الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِمَامِ: نَنْظُرُ مَا كَانَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَنْ التَّابِعِينَ لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى إجْمَاعِهِمْ لَا عَلَى مَا انْفَرَدَ فِيهِ أَحَدُهُمْ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِي الِاسْتِمَاعِ لِلْقِرَاءَةِ وَالْخُشُوعِ
(الْعَاشِرَةُ) : يُسْتَحَبُّ اسْتِمَاعُ الْقِرَاءَةِ لِلْآيَةِ الشَّرِيفَةِ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ لِلْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ. وَقَدْ تَكَلَّمَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رضي الله عنه عَلَى الْخُشُوعِ وَفَضْلِهِ، وَذَمِّ قَسْوَةِ الْقَلْبِ وَالْغَفْلَةِ، فَقَالَ إنْ قِيلَ فَخُشُوعُ الْقَلْبِ لِمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَاجِبٌ، قِيلَ نَعَمْ لَكِنَّ النَّاسَ فِيهِ عَلَى قِسْمَيْنِ مُقْتَصِدٌ وَسَابِقٌ، وَالسَّابِقُونَ يَخْتَصُّونَ بِالْمُسْتَحَبَّاتِ، وَالْمُقْتَصِدُونَ الْأَبْرَارُ هُمْ عُمُومُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْجَنَّةِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ.
وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام وَعَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم عَنْ اسْتِمَاعِهِ إنَّمَا هُوَ فَيْضُ الدُّمُوعِ، وَاقْشِعْرَارُ الْجُلُودِ، وَلِينُ الْقُلُوبِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا} [الزمر: 23] الْآيَةَ. «وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم النِّسَاءَ فَلَمَّا بَلَغَ إلَى قَوْلِهِ {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] قَالَ حَسْبُك، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ وَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الصَّعْقُ الْغَشْيُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَحَدَثَ فِي التَّابِعِينَ لِقُوَّةِ الْوَارِدِ وَضَعْفِ الْمَوْرُودِ عَلَيْهِ. وَالصَّحَابَةُ رضي الله عنهم لِقُوَّتِهِمْ وَكَمَالِهِمْ لَمْ يَحْدُثْ فِيهِمْ.
قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: فَأَقْدَمُ مَنْ عَلِمْت هَذَا عَنْهُ الْإِمَامُ الرَّبَّانِيُّ مِنْ أَعْيَانِ التَّابِعِينَ الْكِبَارِ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ رحمه الله سَمِعَ ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَقْرَأُ {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان: 12] فَصَعِقَ، وَكَانَ قَبْلَ الظُّهْرِ، فَلَمْ يُفِقْ إلَى اللَّيْلِ، وَكَذَا الْإِمَامُ الْقَاضِي التَّابِعِيُّ الْمُتَوَسِّطُ زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا بَلَغَ {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر: 8] شَهِقَ فَمَاتَ، وَكَانَ هَذَا الْحَالُ يَحْصُلُ كَثِيرًا لِلْإِمَامِ عِلْمًا وَعَمَلًا الشَّيْخِ الْإِمَامِ شَيْخِ سَيِّدِنَا الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ. وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَقُولُ لَوْ قَدَرَ أَحَدٌ أَنْ يَدْفَعَ هَذَا عَنْ نَفْسِهِ دَفَعَهُ يَحْيَى. وَحَدَثَ ذَلِكَ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ، فَمِنْهُمْ الصَّادِقُ فِي حَالِهِ وَمِنْهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ. وَلِعَمْرِي أَنَّ الصَّادِقَ مِنْهُمْ عَظِيمُ الْقَدْرِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى
حُضُورِ قَلْبٍ حَيٍّ، وَعِلْمِ مَعْنَى الْمَسْمُوعِ وَقَدْرِهِ، وَاسْتِشْعَارِ مَعْنَى الْمَطْلُوبِ وَفَخَامَةِ أَمْرِهِ، لَكِنَّ الْحَالَ الْأَوَّلَ أَكْمَلُ، وَالْمُتَّصِفُ بِهِ أَرْقَى وَأَفْضَلُ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لِصَاحِبِهِ مَا يَحْصُلُ لِهَؤُلَاءِ وَأَعْظَمُ، مَعَ ثَبَاتِ قُوَّةِ جَنَانِهِ وَرُسُوخِ بُنْيَانِهِ.
نَعَمْ كَثُرَ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ التَّزْوِيرُ وَالتَّلْبِيسُ، وَأَكْثَرُ مَنْ تَرَى مِمَّنْ يَدَّعِي ذَلِكَ فِي عَصْرِنَا إذَا حَقَقْت فِي الْإِمَّعَانِ عَنْ حَالِهِ تُلْفِيه مِنْ حِزْبِ أَبِي مُرَّةَ إبْلِيسَ، مَعَ الدَّعْوَى الْعَرِيضَةِ، وَالْقُلُوبِ الْمَيِّتَةِ أَوْ الْمَرِيضَةِ، وَالْجَهْلِ بِالْأَوَامِرِ، وَعَدَمِ مَعْرِفَةِ النَّاهِي الْآمِرِ، مَعَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَالْجَهْلِ وَالْبِدْعَةِ، وَالتَّهَافُتِ عَلَى حُطَامِ الدُّنْيَا وَقَاذُورَاتِهَا وَلَا تَهَافُتَ الذُّبَابِ، وَالْحِرْصِ عَلَى الْعُكُوفِ عَلَى لَذَّاتِهَا وَالِاخْتِلَاسِ لَهَا وَلَا اخْتِلَاسَ الذِّئَابِ، وَإِطْرَاقِ الرُّءُوسِ عِنْدَ سَمَاعِ رُقَى الشَّيْطَانِ، وَغَفْلَةِ الْقَلْبِ عِنْدَ حُضُورِ مَجَالِسِ الذَّكَرِ وَالْقُرْآنِ. فَاَللَّهُ يُعَامِلُنَا بِالصَّفْحِ وَالْغُفْرَانِ، وَيُثَبِّتُنَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، إنَّهُ وَلِيُّ الْإِحْسَانِ.
وَقَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: رَوَى النَّسَائِيُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه لَمَّا حَدَّثَ بِحَدِيثِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ زَفَرَ زَفْرَةً وَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ثُمَّ ثَانِيَةً ثُمَّ ثَالِثَةً ثُمَّ حَدَّثَ بِهِ. وَالْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَلِمْت حَدَثَ لَهُ ذَلِكَ.
وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ الْأَحْصَرِ فِيمَنْ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي تَرْجَمَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَلَانِسِيِّ قَالَ قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ الصُّوفِيَّةُ يَجْلِسُونَ فِي الْمَسَاجِدِ بِلَا عِلْمٍ عَلَى سَبِيلِ التَّوَكُّلِ، قَالَ الْعِلْمُ أَجْلَسَهُمْ، فَقِيلَ لَيْسَ مُرَادُهُمْ مِنْ الدُّنْيَا إلَّا كِسْرَةُ خُبْزٍ وَخِرْقَةٍ، قَالَ لَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَقْوَامًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ، قِيلَ إنَّهُمْ يَسْمَعُونَ وَيَتَوَاجَدُونَ عِنْدَ الْقُرْآنِ فَيَحْصُلُ لِبَعْضِهِمْ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْغَشْيِ وَالْمَوْتِ كَمَا كَانَ يَحْصُلُ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَعَذَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنهم، فَلَا مُخَالَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى.
فَإِنْ قُلْت أَلَيْسَ قَدْ ذَكَرَ أَبُو طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَصَاحِبِ الْعَوَارِفِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْشَدَ بِحَضْرَتِهِ رَجُلٌ:
قَدْ لَسَعَتْ حَيَّةُ الْهَوَى قَلْبِي
…
فَلَا طَبِيبَ لَهَا وَلَا رَاقِي
إلَّا الْحَبِيبُ الَّذِي شُغِفْتُ بِهِ
…
فَإِنَّهُ عِلَّتِي وَتِرْيَاقِي
قَالَ فَتَوَاجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَتَوَاجَدَ أَصْحَابُهُ رضي الله عنهم -
حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبِهِ، فَلَمَّا فَرَغُوا آوَى كُلُّ وَاحِدٍ إلَى مَكَانِهِ، ثُمَّ قَالَ عليه الصلاة والسلام لَيْسَ بِكَرِيمٍ مَنْ يَهْتَزُّ عِنْدَ السَّمَاعِ، ثُمَّ قَسَمَ رِدَاءَهُ عَلَى مَنْ حَضَرَ أَرْبَعَمِائَةِ قِطْعَةٍ، فَيَكُونُ أَوَّلُ مَنْ تَوَاجَدَ إمَامُ الْمُرْسَلِينَ، وَرَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا زَيْدٌ وَعَمْرٌو، وَلَا خَالِدٌ وَبَكْرٌ» . قُلْت هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَخَبَرٌ بَاطِلٌ مَصْنُوعٌ، وَكَانَ وَاضِعُهُ عَمَّارُ بْنُ إِسْحَاقَ؛ لِأَنَّ بَاقِي رِجَالِهِ لَا يَتَّصِفُونَ بِالْكَذِبِ وَالِاخْتِلَافِ. وَقَدْ قَالَ الذَّهَبِيُّ وَغَيْرُهُ: هُوَ مِمَّا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ. وَقَالَ فِي تَسْهِيلِ السَّبِيلِ: مَا اُشْتُهِرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُنْشِدَ بَيْنَ يَدَيْهِ: قَدْ لَسَعَتْ حَيَّةُ الْهَوَى كَبِدِي، وَفِي آخِرِهِ فَتَوَاجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى سَقَطَتْ الْبُرْدَةُ عَنْ كَتِفِهِ فَتَقَاسَمَهَا أَهْلُ الصُّفَّةِ وَجَعَلُوهَا رُقَعًا فِي ثِيَابِهِمْ» ، فَكَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، لَكِنْ قَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ وَهُمْ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَسَبَقَهُ لِذَلِكَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ أَنَّ الَّذِي أَنْشَدَ أَبُو مَحْذُورَةَ.
قَالَ صَاحِبُ تَسْهِيلِ السَّبِيلِ:
مَا قِيلَ أَبُو مَحْذُورَةَ قَدْ أَنْشَدَا
…
بَيْنَ يَدَيْ نَبِيِّنَا مُهْدِي الْهُدَى
قَدْ لَسَعَتْ يَا قَوْمُ حَيَّةُ الْهَوَى
…
كَبِدِي فَلَا رَاقٍ لَهَا وَلَا دُوا
حَتَّى تَوَاجَدَ النَّبِيُّ ذُو الْعُلَا
…
وَسَقَطَتْ بُرْدَتُهُ بَيْنَ الْمَلَا
فَقُسِّمَتْ قَالُوا عَلَى الْأَصْحَابِ
…
وَرُسِمَتْ لِلرُّقَعِ فِي الثِّيَابِ
فَكُلُّ هَذَا كَذِبٌ لَا أَصْلَ لَهُ
…
فَقَاتَلَ اللَّهُ الَّذِي قَدْ أَصَّلَهُ
أَبْدَاهُ لِلْجُهَّالِ مَنْ لَا يَرْعَوِي
…
وَإِنْ رُوِيَ يَوْمًا فَبِالْوَضْعِ رُوِيَ
فَإِنْ تَكُنْ مُقَلِّدًا فَقَلِّدْ
…
أَهْلَ الْحَدِيثِ مِنْ الْحَدِيثِ تَهْتَدِي
فَكَمْ وَكَمْ لِجَاهِلِ الصُّوفِيَّةِ
…
مِنْ بِدَعٍ تُشْبِهُ ذِي الْقَضِيَّةِ
يَرْوُونَهَا لِجَاهِلٍ عَنْ جَاهِلٍ
…
بِصِيغَةِ الْجَزْمِ مَعَ التَّغَافُلِ
مُعْتَقِدِينَ أَنَّهُمْ أَئِمَّةٌ
…
هُدَاةُ هَدْيٍ لِهَوَادِي الْأُمَّةِ
لَا سِيَّمَا أَرْبَابَ ذِي الزَّوَايَا
…
فَمَا مَزَايَاهُمْ سِوَى الرَّزَايَا
إلَى آخِرِ الْأَبْيَاتِ. وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْإِثْبَاتِ.
وَرَفْعُك صَوْتًا بِالدُّعَاءِ أَوْ مَعَ الْجِنَازَةِ أَوْ فِي الْحَرْبِ حِينَ التَّشَدُّدِ (وَ) يُكْرَهُ تَنْزِيهًا (رَفْعُك) أَيُّهَا الدَّاعِي (صَوْتًا) وَهُوَ الْهَوَاءُ الْمُنْضَغِطُ.
قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمَوَاقِفِ: فِي تَعْرِيفِ الصَّوْتِ أَقْوَالٌ، الْأَوَّلُ أَنَّهُ تَمَوُّجُ الْهَوَاءِ، وَالثَّانِي قَرْعٌ، وَالثَّالِثُ قَلْعٌ، وَالْكُلُّ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ التَّمَوُّجَ حَرَكَةٌ، وَالْقَرْعُ مُمَاسَّةٌ، وَالْقَلْعُ تَفْرِيقٌ، وَكُلٌّ مِنْ الْحَرَكَةِ وَالْمُمَاسَّةِ وَالتَّفْرِيقِ مُبَصَّرٌ بِخِلَافِ الصَّوْتِ.
قَالَ فَالْحَقُّ أَنَّهُ بَدِيهِيُّ التَّصَوُّرِ لَا احْتِيَاجَ إلَى تَعْرِيفِهِ، وَالتَّمَوُّجُ وَالْقَرْعُ وَالْقَلْعُ أَسْبَابٌ لَهُ وَأَنَّهُ الْتَبَسَ عَلَى مَنْ عَرَّفَهُ بِهَا السَّبَبُ بِالْمُسَبَّبِ. ثُمَّ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ السَّبَبَ الْقَرِيبَ لِلصَّوْتِ أَنَّ الْهَوَاءَ يَتَمَوَّجُ بِوَاسِطَةِ الْقَرْعِ الْعَنِيفِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْقَارِعِ وَالْمَقْرُوعِ، أَوْ الْقَلْعِ الْعَنِيفِ بَيْنَ الْقَالِعِ وَالْمَقْلُوعِ، وَيَقَعُ عَلَى الْجِلْدِ الْمَمْدُودِ عَلَى الْعَصَبَةِ الَّتِي هِيَ مُقَعَّرُ الصِّمَاخِ مَدُّ الْجِلْدِ عَلَى الطَّبْلِ فَيَحْصُلُ طَنِينٌ فَتُدْرِكُهُ الْقُوَّةُ السَّامِعَةُ الْحَالَّةُ فِي تِلْكَ الْعَصَبَةِ.
(بِالدُّعَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِرَفْعِك مُطْلَقًا. نَعَمْ يَجْهَرُ إمَامٌ بِالدُّعَاءِ بِالْقُنُوتِ. وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ يَجْهَرُ مُنْفَرِدًا نَصًّا، وَقِيلَ وَمَأْمُومٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ الْإِمَامُ فَقَطْ.
وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ الْجَهْرُ لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ. ثُمَّ قَالَ: وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يُخَيَّرُ الْمُنْفَرِدُ فِي الْجَهْرِ وَعَدَمِهِ كَالْقِرَاءَةِ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُسِرَّ دُعَاءَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] قَالَ هَذَا فِي الدُّعَاءِ (أَوْ) أَيْ وَيُكْرَهُ رَفْعُك الصَّوْتَ (مَعَ الْجِنَازَةِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا اسْمٌ لِلْمَيِّتِ وَالسَّرِيرِ، وَقِيلَ لِلْمَيِّتِ بِالْفَتْحِ وَلِلسَّرِيرِ بِالْكَسْرِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ كَمَا فِي الْمَطَالِعِ. قَالَ فِي الْمُطْلِعِ: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ عَلَى السَّرِيرِ فَلَا يُقَالُ لَهُ جِنَازَةٌ وَلَا نَعْشٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ سَرِيرٌ. قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: لَا يُسَمَّى جِنَازَةً حَتَّى يُشَدَّ الْمَيِّتُ مُكَفَّنًا عَلَيْهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُجْمَلِ: جَنَزْت الشَّيْءَ إذَا سَتَرْته وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ الْجِنَازَةِ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْجِنَازَةُ الْمَيِّتُ وَيُفْتَحُ أَوْ بِالْكَسْرِ الْمَيِّتُ وَبِالْفَتْحِ السَّرِيرُ أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ بِالْكَسْرِ السَّرِيرُ مَعَ الْمَيِّتِ (أَوْ) أَيْ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالدُّعَاءِ (فِي الْحَرْبِ) لِلْعَدُوِّ (حِينَ) أَيْ وَقْتَ (التَّشَدُّدِ) أَيْ اشْتِدَادِ الْقِتَالِ.
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه يَقُولُ: وَكَانَ يُكْرَهُ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالدُّعَاءِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ شِدَّةِ الْحَرْبِ، وَحَمْلِ الْجِنَازَةِ وَالْمَشْيِ بِهَا.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ مَعَ الْجِنَازَةِ وَلَوْ بِالْقُرْآنِ اتِّفَاقًا. انْتَهَى.
وَحَرَّمَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَالَ: الْقَائِلُ مَعَ الْجِنَازَةِ اسْتَغْفِرُوا لَهُ وَنَحْوُهُ بِدْعَةٌ عِنْدَ أَحْمَدَ رضي الله عنه. وَقِيلَ يُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُسْمِعَ الْمَأْمُومَ الدُّعَاءَ. قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ مَعَ قَصْدِ تَعْلِيمِهِ، وَلَا يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لَهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ. وَلَا يُكْرَهُ الْإِلْحَاحُ بِالدُّعَاءِ بَلْ يُسْتَحَبُّ لِلْأَثَرِ. وَدُعَاءُ الرَّغْبَةِ بِبَطْنِ الْكَفِّ وَالرَّهْبَةِ بِظَهْرِهِ مَعَ قِيَامِ السَّبَّابَةِ لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام. قَالَ الْقَاضِي: تُسْتَحَبُّ الْإِشَارَةُ إلَى نَحْوِ السَّمَاءِ فِي الدُّعَاءِ.
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ: الذِّكْرُ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّ الذِّكْرَ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ عز وجل بِجَمِيلِ أَوْصَافِهِ وَآلَائِهِ وَأَسْمَائِهِ، وَالدُّعَاءَ سُؤَالُ الْعَبْدِ حَاجَتَهُ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا، وَلِهَذَا فِي الْحَدِيثِ «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» وَلِذَا كَانَ الْمُسْتَحَبُّ فِي الدُّعَاءِ أَنْ يَبْدَأَ الدُّعَاءَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ حَاجَتِهِ ثُمَّ يَسْأَلُ حَاجَتَهُ كَمَا جَاءَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ، وَذَكَرَ مِنْهَا طَرَفًا. مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَجِلَ هَذَا. ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ» .
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي دُعَاءِ الْكَرْبِ «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْعَظِيمُ. لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» .
وَيَنْبَغِي تَحَرِّي الْمَأْثُورِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَمُدُّ يَدَيْهِ فِي حَالِ الدُّعَاءِ مَعَ الِانْكِسَارِ وَالْخُضُوعِ، وَالْمَسْكَنَةِ وَالْخُشُوعِ، وَإِظْهَارِ الذُّلِّ وَسَفْكِ الدُّمُوعِ، وَلَا يَتَكَلَّفُ السَّجْعَ فِي الدُّعَاءِ، فَإِنَّهُ يُشْغِلُ الْقَلْبَ وَيُذْهِبُ الْخُشُوعَ، وَإِنْ دَعَا بِدَعَوَاتٍ مَحْفُوظَةٍ مَعَهُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفِ سَجْعٍ فَلَيْسَ بِمَمْنُوعٍ، وَيُخْفِضُ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ، وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّلَفُّظِ بِالتَّوْبَةِ وَالتَّوَسُّلِ بِعَظِيمِ
كَرَمِهِ جَلَّ شَأْنه، وَتَعَالَى سُلْطَانُهُ، وَلْيَجْتَنِبْ الِاعْتِدَاءَ فِيهِ، وَلْيُكْثِرْ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ.
وَنَقْطٌ وَشَكْلٌ فِي مَقَالٍ لِمُصْحَفٍ
…
وَلَا تَكْتُبَنْ فِيهِ سِوَاهُ وَحَدِّدْ
(وَ) يُكْرَهُ فِي رِوَايَةٍ مَرْجُوحَةٍ (نَقْطُ) الْمُصْحَفِ. يُقَالُ: نَقَطَهُ وَنَقَّطَهُ أَعْجَمَهُ، وَالِاسْمُ النُّقْطَةُ بِالضَّمِّ، وَالْجَمْعُ نُقَطٌ كَصُرَدٍ وَنِقَاطٍ كَكِتَابٍ، (وَ) كَذَا يُكْرَهُ (شَكْلٌ) جَمْعُ شَكْلَةٍ يُقَالُ شَكَلَ الْكِتَابَ أَيْ أَعْجَمَهُ كَأَشْكَلَهُ كَأَنَّهُ أَزَالَ عَنْهُ الْإِشْكَالَ. (فِي مَقَالٍ) أَيْ قَوْلٍ (لِمُصْحَفٍ) بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ، وَالضَّمُّ أَشْهَرُ مَأْخُوذٌ مِنْ أُصْحِفَ بِالضَّمِّ أَيْ جُعِلَتْ فِيهِ الصُّحُفُ جَمْعُ صَحِيفَةٍ الْكِتَابُ.
وَفِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: الصَّحِيفَةُ الْكِتَابُ، وَالْجَمْعُ صُحُفٌ وَصَحَائِفُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقِيلَ مُصْحَفٌ؛ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْوَرَقِ الَّذِي يُصْفَحُ فِيهِ مِنْ مُصْحَفٍ كَمُكْرَمٍ وَمَنْ قَالَ: مُصْحَفٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ جَعَلَهُ مِنْ صَحَفْتُ مُصْحَفًا مِثْلُ جَلَسْت مَجْلِسًا، وَمَنْ كَسَرَ الْمِيمَ شَبَّهَهُ بِمِنْقَلٍ.
قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: فِي كَرَاهَةِ نَقْطِ الْمُصْحَفِ وَشَكْلِهِ وَكِتَابَةِ الْأَخْمَاسِ وَالْأَعْشَارِ وَأَسْمَاءِ السُّوَرِ وَعَدَدِ الْآيَاتِ رِوَايَتَانِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ كِتَابَةُ الْأَجْزَاءِ وَالْأَحْزَابِ وَالْأَرْبَاعِ وَالْأَثْمَانِ وَمَكِّيَّةٍ وَمَدَنِيَّةٍ فَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَهِيَ اخْتِيَارُ النَّاظِمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُحْدَثٌ وَلِأَنَّهُ إذَا جُرِّدَ لَا يَكُونُ فِيهِ إلَّا كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي نَزَّلَهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ. وَعَنْهُ مُسْتَحَبٌّ نَقْطُهُ.
قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَمِثْلُهُ شَكْلُهُ، وَيُكْرَهُ التَّعْشِيرُ يَعْنِي وَنَحْوَهُ. وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صِيَانَةٌ لَهُ عَنْ اللَّحْنِ وَالتَّصْحِيفِ، وَأُجِيبَ عَنْ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ خَوْفًا مِنْ التَّغْيِيرِ وَقَدْ أُمِنَ الْآنَ، وَلَا يُمْنَعُ لِكَوْنِهِ مُحْدَثًا فَإِنَّ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ مَا هُوَ حَسَنٌ بَلْ وَوَاجِبٌ كَتَصْنِيفِ كُتُبِ الْعِلْمِ. فَعُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ مِمَّا ذَكَرْنَا.
وَمِنْ قَوْلِهِ (وَلَا تَكْتُبَنْ) نَهْيُ كَرَاهَةٍ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ (فِيهِ) أَيْ الْمُصْحَفِ أَيْ (سِوَاهُ) أَيْ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَجْزَاءِ وَالْأَحْزَابِ وَالْأَنْصَافِ وَالْأَرْبَاعِ وَالْأَثْمَانِ مَرْجُوحٌ، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ كَتْبُ السَّجْدَةِ فِي هَامِشِ الْمُصْحَفِ وَرُمُوزِ الْقُرَّاءِ وَأَسْمَائِهِمْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُمَيَّزَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْخَطِّ بِأَنْ