الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَطْلَبٌ: فِي وُفُودِ بَنِي تَمِيمٍ
وَفِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ وَابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمْ فِي وُفُودِ بَنِي تَمِيمٍ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، وَالزِّبْرِقَانُ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ، وَقَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ. وَرَبَاحُ بْنُ الْحَارِثِ، وَغَيْرُهُمْ فِي وَفْدٍ عَظِيمٍ يُقَالُ كَانُوا سَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ أَوْ تِسْعِينَ رَجُلًا، «وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ. وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَكَانَا شَهِدَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتْحَ مَكَّةَ وَحُنَيْنًا وَالطَّائِفَ. فَلَمَّا قَدِمَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ قَدِمَا مَعَهُمْ، فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ وَقَدْ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالظُّهْرِ وَالنَّاسُ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَجَّلَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ وَاسْتَبْطَئُوهُ، فَنَادَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَرَاءِ حُجُرَاتِهِ بِصَوْتٍ جَافٍ: يَا مُحَمَّدُ اُخْرُجْ إلَيْنَا، يَا مُحَمَّدُ اُخْرُجْ إلَيْنَا، يَا مُحَمَّدُ اُخْرُجْ إلَيْنَا، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَآذَى ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ صِيَاحِهِمْ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مَدْحَنَا زَيْنٌ، وَإِنَّ شَتْمَنَا شَيْنٌ، نَحْنُ أَكْرَمُ الْعَرَبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَذَبْتُمْ بَلْ مِدْحَةُ اللَّهِ عز وجل الزَّيْنُ وَشَتْمُهُ الشَّيْنُ، وَأَكْرَمُ مِنْكُمْ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ» .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ وَابْنِ جَرِيرٍ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيّ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ الْبَرَاءُ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ الْأَقْرَعُ إنَّهُ هُوَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اُخْرُجْ إلَيْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّ حَمْدِي لَزَيْنٌ وَإِنَّ ذَمِّي لَشَيْنٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاكَ اللَّهُ عز وجل» . انْتَهَى. فَقَالُوا إنَّا أَتَيْنَاك لِنُفَاخِرَك فَأْذَنْ لِشَاعِرِنَا وَخَطِيبِنَا، قَالَ قَدْ أَذِنْت لِخَطِيبِكُمْ فَلْيَقُلْ، فَقَامَ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ الْفَضْلُ وَهُوَ أَهْلُهُ، الَّذِي جَعَلَنَا مُلُوكًا، وَوَهَبَ لَنَا أَمْوَالًا عِظَامًا نَفْعَلُ فِيهَا الْمَعْرُوفَ، وَجَعَلَنَا أَعَزَّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَكْثَرَهُمْ عَدَدًا وَأَيْسَرَهُمْ عُدَّةً، فَمَنْ مِثْلُنَا فِي النَّاسِ، أَلَسْنَا رُءُوسَ
النَّاسِ وَأُولِي فَضْلِهِمْ، فَمَنْ فَاخَرَنَا فَلْيَعْدُدْ مِثْلَ مَا أَعْدَدْنَا، وَإِنَّا لَوْ شِئْنَا أَكْثَرْنَا وَلَكِنَّا نَحْيَا مِنْ الْإِكْثَارِ فِيمَا أَعْطَانَا وَإِنَّا نَقُولُ هَذَا لَأَنْ تَأْتُوا بِمِثْلِ قَوْلِنَا وَأَمْرٍ أَفْضَلَ مِنْ أَمْرِنَا، ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: قُمْ فَأَجِبْ الرَّجُلَ فِي خُطْبَتِهِ، فَقَامَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ خَلْقُهُ، قَضَى فِيهِنَّ أَمْرَهُ، وَسِعَ كُرْسِيَّهُ عِلْمُهُ، وَلَمْ يَكُ شَيْءٌ قَطُّ إلَّا مِنْ فَضْلِهِ، ثُمَّ كَانَ مِنْ قُدْرَتِهِ أَنْ جَعَلَنَا مُلُوكًا وَاصْطَفَى مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ رَسُولًا، أَكْرَمَهُ نَسَبًا، وَأَصْدَقَهُ حَدِيثًا، وَأَفْضَلَهُ حَسَبًا، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ، وَائْتَمَنَهُ عَلَى خَلْقِهِ، فَكَانَ خِيرَةَ اللَّهِ مِنْ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ دَعَا النَّاسَ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ، فَآمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قَوْمِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ، أَكْرَمَ النَّاسِ أَحْسَابًا وَأَحْسَنَ النَّاسِ وُجُوهًا، وَخَيْرَ النَّاسِ فِعَالًا، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ الْخَلْقِ إجَابَةً وَاسْتَجَابَ لِلَّهِ تَعَالَى حِينَ دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحْنُ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَوُزَرَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَمَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مُنِعَ مَالَهُ وَدَمَهُ، وَمَنْ كَفَرَ جَاهَدْنَاهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى أَبَدًا وَكَانَ قَتْلُهُ عَلَيْنَا يَسِيرًا أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالسَّلَامُ. فَقَامَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ فَقَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ: يَا فُلَانُ قُمْ فَقُلْ أَبْيَاتًا يُذْكَرُ فِيهَا فَضْلُك وَفَضْلُ قَوْمِك. فَقَالَ:
نَحْنُ الْكِرَامُ فَلَا حَيٌّ يُعَادِلُنَا
…
نَحْنُ الرُّءُوسُ وَفِينَا يُقْسَمُ الرُّبْعُ
وَكَمْ قَسَرْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ كُلِّهِمُو
…
عِنْدَ النِّهَابِ وَفَضْلُ الْعِزِّ يُتَّبَعُ
وَنُطْعِمُ النَّاسَ عِنْدَ الْمَحَلِّ كُلَّهُمُو
…
مِنْ السَّدِيفِ إذَا لَمْ يُؤْنَسْ الْقَزَعُ
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ:
وَنَحْنُ يُطْعَمُ عِنْدَ الْقَحْطِ مَطْعَمُنَا
…
مِنْ الشِّوَاءِ إذَا لَمْ يُؤْنَسْ الْقَزَعُ
بِمَا تَرَى النَّاسَ تَأْتِينَا سُرَاتُهُمُو
…
مِنْ كُلِّ أَرْضٍ هَوِيًّا ثُمَّ نَصْطَنِعُ
فَنَنْحَرُ الْكَوْمَ عَبْطًا فِي أَرُومَتِنَا
…
لِلنَّازِلِينَ إذَا مَا أُنْزِلُوا شَبِعُوا
فَلَا تَرَانَا إلَى حَيٍّ نُفَاخِرُهُمْ
…
إلَّا اسْتَقَادُوا فَكَانُوا الرَّأْسَ يُقْتَطَعُ
فَمَنْ يُفَاخِرُنَا فِي ذَاكَ نَعْرِفُهُ
…
فَيَرْجِعُ الْقَوْمُ وَالْأَخْبَارُ تُسْتَمَعُ
إنَّا أَبَيْنَا وَلَمْ يَأْبَى لَنَا أَحَدٌ
…
إنَّا كَذَلِكَ عِنْدَ الْفَخْرِ نَرْتَفِعُ
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ:
مِنَّا الْمُلُوكُ وَفِينَا تُنْصَبُ الْبِيَعُ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ غَائِبًا، فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ حَسَّانُ: جَاءَنِي رَسُولُهُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ إنَّمَا دَعَانِي لِأُجِيبَ شَاعِرَ بَنِي تَمِيمٍ، فَخَرَجْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَقُولُ:
مَنَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ إذْ حَلَّ وَسْطَنَا
…
عَلَى أَنْفِ رَاضٍ مِنْ مَعَدٍّ وَرَاغِمِ
مَنَعْنَاهُ لَمَّا حَلَّ بَيْنَ بُيُوتِنَا
…
بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلِّ بَاغٍ وَظَالِمِ
بِبَيْتِ حَرِيدٍ عِزُّهُ وَثَرَاؤُهُ
…
بِجَابِيَةِ الْجَوْلَانِ وَسَطَ الْأَعَاجِمِ
هَلْ الْمَجْدُ إلَّا السُّؤْدُدُ الْعُودُ وَالنَّدَى
…
وَجَاهُ الْمُلُوكِ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ
قَالَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ شِعْرِهِ الزِّبْرِقَانُ. وَفِي سِيرَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَسَّانُ: فَلَمَّا انْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَامَ شَاعِرُ الْقَوْمِ فَقَالَ مَا قَالَ: عَرَضْت فِي قَوْلِهِ، وَقُلْت عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ الزِّبْرِقَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه: قُمْ يَا حَسَّانُ فَأَجِبْ الرَّجُلَ فَقَالَ حَسَّانُ رضي الله عنه:
إنَّ الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتَهُمْ
…
قَدْ بَيَّنُوا سُنَّةً لِلنَّاسِ تُتَّبَعُ
يَرْضَى بِهِمْ كُلُّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ
…
تَقْوَى الْإِلَهِ وَكُلُّ الْخَيْرِ يُصْطَنَعُ
قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا ضَرُّوا عَدُوَّهُمْ
…
أَوْ حَاوَلُوا النَّفْعَ فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا
سَجِيَّةٌ تِلْكَ فِيهِمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ
…
إنَّ الْخَلَائِقَ فَاعْلَمْ شَرُّهَا الْبِدَعُ
إنْ كَانَ فِي النَّاسِ سَبَّاقُونَ بَعْدَهُمْ
…
فَكُلُّ سَبْقٍ لِأَدْنَى سَبْقِهِمْ تَبَعُ
لَا يَرْفَعُ النَّاسُ مَا أَوْهَتْ أَكُفُّهُمْ
…
عِنْدَ الدِّفَاعِ وَلَا يُوهُونَ مَا رَقَعُوا
إنْ سَابَقُوا النَّاسَ يَوْمًا فَازَ سَبْقُهُمْ
…
أَوْ وَازَنُوا أَهْلَ مَجْدٍ بِالنَّدَى مَنَعُوا
أَعِفَّةٌ ذُكِرَتْ فِي الْوَحْيِ عِفَّتُهُمْ
…
لَا يَطْمَعُونَ وَلَا يُرْدِيهِمْ طَمَعُ
لَا يَبْخَلُونَ عَلَى جَارٍ بِفَضْلِهِمْ
…
وَلَا يَمَسُّهُمْ مِنْ مَطْمَعٍ طَبْعُ
إذَا نَصَبْنَا لِحَيٍّ لَمْ نَدِبَّ لَهُمْ
…
كَمَا يَدِبُّ إلَى الْوَحْشِيَّةِ الذَّرَعُ
وَنَسْمُو إذَا الْحَرْبُ نَالَتْنَا مَخَالِبُهَا
…
إذَا الزَّعَانِفُ مِنْ أَظْفَارِهَا خَشَعُوا
لَا يَفْخَرُونَ إذَا نَالُوا عَدُوَّهُمُو
…
وَإِنْ أُصِيبُوا فَلَا خَوْرٌ وَلَا هَلَعُ
كَأَنَّهُمْ فِي الْوَغَى وَالْمَوْتُ مُكْتَنَعُ
…
أُسْدٌ بِحَلْبَةٍ فِي أَرْسَاغِهَا فَدَعُ
خُذْ مِنْهُمُو مَا أَتَوْا عَفْوًا إذَا غَضِبُوا
…
وَلَا يَكُنْ هَمُّك الْأَمْرَ الَّذِي مَنَعُوا
فَإِنَّ فِي حَرْبِهِمْ فَاتْرُكْ عَدَاوَتَهُمْ
…
شَرًّا يُخَاضُ عَلَيْهِ السُّمُّ وَالسَّلَعُ
أَكْرِمْ بِقَوْمٍ رَسُولُ اللَّهِ شِيعَتُهُمْ
…
إذَا تَفَاوَتَتْ الْأَهْوَاءُ وَالشِّيَعُ
أَهْدَى لَهُمْ مِدْحَتِي قَلْبٌ يُوَازِرُهُ
…
فِيمَا أُحِبُّ لِسَانٌ حَائِكٌ صَنِعُ
فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ الْأَحْيَاءِ كُلِّهِمُو
…
إنْ جَدَّ بِالنَّاسِ جِدُّ الْقَوْلِ أَوْ سَمِعُوا
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ «أَنَّ الزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ لَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ قَالَ:
أَتَيْنَاك كَيْمَا يَعْلَمُ النَّاسُ فَضْلَنَا
…
إذَا اخْتَلَفُوا عِنْدَ احْتِضَارِ الْمَوَاسِمِ
بِأَنَّا فُرُوعُ النَّاسِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ
…
وَأَنْ لَيْسَ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ كَدَارِمِ
وَأَنَّا نَذُودُ الْمُعْلِمِينَ إذَا انْتَخُوا
…
وَنَضْرِبُ رَأْسَ الْأَصِيدِ الْمُتَفَاقِمِ
فَإِنَّ لَنَا الْمِرْبَاعَ فِي كُلِّ غَارَةٍ
…
تُغِيرُ بِنَجْدٍ أَوْ بِأَرْضِ الْأَعَاجِمِ
فَقَامَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ:
هَلْ الْمَجْدُ إلَّا السُّؤْدُدُ الْعُودُ وَالنَّدَى
…
وَجَاهُ مُلُوكٍ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ
نَصَرْنَا وَآوَيْنَا النَّبِيَّ مُحَمَّدًا
…
عَلَى أَنْفِ رَاضٍ مِنْ مَعْدٍ وَرَاغِمِ
بِحَيٍّ حَرِيدٍ أَصْلُهُ وَثَرَاؤُهُ
…
بِجَابِيَةِ الْجَوْلَانِ وَسَطِ الْأَعَاجِمِ
نَصَرْنَاهُ لَمَّا حَلَّ وَسْطَ دِيَارِنَا
…
بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلِّ بَاغٍ وَظَالِمِ
جَعَلْنَا بَنِينَا دُونَهُ وَبَنَاتِنَا
…
وَطِبْنَا لَهُ نَفْسًا بِفَيْءِ الْمَغَانِمِ
وَنَحْنُ ضَرَبْنَا النَّاسَ حَتَّى تَتَابَعُوا
…
عَلَى دِينِهِ بِالْمُرْهَفَاتِ الصَّوَارِمِ
وَنَحْنُ وَلَدْنَا مِنْ قُرَيْشٍ عَظِيمَهَا
…
وَلَدنَا نَبِيَّ الْخَيْرِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ
بَنِي دَارِمٍ لَا تَفْخَرُوا إنَّ فَخْرَكُمْ
…
يَعُودُ وَبَالًا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَكَارِمِ
هَبِلْتُمْ عَلَيْنَا تَفْخَرُونَ وَأَنْتُمْ
…
لَنَا خَوَلٌ مَا بَيْنَ ظِئْرٍ وَخَادِمِ
فَإِنْ كُنْتُمُو جِئْتُمْ لِحَقْنِ دِمَائِكُمْ
…
وَأَمْوَالِكُمْ أَنْ تَقْسِمُوا فِي الْمَقَاسِمِ
فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ نِدًّا وَأَسْلِمُوا
…
وَلَا تَلْبَسُوا زِيًّا كَزِيِّ الْأَعَاجِمِ
فَلَمَّا فَرَغَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: وَأَبِي إنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَمُؤْتًى لَهُ، لَخَطِيبُهُ أَخَطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا، وَلَشَاعِرُهُ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا، وَلَأَصْوَاتُهُمْ أَعْلَى مِنْ أَصْوَاتِنَا فَلَمَّا فَرَغَ الْقَوْمُ أَسْلَمُوا، وَجَوَّزَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَحْسَنَ جَوَائِزَهُمْ» .
فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَقَرَّ الشِّعْرَ وَأَمَرَ بِهِ. فَهَلْ بَعْدَ هَذَا يَسُوغُ إنْكَارٌ؟ وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي (مُثِيرِ الْعَزْمِ السَّاكِنِ إلَى أَشْرَفِ الْأَمَاكِنِ) بَابُ ذِكْرِ الشُّعَرَاءِ بِسُوقِ عُكَاظٍ وَتَنَاشُدُهُمْ الْأَشْعَارَ.
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كَانَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ تُضْرَبُ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ أَدْمٍ بِسُوقِ عُكَاظٍ فَتَأْتِيهِ الشُّعَرَاءُ فَتَعْرِضُ عَلَيْهِ أَشْعَارَهَا فَأَوَّلُ مَنْ أَنْشَدَهُ الْأَعْشَى، ثُمَّ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، ثُمَّ أَنْشَدَتْهُ الشُّعَرَاءُ، ثُمَّ أَنْشَدَتْهُ الْخَنْسَاءُ أَبْيَاتَهَا الَّتِي تَقُولُ فِيهَا:
وَإِنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُّ الْهُدَاةُ بِهِ
…
كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ
فَقَالَ وَاَللَّهِ لَوْلَا أَنَّ أَبَا بَصِيرٍ أَنْشَدَنِي آنِفًا لَقُلْت إنَّك أَشْعَرُ أَهْلِ زَمَانِك مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، فَقَامَ حَسَّانُ فَقَالَ لَأَنَا وَاَللَّهِ أَشْعَرُ مِنْهَا وَمِنْك وَمِنْ أَبِيك، فَقَالَ لَهُ النَّابِغَةُ حَيْثُ تَقُولُ مَاذَا؟
فَقَالَ حَيْثُ أَقُولُ:
لَنَا الْجَفَنَاتُ الْغُرُّ يَلْمَعْنَ بِالضُّحَى
…
وَأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةِ دَمًا
وَلَدْنَا بَنِي الْعَنْقَاءِ وَابْنَيْ مُحَرِّقٍ
…
فَأَكْرِمْ بِنَا خَالًا وَأَكْرِمْ بِنَا ابْنَ مَا
فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ إنَّك قُلْت لَنَا الْجَفَنَاتُ فَقَلَّلْتَ عَدَدَك، وَقُلْت يَلْمَعْنَ بِالضُّحَى وَلَوْ قُلْت فِي الدُّجَى لَكَانَ أَفْخَرَ، لِأَنَّ الضِّيفَانَ يَكْثُرُونَ بِاللَّيْلِ، وَقَلَّلْت عَدَدَ أَسْيَافِك وَقُلْت يَقْطُرْنَ وَلَوْ قُلْت يَجْرِينَ لَكَانَ أَكْثَرَ لِلدَّمِ، وَفَخَرْت بِمَنْ وَلَدْته، وَلَمْ تَفْخَرْ بِمَنْ وَلَدَك، فَانْظُرْ مَزِيدَ اعْتِنَائِهِمْ بِالشِّعْرِ، وَشِدَّةَ التَّنْقِيبِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمِ بْنِ نَصْرِ بْنِ سَالِمٍ فِي صَدْرِ شَرْحِ قَصِيدَةِ الْإِمَامِ الْعَلَّامَةِ جَمَالِ الدِّينِ أَبِي عُمَرَ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمَالِكِيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْحَاجِبِ فِي عِلْمَيْ الْعُرُوضِ وَالْقَوَافِي: وَبَعْدُ، فَالشِّعْرُ دِيوَانُ الْعَرَبِ، وَتُرْجُمَانُ الْأَدَبِ، مُدِحَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمَ وَأَثَابَ عَلَيْهِ، وَأَدْنَى مَادِحِيهِ، وَأَمَرَ بِمُنَاضَلَةِ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَمُعَارَضَتِهِمْ وَهَجْوِهِمْ مُقَابَلَةً لِمَا