الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَطْلَبٌ: فِي كَرَاهَةِ الْجُلُوسِ وَالْإِصْغَاءِ إلَى مَنْ يَتَحَدَّثُ سِرًّا بِغَيْرِ إذْنِهِ:
وَأَنْ يَجْلِسَ الْإِنْسَانُ عِنْدَ مُحَدِّثٍ
…
بِسِرٍّ وَقِيلَ احْظَرْ وَإِنْ يَأْذَنْ اُقْعُدْ
(وَ) يُكْرَهُ (أَنْ يَجْلِسَ الْإِنْسَانُ) أَيْ جُلُوسُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ الْإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ نَوْعُ الْعَالَمِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ تَقْدِيرُ الْإِنْسَانِ فِعْلَانِ وَإِنَّمَا زِيدَ فِي تَصْغِيرِهِ يَاءٌ كَمَا زِيدَ فِي تَصْغِيرِ رَجُلٍ وَاوٌ فَقِيلَ رُوَيْجِلٌ وَقَالَ قَوْمٌ أَصْلُهُ إنْسَيَانٌ فَحُذِفَتْ الْيَاءُ اسْتِخْفَافًا لِكَثْرَةِ مَا يَجْرِي عَلَى الْأَلْسِنَةِ فَإِذَا صَغَّرُوهُ رَدُّوهَا، وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إنَّمَا سُمِّيَ الْإِنْسَانُ إنْسَانًا لِأَنَّهُ عُهِدَ إلَيْهِ فَنَسِيَ وَالْأُنَاسُ لُغَةٌ فِي النَّاسِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَخُفِّفَ. قَالَ تَعَالَى {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] وَهُوَ اعْتِدَالُهُ وَتَسْوِيَةُ أَعْضَائِهِ لِأَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ، وَخَلَقَهُ سَوِيًّا أَوْ لَهُ لِسَانٌ زَلِقٌ، وَأَصَابِعُ يَقْبِضُ بِهَا؛ مُزَيَّنًا بِالْعَقْلِ مُؤَدَّبًا بِالْأَمْرِ، مُهَذَّبًا بِالتَّمْيِيزِ، يَتَنَاوَلُ مَأْكُولَهُ وَمَشْرُوبَهُ بِيَدِهِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: لَيْسَ لِلَّهِ خَلْقٌ أَحْسَنُ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا مُتَكَلِّمًا سَمِيعًا بَصِيرًا مُدَبِّرًا حَكِيمًا.
وَيُرْوَى أَنَّ مُوسَى بْنَ عِيسَى الْهَاشِمِيَّ كَانَ يُحِبُّ زَوْجَتَهُ حُبًّا شَدِيدًا؛ فَقَالَ لَهَا يَوْمًا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ تَكُونِي أَحْسَنَ مِنْ الْقَمَرِ، فَاحْتَجَبَتْ عَنْهُ وَقَالَتْ طَلُقْتُ، وَبَاتَ بِلَيْلَةٍ عَظِيمَةٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى الْمَنْصُورُ فَاسْتَحْضَرَ الْفُقَهَاءَ وَسَأَلَهُمْ فَأَجَابَ كُلُّهُمْ بِالطَّلَاقِ إلَّا وَاحِدًا فَقَالَ لَا تَطْلُقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] فَقَالَ الْمَنْصُورُ: الْأَمْرُ كَمَا قَالَ ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى زَوْجَتِهِ بِذَلِكَ. (عِنْدَ مُحَدِّثٍ) لِغَيْرِهِ (بِحَدِيثِ)(سِرٍّ) لَمْ يُدْخِلَاهُ أَوْ يُدْخِلُوهُ إنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ فِي حَدِيثِهِمَا أَوْ حَدِيثِهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَأَنْ لَا يَدْخُلَ أَحَدٌ فِي سِرِّ قَوْمٍ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِيهِ، وَالْجُلُوسُ وَالْإِصْغَاءُ إلَى مَنْ يَتَحَدَّثُ سِرًّا بِدُونِ إذْنِهِ (وَقِيلَ احْظَرْ) أَيْ امْنَعْ مَنْعَ تَحْرِيمٍ لَا كَرَاهَةٍ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنْ اسْتَمَعَ إلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ وَلَيْسَ
بِنَافِخٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَالْآنُكُ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ النُّونِ هُوَ الرَّصَاصُ الْمُذَابُ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يُنَاجِي رَجُلًا فَدَخَلَ رَجُلٌ بَيْنَهُمَا فَضَرَبَ صَدْرَهُ وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا تَنَاجَى اثْنَانِ فَلَا يَدْخُلُ بَيْنَهُمَا الثَّالِثُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا» .
وَبِالْكَرَاهَةِ جَزَمَ صَاحِبُ الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ. وَعِبَارَةُ الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِمَاعُ إلَى كَلَامِ قَوْمٍ يَتَشَاوَرُونَ وَيَجِبُ حِفْظُ سِرِّ مَنْ يَلْتَفِتُ فِي حَدِيثِهِ حَذَرًا مِنْ إشَاعَتِهِ لِأَنَّهُ كَالْمُسْتَوْدَعِ لِحَدِيثِهِ. انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى إفْشَاءِ السِّرِّ وَكِتْمَانِهِ فَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ الْحُرْمَةُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمُسْتَمِعُ لِحَدِيثِ مَنْ يَتَنَاجَوْنَ أَحَدُ الثَّمَانِيَةِ الْمُسْتَحَقِّينَ لِلصَّفْعِ وَقَدْ جَمَعَهُمْ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ:
مَطْلَبٌ: فِي النَّظْمِ الْجَامِعِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّونَ الصَّفْعَ:
قَدْ خُصَّ بِالصَّفْعِ فِي الدُّنْيَا ثَمَانِيَةٌ
…
لَا لَوْمَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا صُفِعَا
الْمُسْتَخِفُّ بِسُلْطَانٍ لَهُ خَطَرٌ
…
وَدَاخِلٌ فِي حَدِيثِ اثْنَيْنِ قَدْ جُمِعَا
وَآمِرٌ غَيْرَهُ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهِ
…
وَجَالِسٌ مَجْلِسًا عَنْ قَدْرِهِ ارْتَفَعَا
وَمُتْحِفٌ بِحَدِيثٍ غَيْرِ حَافِظِهِ
…
وَدَاخِلٌ بَيْتَ تَطْفِيلٍ بِغَيْرِ دُعَا
وَقَارِئُ الْعِلْمِ مَعَ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ
…
وَطَالِبُ النَّصْرِ مِنْ أَعْدَائِهِ طَمَعَا
(وَأَنْ يَأْذَنَ) الْمُحَدِّثُ لِغَيْرِهِ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ (اُقْعُدْ) أَمْرُ إبَاحَةٍ مِنْ الْقُعُودِ وَحُرِّكَ بِالْكَسْرِ لِلْقَافِيَّةِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ أَوْ لَهُمْ، وَلِمَفْهُومِ حَدِيثِ «لَا يَدْخُلُ بَيْنَهُمَا الثَّالِثُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا» وَحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «وَمَنْ اسْتَمَعَ حَدِيثَ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ» نَعَمْ إنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ إنَّمَا أُذِنَ لَهُ حَيَاءً لَمْ يَقْعُدْ عَمَلًا بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَرْأَى عَجُوزٍ لَمْ تُرَدْ وَصِفَاحُهَا
…
وَخَلْوَتُهَا اكْرَهْ لَا تَحِيَّتَهَا اشْهَدْ
(وَمَرْأَى عَجُوزٍ) الْمُرَادُ رُؤْيَتُهَا وَالنَّظَرُ فِيهَا بِلَا شَهْوَةٍ، وَالْعَجُوزُ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْكَبِيرَةُ مِنْ النِّسَاءِ وَلَا تَقُلْ عَجُوزَةٌ أَوْ هِيَ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَجَمْعُهَا عَجَائِزُ وَعُجُزٌ (لَمْ تُرَدْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ
ضَمِيرٌ يَعُودُ إلَى الْعَجُوزِ أَيْ لَمْ تُرِدْهَا النَّفْسُ وَلَمْ تَطْلُبْهَا لِكِبَرِهَا (وَصِفَاحُهَا) أَيْ الْعَجُوزُ الَّتِي لَمْ تُرَدْ لِلْجِمَاعِ وَدَوَاعِيهِ يَعْنِي مُصَافَحَتُهَا (وَخَلْوَتُهَا) أَيْ الْخَلْوَةُ بِهَا (اكْرَهْ) ذَلِكَ أَيْ اعْتَقِدْهُ مَكْرُوهًا لَا حَرَامًا، لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رضي الله عنه جَوَّزَ أَخْذَ يَدِ عَجُوزٍ وَفِي الرِّعَايَةِ وَشَوْهَاءَ.
وَإِنَّمَا كُرِهَتْ الْخَلْوَةُ بِهَا مَعَ كَوْنِهَا غَيْرَ مَطْلُوبَةٍ لِلنَّفْسِ وَلَا مُرَادَةٍ لَهَا لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَالْعَجُوزُ وَإِنْ كَبِرَتْ لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا امْرَأَةً وَمَفْهُومُ نَظْمِهِ أَنَّ رُؤْيَةَ الشَّابَّةِ يَعْنِي غَيْرَ الْفَجْأَةِ وَمُصَافَحَتَهَا وَالْخَلْوَةَ بِهَا حَرَامٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي مُصَافَحَتِهَا هَلْ تُكْرَهُ أَوْ تَحْرُمُ، وَالثَّانِي اخْتِيَارُ الشَّيْخِ، حَمْلَ رِوَايَةِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْعَجُوزِ وَرِوَايَةَ التَّحْرِيمِ عَلَى الشَّابَّةِ. .
(لَا) تُكْرَهُ (تَحِيَّتُهَا) أَيْ الْعَجُوزِ يَعْنِي سَلَامَهَا وَلَا السَّلَامَ عَلَيْهَا (اشْهَدْ) بِذَلِكَ أَوْ اعْلَمْ وَاعْتَقِدْ أَنَّ السَّلَامَ عَلَى الْعَجُوزِ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ كَمَا قَدَّمْنَا
مَطْلَبٌ: فِيمَا يَجُوزُ تَشْمِيتُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ
وَتَشْمِيتُهَا وَاكْرَهْ كِلَا الْخَصْلَتَيْنِ
…
لِلشَّبَابِ مِنْ الصِّنْفَيْنِ بُعْدَى وَأَبْعَدِ
(وَ) كَذَا لَا يُكْرَهُ (تَشْمِيتُهَا) أَيْ الْعَجُوزِ إذَا عَطَسَتْ وَحَمِدَتْ اللَّهَ قَالَهُ الْأَصْحَابُ.
وَحَيْثُ انْتَفَتْ الْكَرَاهَةُ خَلَفَتْهَا الْإِبَاحَةُ فَلَا يَجِبُ تَشْمِيتُهَا وَيَأْتِي (وَاكْرَهْ) أَيْ اعْتَقِدْ الْكَرَاهَةَ وَكُرِهَ (كِلَا الْخَصْلَتَيْنِ) يَعْنِي السَّلَامَ وَالتَّشْمِيتَ، وَكَلِمَةُ كِلَا وَكِلْتَا إذَا أُضِيفَتَا إلَى ظَاهِرٍ لَزِمَتْهُ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ، تَقُولُ جَاءَنِي كِلَا الرَّجُلَيْنِ، وَرَأَيْت كِلَا الرَّجُلَيْنِ.
وَنَظَرْت إلَى كِلَا الرَّجُلَيْنِ وَأَمَّا إذَا أُضِيفَتَا إلَى ضَمِيرٍ أُعْرِبَتَا إعْرَابَ الْمُثَنَّى بِالْأَلِفِ رَفْعًا وَبِالْيَاءِ نَصْبًا وَخَفْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (لِلشَّبَابِ) جَمْعُ شَابٍّ وَهُوَ الْفَتَى، وَالْمُرَادُ هُنَا مَنْ لَيْسَ بِشَيْخٍ (مِنْ) كِلَا (الصِّنْفَيْنِ) أَيْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِنْ امْرَأَةٍ (بُعْدَى وَ) رَجُلٍ (أَبْعَدِ) أَيْ كَوْنُهُمَا أَجْنَبِيَّيْنِ.
فَظَاهِرُ نِظَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الشَّابَّ لَا يُسَلِّمُ وَلَا يُشَمِّتُ الْمَرْأَةَ وَإِنْ عَجُوزًا، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ فِي الْعَجُوزِ.
قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَتَشْمِيتُ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ وَالرَّجُلِ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ الْعَجُوزَ الْبَرْزَةَ وَلَا يُشَمِّتُ الْأَجْنَبِيَّةَ الشَّابَّةَ وَلَا تُشَمِّتْهُ. وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ: وَيُكْرَهُ