الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَهْلٌ يَسْتَأْذِنُونَ بِقَوْلِهِ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} [النور: 29] . قَالَ: وَهَذَا تَخْصِيصٌ لَا نَسْخٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) : ظَاهِرُ النَّظْمِ أَنَّ الِاسْتِئْذَانَ سُنَّةٌ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ كُلِّ مَسْنُونٍ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْوَاجِبَاتِ.
جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْغَايَةِ وَغَيْرِهِمَا. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ النَّاظِمُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَعِبَارَتُهُ: وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ فِي الدُّخُولِ عَلَى غَيْرِهِ ثَلَاثًا فَقَطْ.
قَالَ الْحِجَازِيُّ: قَدْ لَا يَكُونُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ حُجَّةٌ أَعْنِي فِي كَوْنِ الِاسْتِئْذَانِ نَفْسِهِ سُنَّةً، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ يُسَنُّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ فِي الدُّخُولِ عَلَى غَيْرِهِ ثَلَاثًا فَقَطْ أَنَّ الْمُرَادَ صِفَةُ الِاسْتِئْذَانِ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ بَعْدَهُ فَقَطْ أَيْ لَا يَزِيدُ الْمُسْتَأْذِنُ عَلَى الثَّلَاثِ إذَا لَمْ يُجَبْ لِئَلَّا يَكُونَ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ. وَيَحْتَمِلُ كَلَامُ النَّاظِمِ أَيْضًا هَذَا الْمَعْنَى.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ:
ثَلَاثًا وَمَكْرُوهٌ دُخُولٌ لِهَاجِمِ
…
وَلَا سِيَّمَا مِنْ سَفْرَةٍ وَتَبَعُّدِ.
مَطْلَبٌ: فِي صِفَةِ الِاسْتِئْذَانِ
(ثَلَاثًا) أَيْ وَسُنَّةُ اسْتِئْذَانِهِ لِدُخُولِهِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ، فَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى هَذَا فَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا.
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَا وَجْهَ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَالتَّثْلِيثُ فِي الِاسْتِئْذَانِ سُنَّةٌ إلَّا أَنْ يُجَابَ قَبْلَهَا، وَلَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ إنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتَهُ وَإِلَّا زَادَ حَتَّى يَعْلَمَ أَوْ يَظُنَّ أَنَّهُ سَمِعَ، فَإِنْ أُذِنَ لَهُ وَإِلَّا رَجَعَ، وَيَأْتِي فِي النَّظْمِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ» وَصِفَةُ الِاسْتِئْذَانِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ.
«وَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتٍ فَقَالَ أَلِجُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِخَادِمِهِ اُخْرُجْ إلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ، فَقَالَ لَهُ قُلْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
وَقَدَّمَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى أَنَّ صِفَةَ الِاسْتِئْذَانِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَقَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الِاسْتِئْذَانِ فَقَالَ: إذَا اسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا. وَالِاسْتِئْذَانُ السَّلَامُ.
وَالْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى تَقْدِيمِ السَّلَامِ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ.
وَدَلِيلُ الْقَوْلِ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْآدَابِ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَتَى قَوْمًا لَمْ يَسْتَقْبِلْ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ» . وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ سُتُورٌ. حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ صَفْوَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ كِلْدَةَ بْنَ الْجُنَيْدِ أَخْبَرَهُ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ بَعَثَهُ فِي الْفَتْحِ بِلِبَأٍ وَجِدَايَةٍ وَضَغَابِيسَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَعْلَى الْوَادِي. قَالَ فَدَخَلْت عَلَيْهِ وَلَمْ أُسَلِّمْ أَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ارْجِعْ فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ صَفْوَانُ. حَدِيثٌ جَيِّدٌ. وَعَمْرُو بْنُ صَفْوَانَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَفِي لَفْظٍ بِلَبَنٍ وَلَمْ يَقُلْ: وَلَمْ أَسْتَأْذِنْ وَلَمْ يَزِدْ أَأَدْخُلُ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
الْجِدَايَةُ مِنْ أَوْلَادِ الظِّبَاءِ مَا بَلَغَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ سَبْعَةً بِمَنْزِلَةِ الْجَدْيِ فِي أَوْلَادِ الْمُعِزِّ. وَفِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ الْجِدَايَةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الظِّبَاءِ إذَا بَلَغَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ سَبْعَةً، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهَا الذَّكَرَ مِنْهَا، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْجِدَايَةُ بِمَنْزِلَةِ الْعِنَاقِ مِنْ الْغَنَمِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ «أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ بَعَثَ مَعَ أَخِيهِ لِأُمِّهِ كِلْدَةَ بْنِ الْجُنَيْدِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبَنًا وَضَغَابِيسَ وَجِدَايَةَ قَالَ وَالضَّغَابِيسُ صِغَارُ الْقِثَّاءِ» . انْتَهَى.
وَاحِدَتُهَا ضُغْبُوسٌ، وَقِيلَ هُوَ نَبْتٌ يَنْبُتُ فِي أُصُولِ الثُّمَامِ يُسْلَقُ بِالْخَلِّ وَالزَّيْتِ وَيُؤْكَلُ.
وَالثُّمَامُ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ يُقَالُ لِمَا لَا يَعْسُرُ تَنَاوُلُهُ عَلَى طَرَفِ الثُّمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَطُولُ انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَمَكْرُوهٌ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (دُخُولٌ) لِرَجُلٍ (هَاجِمٍ) أَيْ بَغْتَةً عَلَى أَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَنَحْنُحٍ وَلَا اسْتِئْذَانٍ وَلَا تَحَرُّكِ نَعْلٍ، يُقَالُ هَجَمَ عَلَيْهِ هُجُومًا انْتَهَى إلَيْهِ بَغْتَةً أَوْ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَفِي النِّهَايَةِ الْهُجُومُ عَلَى الْقَوْمِ الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ. انْتَهَى.