الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ لُقْمَانُ: ضَرْبُ الْوَالِدِ لِلْوَلَدِ كَمَطَرِ السَّمَاءِ لِلزَّرْعِ. وَكَانَ يُقَالُ: الْأَدَبُ مِنْ الْآبَاءِ، وَالصَّلَاحُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَانَ يُقَالُ: مَنْ أَدَّبَ ابْنَهُ صَغِيرًا قَرَّتْ عَيْنُهُ بِهِ كَبِيرًا.
(تَنْبِيهٌ)
قَدْ صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْفِقْهِ بِأَنَّ عَلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَرْبُهُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْوُجُوبِ.
وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يُعَلِّمَهُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ عِلْمُهُ، أَوْ يُقِيمَ لَهُ مَنْ يُعَلِّمُهُ ذَلِكَ. وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا أَيْضًا: يَجِبُ عَلَى الْأَبِ وَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ تَعْلِيمُ الِابْنِ مَا يَحْتَاجُهُ لِدِينِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «إنَّ لِوَلَدِك عَلَيْك حَقًّا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ الْقَاضِي مِنْ أَئِمَّتِنَا: وَمِمَّا يَجِبُ إنْكَارُهُ تَرْكُ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ لِمَا يَجِبُ تَعْلِيمُهُ وَتَعَلُّمُهُ، نَحْوُ مَا تَعَلَّقَ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَبِمَعْرِفَةِ الصَّلَاةِ وَجُمْلَةِ الشَّرَائِعِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَرَائِضِ وَيَلْزَمُ النِّسَاءَ الْخُرُوجُ لِتَعَلُّمِ ذَلِكَ. وَأَوْجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَعَاهَدَ الْمُعَلِّمَ وَالْمُتَعَلِّمَ لِذَلِكَ وَيَرْزُقَهُمَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قِوَامًا لِلدِّينِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْجِهَادِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا نَشَأَ الْوَلَدُ عَلَى مَذْهَبٍ فَاسِدٍ فَيَتَعَذَّرُ زَوَالُهُ مِنْ قَلْبِهِ. انْتَهَى.
وَقَدْ نَصَّ فُقَهَاؤُنَا عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ تَمْكِينُ الصَّغِيرِ مِنْ لُبْسِ ثَوْبٍ حَرِيرٍ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا مِنْ فِعْلِ كُلِّ مُحَرَّمٍ. فَعَلَى كُلِّ حَالٍ مَتَى تَوَفَّرَتْ الشُّرُوطُ وَجَبَ الْإِنْكَارُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ لَا أَنَّ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ كَمَا قَالَ الْحَجَّاوِيُّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِي زَجْرِ الذِّمِّيِّ إذَا جَهَرَ بِالْمُنْكَرَاتِ
وَإِنْ جَهَرَ الذِّمِّيُّ بِالْمُنْكَرَاتِ
…
فِي الشَّرِيعَةِ يُزْجَرُ دُونَ مُخْفٍ بِمَرْكَدِ
(وَإِنْ جَهَرَ) أَيْ أَظْهَرَ وَأَبَانَ غَيْرَ مُسْتَتِرٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: جَهَرَ كَمَنَعَ عَلَنَ، وَالْكَلَامَ وَبِهِ أَعْلَنَ كَأَجْهَرَ، وَالصَّوْتَ أَعْلَاهُ. وقَوْله تَعَالَى {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153] أَيْ عِيَانًا غَيْرَ مُسْتَتِرٍ (الذِّمِّيُّ) فَاعِلُ جَهَرَ وَنِسْبَتُهُ إلَى الذِّمَّةِ بِمَعْنَى الْعَهْدِ وَالْأَمَانِ وَتُفَسَّرُ الذِّمَّةُ بِالضَّمَانِ أَيْضًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي ذِمَّتِي أَيْ ضَمَانِي، وَالْجَمْعُ ذِمَمٌ، وَهُمْ مَنْ جَوَّزْنَا عَقْدَ الذِّمَّةِ لَهُمْ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس
لِأَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ كِتَابٍ، وَالسَّامِرَةُ مِنْ الْيَهُودِ وَالْإِفْرِنْجِ فِرْقَةٌ مِنْ النَّصَارَى (بِالْمُنْكَرَاتِ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ (فِي الشَّرِيعَةِ) الْمُطَهَّرَةِ وَأَلْ فِيهَا لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، أَيْ فِي شَرِيعَتِنَا الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَجَمْعُهَا شَرَائِعُ (يُزْجَرُ) أَيْ يُمْنَعُ، يُقَالُ زَجَرْته مِنْ بَابِ قَتَلَ مَنَعْته فَانْزَجَرَ وَازْدَجَرَ ازْدِجَارًا وَالْأَصْلُ ازْتَجَرَ عَلَى افْتِعَالٍ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا.
وَتَزَاجَرُوا عَنْ الْمُنْكَرِ مَنَعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَزَجَرَهُ أَيْ حَثَّهُ وَحَمَلَهُ عَلَى السُّرْعَةِ. وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْهَرْ بِالْمُنْكَرَاتِ فِي شَرِيعَتِنَا بَلْ أَخْفَاهَا وَسَتَرَهَا أَنَّهُ لَا يُزْجَرُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ بِقَوْلِهِ (دُونَ) أَيْ غَيْرَ.
وَمِنْ إتْيَانِ دُونَ بِمَعْنَى غَيْرِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» أَيْ فِي غَيْرِ خَمْسِ أَوَاقٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَتَكُونُ دُونَ بِمَعْنَى سِوَى أَيْ سِوَى (مُخْفٍ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَخْفَى يُخْفِي فَهُوَ مُخْفٍ فَإِنْ لَمْ يَجْهَرْ الذِّمِّيُّ بِفِعْلِ الْمُنْكَرَاتِ أَوْ قَوْلِهَا بِأَنْ فَعَلَهَا (بِمَرْكَدِ) أَيْ بِمَوْضِعِ سُكُونٍ يَعْنِي فِي نَحْوِ بَيْتِهِ. يُقَالُ رَكَدَ الْمَاءُ رُكُودًا مِنْ بَابِ قَعَدَ سَكَنَ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الرُّكُودُ السُّكُونُ وَالثَّبَاتُ. فَمَعْنَى مَرْكَدِ مَسْكَنٌ.
قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: إذَا فَعَلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَمْرًا مُحَرَّمًا عِنْدَهُمْ غَيْرَ مُحَرَّمٍ عِنْدَنَا لَمْ نَعْرِضْ لَهُمْ وَنَدْعُهُمْ وَفِعْلَهُمْ سَوَاءٌ أَسَرُّوهُ أَوْ أَظْهَرُوهُ، وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ النَّظْمِ، فَإِنَّهُ حَصَرَ الزَّجْرَ فِي فِعْلٍ مُحَرَّمٍ فِي الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ بِقَيْدِ الظُّهُورِ، وَيَبْقَى إذَا فَعَلُوا مُحَرَّمًا عِنْدَهُمْ دُونَ شَرِيعَتِنَا وَلَوْ ظَاهِرًا أَوْ فِي شَرِيعَتِنَا وَكَانَ خِفْيَةً، سَوَاءٌ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ حُرْمَتَهُ أَوْ لَا. وَأَمَّا إذَا فَعَلُوا مُحَرَّمًا فِي شَرْعِنَا مُجَاهِرِينَ بِهِ وَجَبَ إنْكَارُهُ، سَوَاءٌ اعْتَقَدُوا حِلَّهُ أَوْ لَا.
وَأَمَّا إذَا فَعَلُوا مَا يَعْتَقِدُونَ حُرْمَتَهُ وَهُوَ فِي شَرْعِنَا غَيْرُ مُحَرَّمٍ لَمْ نُنْكِرْ عَلَيْهِمْ وَلَوْ ظَاهِرًا، لِأَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى مَنَعَنَا مِنْ قِتَالِهِمْ وَالتَّعَرُّضِ لَهُمْ إذَا الْتَزَمُوا الْجِزْيَةَ وَالصَّغَارَ، وَهُوَ جَرَيَانُ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَيْضًا فَالْقَصْدُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ إقَامَةُ أَمْرِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ حَاصِلٌ، لَا أَمْرِ دِينِهِمْ الْمُبَدَّلِ الْمُغَيَّرِ. وَأَمَّا إنْ فَعَلُوا أَمْرًا مُحَرَّمًا عِنْدَنَا فَمَا فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ غَضَاضَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يُمْنَعُونَ مِنْهُ. وَيَدْخُلُ فِيهِ نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ يَعْنِي إصَابَتُهَا بِاسْمِ النِّكَاحِ
وَيَنْتَقِضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ. وَلَعَلَّ هَذَا يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْهُ حَيْثُ بَلَغَهُ أَنَّ فِي الْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ تَزَوَّجَ نَصْرَانِيٌّ بِمُسْلِمَةٍ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي حُدُودِ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَأَلْفٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ إخْوَانِنَا ذَكَرَ لِي قِصَّةً عَلَى سَبِيلِ الْمُذَاكَرَةِ، فَإِذَا فِيهَا أَنَّ رَجُلًا كَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ، وَالْحَالُ أَنَّ لَهُ بُنَيَّةً دُونَ الْبُلُوغِ، فَلَمَّا بَلَغَتْ الْبِنْتُ تَزَوَّجَهَا نَصْرَانِيٌّ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهَا لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهَا تَبَعًا، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ لِي كُنْت فِي الْبَلَدِ الْفُلَانِيَّةِ فَإِذَا بِفُلَانٍ النَّصْرَانِيِّ مُتَزَوِّجٌ بِابْنَةِ فُلَانٍ الَّذِي أَسْلَمَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ جِدًّا وَزَوْجُهَا كَبِيرٌ. فَتَعَجَّبْت كَيْفَ قَعَدَتْ لَهُ. فَتَثَبَّتُّ فِي الْقَضِيَّةِ فَإِذَا هِيَ جَلِيَّةٌ، فَرَكِبْت لِبَعْضِ وُلَاةِ أُمُورِ الدِّينِ وَرَكِبَتْ عِدَّةُ خَيَّالَةٍ مِنْ أَتْبَاعِهِ فِي طَلَبِ أَبِي الْبِنْتِ وَزَوْجِهَا وَالْخُورِيِّ وَالْبِنْتِ، فَهَرَبَ الزَّوْجُ وَالْخُورِيِّ وَأَتَى الْأَبُ مُعْتَذِرًا.
فَحَرَّجْت عَلَيْهِ أَنْ لَا يُمَكِّنَ الْخَبِيثَ مِنْ ابْنَتِهِ وَإِلَّا أَجْرَيْت عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا مَا يَسْتَحِقَّانِهِ.
فَذَهَبَ الزَّوْجُ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ قَصَدَ بَعْضَ شُيُوخِ الْإِسْلَامِ فَكَتَبَ لَهُ وَرَقَةً تَتَضَمَّنُ الرِّفْقَ بِهِ، وَأَنَّ هَذَا يُسَامَحُ بِمِثْلِهِ لِكَوْنِ النَّصْرَانِيِّ أَنْهَى لِلشَّيْخِ غَيْرَ الْوَاقِعِ، فَلَمْ أَنْظُرْ إلَى ذَلِكَ وَصَمَّمْت عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا الْإِسْلَامُ وَإِمَّا الْقَتْلُ. فَفَرَّ وَمَكَثَ مُدَّةً فَضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ فَمَا شَعَرْت إلَّا وَالرَّجُلُ أَتَانِي مُسْلِمًا، فَأَعَادَ النِّكَاحَ وَخَرَجَ مِنْ عَامِهِ لِحَجِّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَزِيَارَةِ نَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَمَا أَظْهَرُوهُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فِي شَرْعِنَا تَعَيَّنَ إنْكَارُهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ خَمْرًا جَازَتْ إرَاقَتُهُ، وَإِنْ أَظْهَرُوا صَلِيبًا أَوْ طُنْبُورًا جَازَ كَسْرُهُ. وَإِنْ أَظْهَرُوا كُفْرَهُمْ أُدِّبُوا عَلَى ذَلِكَ. وَيُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْمُغْنِي وَابْنِ رَزِينٍ، وَيُمْنَعُونَ مِمَّا تَتَأَذَّى بِهِ الْمُسْلِمُونَ كَإِظْهَارِ الْمُنْكَرِ مِنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَعْيَادِ وَالصُّلْبَانِ وَالنَّاقُوسِ، وَكَذَا مِنْ إظْهَارِ بَيْعِ مَأْكُولٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ كَالشِّوَاءِ.
وَكَذَا إذَا تَبَايَعُوا بِالرِّبَا فِي سُوقِنَا مُنِعُوا لِأَنَّهُ عَائِدٌ بِفَسَادِ نَقْدِنَا. قَالَهُ الْقَاضِي. فَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْمَنْعِ فِي غَيْرِ سُوقِنَا. وَاسْتَظْهَرَ فِي الْآدَابِ مَنْعَهُمْ مُطْلَقًا لِأَنَّهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا عَلَيْهِمْ.