الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَتَبَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ لِلْمُغِيرَةِ وَقَدْ عَتَبَ عَلَيْهِ عَلَى بُطْءِ الْمُكَاتَبَةِ:
مَا غَيَّرَ النَّأْيُ وُدًّا كُنْت تَعْهَدُهُ
…
وَلَا تَبَدَّلْت بَعْدَ الذِّكْرِ نِسْيَانَا
وَلَا حَمِدْت إخَاءً مِنْ أَخِي ثِقَةٍ
…
إلَّا جَعَلَتْك فَوْقَ الْحَمْدِ عُنْوَانَا
(الْحَادِي عَشَرَ) ابْتِدَاءُ السَّلَامِ أَفْضَلُ مِنْ رَدِّهِ، مَعَ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ سُنَّةٌ وَرَدَّهُ وَاجِبٌ، وَهَذَا أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي السُّنَّةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الْفَرْضِ.
الثَّانِي: إنْظَارُ الْمُعْسِرِ فَرْضٌ وَإِبْرَاؤُهُ سُنَّةٌ وَهُوَ أَفْضَلُ.
الثَّالِثُ التَّطَهُّرُ قَبْلَ الْوَقْتِ سُنَّةٌ وَبِهِ يَجِبُ. وَقَدْ نَظَمَهَا الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فَقَالَ:
الْفَرْضُ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّعِ عَابِدٍ
…
حَتَّى وَلَوْ قَدْ جَاءَ مِنْهُ بِأَكْثَرِ
إلَّا التَّطَهُّرَ قَبْلَ وَقْتٍ وَابْتِدَا
…
لِلسَّلَامِ كَذَاك إبْرَا الْمُعْسِرِ
وَزَادَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدٌ الْخَلْوَتِيُّ الْخِتَانَ وَنَظَمَهُ فَقَالَ:
وَكَذَا خِتَانُ الْمَرْءِ قَبْلَ بُلُوغِهِ
…
تَمِّمْ بِهِ عَقْدَ الْإِمَامِ الْمُكْثِرِ
مَطْلَبٌ: فِي السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ
(تَتِمَّةٌ) .
لَا يَجُوزُ بُدَاءَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالسَّلَامِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا، لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّ سَلَّمَ أَحَدُهُمْ وَجَبَ الرَّدُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ بِالْأَمْرِ بِالرَّدِّ خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَصِفَةُ الرَّدِّ (وَعَلَيْك) أَوْ (وَعَلَيْكُمْ) بِحَذْفِ الْوَاوِ وَإِثْبَاتِهَا لِصِحَّةِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَاخْتَارَ الْأَصْحَابُ إثْبَاتَ الْوَاوِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي مُوسَى مِنَّا وَابْنِ حُسَيْنٍ الْمَالِكِيِّ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّشْرِيكَ وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَرْوِيهِ بِالْحَذْفِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ رَوَاهُ عَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ بِالْوَاوِ، وَقِيلَ: الْوَاوُ هُنَا لِلِاسْتِئْنَافِ لَا لِلْعَطْفِ وَالتَّشْرِيكِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَعَلَيْكُمْ مَا تَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ الذَّمِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ السَّامُّ عَلَيْكُمْ يَعْنِي الْمَوْتَ أَوْ السَّلَامُ عَلَيْك، وَهِيَ الْحِجَارَةُ، فَيُقَالُ: وَعَلَيْك، وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى ذِمِّيٍّ، وَلَمْ يَعْلَمْهُ قَالَ لَهُ رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيُجْزِئُ تَسْلِيمُ امْرِئٍ مِنْ جَمَاعَةٍ
…
وَرَدُّ فَتًى مِنْهُمْ عَلَى الْكُلِّ يَا عَدِيّ
(وَ) حَيْثُ عَلِمْت أَنَّ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ مِنْ الْجَمَاعَةِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ فَ (يُجْزِئُ تَسْلِيمٌ) أَيْ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ مِنْ (امْرِئٍ) حَيْثُ كَانَ الْمَرْءُ الْمُسَلِّمُ (مِنْ) جُمْلَةِ
جَمَاعَةٍ) مِنْ جَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْكِفَايَةِ أَيْ يُخَاطِبُ بِهِ الْجَمِيعَ لَا كُلَّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ وَيُجْزِئُ مِنْ وَاحِدٍ.
وَظَاهِرُهُ وَيَحْصُلُ لَهُمْ أَصْلُ السَّنَةِ بِتَسْلِيمِ مَنْ يُجْزِئُ سَلَامُهُ، وَالْأَفْضَلُ السَّلَامُ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَالسَّلَامُ فِي حَقِّهِ سُنَّةُ عَيْنٍ.
وَظَاهِرُ إطْلَاقِ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ إجْزَاءُ ابْتِدَاءِ السَّلَامِ مِنْ الْمُمَيِّزِ وَيَتَوَجَّهُ، وَكَذَا مِنْ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الرَّدُّ عَلَى سَلَامِهِمَا وَلَا يَلْزَمُهُمَا رَدٌّ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِمَا (وَ) وَيُجْزِئُ عَنْ الْجَمَاعَةِ (رَدُّ فَتًى) وَاحِدٍ بَالِغٍ (مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْجَمَاعَةِ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِمْ دُونَ رَدِّ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُ فَوْرًا بِحَيْثُ يُعَدُّ جَوَابًا لِلسَّلَامِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ رَدًّا كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ: قَالَ الْمَجْدُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْفَرْضِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا، وَانْظُرْ هَلْ يَشْمَلُ تَعْلِيلُهُ كُلَّ مَنْ لَا يُسَنُّ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ عَلَيْهِ كَالْآكِلِ، وَالْمُتَوَضِّئِ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَالظَّاهِرُ إجْزَاءُ رَدِّهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ كَمَا عَلِمْت فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَشَأْنُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَنْ يُخَاطَبَ بِهِ الْجَمْعُ، وَيَسْقُطَ بِمَنْ يَقُومُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِتْيَانُ بِهِ وَقَدْ حَصَلَ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «يُجْزِئُ عَنْ الْجَمَاعَةِ إذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ، وَيُجْزِئُ عَنْ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ» نَعَمْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الرَّادُّ مُكَلَّفًا حَتَّى يُجْزِئَ عَنْ الْبَاقِينَ.
فَلَوْ رَدَّ كَافِرٌ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ فَرَدَّ وَحْدَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ الْفَرْضُ.
قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إنْ سَلَّمَ بَالِغٌ عَلَى بَالِغٍ وَصَبِيٍّ رَدَّهُ الْبَالِغُ، وَلَمْ يَكْفِ رَدُّ الصَّبِيِّ. انْتَهَى.
وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَالِغٌ وَصَبِيٌّ فَسَلَّمَ الصَّبِيُّ عَلَى بَالِغٍ وَصَبِيٍّ أَجْزَأَ رَدُّ الصَّبِيِّ، وَلَعَلَّهُ لَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الرَّدُّ عَلَى تَسْلِيمِ الصَّبِيِّ فِي الْأَصَحِّ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الرَّدَّ لَا يَسْقُطُ بِالصَّبِيِّ فَتَأَمَّلْ.
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَالسَّلَامُ عَلَى الصَّبِيِّ لَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْخِطَابِ وَالْأَمْرِ بِهِ فَإِنْ سَلَّمَ صَبِيٌّ عَلَى بَالِغِينَ فَوَجْهَانِ فِي وُجُوبِ الرَّدِّ مُخْرَجَانِ مِنْ صِحَّةِ سَلَامِهِ. انْتَهَى.
وَالْمَذْهَبُ الْوُجُوبُ.
قَالَ فِي الْغَايَةِ: وَلَا بَأْسَ بِهِ يَعْنِي السَّلَامَ عَلَى الصِّبْيَانِ تَأْدِيبًا لَهُمْ وَلَا يَلْزَمُهُمْ رَدٌّ، وَيَلْزَمُ رَدٌّ عَلَيْهِمْ كَشَابَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ سَلَّمَتْ وَإِرْسَالُهَا بِهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَإِرْسَالُهُ إلَيْهَا لَا بَأْسَ بِهِ لِمَصْلَحَةٍ وَعَدَمِ
مَحْذُورٍ. انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ اعْتِبَارُ اجْتِمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا الْوَاحِدُ الْمُنْقَطِعُ فَلَا يُجْزِئُ سَلَامُهُ عَنْ سَلَامِ آخَرَ مُنْقَطِعٍ.
(تَنْبِيهٌ) : اسْتَوْجَهَ الْعَلَّامَةُ فِي غَايَتِهِ اكْتِفَاءَ رَدِّ وَاحِدٍ مَعَ سَلَامِ جَمَاعَةٍ تَعَاقَبُوا إنْ لَمْ يَكُنْ رَدٌّ عَلَى الْأَوَّلِ، وَمِثْلُهُ تَشْمِيتٌ، وَكَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَاسَهُ عَلَى الْكَفَّارَةِ، وَفِيهِ أَنَّ رَدَّ السَّلَامِ فِيهِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ لَا تَتَدَاخَلُ وَعَلَى كَلَامِهِ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهِ بِالرَّدِّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، وَقَوْلُ النَّاظِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (عَلَى الْكُلِّ) أَيْ عَلَى كُلِّ الْجَمَاعَةِ الْمُسَلِّمِينَ أَوْ الْمُسَلِّمِ مِنْهُمْ، فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِ بِالرَّدِّ عَلَى كُلِّهِمْ وَلَوْ كَانَ الْمُسَلِّمُ بَعْضَهُمْ.
وَفِي نُسْخَةٍ وَرَدُّ الْفَتَى مِنْهُمْ عَنْ الْجَمْعِ يَا عَدِيّ، أَيْ وَيُجْزِئُ رَدُّ فَتًى مِنْ جَمْعٍ عَنْ ذَلِكَ الْجَمْعِ يَعْنِي رَدَّ وَاحِدٍ مِنْ جَمَاعَةٍ عَنْ تِلْكَ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ فَرْضُ كِفَايَةٍ يُخَاطَبُ بِهِ الْجَمِيعُ وَيَسْقُطُ بِوَاحِدٍ، وَقَدْ عُلِمَ هَذَا مِمَّا شَرَحْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ (يَا عَدِيّ) أَيْ يَا فُلَانُ وَأَتَى بِهِ حَشْوًا لِقَافِيَّةِ الْبَيْتِ لَا أَنَّهُ قَصَدَ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ اسْمُهُ عَدِيٌّ.
وَيُحْتَمَلُ عَلَى بُعْدٍ إرَادَتُهُ شَخْصًا بِعَيْنِهِ وَأَنَّهُ قَصَدَ تَفْهِيمُهُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَتَسْلِيمُ نَزْرٍ وَالصَّغِيرِ وَعَابِرِ
…
السَّبِيلِ وَرُكْبَانٍ عَلَى الضِّدِّ أَيِّدِ
(وَ) يُسَنُّ (تَسْلِيمُ نَزْرٍ) أَيْ قَلِيلٍ سَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا عَلَى اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا أَوْ جَمَاعَةً عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُمْ عَدَدًا.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: النَّزْرُ الْقَلِيلُ كَالنَّزِيرِ وَالْمَنْزُورِ. وَفِي صِفَةِ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «لَا نَزْرَ وَلَا هَدْرَ» ، أَيْ لَيْسَ بِقَلِيلٍ فَيَدُلُّ عَلَى عَيٍّ وَلَا بِكَثِيرٍ فَاسِدٍ (وَ) يُسَنُّ تَسْلِيمُ (الصَّغِيرِ) عَلَى ضِدِّهِ وَهُوَ الْكَبِيرُ وَعَابِرِ السَّبِيلِ يَعْنِي الْمَاشِيَ فِي الطَّرِيقِ عَلَى الْجَالِسِ (وَ) تَسْلِيمُ (رُكْبَانٍ) عَلَى خَيْلٍ أَوْ ضِدِّهِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي» رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ. فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «يُسَلِّمُ الْمَاشِي عَلَى الْجَالِسِ، وَالرَّاكِبُ عَلَيْهِمَا» .
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْمَاشِيَانِ أَيُّهُمَا بَدَأَ فَهُوَ أَفْضَلُ» قَالَ
الْإِمَامُ الْوَزِيرُ عَوْنُ الدِّينِ بْنُ هُبَيْرَةَ رضي الله عنه: مَنْ سَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ فَقَدْ أَمَّنَهُ، فَالْفَارِسُ أَقْوَى مِنْ الرَّاجِلِ، فَأُمِرَ عليه السلام بِسَلَامِ الْأَقْوَى عَلَى الْأَضْعَفِ، وَسَلَامُ الْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ أَقَلُّ حَرَجًا، هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ.
وَإِنَّ سَلَّمَ الْمَأْمُورُ بِالرَّدِّ مِنْهُمْ
…
فَقَدْ حَصَّلَ الْمَسْنُونَ إذْ هُوَ مُبْتَدِي
(وَإِنْ) عُكِسَ الْأَمْرُ بِأَنْ (سَلَّمَ) أَيْ ابْتَدَأَ السَّلَامَ (الْمَأْمُورُ بِالرَّدِّ) أَيْ بِرَدِّ السَّلَامِ لِيَكُونَ ضِدَّهُمْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ (مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْمُسَلِّمِينَ الْمَأْمُورِينَ بِنَشْرِ السَّلَامِ بِأَنْ ابْتَدَأَ بِالسَّلَامِ الْكَثِيرُ عَلَى الْقَلِيلِ، وَالْكَبِيرُ عَلَى الصَّغِيرِ، وَالْجَالِسُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الرَّاكِبِ (فَقَدْ حَصَلَ) الْأَمْرُ (الْمَسْنُونَ إذْ هُوَ) أَيْ الْمُسَلِّمُ (مُبْتَدِي) فَحَصَّلَ بِالسَّلَامِ مَنْ قُلْنَا يَبْدَأُ غَيْرُهُ السُّنَّةَ بِسَلَامِهِ وَصَارَ مُبْتَدِئًا يَعْنِي حَصَّلَ أَصْلَ السُّنَّةِ غَيْرَ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَبْدَأَ بِالسَّلَامِ الْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ ابْنِ مُفْلِحٍ هُنَا تَرَدُّدٌ فِي فَهْمِ شَأْنِ هَذَا الْبَيْتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا تَرَى.
وَمُرَادُ النَّاظِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَنْ ابْتَدَأَ بِالسَّلَامِ مِنْ نَحْوِ الْجَالِسِ وَالْكَثِيرِ إلَخْ فَقَدْ حَصَّلَ الْمَسْنُونَ وَفَازَ بِالْأَجْرِ الْمَضْمُونِ، وَحَازَ الْفَضْلَ الْمَكْنُونَ فِي الِابْتِدَاءِ؛ إذْ الِابْتِدَاءُ أَفْضَلُ مِنْ الرَّدِّ كَمَا قَدَّمْنَا فَلَا تَوَقُّفَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ فُقَهَاؤُنَا: وَسُنَّ حِرْصُ مُتَلَاقِيَيْنِ عَلَى بُدَاءَةِ سَلَامٍ، فَإِنْ بَدَأَ كُلٌّ صَاحِبَهُ مَعًا وَجَبَ الرَّدُّ عَلَى كُلٍّ وَسُنَّ لِمَنْ تَلَاقَوْا بِطَرِيقٍ أَنْ يُسَلِّمَ صَغِيرٌ وَقَلِيلٌ وَمَاشٍ وَرَاكِبٌ.
قَالَ فِي الْغَايَةِ: وَيُتَّجَهُ وَمُنْحَدَرٌ عَلَى ضِدِّهِمْ، فَإِنَّ عُكِسَ حَصَلَتْ السُّنَّةُ وَيُسَلِّمُ وَارِدٌ عَلَى ضِدِّهِ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ الْوَارِدُ أَكْثَرَ مِنْ ضِدِّهِ أَوْ أَقَلَّ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا، كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا.
وَظَاهِرُ النَّظْمِ لَوْ سَلَّمَ الْجَالِسُ عَلَى الْوَارِدِ لَحَصَّلَ أَصْلَ السُّنَّةِ، وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ تُعَيِّنُ كَوْنَ السَّلَامِ مِنْ الْوَارِدِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَمَّا إذَا وَرَدُوا عَلَى قَاعِدٍ أَوْ قُعُودٍ فَإِنَّ الْوَارِدَ يَبْدَأُ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ أَشَارَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى مَسْنُونِيَّةِ السَّلَامِ عَلَى مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِ قَوْمٍ فَقَالَ:
وَسَلِّمْ إذَا مَا قُمْت عَنْ حَضْرَةِ امْرِئٍ
…
وَسَلِّمْ إذَا مَا جِئْت بَيْتَك تَهْتَدِ
(وَسَلِّمْ) اسْتِحْبَابًا كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ.
وَهَلْ يَكُونُ مِنْ جَمَاعَةٍ سُنَّةَ كِفَايَةٍ
لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ كَذَلِكَ لَا سُنَّةَ عَيْنٍ فَيَطْلُبُ مِنْ كُلِّ مَنْ قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ عَلَى حِدَتِهِ.
نَعَمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ كَابْتِدَائِهِ لِلْقَادِمِينَ وَنَحْوِهِمْ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَادِمِينَ إلَى مَجْلِسِ قَوْمٍ وَالْقَائِمِينَ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(إذَا مَا) تَقَدَّمَ أَنَّ إذَا ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الزَّمَانِ وَمَا زَائِدَةٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37] (قُمْت) عِنْدَ انْصِرَافِك (عَنْ حَضْرَةِ امْرِئٍ) مُسْلِمٍ غَيْرِ وَاجِبِ الْهَجْرِ وَلَا مَنْدُوبِهِ وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ لَفْظَةِ (عَنْ) هِيَ لِلْمُفَارَقَةِ وَالْمُجَاوَزَةِ أَيْ إذَا قُمْت مِنْ مَجْلِسِ قَوْمٍ وَاحِدًا وَاحِدًا فَصَاعِدًا فَسَلِّمْ عِنْدَ انْصِرَافِك وَمُفَارَقَتِك لِمَجْلِسِهِمْ، لِمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ، فَلَيْسَتْ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنْ الثَّانِيَةِ» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَزَادَ فِيهِ رَزِينٌ «وَمَنْ سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ حِينَ يَقُومَ عَنْهُمْ كَانَ شَرِيكَهُمْ فِيمَا خَاضُوا فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ بَعْدَهُ» .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ فَايِدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «حَقٌّ عَلَى مَنْ قَامَ عَلَى جَمَاعَةٍ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ، وَحَقٌّ عَلَى مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسٍ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَامَ رَجُلٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَكَلَّمُ فَلَمْ يُسَلِّمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ» .
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: يَا بُنَيَّ إذَا كُنْت فِي مَجْلِسٍ تَرْجُو خَيْرَهُ فَعَجَّلَتْ بِك حَاجَةٌ فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَإِنَّك شَرِيكُهُمْ فِيمَا يُصِيبُونَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مَوْقُوفًا هَكَذَا، وَمَرْفُوعًا وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ فَقَالَ: عَشْرُ حَسَنَاتٍ، ثُمَّ مَرَّ آخَر فَقَالَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَقَالَ: عِشْرُونَ حَسَنَةً، ثُمَّ مَرَّ آخَرُ فَقَالَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ: ثَلَاثُونَ حَسَنَةً، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يُسَلِّمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -