه، وتقديم حقهما والإحسان إليهما على الزوجة والأبناء لا سيما عند التعارض، والله أعلم.

وقد تقدم من بيان أدلة عظم حق الوالدين ما فيه كفاية، أما عظم حق الزوج على زوجته، وأولويته على حق والديها لا سيما إذا وقع بينهما تعارض، فقد بينه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فقال:(قوله: (فالصالحات قانتات، حافظات للغيب بما حفظ الله) يقتضي وجوب طاعتها لزوجها مطلقًا: من خدمة، وسفر معه، وتمكين له، وغير ذلك كما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث " الجبل الأحمر " وفي " السجود" وغير ذلك؛ تجب طاعة الأبوين؛ فإن كل طاعة كانت للوالدين انتقلت إلى الزوج؛ ولم يبق للأبوين عليها طاعة: تلك وجبت بالأرحام، وهذه وجبت بالعهود) (1073) اهـ.

وقال شيخ الإسلام أيضًا: (وليس على المرأة بعد حق الله ورسوله أوجب من حق الزوج)(1074) اهـ.

وقال رحمه الله في موضع آخر: (

فالمرأة عند زوجها تشبه الرقيق

(1071) تقدم تخريجه برقم (395) .

(1072)

أي لا أقدم في الشرب قبلهما أهلا، ولا مالا من رقيق وخادم، و"الغبوق" شرب العشي.

(1073)

"مجموع الفتاوى"(32/260-261) .

(1074)

"السابق"(32/275) .

ص: 452

والأسير، فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه، سواء أمرها أبوها أو أمها أو غير أبويها باتفاق الأئمة.

وإذا أراد الرجل أن ينتقل بها إلى مكان آخر مع قيامه بما يجب عليه وحفظ حدود الله فيها، ونهاها أبوها عن طاعته في ذلك: فعليها أن تطيع زوجها دون أبويها؛ فإن الأبوين هما ظالمان؛ ليس لهما أن ينهياها عن طاعة مثل هذا الزوج، وليس لها أن تطيع أمها فيما تأمرها به من الاختلاع منه أو مضاجرته حتى يطلقها: مثل أن تطالبه من النفقة والكسوة والصداق بما تطلبه ليطلقها، فلا يحل لها أن تطيع واحدا من أبويها في طلاقه إذا كان متقيًا لله فيها، ففي السنن الأربعة، وصحيح ابن أبي حاتم عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس (1075) فحرام عليها رائحة الجنة "(1076)، وفي حديث آخر:" المختلعات والمنتزعات هن المنافقات "(1077) ، وأما إذا أمرها أبواها أو أحدهما بما فيه

(1075) أي من غير حالة شدة تدعوها، وتلجئها إلى المفارقة، كأن تخاف أن لا تقيم حدود الله فيما يجب عليها من حسن الصحبة، وجميل العشرة، لكراهتها له، أو بأن يضارها لتختلع منه- انظر:" فيض القدير "(3/138) .

(1076)

رواه الترمذي رقم (1186) ، (1187)، في الطلاق: باب ما جاء في المختلعات، وقال الترمذي:" هذا حديث حسن"، وأبو داود رقم (2226) في الطلاق: باب في الخلع، وابن ماجه رقم (2055) ، والإمام أحمد (5/277) ، والدارمي (2/ 162) ، وابن حبان (1320) ، والبيهقي (7/316) ، وابن أبي شيبة (5/271) ، والحاكم (2/200)، وقال:" صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حجر، وابن خزيمة كما في " فيض القدير"(3/138) ، وصححه الألباني في " الإرواء"(7/100) .

(1077)

رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه النسائي (6/186) في الطلاق: باب ما جاء في الخلع، والإمام أحمد (2/414) ، وهو من القليل الذي سمعه الحسن من أبي هريرة رضي الله عنه، وقد صححه الألباني في " الصحيحة" رقم (632) وذكر له شواهد، و" المنتزعات" اللاتي ينتزعن أنفسهن بمالِهن من كنف =

ص: 453

طاعة الله: مثل المحافظة على الصلوات، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، ونهياها عن تبذير مالها وإضاعته، ونحو ذلك مما أمر الله ورسوله أو نهاها الله ورسوله عنه: فعليها أن تطيعهما في ذلك، ولو كان الأمر من غير أبويها، فكيف إذا كان من أبويها؟ !

وإذا نهاها الزوج عما أمر الله، أو أمرها بما نهى الله عنه: لم يكن لها أن تطيعه في ذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "(1078) ، بل المالك لو أمر مملوكه بما فيه معصية لله لم يجز له أن يطيعه في معصيته، فكيف يجوز أن تطيع المرأة زوجها أو أحد أبويها في معصية؟ ! فإن الخير كله في طاعة الله ورسوله، والشر كله في معصية الله ورسوله) (1079) اهـ.

2-

ومن حق الزوج: أن يلي تأديبها- بشروطه- إذا كانت ناشزًا: قال الله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا إن الله كان عليًّا كبيرًا)(النساء: 34) .

ومن هذه الآية الكريمة تستنبط فوائد عظيمة:

الأولى: بدأ تبارك وتعالى هذه الآية بقوله عز وجل: (الرجال

= أزواجهن عن غير رضى منهم، وقوله:" هن المنافقات": أي أنها كالمنافقات في أنها لا تستحق دخول الجنة مع من يدخلها أولا، والله تعالى أعلم.

(1078)

تقدم تخريجه برقم (638) .

(1079)

" مجموع الفتاوى"(32/263 -264) .

ص: 454

قوَّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) الآية.

فأفادت أن للزوج الحقَّ في تأديب زوجته عند عصيانها أمره، ونشوزها عليه، تأديبًا يراعى فيه التدرج، الذي قد يصل إلى الضرب بشروطه، قال القرطبي رحمه الله في " تفسيره":

"اعلم أن الله عز وجل لم يأمر في شيء من كتابه بالضرب صُراحًا إلا هنا وفي الحدود العظام؛ فساوى معصيتهن أزواجهن بمعصية الكبائر، وولى الأزواج ذلك دون الأئمة، وجعله لهم دون القُضاة بغير شهود ولا بينات ائتمانًا من الله تعالى للأزواج على النساء.. "(1080) اهـ.

الثانية: ثم ثنى تبارك وتعالى بذكر حال النساء الصالحات، فقال عز من قائل:(فالصالحات قانتات) أي مطيعات لله ثم لأزواجهن (حافظات للغيب بما حفظ الله) فالمرأة الصالحة تؤدى حقوق زوجها التي أعلاها طاعته في المعروف، ولذا فهي لا تحتاج إلى تأديب (1081) ، وأما غير الصالحة التي تخل بحقوق الزوجية، وتعصي زوجها فهي التي تحتاج إلى تأديب.

الثالثة: ثم ثلث سبحانه بذكر علاج المرأة الناشز العاصية المتمردة المترفعة على زوجها فقال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن) قال ابن عباس: تخافون بمعنى تعلمون وتتيقنون، وقيل: هو على بابه، فعليه يُشرع في التأديب إذا ظهرت أمارات النشوز بالفعل أو القول.

والنشوز: العصيان؛ مأخوذ من النَّشز، وهو ما ارتفع من الأرض، فالمعنى: أي تخافون عصيانهن وتعاليهن عما أوجب الله عليهن من طاعة

(1080)"الجامع لأحكام القرآن"(5/173) .

(1081)

وفي مثلها يقال:

رأيت رجالًا يضربون نساءهم

فشُلت يميني حين أضرب زينبا

ص: 455

الأزواج، وقال ابن فارس: ونشزت المرأة استصعبت على بعلها (1082) .

ومن أمثلة النشوز: امتناعها منه لغير عذر شرعي، أو خروجها من المنزل بغير إذنه، لا إلى القاضي لطلب الحق منه، أو أن تدخل بيته من يكره دخوله (1083) .

الرابعة: اختلف أهل العلم في العقوبات الواردة في هذه الآية الكريمة: هل هي مشروعة على الترتيب أم لا؟

ومنشأ الخلاف اختلافهم في " الواو " العاطفة هل هي لمطلق الجمع وعليه فللزوج أن يقتصر على إحدى العقوبات أيا كانت، وله أن يجمع بينهما- أم أنها تقتضي وجوب الترتيب الذي ورد في الآية؟

وتوسط قوم فقالوا: إنه وإن كان ظاهر العطف في الواو يدل على مطلق الجمع، لكن المراد منه الجمع على سبيل الترتيب لظاهر اللفظ، وذلك أن سياق الآية فيه الترقي والتدرج في التأديب: قال الإمام القاضي أبو بكر ابن العربي رحمه الله تعالى:

(من أحسن ما سمعت في تفسير هذه الآية قول سعيد بن جبير، فقد قال: " يعظها، فإن هي قبلت وإلَّا هجرها، فإن هي قبلت وإلا ضربها، فإن هي قبلت وإلا بعث حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها، فينظران ممن الضرر، وعند ذلك يكون الخلع " (1084) اهـ.

(1082) انظر: " السابق"(5/170- 171) .

(1083)

" السابق"(5/172-173)، ومن صور النشوز ما ذكره شيخ الإسلام النووي رحمه الله حيث قال في:" روضة الطالبين": (فمنه الخروج من المسكن، والامتناع من مساكنته، ومنع الاستمتاع بحيث يحتاج في ردها إلى الطاعة إلى تعب، ولا أثر لامتناع الدلال) اهـ. (7/369) .

(1084)

" أحكام القرآن"(1/420) .

ص: 456

الخامسة: مراتب التأديب:

إذا ظهرت أمارات النشوز، فليبدأ الزوج بالتأديب على النحو التالي: المرتبة الأولى: الوعظ بلا هجر ولا ضرب، لقوله تعالى:

(فعظوهن) : أي بكتاب الله؛ فذكروهن ما أوجب الله عيهن من حسن الصحبة، وجميل العشرة للزوج، والاعتراف بالدرجة التي له عليها، وبأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعظيم حق الزوج على زوجته، ووجوب طاعته في المعروف (1085)، ويقول لها برفق ولين:" كوني من الصالحات القانتات الحافظات للغيب، ولا تكوني من كذا وكذا "، ويذكرها بالموت، والقبر، والدار الآخرة، ويوم الحساب، ويبين لها أن النشوز يستوجب الترقي إلى عقوبة أعلى، ويسقط النفقة، والقَسْمَ مع ضرائرها، فلعلها بعد ذلك أن تبدي عذرًا، أو تتوب عما وقع منها بغير عذر.

فإن لم ينفع الوعظ والتذكير بالرفق واللين، فلينتقل إلى:

المرتبة الثانية: وهي الهجر في المضجع، لقوله تعالى:(واهجروهن في المضاجع) وذلك بأن يوليها ظهره في المضجع، أو ينفرد عنها بالفراش، ويجوز أيضًا أن يهجرها خارج البيت، وقوله تعالى هنا:(واهجروهن في المضاجع) مطلق، ولم يثبت دليل في تقييده، لكن صَح أن النبي صلى الله عليه وسلم هجر نساءه، واعتزلهن شهرًا (1086) .

(1085) وقد قدمنا جملة صالحة منها في الأرقام من (1040) إلى (1067) .

(1086)

وذلك فيما أخرجه البخاري في كتاب النكاح: باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن، (9/300)، وقد تقدم حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال:" أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، لا تقبح الوجه، ولا تضرب - أي الوجه -، ولا تهجر إلا في البيت "، وهذا الحصر في حديث معاوية غير معمول به كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (والجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف =

ص: 457

لكن ينبغي ألا يبلغ بالهجر في المضجع أربعة أشهر وهي المدة التي ضرب الله أجلًا عُذْرًا للمُولِي (1087) ، وينبغي أن يقصد من الهجر التأديب والاستصلاح لا التشفي والانتقام والمضارة لذاتها، ولا يهجرها في الكلام أكثر من ثلاثة أيام لقَول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث "(1088) الحديث، إلا لعذر شرعي (1089) .

المرتبة الثالثة: وهي الضرب غير المخوف، لقوله تعالى:(واضربوهن)

(أ) متى يجوز الضرب؟

(قال ابن عباس رضي الله عنهما: " اهجرها في المضجع، فإن أقبلت، وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربًا غير مبرَح ".

وقال جماعة من أهل العلم:

" الآية على الترتيب: فالوعظ عند خوف النشوز، والهجر عند ظهور النشوز، الضرب عند تكرره، واللجاج فيه، ولا يجوز الضرب عند ابتداء النشوز.

قال القاضي أبو يعلى: وعلى هذا مذهب أحمد، وقال الشافعي: يجوز ضربها في ابتداء النشوز (1090)، قال ابن مفلح رحمه الله:(ظاهر المذهب: لا يجوز ضربها عند ابتداء النشوز، لأن المقصود بهذه العقوبات زجرها عن المعصية في المستقبل، فيبدأ بالأسهل فالأسهل)(1091) اهـ.

= الأحوال) ، وانظر:" فتح الباري "(9/300 - 302) .

(1087)

راجع ص (282) .

(1088)

رواه البخاري في " الأدب"(10/492) ، ومسلم رقم (2560) وغيرهما.

(1089)

انظر: " معالم السنن" للخطابي (4/122) ، و"روضه الطالبين"(7/367 -368) .

(1090)

" زاد المسير"(2/76) .

(1091)

" المبدع "(7/215) .

ص: 458

(ب) اعلم أن جواز الضرب مقيد بشروط:

منها: أن تصر على النشوز والعصيان حتى بعد تدرجه معها في التأديب على النحو الذي سبق ذكره.

ومنها: أن يتناسب العقاب مع نوع التقصير، فلا يبادر إلى الهجر في المضجع في أمر لا يستحق إلا الوعظ والإرشاد، ولا يبادر إلى الضرب وهو لم يجرب الهجرة في المضجع، وذلك لأن العقاب بأكثر من حجم الذنب والتقصير ظلم.

ومنها: أن يراعي أن المقصود من الضرب العلاج، والتأديب والزجر لا غير، فيراعي التخفيف فيه على أبلغ الوجوه، وهو يتحقق باللكزة ونحوها، أو بالسواك ونحوه، وفي الحديث الذي وصَّى فيه النبي صلى الله عليه وسلم أمته في حجة الوداع، قال: (

اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مُبَرِّح) (1092) .

قال عطاء: قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح؟ قال: السواك ونحوه (1093) .

ويشترط أن يتجنب المواضع المخوفة (1094) كالرأس والبطن، وكذا الوجه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ضرب الوجه نهيا عامُّا، لا يضرب آدميا ولا بهيمة على الوجه، وفي حديث حكيم بن معاوية عن أبيه مرفوعًا:

(1092) تقدم تخريجه برقم (240) .

(1093)

انظر " الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/172) ، " السلسبيل، (2/749) .

(1094)

قال الإمام النووي رحمه الله: (فإن أفضى إلى تلف، وجب الغرم، لأنه تبين أنه إتلاف لا إصلاح) اهـ. من " روضة الطالبين"(7/368) .

ص: 459

" ولا تضرب" أي الوجه كما تقدم (1095) ، كذلك لا يكسر عظما، ولا يشين عضوًا، ولا يدميها، ولا يكرر الضربة في الموضع الواحد.

ومنها: أنها إن ارتدعت، وتركت النشوز، فلا يجوز له بحال أن يتمادى في عقوبتها، أو يتجنى عليها بقول أو فعل، لقوله تعالى:(فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا) .

قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله:

(فإن راجعن طاعتكم عند ذلك، وفئن إلى الواجب عليهن، فلا تطلبوا طريقًا إلى أذاهن ومكروههن، ولا تلتمسوا سبيلًا إلى ما لا يحل لكم من أبدانهن وأموالهن بالعلل، وذلك بأن يقول أحدكم لإحداهن، وهي له مطيعة: " إنكِ لست تحبيني "، فيضربها على ذلك أو يؤذيها " (1096) اهـ.

وقال سفيان بن عيينة في تفسير قوله تعالى: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا) : "لا تكلفها الحب، لأن قلبها ليس في يدها "(1097) .

فإن فعل شيئًا من ذلك وخاصم ففجر، وتعدى حدود الله فيها فهو من الظالمين، قال عز وجل:(تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)، ولهذا ختم الله عز وجل الآية بقوله:(إن الله كان عليا كبيرًا) وهو كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:

(1095) تقدم برقم (737) . (1096)" تفسير الطبري"(5/69) .

(1097)

" زاد المسير"(2/76) ، لكن يجتهد في تكلف أسباب المحبة بالتحبب والتودد، قال صلى الله عليه وسلم:" إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه ".

ومن هذه الأسباب التهادي قال صلى الله عليه وسلم: " تهادوا تحابوا"، ومنها: إفشاء السلام، قال صلى الله عليه وسلم:" ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم "، ولله در القائل:

قد يمكث الناس دهرا ليس بينهُم

وُد فيزرعه التسليم واللطفُ

ص: 460

" تهديد للرجال إذا بَغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وَلِيُّهن، وهو منتقم ممن ظلمهن، وبغى عليهن "(1098) .

الطريقة الفضلى عدم ضرب النساء البتة

(ج) اعلم - أصلحك الله - أن الأوْلى والأفضل تركُ الضرب مع بقاء الرخصة فيه بشرطه:

فقد اتفق العلماء على أن ترك الضرب، والاكتفاء بالتهديد أفضل، وذلك:

- لما رواه إياس بن عبد الله بن أبي ذُباب (1099)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تضربوا إماء الله "، فأتاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال:" يا رسول الله، ذَئِر (1100) النساءُ على أزواجهن، فأذِنَ في ضربهن، فأطاف بآل محمدٍ نساءٌ كثير، كُلهن يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لقد أطاف بآل محمد سبعون امرأةً، كلهن يشتكين أزواجهن، ولا تجدون أولئك خياركم " (1101) ، ورُوِي أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ضرب النساء، فقيل: (يا رسول إنهن قد فسدن "، فقال صلى الله عليه وسلم:" اضربوهن، ولا يضرب إلا شراركم "(*) .

(1098)" تفسير القرآن العظيم"(2/259) .

(1099)

جزء أحمد بن حنبل، والبخاري وابن حبان بأن لا صحبة له، وخالفهم أبو حاتم وأبو زرعة، ورجح قولهما الحافظ ابن حجر كما في " تهذيب التهذيب"(1/389) .

(1100)

أي: اجترأن ونشزن، والذائر: النًفور، المغتاظ على خصمه، والمستعد للشر. (1101) أخرجه ابن ماجه رقم (1985) ، والدارمي (2/147) ، وأبو داود (2146) ، وصححه ابن حبان (1316) ، والحاكم (2/188، 191) وصححه، ووافقه الذهبي، والبيهقي (7/304، 305) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع " (5/30) .

(*)" الطبقات الكبرى"(8/147) .

ص: 461

قال محيي السنة البغوي رحمه الله:

(وفي الحديث دليل على أن ضرب النساء في منع حقوق النكاح مباح، ثم وجه ترتيب السنة على الكتاب في الضرب يحتمل أن يكون نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ضربهن قبل نزول الآية، ثم لما ذئر النساء، أذن في ضربهن، ونزل القرآن موافقا له، ثم لما بالغوا في الضرب، أخبر أن الضرب - وإن كان مباحًا على شكاسة أخلاقهن - فالتجمل والصبر على سوء أخلاقهن، وترك الضرب أفضلَ وأجمل، ويُحكى عن الشافعي هذا المعنى)(1102) اهـ.

- وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: " ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط، ولا خادما، ولا ضرب شيئًا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله) (1103) ، " وقد أمِرَ نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس " (1104) .

- وعن لقيط بن صَبِرَةَ أنه وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له:" يا رسول الله، إن لي امرأة في لسانها شيء، يعنى البذاء "؟، قال:" طلقها "، قلت:(إن لي منها ولدًا، ولها صُحْبَة "؟، قال: " فَمُرْها (1105)، يقول: عِظْها، فإن يَكُ فيها خير، فستقبل، فلا تضربنُّ ظعينتك (1106)

(1102)"شرح السنة"(9/187) .

(1103)

رواه مسلم في " النكاح "(79) ، وابن ماجه (1984) ، والدارمي (2/147) ، وأحمد (6/32، 206، 229، 232، 281) .

(1104)

رواه البخاري (8/229) في تفسير سورة الأعراف، وأبو داود رقم (4787) .

(1105)

أي عظها كما في رواية أبي داود.

(1106)

الظعينة في الأصل الراحلة، وقيل للمرأة ظعينة لأنها تظعن مع الزوج حيثما ظعن، ولأنها تحمل على الراحلة إذا ظعنت، وهو وصف للمرأة في هودجها، ثم سميت بهذا الاسم وإن كانت في بيتها.

ص: 462

ضربَكَ أميتكَ " (1107) الحديث، (وفيه إيماء لطيف إلى إباحة الضرب بعد عدم قبول الوعظ، لكن يكون ضربًا غير مبرح كما تقدم)(1108) .

وقد قال بعض الفقهاء: إن على الزوج أن يُقَدر أن ينفع الضرب في الإصلاح، وأنه لا يترتب عليه مفسدة أعظم، وفتنة أشد، وإِن عليه أن يراعي أن يكون التأديب فيما بينه وبينها فقط (1109) .

وقال ابن الجوزي رحمه الله:

(وليعلم الإنسان أن من لا ينفع فيه الوعيد والتهديد لا يردعه السوط، وربما كان اللطف أنجح من الضرب، فإن الضرب يزيد قلب المعرض إعراضا، وفي الحديث: " ألا يستحيي أحدكم أن يجلد امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها " (1110) ، فاللطف أولى إذا نفع) (1111) اهـ.

وقال فضيلة الدكتور محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله تعالى:

(أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة ما دامت لم تُدخل بيت زوجها أحدًا يكرهه، ولم تفر منه، ولم تخرج من بيته بغير إذنه، فليس له عليها من الحق أكثر من ذلك، ونفهم من ذلك أنها إن فعلت شيئَا من هذه الأمور، ورأى الرجل أن في إصلاحها أملا، وأنه إذا ضربها ضربًا غير مبرِّح تصلح

(1107) رواه أبو داود (142) ، وصححه ابن حبان (159) ، والحاكم) (4/110، 160) ، ووافقه الذهبي، ورواه الإمام أحمد (4/23، 211) .

(1108)

"الفتح الرباني"(16/232) .

(1109)

"آداب الخطبة والزفاف" للدكتور عبد الله ناصح علوان رحمه الله ص (144) .

(1110)

وذلك لأن المجامعة إنما تستحسن مع ميل النفس، والرغبة في العشرة، والضرب عادة يورث النفرة، والحديث يشير إلى ذمه، فإن كان ولابد فاعلا لنشوزها، فليعاملها معاملة الحرائر، وليكن بالضرب اليسير غير المبرح - أفاد معناه الحافظ في " الفتح "(9/303) .

(1111)

"أحكام النساء" ص (82) .

ص: 463

حالها، وتعود إلى الاستقامة، جاز له ضربُها بقصد الإصلاح، لا بقصد الانتقام، وأما إذا رأى بخبرته أن الضرب لا يُصْلِحُها، بل يزيدها عنادًا ويفسدها، ويئس من حسن العشرة معها، لم يجز له أن يضربها، وله أن يطلب رد المهر، ويطلقها.

ومن المعلوم أن طباع النساء ليست سواء، فبعضهن يصلحها الضرب، وبعضهن يفسدها الضرب، ومقصود الشارع الإصلاح لا الفساد، فقد تكون الزوجة حديثة السن، تحتاج إلى تأديب أبويها، فيتزوج بها رجل عاقل، يقوم مقام والديها في تأديبها إلى أن تكبر، ويكمل عقلها، فهذا هو وجه الضرب المباح، على أن الشارع الحكيم- مع وجود السبب - لم يبح الضرب إلا بعد ألا ينفع الوعظ والهجر، ويؤيد هذا ما جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ما بال أحدكم يضرب امرأته ضرب الفحل، ولعله يضاجعها من ليلته؟ ! "، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذ كيف يعقل أن يضرب الرجل امرأته، ثم يعانقها، ويقبلها؟ ! ففي ذلك تناقض عظيم، لما يقع من النفور والقضاء على المحبة التي هي روح العشرة الحسنة..) ، ثم قال رحمه الله:

(

وحسب علمنا وتجاربنا، لا يُصلح الضربُ الممتنعة من فراش زوجها إلا إذا كانت صغيرة أو سفيهة، وأكثر النساء لا يزيدهن الضرب إلا نفورًا، فيأتي بعكس المطلوب، وبدلَ أن يقربها يبعدها، ويزداد الخرق اتساعًا، كما هو مشاهد، وفي حديث أبي داود نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب النساء، فذئرت النساء على أزواجهن، قال صاحب اللسان: قال الأصمعي: أي نفرن، ونشزن، واجترأن، فأنت ترى أن هذا الحديث موافق للأحاديث المتقدمة في أن الضرب لا يجوز إلا عند النشوز، ومع ذلك: بعدما جاءت النساء إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم، واشتكين أزواجهن؛ قال

ص: 464

في الذين يضربونهن: " ليس أولئك بخياركم "، وفي الحديث الصحيح:" خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي "، ولذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضرب الناشز، وهى ابنة الجون التي تزوج بها، فلما دنا منها قالت:" أعوذ بالله منك"، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:" لقد عذت بمعاذ، الحقي بأهلك " رواه البخاري.

فسنته الفعلية عدم ضرب النساء - وإن جاز ضربُهن - والقولية تقدمت في قوله عليه الصلاة والسلام: " ليس أولئك بخياركم "، فالطريقة الفضلى هي عدم ضرب النساء البتة) (1112) اهـ.

ولما خطب معاوية بن أبي سفيان وأبو جَهْم رضي الله عنهم فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، ذَكَرَتْ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أما أبو جَهْم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فَصُعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد "(1113) الحديث.

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يضع عصاه عن عاتقه " قيل: إنه كثير الأسفار، وقيل - وهو أصح- إنه كثير الضرب للنساء، بدليل الرواية الأخرى عند مسلم بلفظ: (وأما أبو جهم فرجل ضَراب للنساء" الحديث، وعليه يحمل وصفه صلى الله عليه وسلم إياه في رواية النسائي: " إنه صاحب شر لا خير فيه "، ورواية الترمذي: " فرجل شديد على النساء ".

فتأمل كيف ذمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الصفة.

(د) ليس من الرجولة:

ومما يجدر التنبيه إليه ما شاع من تعسف بعض أهل الجفاء ممن قسا

(1112)" أحكام الخلع في الإسلام" ص (32-36) بتصرف.

(1113)

رواه مسلم رقم (1480) في الطلاق، وأبو داود رقم (2284) ، والترمذي رقم (1135) .

ص: 465

قلبه، وغلظ طبعه، وساء فهمه من ظلم النساء، وضربهن ضربَ غرائب الإبل وذلك لأتفه الأسباب، وربما تستروا وراء هذا الإذن القرآني بالضرب، ويظن بعضهم أن الرجولة هي الظلم والقهر والاستعلاء، وأن القوامة طوق في عنق المرأة لإذلالها وتسخيرها، إن الزوجة ليست كالبقرة ولا السلعة، متى اشتراها ربها صنع بها ما يشاء كما يتوهم أولئك الظالمون البغاة، إن للمرأة في هذه الحال الحق الكامل في أن تشكوه إلى أوليائها، أو ترفع أمرها إلى الحاكم، لأنها إنسان مكرم داخل في قوله تعالى:(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلًا) الإسراء (70) .

وليس حسن معاشرة المرأة أمرا اختياريًّا متروكًا للزوج يفعله أو لا يفعله، بل هو تكليف وواجب.

وليس الرفق بها من باب الرفق بالحيوان الأعجم، ولكنه حق لها وواجب على الرجل لأنها مكرمة مثله بالخلق السوي، والصورة الحسنة، والعقل والنطق والتفكير، وحمل الأمانة، فهذه المزايا كلها مشاعة بين الرجل والمرأة، فمن أراد أن يعامل الزوجة معاملة الدابة والسلعة، فقد كفر نعمة الله، واستحق أن يسلط الله عليه من المستعمرين وغيرهم من يعامله بمثل ذلك " كما تدينوا تدانوا"

إنها جديرة بالحياة الطيبة التي وعد الله في قوله: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) أي في الدنيا (ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) أي في الآخرة.

فإذا أساء الرجل عشرتها وقهرها وهي مقيمة على طاعته مؤدية لحقوقه فأي حياة طيبة تكون لها؟ وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في كمال الرجولة، وصلابة العزيمة، وقوة الشكيمة، وقد أخذت نفسُه من الحزم

ص: 466

أوفر نصيب يؤتاه بَشَر، ومع ذلك كان لا يترفع على أهله، ولا يرهبهم من شخصه، شأنه مع أصحابه في خفض الجناح، ولين الجانب، وإكرام الصحبة، وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم ما ضرب بيده امرأة، ولا خادمًا قط (1114)، وقد قال تعالى:(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)، وقال تعالى:(واتبعوه لعلكم تهتدون)، وهو هو القائل صلى الله عليه وسلم: " خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم.

فأين أولئك القساة الغلاظ من قوله تعالى: (إن ربك لبالمرصاد)(الفجر: 14)، وقوله صلى الله عليه وسلم:" إني أحرِّجُ عليكم حق الضعيفين: اليتيم والمرأة "(1115) .

وقوله صلى الله عليه وسلم: " النساء شقائق الرجال"(1116) .

(هـ) آخر الدواء الكَيُّ.

يطعن أعداء الإسلام ومطاياهم من المنتسبين إليه، الذين يتظاهرون بتقديس النساء، ويصرحون بعبادتهن؛ ليخدعوهن عن أعراضهن، ويوردوهن موارد الهلكة - يطعنون في هذا الحكم ويتأففون منه، ويعدونه إهانة للمرأة، والجواب: أن القوم يستكبرون مشروعية تأديب الناشز، ولا يستكبرون أن تنشز هي وتترفع على زوجها، فتجعله - وهو رئيس البيت - مرءوسا بل محتقرا، وتصر على نشوزها، وتمشي على غُلَوائها، حتى إنها لا تلين لوعظه، ولا تستجيب لنصحه، ولا تبالي بإعراضه وهجره، ترى كيف يعالجون هذا النشوز؟ وبم يشيرون على أزواجهن أن يعاملوهن به؟

(1114) تقدم برقم (1103) .

(1115)

تقدم برقم (938) .

(1116)

تقدم برقم (139) .

ص: 467

لعل الجواب تضمنه قول الشنفري الشاعر الجاهلي المعروف مخاطبًا زوجته:

إذا ما جئتِ ما أنهاك عنه

ولم أنكر عليك فطلقيني

فأنت البعل يومئذ فقومي

بسوطك - لا أبالك - فاضربيني

نعم، أذن الإسلام في ذلك بشروط سبق ذكرها، وبينا متى يكون الضرب؟ ولمن يكون؟ إن هذا الإذن علاج ودواء فينبغي مراعاة وقته ونوعه وكيفيته ومقداره، وقابلية المحل، وهو إنما يُلجأ إليه عند الضرورة، لكن أعداء الله يموهون على الناس، ويلبسون الحق بالباطل، إذ ليس التأديب المادي هو كل ما شرعه الإسلام في العلاج، وإنما هو آخر أنواع ثلاثة، مع ما فيه من الكراهة الشرعية التي ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم، ومع أنه موجه لنوعية خاصة من النساء أشار إليها القرآن الكريم، فإذا وجدت امرأة ناشز أساءت عشرة زوجها، وركبت رأسها، اتبعت خطوات الشيطان، لا تكف ولا ترعوي عن غَيها واستهتارها بحقوق زوجها، ولم ينجع معها وعظ، ولا هجران، فماذا يصنع الرجل في هذه الحالة؟

هل من كرامة الرجل أن يُهرع إلى طلب محاكمة زوجته كلما نشزت؟ وهل تقبل المرأة أن يهرع زوجها كلما وقعت في عصيان زوجها إلى أبيها أو إلى المحكمة ينشر خبرها على الملأ؟

لقد أمر القرآن الكريم بالصبر والأناة، وبالوعظ والِإرشاد، ثم بالهجر في المضاجع، فإذا لم تنجع كل هذه الوسائل، فآخر الدواء الكي.

إن الضرب بالسواك وما أشبهه أقل ضررًا على المرأة نفسها من تطليقها الذي هو ثمرة غالبة لاسترسالها في نشوزها إلى أن يتصدع بنيان الأسرة، ويتمزق شملها، ويتشرد أطفالها، وإذا قيس الضرر الأخف بالضرر الأعظم، كان ارتكاب الأخف حسنًا وجميلًا، وكما قيل: " وعند ذكر العمى

ص: 468

يُستَحْسَنُ العَوَرُ ".

فالضرب طريق من طرق العلاج، ينفع في بعض الحالات مع بعض النفوس الشاذة المتمردة، التي لا تفهم الحسنى، ولا ينفع معها الجميل.

العبد يُقْرَعُ بالعَصا

والحُرُّ تَكْفِيه الإشارة

وقال بشار: * الحُرُّ يُلْحَى (1117) والعصا للعبد*

وقال ابن دُرَيد:

واللوم للحر مقيم رادع والعبد لا يردعه إلا العصا (1118)

[إن من النساء، بل من الرجال من لا يقيمه إلا التأديب، ومن أجل ذلك وُضِعت العقوبات، وفتحت السجون.

إن مشروعية هذا التأديب لا يستنكرها عقل ولا فطرة حتى نحتاج إلى تأويلها، إنما هي مجرد أمر يُحتاج إِليه في حالة " فساد البيئة "، وغلبة الأخلاق الفاسدة، إذا رأى الرجل أن رجوع المرأة عن نشوزها يتوقف عليه، فإذا صلحت البيئة، وصار النساء يعقلن النصيحة، ويستجبن للوعظ، أو يزدجرن بالهجر فيجب الاستغناء عن الضرب، فلكل حال حكم يناسبها في الشرع، مع أن الأصل هو الرفق بالنساء على كل حال، وتحمل الأذى منهن، والله أعلم.

أما هؤلاء الذين يتأففون من حكم الله عز وجل، وشريعته، فهؤلاء قوم لم يعرفوا حياة " الأسرة "، ولم يخبروا واقعها، وما يصادفها في بعض الأحيان من المشكلات، إنما هم قوم متملقون لعواطف بيئة خاصة من النساء يعرفونها هم، ويعرفها الناس جميعًا، يتظاهرون أمام هذه الفئة بالحرص على

(1117) يُلْحَى: أي يُلام، وانظر:" الجامع لأحكام القرآن"(5/174) .

(1118)

بتصرف من " ماذا عن المرأة؟ " ص (137- 139) ، و" روائع البيان"(1/474 - 476) .

ص: 469

كرامتها وعزتها] ، وقانا الله والمسلمين شرهم.

3-

ومن حقه عليها:

المتابعة في المسكن:

(وكما فرض الله سبحانه وتعالى على الزوج سكنى الزوجة، أوجب عليها بالمقابل " متابعة زوجها في السكن " في الِإقامة معه في المنزل الذي يسكنه، ويُعدُّه من أجلها، وألا تخالف في ذلك، إلى غير مسكن الزوج، وفي هذا يقول تعالى: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم)(1119) الطلاق (6) ، وهذا الواجب على الزوجة أمر طبيعي، لا غنى عنه لاستقامة الحياة الزوجية، سيما وأن الزوج مكلف بالإنفاق على الأسرة، وأن الزواج يقوم على ركن السكينة النفسية بين كل زوج وزوجته.

ومن هنا نجد أن الشريعة تحكم على الزوجة التي لا تتابع زوجها في السكن بأنها ناشزة، وتلزمها بالعودة إلى المتابعة بسلطة القضاء الشرعي. إلا أننا - للأسف - نجد بعض الكاتبين في شئون المرأة يفتعلون النقد لهذا الحكم، ويتنطعون في الطعن فيه، بأن إرغام الزوجة على الرجوع إلى بيت زوجها فيه مساس بكرامتها أو تحقير لشخصيتها، وإجبار لها على غير

(1119) قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله) : قوله تعالى: (وسار بأهله) قيل: فيه دليل على أن الرجل يذهب بأهله حيث شاء، لما له عليها من فضل القوَّامية وزيادة الدرجة إلا أن يلتزم لها أمرًا، فالمؤمنون عند شروطهم، وأحق الشروط أن يُوَفى به ما استحللتم به الفروج) اهـ (13/281) ، وذكر بعض الفقهاء أن للزوج بعد أداء كل المهر المعجل أن يسافر بزوجته إذا كان مأمونا عليها، كما في " الفقه الإسلامي وأدلته "(7/342) ، وانظر " جامع الأصول"(11/532) ، و " فتح الباري"(9/188- 190) .

ص: 470

ما تريد..!

هكذا نصب هؤلاء المصلحون- بزعمهم- نصبوا أنفسهم للدفاع عن المرأة، ولكن أية امرأة هذه التي يدافعون عنها؟ هل هي الصالحة المخلصة لواجباتها الزوجية؟ كلا! إنهم يدافعون عن الزوجة الناشزة المتمردة على واجباتها، كأنهم نسوا أن التمرد والنشوز لا يخلو عند الضرورة من قسوة الزجر والردع.

على أننا يجب أن نتذكر أن الزوج لو قصر في النفقة أو إعداد السكن، فإن الشارع يعامله بأشد مما يعامل به الزوجة حتى إن من الفقهاء من قال: " إنه يحبس في نفقة زوجه

".

ئم إن الشريعة لم تلزمها بالمتابعة استبدادًا وإخضاعًا مطلقًا..؟ ! كلا، وإنما تلزم المرأة بالعودة إلى بيت زوجها بعد معاينة السلطة القضائية الشرعية لهذا البيت، والتأكد من أنه مستكمل المرافق، متوفرة فيه وسائل الراحة، مناسب لمركز المرأة الاجتماعي، ولحالة الرجل المادية.

فما الذي تريد المرأة بعد هذا، وماذا يبتغي أعداء المتابعة الزوجية؟ هل نجعل للمرأة الحرية المطلقة في أن تسكن مع الزوج أو لا تسكن؟

وهل تبقى بعدئذٍ مرحلة من الفوضى في حياة المجتمع وفي أوضاعه التنظيمية؟

بل هل تجد في طبيعة الحياة على أي مستوى مثل هذا التفلت؟ كلا! ، إن هذا الوضع لفي الغاية القصوى من الفوضى، وضع شاذ لا تقره طبيعة الحياة، في أي مستوى حتى عند الحيوانات بأنواعها السائحة والمتوحشة، وعند الطيور الأهلية والبرية، التي تعيش زوجين زوجين، فإنا

ص: 471

نجد التزام المتابعة أمرًا متقررًا لا لشيء إلا لأنه ضرورة الحياة (1120) .

أم يريد هؤلاء أن يلحق الرجل إلى منزل زوجته الناشزة، ويحكم عليه بالمتابعة! وماذا نفعل إذا أصرت الزوجة على استبعاده أيضا؟) (1121) .

4-

ومن حقه عليها:

أن لا تصوم نفلًا بدون إذنه:

إذا كان مقيمًا في البلد غير مسافر، فقد يعرض له فيها ما يتعارض مع صيامها من خدمة وعمل، وإعداد طعام لضيوف، أو حاجة تتنافى مع الصيام.

قال النووي رحمه الله: (وسبب هذا التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت، وحقه واجب على الفور فلا يفوته بالتطوع، ولا بواجب على التراخي، وإنما لم يجز لها الصوم بغير إذنه، وإذا أراد الاستمتاع بها جاز ويفسد صومها لأن العادة أن المسلم يهاب انتهاك الصوم بالإفساد، ولا شك أن الأولى له خلاف ذلك إن لم يثبت دليل كراهته،

(1120) ولهذا كانت فرضية المتابعة على الزوجة حكمًا مقررا في كافة القوانين الوضعية، وهذا القانون الفرنسي يقرر (أن الزوج يجب عليه صيانة زوجته، وأن يقدم لها كل ما هو ضروري لحاجات الحياة، في حدود مقدرته وحالته، وأن المرأة في مقابل ذلك ملزمة بطاعة زوجها، وأن تسكن معه في أي مكان يرى صلاحيته لإقامتها) اهـ. وأين هذا من قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل اللَه بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) وقوله عز وجل: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) وقوله جل وعلا: (لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها) .

(1121)

انتهى بتصرف يسير من كتاب (ماذا عن المرأة؟) للدكتور نور الدين عتر ص (125- 127) .

ص: 472

نعم لو كان مسافرًا، فمفهوم الحديث في تقييده بالشاهد يقتضي جواز التطوع لها إذا كان زوجها مسافرًا، فلو صامت وقدم في أثناء الصيام فله إفساد صومها ذلك من غير كراهة، وفي معنى الغيبة أن يكون مريضًا بحيث لا يستطيع الجماع) اهـ. نقله عنه الحافظ في الفتح (1122) .

وقال القاري في " المرقاة": (وإنما لم يلحق بالصوم في ذلك صلاة التطوع لقصر زمنها، وفي معنى الصوم الاعتكاف لا سيما على القول بأن الاعتكاف لا يصح بدون الصوم)(1123) اهـ.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه "(1124) .

ولما جاءت امرأة صفوان بن المعطل تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمورا ذكرت منها أنه: " يُفَطّرها إذا صامت" فسأله صلى الله عليه وسلم عما قالت، فقال فيما قال: (

وأما قولها " يفطرني إذا صمت، فإنها تنطلق فتصوم، وأنا رجل شاب، فلا أصبر) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: " لا تصوم المرأة إلا بإذن زوجها " (1125) الحديث.

قال الإمام البغوي رحمه الله تعالى: (قوله: " لا تصوم المرأة، وبعلها شاهد " أي حاضر" إلا بإذنه " وأراد به صيام التطوع، فأما قضاء

(1122)"فتح الباري"(9/296) .

(1123)

المرقاة (2/533) .

(1124)

رواه البخاري (9/295) ، والترمذي (1/150) ، والدارمي (2/12)، وزاد في روايته:(يوما تطوعًا في غير رمضان) ، وابن ماجه (1761) ، والإمام أحمد (2/464) .

(1125)

أخرجه أبو داود (2459) ، وابن حبان (956) ، والحاكم (1/436) ، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وأقرهما الألباني في " الإرواء"(7/65) ، وأخرجه الإمام أحمد (3/80) .

ص: 473

رمضان، فتستأذنه ما بين شوال إلى شعبان، قالت عائشة:" إن كان ليكون علىَّ صيام من رمضان فلا أستطيع أن أقضيه حتى يأتي شعبان "(1126) ، وهذا يدل على أن حق الزوج محصور بالوقت، وإذا اجتمع مع الحقوق التي يدخلها المهلة، كالحج (1127) ونحوه، قُدم عليها) (1128) اهـ، قال الحافظ:(وفي الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير، لأن حقه واجب، والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع)(1129) .

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (عن رجل له زوجة تصوم النهار، وتقوم الليل، وكلما دعاها الرجل إلى فراشه تأبى عليه، وتقدم صلاة الليل، وصيام النهار على طاعة الزوج، فهل يجوز ذلك؟) .

فأجاب رحمه الله:

(لا يحل لها ذلك باتفاق المسلمين، بل يجب عليها أن تطيعه إذا طلبها إلى الفراش، وذلك فرض واجب عليها، وأما قيام الليل، وصيام النهار، فتطوع، فكيف تقدم مؤمنة النافلة على الفريضة؟)(1130) اهـ.

(1126) أخرجه البخاري (4/166) في الصوم، وزاد يحيى بن سعيد في آخره:(تعني الشغل من النبي صلى الله عليه وسلم، أو الشغل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وانظر: " مرقاة المفاتيح " (2/532 - 533) .

(1127)

وهذا بناء على أن وجوب الحج على التراخي، خلافًا لما عليه فريق من العلماء من أنه على الفور، فانظر تحقيق ذلك في " أضواء البيان" للشنقيطي (5/108 - 126) .

(1128)

" شرح السنة "(6/203) .

(1129)

"فتح الباري"(9/296) .

(1130)

" مجموع الفتاوى"(32/274) .

ص: 474

5-

ومن حقه عليها:

أن لا تأذنَ لِأحد في بيته إلا بإذنه:

عن تميم بن سلمة، قال:(أقبل عمرو بن العاص إلى بيت علي بن أبي طالب في حاجة، فلم يجد عليُّا، فرجع ثم عاد فلم يجده، مرتين أو ثلاًثا، فجاء علي فقال له: أما استطعت إذ كانت حاجتك إليها أن تدخل؟ قال: " نهينا أن ندخل عليهن إلا بإذن أزواجهن ")(1131) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه "(1132) .

قال القاري: (" ولا تأذنَ " بالنصب في النسخ المصححة عطفًا على " تصوم"، أي: ولا يحل لها أن تأذن أحدًا من الأجانب أو الأقارب حتى النساء، و " لا " مزيدة للتأكيد، وقال ابن حجر: " يصح رفعه خبرا يراد به النهي، وجزمه على النهي " في بيته" أي في دخول بيته " إلا بإذنه" وفي معناه العلم برضاه) اهـ (1133) .

وقال الحافظ في " الفتح": (قوله: " باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه " المراد ببيت زوجها سكنه سواء كان ملكه أو لا) وقال أيضًا: (قوله " ولا تأذن في بيته " زاد مسلم من طريق همام عن أبي هريرة: " وهو شاهد إلا بإذنه " وهذا القيد لا مفهوم له، بل خرج مخرج الغالب، وإلا فغيبة الزوج لا تقتضي الإباحة للمرأة أن تأذن لمن يدخل

(1131) عزاه الألباني للخرائطي في " مكارم الأخلاق "، وقال:" وإسناده صحيح، وقد عزاه السيوطي في " الجامع" للطبراني في " الكبير" من حديث عمرو بلفظ: (نهى عن أن تكلم النساء إلا بإذن أزواجهن) ، انظر " السلسلة الصحيحة " رقم (652) .

(1132)

تقدم آنفا برقم (1124) .

(1133)

" مرقاة المفاتيح"(2/533) .

ص: 475

بيته، بل يتأكد حينئذ عليها المنع لثبوت الأحاديث الواردة في النهي عن الدخول على المغيبات أي من غاب عنها زوجها، ويحتمل أن يكون له مفهوم، وذلك أنه إذا حضر تيسر استئذانه، وإذا غاب تعذر، فلو دعت الضرورة إلى الدخول عليها لم تفتقر إلى استئذانه لتعذره، ثم هذا كله فيما يتعلق بالدخول عليها، أما مطلق دخول البيت بأن تأذن لشخص في دخول موضع من حقوق الدار التي هي فيها، أو إلى دار منفردة عن سكنها، فالذي يظهر أنه ملتحق بالأول، وقال النووي:(في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج بالإذن في بيته إلا بإذنه، وهو محمول على ما لا تعلم رضا الزوج به، أما لو علمت رضا الزوج بذلك فلا حرج عليها، كمن جرت عادته بإدخال الضيفان موضعا معدًّا لهم سواء كان حاضرًا أم غائبًا، فلا يفتقر إدخالهم إلى إذن خاص لذلك، وحاصله أنه لابد من اعتبار إذنه تفصيلَا أو إجمالًا - قوله: " إلا بإذنه أي الصريح، وهل يقوم ما يقترن به علامة رضاه مقام التصريح بالرضا؟ فيه نظر)(1134) اهـ.

وعن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: "

ألا وإن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فحقكم عليهن: أن لا يوطئن فُرُشَكم من تكرهون، ولا يأذَنَّ في بيوتكم لمن تكرهون " (1135) الحديث قال المباركفوري رحمه الله:(" فرشَكم " بالنصب مفعول أول، " من تكرهون " مفعول ثان، أي: من تكرهونه رجلًا كان أو امرأة، قال النووي: " والمختار (1134)"فتح الباري"(9/295 - 296) .

(1135)

جزء من حديث رواه الترمذي رقم (1163) وقال: " حسن صحيح"، وابن ماجه رقم (1851) ، وفي سنده سليمان بن عمرو بن الأحوص، لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات، وللحديث شواهد في الصحيحين منها حديث جابر الطويل في حجة النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم وغيره.

ص: 476

أن معناه أن لا يَأذنَّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلًا أجنبيا أو امرأة، أو أحدا من محارم الزوجة، فالنهي يتناول جميع ذلك " (1136) ، " ولا يأذَنَّ في بيوتكم لمن تكرهون " هذا كالتفسير لما قبله، وهو عام) (1137) اهـ.

وقال السندي في حاشيته على ابن ماجه: (

وقال الخطابي: " معناه أن لا يؤذن لأحد من الرجال يدخل، فيحدث إليهن، وكان الحديث من الرجال إلى النساء من عادات العرب، لا يرون ذلك عيبا، ولا يعدونه ريبة، فلما نزلت آية الحجاب، وصارت النساء مقصورات نهي عن محادثتهن والقعود إليهن "، وقوله:" من تكرهون " أي تكرهون دخوله سواء كرهتموه في نفسه أم لا، قيل: المختار منعهن عن إذن أحد في الدخول والجلوس في المنازل سواء كان محرمًا أو امرأة إلا برضاه، والله أعلم) (1138) .

(1136) وباقي عبارة النووي رحمه الله: (وهذا حكم المسألة عند الفقهاء: أنها لا يحل لها أن تأذن لرجل أو امرأة، ولا محرم، ولا غيره في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه، لأن الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتى يوجد الإذن في ذلك منه، أو ممن أذن له في الإذن في ذلك، أو عرِف رضاه باطراد العرف بذلك ونحوه، ومتى حصل الشك في الرضا، ولم يترجح شيء، ولا وُجِدت قرينة، لا يحل الدخول، ولا الإذن، والله أعلم) اهـ من " شرح النووي لصحيح مسلم "(8/184) .

(1137)

" تحفة الأحوذي"(8/483 - 484) .

(1138)

" حاشية السندي على ابن ماجه "(1/569) .

ص: 477

هكذا فلتكن النساء

قال الحافظ الذهبي رحمه الله:

[روى إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، قال:" لما مرضت فاطمة، أتى أبو بكر فاستأذن، فقال علىُّ: " يا فاطمة، هذا أبو بكر يستأذن عليكِ "، فقالت: " أتحب أن آذن له؟ " قال: " نعم ") .

قلت: عملت السنة رضي الله عنها، فلم تأذن في بيت زوجها إلا بأمره.

قال: فأذنتْ له، فدخل عليها يترضاها.. حتى رضيت] (1139) اهـ.

ورُوِي (أن شريحًا القاضي قابل الشعبي يومًا، فسأله الشعبي عن حاله في بيته، فقال له:" من عشرين عامًا لم أر ما يغضبني من أهلي "، قال له:" وكيف ذلك؟ " قال شريح: " من أول ليلة دخلت على امرأتي، رأيت فها حسنَا فاتنًا، وجالًا نادرًا، قلت في نفسي: فَلْأطَّهَّر وأصلي ركعتين شكرا لله، فلما سلمت وجدت زوجتي تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي، فلما خلا البيت من الأصحاب والأصدقاء، قمت إليها، فمددتُ يدي نحوها "، فقالت:" على رِسلك يا أبا أمية، كما أنت "، ثم قالت:" الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلى على محمد وآله، إني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك، فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأتركه "، وقالت: " إنه كان في قومك من تتزوجه من نسائكم، وفي قومي من الرجال من هو

(1139)" سير أعلام النبلاء "(2/121) ، ورواه ابن سعد في " الطبقات "(8/27)، وقال الحافظ في " الفتح " (6/139) :(وهو - وإن كان مرسلا - فإسناده إلى الشعبي صحيح) اهـ.

ص: 478

كفء لي، ولكن إذا قضى الله أمرًا كان مفعولًا، وقد ملكت فاصنع ما أمرك به الله، إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا، وأستغفر الله في ولك..! ".

قال شريح: (فأحوجتني - والله يا شعبي - إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على النبي وآله وأسلم، وبعد: فإنكِ قلت كلامَا إن ثَبَتِّ عليه يكن ذلك حظك، وإن تَدَعِيه يكن حجة عليكِ، أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما رأيتِ من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها! ".

فقالت: " كيف محبتك لزيارة أهلي؟ " قلت: (ما أحب أن يُمِلَّني أصهاري "، فقالت: " فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك فآذن له، ومن تكره فأكره؟ "، قلت: " بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء)، قال شريح:" فبت معها بأنعم ليلة، وعشت معها حَوْلًا لا أرى إلا ما أحب، فلما كأن رأس الحول جئت من مجلس القضاء، فإذا بفلانة في البيت، قلت: " من هي؟ " قالوا: " ختنك " - أي أم زوجك -، فالتفتت إلي، وسألتني: (كيف رأيت زوجتك؟ " قلت: " خير زوجة "، قالت:" يا أبا أمية إن المرأة لا تكون أسوأ حالَا منها في حالين: إذا ولدت غلامًا، أو حظيت عند زوجها، فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم شرا من المرأة المدللة، فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذب ما شئت أن تهذب " فمكثت معي عشرين عاما لم أعقب عليها في شيء إلا مرة، وكنت لها ظالما) (1140) .

(1140) انظر: " أحكام النساء " لابن الجوزي ص (134 - 135) ، و " أحكام القرآن " لابن العربي (1/417) .

ص: 479

6-

ومن حقه عليها:

أن لا تكلم - وهي في بيتها - أحدًا من غير محارمها إلا بإذنه: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (نَهَى عن أن تُكَلَم النساء - يعنى في بيوتهن - إلا بإذن أزواجهن)(1141)، قال المناوي: " لأنه مظنة وقوع الفاحشة بتسويل الشيطان، ومفهومه الجواز بإذنه، وحمله الولي العراقي على ما إذا انتفت مع ذلك الخلوة المحرمة، والكلام في رجال غير محارم) (1143) اهـ.

7-

ومن حقه عليها:

أن لا تخرج من بيته بغير إذنه:

قال ابن قدامة رحمه الله: (وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى ما لها منه بد، سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما أو حضور جنازة أحدهما، قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة: " طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها "، وقد روى ابن بطة في " أحكام النساء " عن أنس أن رجلًا سافر، ومنع زوجته من الخروج، فمرض أبوها، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيادة أبيها، فقال لها: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اتقي الله، ولا تخالفي زوجك"، فمات أبوها، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضور جنازته، فقال ها: " اتقي الله، ولا تخالفي زوجك "، فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم: " إني قد غفرت لها بطاعة زوجها " (1143)

(1141) عزاه الألباني للخرائطي في " مكارم الأخلاق "، وقال:" إسناده ضعيف"، ويشهد له حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه المتقدم آنفًا برقم (1131) ، وانظر " السلسلة الصحيحة" رقم (652) .

(1142)

" فيض القدير "(6/349) .

(1143)

قال الهيثمي في " المجمع"(4/313) : (رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه =

ص: 480

ولأن طاعة الزوج واجبة، والعيادة غير واجبة، فلا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب، ولا يجوز لها الخروج إلا بإذنه، ولكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها وزيارتهما لأن في ذلك قطيعة لهما، وحملًا لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف، وإن كانت زوجته ذمية فله منعها من الخروج إلى الكنيسة لأن ذلك ليس بطاعة، ولا نفع، وإن كانت مسلمة، فقال القاضي: له منعها من الخروج إلى المساجد، وهو مذهب الشافعي، وظاهر الحديث يمنعه من منعها لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"(1144)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:(كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعِشاء فى الجماعة في المسجد، فقيل لها - أي قال عمر -: " لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويَغار؟ "، قالت: " وما يمنعه أن ينهاني؟ "، قال: يمنعه قول رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " (1145)) .

= عصمة بن المتوكل، وهو ضعيف) اهـ. وقال الألباني حفظه الله:(أخرجه الطبراني في الأوسط " (1/169/2) من طريق عصمة بن المتوكل نا زافر عن سليمان عن ثابت البُناني عن أنس بن مالك به، وقال:" لم يروه عن زافر إلا عصمة"، قلت: وهو ضعيف، قال العقيلي في " الضعفاء" ص (325) :" قليل الضبط للحديث، يهم وهما"، وقال أبو عبد الله - يعني البخاري -:" لا أعرفه "، ثم ساق له حديثا مما أخطأ في متنه، وقال الذهبي:" هذا كذب على شعبة"، وشيخه - زافر- وهو ابن سليمان القهستاني- ضعيف أيضًا، قال الحافظ في " التقريب":" صدوق كثير الأوهام") اهـ من " إرواء الغليل "(7/76-77) رقم (2014) .

(1144)

رواه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما البخاري في " الجمعة "، و " صفة الصلاة"، والنكاح، ومسلم رقم (442) ، في الصلاة، وأبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه رقم (765) في الصلاة، والبغوي في " شرح السنة "(3/438) ، وصححه.

رواه البخاري (2/382) فتح - ط. السلفية في الجمعة: باب هل على من لم =

ص: 481

وروي أن الزبير تزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت تخرج إلى المساجد، وكان غيورًا، فيقول لها:" لو صليت في بيتك؟ " فتقول: " لا أزال أخرج أو تمنعني "، فكره منعها لهذا الخبر (1146) ..) اهـ (1147) .

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها) (1148) .

وعنه رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنكم "(1149) وفي رواية: " إذا استأذنوكم"(1150) .

= يشهد الجمعة غسل؟

[والمرأة المذكورة هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل أخت سعيد بن زيد أحد العشرة، سماها الزهري فيما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه قال: (كانت عاتكة بنت زيد عند عمر بن الخطاب، وكانت تشهد الصلاة في المسجد، وكان عمر يقول لها: (والله إنك لتعلمين أني ما أحب هذا"، قالت: " والله لا أنتهي حتى تنهاني"، قال: " فلقد طُعِن عمر وإنها لفي المسجد ") كذا ذكره مرسلا] اهـ. من " فتح الباري "(2/383) .

(1146)

انظر " الإصابة "(8/12-13) وفيه أن الذي كره منعها عمر رضي الله عنه كما في الأثر السابق، وأن الزبير كان يمنعها، (وقد ذكر أبو عمر في التمهيد أن عمر لما خطبها شرطت عليه أن لا يضربها ولا يمنعها من الحق ولا من الصلاة في المسجد النبوي، ثم شرطت ذلك على الزبير، فتحيل عليها أن كمن لها لما خرجت إلى صلاة العشاء، فلما مرت به ضرب على عَجيزتها، فلما رجعت قالت: إنا لله! فسد الناس! فلم تخرج بعد) اهـ نقلًا من " الإصابة"(8/12) .

(1147)

"المغني"(7/20-21) .

(1148)

أخرجه الشيخان كما تقدم آنفا برقم (1144) ، والنسائي - واللفظ له - (2/42) في المساجد.

(1149)

رواه مسلم في الموضع المتقدم برقم (1144) .

(1150)

قال النووي: (هكذا وقع في أكثر الأصول "استاذنوكم"، وفي بعضها =

ص: 482

وذكر بعض أهل العلم أن أمر الأزواج بالإذن لهن في الأحاديث الواردة في ذلك ليس للايجاب، وإنما هو للندب، وكذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن منعهن، قالوا: هو لكراهة التنزيه لا للتحريم، قال ابن حجر: في فتح الباري": (وفيه إشارة إلى أن الإذن المذكور لغير الوجوب، لأنه لو كان واجبا، لانتفى معنى الاستئذان، لأن ذلك إنما يتحقق إذا كان المستأذَن مخيرا في الإجابة أو الرد)(1151) اهـ.

وقال النووي في " شرح المهذب ": (فإن منعها لم يحرم عليه، هذا مذهبنا، قال البيهقي: وبه قال عامة العلماء، ويجاب عن حديث: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، بأنه نهي تنزيه، لأن حق الزوج في ملازمة المسكن واجب، فلا تتركه لفضيلة)(1152) اهـ.

وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي في " المهذب": (وللزوج منع الزوجة من الخروج إلى المساجد وغيرها، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: " رأيت امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: يا رسول الله! ما حق الزوج على زوجته؟ قال: حقه عليها أن لا تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن فعلت: لعنها الله، وملائكة الرحمة، وملائكة الغضب، حتى تتوب أو ترجع، قالت: يا رسول الله! وإِن كان لها ظالما؟ قال: وإن كان لها ظالما " (1153) ، ولأن حق الزوج واجب، فلا يجوز تركه لما ليس بواجب،

= " أستاذنكم"، وهذا ظاهر، والأول صحيح أيضا، وعوملن معاملة الذكور لطلبهن الخروج إلى مجلس الذكور، والله أعلم) اهـ من " شرح النووي"(4/162) .

واعلم أن في هذه المسألة ومتعلقاتها بحثا طويل الذيل نورده إن شاء الله في القسم الرابع، من هذا الكتاب في باب " أحكام القرار في البيوت" يسر الله إتمامه. (1151)" فتح الباري"(2/348) .

(1152)

"المجموع شرح المهذب"(4/95) ط. الشيخ زكريا علي يوسف رحمه الله تعالى.

(1153)

رواه أبو داود الطيالسي بهذا اللفظ، والبيهقي، وقال العراقي في " المغني": =

ص: 483

ويكره منعها من عيادة أبيها إذا أثقل، وحضور مواراته إذا مات (1154) ، لأن منعها من ذلك يؤدي إلى النفور، ويغريها بالعقوق) اهـ (1155) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: إن المرأة (إذا خرجت من داره بغير إذنه فلا نفقة لها ولا كسوة)(1156)، وقال أيضا رحمه الله:

= (وفيه ضعف) اهـ. ورواه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما البزار (2/178) ، والطيالسي، وابن عساكر (7/368) ، وفيه حسين بن قيس المعروف بحنش، وهو ضعيف، وقد وثقه حصين بن نمير، وبقية رجاله ثقات، كما في " المجمع"(4/307) ، وعزاه المنذري إلى الطبراني في " الترغيب"(3/57-58)، ولفظه:(أن امرأة من خثعم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: " يا رسول الله! أخبرني ما حق الزوج على الزوجة؟ فإني امرأة أيم، فإن استطعت، وإلا جلستُ أَيِّمًا "، قال: " فإن حق الزوج على زوجته إن سألها نفسها وهي على ظهر قتب لا تمنعه، وأن لا تصوم تطوعًا إلا بإذنه، فإن فعلت جاعت وعطشت، ولا يقبل منها، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن فعلت لعنتها ملائكة السماء، وملائكة الرحمة، وملائكة العذاب "، قالت: " لا جرم لا أتزوج أبدا ") ، وانظر " ضعيف الجامع "(3/100) ، (تخريج أحاديث الأحياء " رقم (1442) .

(1154)

لكن قال صاحب المهذب في موضع آخر: (ولا يجوز للنساء زيارة القبور لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زُوارتِ القبور) اهـ " المجموع شرح المهذب"(5/280) ، وقد روى ابن ماجه، والبيهقي عن علي رضي الله عنه قال:(خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا نسوة جلوس، فقال: " ما يجلِسُكن؟ "، قلن: " ننتظر الجنازة "، قال: " هل تغسلن؟ " قلن: " لا"، قال: " هل تدلين فيمن يدلي؟، قلن: " لا "، قال: " فارجعن مأزورات غير مأجورات ")، وروى الشيخان عن أم عطية رضي الله عنها قالت:(لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت)، وفيه:(ونهانا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا) ، وذلك لأن خروجهن للمقابر مظنة وسبب لأمور محرمة من الجزع ونحوه، والله تعالى أعلم.

(1155)

" المجموع شرح المهذب"(15/567- 570) .

(1156)

" مجموع الفتاوى"(32/281) .

ص: 484

(لا يحل للزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذنه، ولا يحل لأحد أن يأخذها إليه، ويحبسها عن زوجها، سواء كان ذلك لكونها مرضعا، أو لكونها قابلة، أو غير ذلك من الصناعات، وإذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه كانت ناشزة عاصية لله ورسوله؛ ومستحقة للعقوبة)(1157) .

8-

ومن حقه عليها: أن تحفظ ماله:

المرأة أمينة على مال زوجها، وما يودعه في البيت من نقد أو مؤنة أو غير ذلك، فلا يجوز لها أن تتصرف فيه بغير رضاه، وفي الحديث الشريف: "

والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسئولة عن رعيتها " (1158) .

وقد أشاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمرأة التي تحنو على زوجها وتشفق عليه

وترعى ماله، فقال صلى الله عليه وسلم:" خير نساء ركبن الإبل صالحُ نساء قريش، أحناه على ولد في صِغره، وأرعاه على زوج في ذات يده "(1159) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيُّ النساء خير؟ "، قال: " التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره " (1160) .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لها أن تُطْعِمَ من بيته إِلا بإذنه إلا الرطب من الطعام " الحديث، وفيه: " ولا تعطي من بيته شيئا إلا بإذنه، فإن فعلت ذلك كان له الأجر، وعليها

(1157)" السابق".

(1158)

تقدم تَخريجه برقم (55) .

(1159)

تقدم تخريجه برقم (429) .

(1160)

عزاه في " مشكاة المصابيح" إلى النسائي، والبيهقي في " شعب الإيمان"، وقال الألباني في " تحقيق المشكاة":(وإسناده حسن) اهـ. (2/276) .

ص: 485

الوزر" (1161) .

وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع: " لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها " قيل: " يا رسول الله! ولا الطعام؟ "، قال: " ذاك أفضل أموالنا ")(1162) .

وعن سعد قال: " لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء، قامت امرأة جليلة كأنها من نساء مُضَر، قالت: (يا رسول الله إنا كَلُّ على آبائنا وأبنائنا وأزواجنا، فما يحل لنا من أموالهم؟ "، قال:(الرَّطْبُ تأكلنه وتُهْدِينه " (1163)) .

قال البغوي رحمه الله: (" امرأة جليلة" قد يريد به الجسم، وقد يريد به كبير السن، وخص الطعام الرطب بالأكل لما جرت العادة بين الجيرة والأقارب أن يتهادوا بالرطب من الفواكه والبقول لسرعة الفساد إليها دون اليابس الذي يبقى على الادخار.

(1161) رواه أبو داود الطيالسي، والبيهقي، قال الحافظ العراقي:" وفيه ضعف"، انظر:" تخريج أحاديث الإحياء " رقم (1442) ، (1447) ، و " إتحاف السادة المتقين"(5/405) .

(1162)

أخرجه الترمذي رقم (670) في الزكاة: باب ما جاء في نفقة المرأة من بيت زوجها، وحسنه، وابن ماجه رقم (2295) ، وابن أبي شيبة (6/585) ، والبغوي في " شرح السنة"(6/204) ، والبيهقي (4/193) ، والإمام أحمد (5/267) ، وغيرهم، وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب" رقم (935) ، و " صحيح ابن ماجه"(2/31) .

(1163)

أخرجه أبو داود رقم (1686) في الزكاة: باب المرأة تتصدق من بيت زوجها،

والبغوي في " شرح السنة "(6/206)، وقال محققه:(إسناده جيد) اهـ، وابن أبي شيبة (6/585) ، والحاكم (4/134) ، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

ص: 486

قال رحمه الله: وفي الجملة ليس لأحدهما أن يتناول من مال الآخر، ما يقع به الضنة دون إذنه) (1164) اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر: (المراد بالرطب: ما يتسارع إليه الفساد، فأذن فيه بخلاف غيره، ولو كان طعامًا، والله أعلم)(1165) اهـ.

وفي " شرح السنة ": (وقد روى عَن عطاء، عن أبي هريرة في المرأة تصدق من بيت زوجها، قال: " لا، إلا من قوتها والأجر بينهما، ولا يحل لها أن تصدق من مال زوجها إلا بإذنه (1166) ، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أن المرأة ليس لها أن تتصدق بشيء من مال الزوج دون إِذنه، وكذلك الخادمُ، ويأثمان إن فعلا ذلك) (1167) اهـ.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غيْر مفْسِدَة، كان لها أجرُها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا يُنقِصُ بعضُهم أجر بعض شيئًا " (1168)) .

قال البغوي رحمه الله: (وحديث عائشة خارج على عادة أهل الحجاز أنهم يطلقون الأمر للأهل والخادم في الإنفاق والتصدق مما يكون في البيت إذا حضرهم السائل، أو نزل بهم الضيف، فحضهم على لزوم تلك العادة،

(1164)"شرح السنة"(6/206) .

(1165)

"فتح الباري"(9/297) ط. السلفية.

(1166)

رواه أبو داود رقم (1688) في الزكاة، وفيه عنعنة ابن جريج، وباقي رجاله ثقات.

(1167)

"شرح السنة"(6/205) .

(1168)

رواه البخاري (3/240) في الزكاة: باب أجر المرأة إذا تصدقت..، وفي البيوع، ومسلم رقم (1024) في الزكاة: باب أجر الخازن الأمين..، وأبو داود رقم (1685) ، والترمذي رقم (671) ، (672) ، والنسائي (5/65) .

ص: 487

كما قال لأسماء: " لا توعي فيوعى عليك " وعلى هذا يخرج ما روي عن عمير مولى آبي اللحم قال: كنت مملوكًا، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتصدق من مال مَوالِي بشيء؟ قال: " نعم، والأجر بينكما نصفان "(1169) اهـ.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فله نصف الأجر "(1170) .

وتقييده بقوله: " من غير أمره " قال النووي رحمه الله: (معناه من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين، ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره، وذلك الإذن الذي قد "

" (*) سابقًا إما بالصريح وإما بالعرف، ولابد من هذا التأويل لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الأجر مناصفة، وفي رواية أبي داود: " فلها نصف أجره، ومعلوم أنها إذا أنفقت من غير إذن صريح ولا معروف من العرف فلا أجر لها بل عليها وزر، فتعين تأويله) ، ثم قال:(واعلم أن هذا كله مفروض في قدر يسير يعلَم رضا المالك به في العادة، فإن زاد على المتعارف لم يجز، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة " فأشار إلى أنه قدر يعلم رضا الزوج به في العادة) قال: (ونبه بالطعام أيضا على ذلك لأنه يسْمَحُ به في العادة، بخلاف الدراهم والدنانير في حق أكثر الناس، وفي كثير من الأحوال)(1171) اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: (ويحتمل أن يكون المراد بالتصنيف في حديث الباب الحمل على المال الذي يعطيه الرجل في نفقة

(1169) رواه مسلم رقم (1025) في الزكاة: باب ما أنفق العبد من مال مولاه. (1170) رواه البخاري (4/255) في البيوع: باب قوله تعالى: (أنفقوا من طيبات ما كسبتم) وفي النفقات، ومسلم رقم (1026) في الزكاة: باب أجر الخازن الأمين، وأبو داود رقم (1687) ، في الزكاة. (*) بياض بالأصل.

(1171)

" شرح النووي"(7/112 - 113) .

ص: 488

المرأة، فإذا أنفقت منه بغير علمه كان الأجر بينهما: للرجل لكونه الأصل في اكتسابه، ولكونه يؤجر على ما ينفقه على أهله كما ثبت من حديث سعد ابن أبي وقاص وغيره، وللمرأة لكونه من النفقة التي تختص بها، ويؤيد هذا الحمل ما أخرجه أبو داود عقب حديث أبي هريرة هذا قال في المرأة تصدق من بيت زوجها؟ قال:" لا، إلا من قُوتِها، والأجر بينهما "، ولا يحل لها أن تصدق من مال زوجها إلا بإذنه) (1172) اهـ.

هل للمرأة حرية التصرف في مالها بدون إذن زوجها؟

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو مرفوعا: " لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها "(1173)، وقد ورد الحديث نفسه بلفظ:" لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عِصمتها "(1174) .

وعن عبد الله بن يحيى الأنصاري - رجل من ولد كعب بن مالك - عن أبيه عن جده: (أن جدته خيرة امرأة كعب بن مالك أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلي لها، فقالت:" إني تصدقت بهذا"، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها، فهل استأذنتِ كعبًا؟ "، قالت:" نعم"، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كعب بن مالك، فقال: " هل أذنت

(1172)" فتح الباري"(9/297) ط. السلفية.

(1173)

رواه الإمام أحمد رقم (6681) ، والطيالسي (2267) ، وأبو داود رقم (3547) في البيوع، والنسائي (5/65، 66) في الزكاة، (6/278) في العمرى، والبيهقي (6/278) ، وصححه العلامة أحمد شاكر في " تحقيق المسند"(11/17) .

(1174)

رواه الإمام أحمد رقم (7058) ، وأبو داود رقم (3546) في البيوع، النسائي (6/278) بلفظ " هبة " بدل " أمر "، والحاكم (2/47) ، وصححه، ووافقه الذهبي، والبيهقي (6/60) ، وصححه العلامة أحمد شاكر رحمه الله في "تحقيق المسند"(12/17-18) .

ص: 489

لخيرة أن تتصدق بحُلِيها؟ " فقال: " نعم "، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها) (1175) .

قال الخطابي في قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها ": (عند أكثر الفقهاء هذا على معنى حسن العشرة، واستطابة نفس الزوج بذلك، إلا أن مالك بن أنس قال: " تَرُدُ ما فعلت من ذلك حتى يأذن الزوج "، وقد يحتمل أن يكون ذلك في غير الرشيدة، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنساء: " تصدقن "، فجعلت المرأة تلقى القرط والخاتم، وبلال يتلقاها بكسائه (1176) ، وهذه عطية بغير إذن أزواجهن) (1177) انتهى.

وقال السندي رحمه الله: (ونقل عن الشافعي أن الحديث ليس بثابت، وكيف نقول به والقرآن يدل على خلافه ثم السنة ثم الأثر ثم المعقول؟ ويمكن أن يكون هذا في موضع الاختيار مثل:" ليس لها أن تصوم وزوجها حاضر إلا بإذنه " فإن فعلت جاز صومها، وإن خرجت بغير إذنه فباعت، جاز بيعها، وقد أعتقت ميمونة قبل أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب ذلك عليها، فدل هذا مع غيره على أن هذا الحديث إن ثبت فهو محمول على الأدب والاختيار.

وقال البيهقي: إسناد هذا الحديث إلى عمرو بن شعيب صحيح، فمن

(1175) رواه ابن ماجه رقم (2389) ، والطحاوي في " شرح معاني الآثار "(2/403)، قال الطحاوي:"حديث شاذ لا يثبت"، وقال ابن عبد البر:(إسناده ضعيف لا تقوم به الحجة "، وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه" رقم (1935) .

(1176)

انظر تخريجه في " القسم الثالث " ص (356) .

(1177)

نقله عنه في " عون المعبود "(9/463) .

ص: 490

أثبت عمرو بن شعيب لزمه إثبات هذا إلا أن الأحاديث المعارضة له أصح إسنادًا، وفيها وفي الآيات التي احتج بها الشافعي دلالة على نفوذ تصرفها في مالها دون الزوج، فيكون حديث عمرو بن شعيب محمولا على الأدب والاختيار، كما أشار إليه الشافعي، والله تعالى أعلم) (1178) اهـ.

وقال الشوكاني رحمه الله معلقًا على نفس الحديث:

(وقد استدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز للمرأة أن تعطي عطية من مالها بغير إذن زوجها ولو كانت رشيدة، وقد اختُلِفَ في ذلك: - فقال الليث: لا يجوز لها ذلك مطلقًا لا في الثلث، ولا فيما دونه إلا في الشيء التافه.

- وقال طاوس ومالك: إنه يجوز لها أن تعطي مالها بغير إذنه في الثلث لا فيما فوقه، فلا يجوز إلا بإذنه.

- وذهب الجمهور إلى أنه يجوز لها مطلقا من غير إذن من الزوج إِذا لم تكن سفيهة، فإن كانت سفيهة لم يجز، قال في " الفتح ":" وأدلة الجمهور من الكتاب والسنة كثيرة " انتهى.

وقد استدل البخاري في صحيحه على جواز ذلك بأحاديث ذكرها في باب هبة المرأة لغير زوجها من كتاب الهبة، ومن جملة أدلة الجمهور حديث جابر (1179) المذكور قبل هذا، وحملوا حديث الباب على ما إذا كانت سفيهة غير رشيدة، وحمل مالك أدلة الجمهور على الشيء اليسير، وجعل حَده الثلثَ فما دونه.

ومن جملة أدلة الجمهور الأحاديث المتقدمة في أول الباب (1180)

(1178)"حاشية السندي على سنن النسائي"(6/279) .

(1179)

تقدمت الإشارة إليه آنفا برقم (1176) .

(1180)

الإشارة هنا إلى نفس الأحاديث المتقدمة بالأرقام (1163) ، (1168) ، =

ص: 491

القاضية بأنه يجوز لها التصدق من مال زوجها بغير إذنه، وإذا جاز لها ذلك في ماله بغير إذنه، فبالأولى الجواز في مالها؛ والأولى أن يقال:" يتعين الأخذ بعموم حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وما ورد من الواقعات المخالفة له تكون مقصورة على مواردها، أو مخصصة لمثل من وقعت له من هذا العموم، وأما مجرد الاحتمالات فليست مما تقوم به حجة "(1181) اهـ.

وبنحو هذا الذي رجحه الشوكاني رحمه الله قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في" سلسلة الأحاديث الصحيحة" معلقًا على حديث وائلة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس للمرأة أن تنتهك شيئًا من مالها إلا بإذن زوجها "(1182) :

(وهذا الحديث رقم (775) ، وما أشرنا إليه مما في معناه يدل على أن المرأة لا يجوز لها أن تتصرف بمالها الخاص بها إِلا بإذن زوجها، وذلك من تمام القوامة التي جعلها ربنا تبارك وتعالى له عليها، ولكن لا ينبغي للزوج - إذا كان مسلمًا صادقًا - أن يستغل هذا الحكم، فيتجبر على زوجته، ويمنعها من التصرف في مالها فيما لا ضير عليهما منه، وما أشبه هذا الحق بحق ولي البنت التي لا يجوز لها أن تزوج نفسها بدون إذن وليها، فإذا أعضلها رفعت الأمر إلى القاضي الشرعي لينصفها، وكذلك الحكم في مال المرأة إذا جار عليها زوجها، فمنعها من التصرف الشروع في مالها، فالقاضي ينصفها أيضًا، فلا إشكال على الحكم نفسه، وإنما الإشكال في سوء التصرف به، فتأمل) (1183) اهـ.

= (1169) ، (1170) .

(1181)

"نيل الأوطار"(6/22)

(1182)

عزاه الألباني في " الصحيحة " رقم (775) إلى تمام في" الفوائد "، وعزاه السيوطي للطبراني في " الكبير"، وقال المناوي:(قال الهيثمي: وفيه جماعة لم أعرفهم) اهـ، وصححه الألباني لشواهده.

(1183)

" سلسلة الأحاديث الصحيحة "(2/338) حديث رقم (775)، وانظر: =

ص: 492

9-

ومن حقه عليها أن لا تطالبه مما وراء الحاجة، وما هو فوق طاقته، فترهقه من أمره عسرًا، بل عليها أن تتحلى بالقناعة، والرضى بما قسم الله لها من الخير.

فيجب على الزوجة أن تقدر طاقة زوجها المالية، وتقتصد في ماله، فلا تهدره بطرًا وبغير حق، ولا ترهقه بطلباتها غير الضرورية من متاع الدنيا خصوصا إذا فاقت إمكاناته، فذلك يزعجه ويؤلمه، لأنه لا يستطيع تحقيق هذه المطالب، ويعز عليه أن يظهر أمام زوجته بمظهر العاجز الذي لا يملك تنفيذ ما تطلب.

وعليها أذ تصحب زوجها بالقناعة، فلا تتطلع إلى ما عند الغير، ولا تحاكي أترابها من نساء الأقارب والجيران والمعارف في اقتناء الكماليات، بل عليها أن توجه مال الله للبذل في سبيل الله عز وجل ليكون رصيدًا لهما يوم القيامة.

وعليها أن تتأسى بأمهات المؤمنين رضي الله عنهن، فقد كانت حياتهن كفافًا، وربما خلت بيوتهن من الطعام، ولقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا من الضوابط ما يأخذ نفوسنا بالقناعة، حين أمرنا أن ننظر إلى من هو أقل منا عيشا، وأضيق رزقا، لأن ذلك يبعثنا على شكر النعمة التي غمرنا الله بها، ويُقَوي فينا الشعور بالرضا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم "(1184) ، وهذا في حظوظ الدنيا، أما في الدين فإن المسلمة مأمورة بعلو الهمة، والتنافس في الخيرات، والاجتهاد في الصعود إلى مستوى من هو أرقى وأرفع منزلة، وهل في عالم

= " فيض القدير "(5/378) .

(1184)

انظر تخريجه في " القسم الثالث " ص (173-174) .

ص: 493

النساء منذ خلقه الله إلى اليوم مَن تُسامي أمهات المؤمنين وبنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء المهاجرين والأنصار، هيهات هيهات، ومع ذلك كانت حياتهن كفافًا، وربما خلت بيوتهن من الطعام.

فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: " ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم (1185) .

وعن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: "والله يا ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار "، قلت: يا خالة، فما كان يُعيشُكم؟ قالت:" الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح (1186) ، فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقيناه "(1187) .

قال فضيلة الدكتور محمد الصباغ حفظه الله:

(إن القناعة سبب السعادة.. فالغنى غنى النفس.. وإذا ترك المرء نفسه على سجيتها لا يشبعها شيء، كما قال الهذلي:

والنفس راغبة إذا رغبتها

وإذا ترد إلى قليل تقنع

وكما قال البوصيري:

والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" لو أن لابن آدم واديًا من ذهب لتمنى أن يكون له اثنان ولن يملأ

(1185) رواه البخاري (9/549) ط. السلفية في الأطعمة، والرقاق (11/282) ، ومسلم واللفظ له رقم (2970) في الزهد.

(1186)

منايح: جمع منيحة: وهى الشاة والناقة يعطيها صاحبها، يُشرَب لبنُها، ثم يردها.

(1187)

رواه البخاري (11/283) في الرقاق، ومسلم رقم (2972) في الزهد.

ص: 494

عينه إلا التراب ويتوب الله على من تاب " (1188) .

ومن هنا أشار رسول الله إلى أن الإنسان الذي ينظر إلى من كان فوقه في الدنيا يزدرى نعمة الله عليه.

وقال بعض الصالحين: " يا ابن آدم إذا سلكت سبيل القناعة فأقل شيء يكفيك، وإلّا فإن الدنيا وما فيها لا تكفيك ".

إن القناعة تضفي على النفس الرضى والسعادة والطمأنينة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ارض بما قسم الله لك تكن أسعدَ الناس (1189) .

ولقد قال الله تبارك وتعالى مخاطبًا نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم: (ولا تمدّن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى)(طه: 131) .

وقال تعالى: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض، للرجال نصيب ممّا اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله، إن الله كان بكل شيء عليمًا (النساء: 32) في هذه الآية نهي عن التمني، وتبيان للنهج السليم، وهو أن يسأل الله من فضله، فخزائنه لا تنفد، وعطاؤه لا حد له.

وقد قصَّ علينا القرآن الكريم قصة قارون، وهي قصة مليئة بالمواعظ

(1188) رواه بنحوه البخاري (6439) في الرقاق: باب ما يتقى من فتنة المال، ومسلم رقم (1048) في الزكاة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(1189)

رواه بنحوه الترمذي رقم (2305) وقال: (حديث غريب، والحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئا) ، والطبراني في " الصغير"(2/104) ، والإمام أحمد (2/310) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وضعفه الألباني في " تخريج أحاديث مشكلة الفقر" رقم (17) ص (20) .

ص: 495

والدروس النافعات:

(فخرج على قومه في زينته. قال الذين يريدون الحياة الدنيا: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون، إنه لذو حظ عظيم. وقال الذين أوتوا العلم: ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحًا، ولا يلقاها إلا الصابرون. فخسفنا به وبداره الأرض، فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون: ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، لولا أن منِّ الله علينا لخسف بنا، ويكأنه لا يفلح الكافرون)(القصص: 79 - 82) .

فلندع المقارنات والموازنات الفارغة، ولنرض بما قسم الله لنا بعد أن نستفرغ الجهد ونبذل الطاقة في تحصيل ما كتب الله لنا من الرزق الحلال، ففي ذلك سعادتنا في الدنيا ونجاتنا في الآخرة يوم يقوم الناس لرب العالمين) (1190) اهـ.

إن المرأة في هذا العصر - إلا من رحم الله - قد راحت تعبد المظاهر، وتستهويها الزخارف، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن تعلق النساء بالمظاهر والزينة من حرير وحُلي سبب للهلاك في الدنيا والآخرة:

أما في الدنيا: فعن أبي سعيد رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خطب خطبة فأطالها، وذكر فيها أمر الدنيا والآخرة، فذكر أن أول ما هلك بنو إسرائيل أن امرأة الفقير كانت تكلفه من الثياب أو الصيغ - أو قال: من الصِّيغة - ما تُكلِّف امرأة الغني) (1191) الحديث.

وأما في الآخرة: فإن انشغال المرأة بالحرير والذهب عن طاعة ربها

(1190)" نظرات في الأسرة المسلمة" بتصرف ص (112-114) .

(1191)

رواه ابن خزيمة في " التوحيد" ص (208)، وقال الألباني:" إسناده صحيح على شرط مسلم " في السلسلة الصحيحة " رقم (591) .

ص: 496

يعوقها عن السمو إلى المنازل العليا في الجنة.

يروى عن أبي أمامة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أريتُ أني دخلت الجنة فإذا أعالي أهل الجنة فقراء المهاجرين وذراري المؤمنين، وإذا ليس فيها أحد أقل من الأغنياء والنساء، فقيل لي: أما الأغنياء فإنهم على الباب يحاسبون ويمحصون، وأما النساء فألهاهن الأحمران: الذهب والحرير "(1192) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ويل للنساء من الأحمرين: الذهب والمعصفر "(1193)، ومع أنه صلى الله عليه وسلم أباح الذهب والحرير للنساء غير أنه صلى الله عليه وسلم:" كان يمنع أهله الحلية، والحرير، ويقول: " إن كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها، فلا تلبسوها في الدنيا " (1194) ، ولعل ذلك مخصوص بهن ليؤثروا الآخرة على الدنيا.

10-

ومن حقه عليها أن تشكر له ما يجلب لها من طعام وشراب وثياب وغير ذلك مما هو في قدرته، وتدعو له بالعِوض والإخلاف، ولا تكفر نعمته عليها:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1192) عزاه في " الترغيب والترهيب" إلى أبي الشيخ ابن حبان وغيره من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم عن أبي أمامة رضي الله عنه (3/101) .

(1193)

أخرجه ابن حبان (1464) ، والديلمي في " الفردوس "(5/115)، وقال الألباني في " الصحيحة" رقم (339) :(وهذا إسناد جيد) اهـ. ونقل المناوي في " الفيض" عن "مسند الفردوس": (يعني يتحلين بحلي الذهب، ويلبسن الثياب المزعفرة، ويتبرجن متعطرات متبخترات كأكثر نساء زماننا، فيفتن بهن) اهـ (6/368) .

(1194)

أخرجه النسائي (8/156) ، وابن حبان (1463) ، والحاكم (4/191) ، والإمام أحمد (4/145) ، وصححه الألباني في " الصحيحة" رقم (338) .

ص: 497

" لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها، وهي لا تستغني عنه "(1195) .

إن مجرد تناسي الزوجة فضل زوجها وجحوده، قد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم كفرَا، وجعله الله سببا لدخول فاعلته نار جهنم: فعن أسماء ابنة زيد الأنصارية رضي الله عنها قالت: (مرَّ بي النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا في جوار أتراب لي، فسلم علينا، وقال: " إياكُن وكُفْرَ المنعمين "، فقلت: يا رسول الله وما كفر المنعَّمين؟ " قال: " لعل إحداكن تطولُ أيمَتُها من أبويها، ثم يرزقها الله زوجًا، ويرزقها منه ولدا، فتغضب الغضبة فتكفر، فتقول: مارأيت منكَ خيرًا قط " (1196) .

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنساء: " يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار "، فقلن:" وبم ذلك يا رسول الله؟ "، قال:" تكثرن اللعن، وتكفرن العشير "(1197) الحديث.

11-

ومن حقه عليها: خدمته، وتدبير المنزل، وتهيئة أسباب المعيشة به:

من طبخ وكنس وفرش وتنظيف للأواني، وذلك لتدع للرجل فرصة

(1195) قال المنذرى: (رواه النسائي والبزار بإسنادين رواة أحدهما رواة الصحيح، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد" اهـ (3/78)، وقال الهيثمي:(رواه البزار بإسنادين والطبراني وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح) اهـ (4/309) ، وقد صححه الإمام عبد الحق الأشبيلي بسكوته عليه في " الأحكام الكبرى" وإيراده إياه في " الأحكام الصغرى" التي خصها بالحديث الصحيح - وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة، رقم (289) .

(1196)

أخرجه البخاري في " الأدب المفرد"(1048)، وقال الألباني:" إسناده جيد" كما في " الصحيحة" رقم (823) .

(1197)

أخرجه البخاري (3/325) ط. السلفية في الزكاة: باب الزكاة على الأقارب، والعشير: الزوج المعاشر.

ص: 498

للعلم والعمل، فإن المرأة الصالحة عون على الدين بهذه الطريق، ولذلك قال أبو سليمان الداراني رحمه الله:" الزوجة الصالحة ليست من الدنيا، فإنها تفرغك للآخرة "(1198) .

وعن حصين بن محصن قال: (حدثتني عمتي قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الحاجة، فقال: " أي هذه! أذاتُ بعل "؟ قلت: " نعم"، قال: " كيف أنت له؟ " قلت: " ما آلوه (1999) إلا ما عجزت عنه "، قال: " فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك " (1200) .

قال محدث الشام ناصر الدين الألباني: (قلت، والحديث ظاهر الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها، وخدمتها إياه في حدود استطاعتها، ومما لا شك فيه أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله، وما يتعلق به من تربية أولاده ونحو ذلك)(1201) اهـ.

وعن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: (دخلت أيم العرب على سيد المسلمين صلى الله عليه وسلم أول العشاء عَروسا، وقامت آخِرَ الليل تطحن - يعنى: أم سلمة)(1202) .

وعن أنس رضي الله عنه قال: " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زفوا امرأة إلى زوجها يأمرونها بخدمة الزوج ورعاية حقه "(1203) .

(1198)"الإحياء"(4/699) .

(1199)

ما آلوه: أي لا أقصر في طاعته وخدمنه.

(1200)

تقدم برقم (1042) .

(1201)

انظر: "آداب الزفاف" ص (286) .

(1202)

" سير أعلام النبلاء"(2/205)

(1203)

راجع رقم (1039)، وانظر:"المرأة المسلمة" لوهبي غاوجي ص (150) .

ص: 499

(قال عَلىُّ عليه السلام: لقد تزوجت فاطمة وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل، ونضعه على الناضح بالنهار، وما لي ولها خادم غيرها، ولما زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل بي معها بخميلة ووسادة آدم حشوها ليف، ورحاءين وسقاء وجرتين، فَجَرت بالرحاء حتى أثرت في يدها، واستقت بالقِربة حتى أثرت القربة بنحرها، وَقَمَّت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القِدر حتى دنست ثيابها (1204) .

وعن أبي البَختَرِي قال علي رضي الله عنه لأمه: " اكفى فاطمة الخدمة خارجًا، وتكفيكِ هي العملَ في البيت، والعَجْن والخبز والطحن "(1205) .

وعن علي رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوَّج فاطمة بعث معها بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف، ورحاءين، وسقاءين، قال: فقال علي لفاطمة يومَا: " لقد سنوت (1206) حتى اشتكيت صدري، وقد جاء الله بسبي، فاذهبي، فاستخدمي"، فقالت: " وأنا والله، قد طحنت حتى مجلت (1207) يداي "، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما جاء بك أي بنية،؟ فقالت:" جئت لأسَلمَ عليك"، واستحيت أن تسأله، ورجعت، فأتياه جميعًا فذكر له عليٌّ حالهما، قال:" لا والله، لا أعطيكما، وأدعُ أهل الصفة تتلوى بطونهم، لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيع وأنفق عليهم أثمانهم "، فرجعا، فأتاهما وقد دخلا قطيفتهما، إذا غطيا رؤوسهما بدت "أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما انكشفت رؤوسهما، فثارا،

(1204)"أحكام النساء" لابن الجوزي ص (124) .

(1205)

" سير أعلام النبلاء"(2/125) .

(1206)

سنوت الدلو: إذا جررتها من البئر.

(1207)

مجلت يدها: ثخن جلدها، وظهر فيها ما يشبه البثر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة.

ص: 500

فقال: " مكانكما ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟ " فقالا: " بلى"، فقال:" كلمات علمنيهن جبريل: تسبحان في دبر كل صلاة عشرًا، وتحمدان عشرا، وتكبران عشرا، وإذا أويتما إلى فراشكما فَسَبِّحا ثلاًثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعًا وثلاثين "، قال علي:" فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن "، وقال له ابن الكواء:" ولا ليلة صفين؟ " فقال: " قاتلكم الله يا أهل الطروق، ولا ليلة صفين "(1208) .

قال ابن حبيب في" الواضحة": (حكم النبي صلى الله عليه وسلم بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبين زوجته فاطمة رضي الله عنها حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم عَلَى فاطمة بالخدمة الباطنة خدمة البيت، وحكم على عَلِيٍّ بالخدمة الظاهرة، ثم قال ابن حبيب: والخدمة الباطنة: العجين، والطبخ، والفرش، وكنس البيت، واستقاء الماء، وعمل البيت كله)(1209) .

وقال ابن حجر: قال الطبري: (يؤخذ من حديث عليّ رضي الله عنه في شكوى فاطمه أن كل من كانت لها طاقة من النساء على خدمة بيتها من خبز وطحن وغير ذلك أن ذلك لا يلزم الزوج إذا كان معروفا أن مِثلها يلي ذلك بنفسه، ووجه الأخذ أن فاطمة لما سألت أباها الخادم فلم يأمر زوجها أن يكفيها ذلك إما بإخدامها بخادم أو باستئجار من يقوم بذلك، أو يتعاطى ذلك بنفسه، ولو كانت على الزوج لأمره به، كما أمره أن يسوق الصداق قبل الدخول)(1210) اهـ.

(1208) أخرجه البخاري (7/71) في فضائل الصحابة: باب مناقب علي بن أبي طالب، وفي فرض الخمس (6/215) ، والنفقات (9/506) ، والدعوات (11/119)، ومسلم (2727) في الذكر والدعاء: باب التسبيح أول النهار وعند النوم، وانظر:" الإصابة "(8/58-59) .

(1209)

نقله عنه في " زاد المعاد"(5/186) .

(1210)

"فتح الباري"(9/506 - 507) .

ص: 501

وعن أسماء رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أخدم الزبير خدمة البيت كُله، وكان له فرَس، وكنت أسُوسُه، وكنت أحتَش له، وأقوم عليه)(1211) .

وعنها رضي الله عنها: (أنها كانت تعلف فرسه، وتسقي الماء، وتَخْرِز الدلوَ، وتَعجِن، وتنقُل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ)(1212) .

وقالت رضي الله عنها: (تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولا شيء غير فرسه وناضحه (1213) ، فكنت أعلف فرسه، - زاد مسلم: وأسوسه - وأدق النوى لناضحه، وأستقي الماء وأخرز غربه (1214) ، وأعجن، وكنت أنقل النوى على رأسي من ثلثي فرسخ (1215) ، حتى أرسل إلي أبو بكر بجارية، فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني، فجئت يومًا والنوى على رأسي، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إخ، إخ، يستنيخ ناقته ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، - وكان أغير الناس- فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت، فجئت الزبير فحكيت له ما جرى، فقال: والله لحملك النوى على رأسك أشد علي من ركوبك معه صلى الله عليه وسلم (1216) .

(1211) أخرجه الإمام أحمد في " المسند"(6/352) ، وصححه ابن القيم في " الزاد"(5/187) .

(1212)

أخرجه الإمام أحمد في " المسند"(6/347) ، وصححه ابن القيم في " الزاد "(5/187) .

(1213)

أي بعيره الذي يستقي عليه.

(1214)

أي: أخيط دلوه بالخرز.

(1215)

والفرسخ: ثلاثة أميال، وثلثاه: 36 و 3 كم.

(1216)

رواه البخاري (9/ 281، 282) ، ومسلم (2182) ، وابن سعد في "الطبقات"(8/250) ، والإمام أحمد (6/347، 352) .

ص: 502

وقد اختلف العلماء في حكم خدمة المرأة زوجها، وحقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " الفتاوى" فقال: (وتنازع العلماء: هل عليها أن تخدمه في مثل فراش المنزل، ومناولة الطعام والشراب، والخبز والطحن لمماليكه وبهائمه مثل علف دابته ونحو ذلك؟

فمنهم من قال: لا تجب الخدمة، وهذا ضعيف كضعف قول من قال: لا تجب عليه العشرة والوطء! فإن هذا ليس معاشرة له بالمعروف، بل الصاحب في السفر الذي هو نظير الإنسان وصاحبه في المسكن، إن لم يعاونه على مصلحته لم يكن قد عاشره بالمعروف، وقيل- وهو الصواب - وجوب الخدمة، فإن الزوج سيدها في كتاب الله - وهي عانية عنده بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى العاني والعبد الخدمة، لأن ذلك هو المعروف.

ثم من هؤلاء من قال: تجب الخدمة اليسيرة، ومنهم من قال: تجب الخدمة بالمعروف، وهذا هو الصواب، فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة) (1217) اهـ.

قال الألباني حفظه الله معقبًا على كلام شيخ الإسلام رحمه الله: قلت: (وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى أنه يجب على المرأة خدمة البيت، وهو قول مالك وأصبغ، كما في " الفتح" (9/418) ، وأبي بكر ابن أبي شيبة، وكذا الجوزجاني من الحنابلة كما في " الاختيارات" ص (145) ، وطائفة من السلف والخلف كما في " الزاد"(4/46) ، ولم نجد لمن قال بعدم الوجوب دليلا صالحًا، وقول بعضهم: "إن عقد النكاح

(1217) انظر " الفتاوى الكبرى"(34/90) ، (32/260) ، (28/384) .

ص: 503

إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام " مردود بأن الاستمتاع حاصل للمرأة أيضًا بزوجها فهما متساويان في هذه الناحية، ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أوجب على الزوج شيئا آخر لزوجته ألا وهو نفقتها وكسوتها ومسكنها، فالعدل يقتضي أن يجب عليها مقابل ذلك شيء آخر أيضا لزوجها، وما هو إلا خدمتها إياه، سيما وهو القوام عليها بنص القرآن الكريم كما سبق، وإذا لم تقم هي بالخدمة فسيضطر هو إلى خدمتها في بيتها، وهذا يجعلها هي القوامة عليه، وهو عكس للآية القرآنية كما لا يخفى، فثبت أنه لابد لها من خدمته، وهذا هو المراد، وأيضًا: فإن قيام الرجل بالخدمة يؤدي إلى أمرين متباينين تمام التباين: أن ينشغل الرجل بالخدمة عن السعي وراء الرزق وغير ذلك من المصالح، وتبقى المرأة في بيتها عطًلا عن أي عمل يجب عليها القيام به، ولا يخفى فساد هذا في الشريعة، التي سوت بين الزوجين في الحقوق، بل وفضلت الرجل عليها درجة، ولهذا لم يُزِل رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوى ابنته فاطمة علبها السلام) (1218) اهـ.

وقال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى مؤيدًا القول بالوجوب:

(وأيضا فإن العقود المطلقة إنما تنزَل على العرف، والعُرف خدمة المرأة، وقيامها بمصالح البيت الداخلة، وقولهم:" إن خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرعًا وإحسانًا "، يردُّه أن فاطمة كانت تشتكي ما تلقى مِن الخدمة، فلم يقل لعلي:" لا خدمة عليها، وإنما هي عليك "، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحدًا، ولما رأى أسماء والعلفُ على رأسها، والزبيرُ معه، لم يقل له: لا خدمةَ عليها، وأن هذا ظلمٌ لها، بل أقرَّه على استخدامها، وأقَرَّ سائر أصحابه على استخدام أزواجهم مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية،

(1218)"آداب الزفاف" ص (288-289) .

ص: 504

هذا أمر لا ريب فيه.

ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة، وفقيرة وغنية، فهذه أشرف نساء العالمين كانت تخدِم زوجها، وجاءته صلى الله عليه وسلم تشكو إليه الخدمة، فلم يُشكِها، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المرأة عانيةً، فقال:" اتقوا الله في النساء، فإنهن عَوان عندكم "، والعاني: الأسير، ومرتبة الأسير خدمة من هو تحت يده، ولا ريب أن النكاح نوع من الرق، كما قال بعض السلف: النكاح رِق، فلينظر أحدكم عند مَن يُرِق كريمته، ولا يخفى على المنصف الراجحُ من المذهبين، والأقوى من الدليلين) (1219) اهـ.

(1219)" زاد المعاد"(5/188 - 189) .

ص: 505