الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي الرَّوَّادِ: إذَا كَانَ الرَّجُلُ بَارًّا بِأَبَوَيْهِ فِي حَيَّاتِهِمَا ثُمَّ لَمْ يَفِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا بِنُذُورِهِمَا وَلَمْ يَقْضِ دُيُونَهُمَا كُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ تبارك وتعالى عَاقًّا. وَإِذَا كَانَ لَمْ يَبَرَّهُمَا وَأَوْفَى بِنُذُورِهِمَا وَقَضَى دُيُونَهُمَا كُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ سبحانه وتعالى بَارًّا. ذَكَرَهُ الْحَجَّاوِيُّ رحمه الله.
وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي تَنْبِيهِهِ: فَإِنْ سَأَلَ سَائِلٌ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ إذَا مَاتَا سَاخِطَيْنِ عَلَى الْوَلَدِ هَلْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُرْضِيَهُمَا بَعْدَ وَفَاتِهِمَا، قِيلَ لَهُ بَلْ يُرْضِيهِمَا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، أَوَّلُهَا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ صَالِحًا فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيْهِمَا مِنْ صَلَاحِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَصِلَ قَرَابَتَهُمَا وَأَصْدِقَاءَهُمَا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمَا وَيَدْعُوَ لَهُمَا وَيَتَصَدَّقَ عَنْهُمَا.
وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ أَنَّ مَنْ دَعَا لِأَبَوَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَقَدْ أَدَّى حَقَّهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14] فَشُكْرُ اللَّهِ أَنْ تُصَلِّيَ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، وَكَذَا شُكْرُ الْوَالِدَيْنِ أَنْ تَدْعُوَ لَهُمَا فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى حُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ ذَكَرَ
شَذْرَةً مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ
فَقَالَ:
وَيُكْرَهُ فِي الْحَمَّامِ كُلُّ قِرَاءَةٍ
…
وَذِكْرُ لِسَانٍ وَالسَّلَامُ لِمُبْتَدِي
(وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (فِي) دَاخِلِ (الْحَمَّامِ) وَمَا يَتْبَعُهُ فِي بَيْعٍ مِنْ الْمَسْلَخِ وَالسَّطْحِ وَالْقَمِيمِ (كُلُّ قِرَاءَةٍ) لِقُرْآنٍ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَى الْأَصَحِّ صِيَانَةً لَهُ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عَلِيٍّ وَحَكَاهُ الْإِمَامُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْكَبِيرِ وَلَمْ يَكْرَهْهُ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ كُلُّ قِرَاءَةٍ يَعْنِي كَثِيرَهَا وَقَلِيلَهَا وَمِثْلُ الْحَمَّامِ جَمِيعُ الْمَحَالِّ الْقَذِرَةِ. .
مَطْلَبٌ: فِي الْحَمَّامِ وَكَيْفِيَّةِ الدُّخُولِ فِيهَا وَالِاسْتِحْمَامِ
(نَادِرَةٌ) ذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ جَلَالُ الدِّينِ السُّيُوطِيّ فِي أَوَائِلِهِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ النَّبِيُّ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَصُنِعَتْ لَهُ النُّورَةُ مِنْ أَجْلِ بِلْقِيسَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَ بِلْقِيسَ، قَالَتْ لَمْ يَمَسّنِي حَدِيدٌ قَطُّ، فَكَرِهَ سُلَيْمَانُ الْمُوسَى فَسَأَلَ الْجِنَّ فَقَالُوا لَا نَدْرِي، فَسَأَلَ الشَّيَاطِينَ فَقَالُوا إنَّا نَحْتَالُ لَك حَتَّى تَبْقَى كَالْفِضَّةِ الْبَيْضَاءِ
فَاتَّخَذُوا النُّورَةَ وَالْحَمَّامَ، فَلَمَّا دَخَلَهُ وَجَدَ حَرَّهُ وَغَمَّهُ، فَقَالَ أَوَّاهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوَّاهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ أَوَّاهُ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا.
قُلْت وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ وَضَعَهُ الْأُسْتَاذُ كالبيمارستان. قَالَهُ ابْنُ جِبْرِيلَ، اسْتَفَادَهُ مِنْ شَخْصٍ دَخَلَ غَارًا وَسَقَطَ فِي مَاءٍ حَارٍّ مِنْ الْكِبْرِيتِ وَبِهِ تَعْقِيدٌ مِنْ الْعَصَبِ فَزَالَ، فَحَدَّثَ الْحَكِيمُ أَنَّ إسْخَانَ الْمَاءِ فِي مَوْضِعٍ يُسَخَّنُ فِيهِ الْهَوَاءُ جَيِّدٌ فَأَحْدَثَهُ.
قَالَ هَذَا الطَّبِيبُ: وَأَفْضَلُ الْحَمَّامِ مُطْلَقًا حَمَّامٌ عَالٍ مُرْتَفِعٍ فِي الْبِنَاءِ لِئَلَّا يُحْضِرَ الْأَنْفَاسَ الْمُخْتَلِفَةِ فَيَفْسُدَ بِهَا وَيَنْحَلَّ الْهَوَاءُ فِيهِ بِسُرْعَةٍ بَعْدَ تَحَلْحُلٍ وَانْبِسَاطٍ، وَيُلَطَّفُ الْبُخَارُ الصَّاعِدُ إلَى الْأَعْلَى كَمَا تُشَاهِدُهُ مِنْ قُبَّةِ الْأَنْبِيقِ، فَإِنْ اتَّسَعَ مَعَ ذَلِكَ كَانَ أَقْوَى فِي تَفْرِيقِ الْهَوَاءِ وَتَلْطِيفِهِ وَقَبُولِهِ التَّكَيُّفَ فِيمَا ذُكِرَ لَا سِيَّمَا إنْ طَالَ عَهْدُهُ وَقَدُمَ بِنَاؤُهُ لِفَسَادِ الْجَدِيدِ بِأَبْخِرَةِ الْأَحْجَارِ وَالطِّينِ وَعُفُونَةِ مَا يُشْرَبُ مِنْ الْمَاءِ فِي أَجْزَائِهِ وَبَرْدِهِ.
قَالَ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى الْحَمَّامِ الْقِدَمُ إلَّا بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ غَايَةً خُصُوصًا إنْ عَذُبَ مَاؤُهُ وَلَطُفَ هَوَاؤُهُ وَأَحْكَمَ صَانِعُهُ مِزَاجَهُ. وَيَنْبَغِي مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَسْلَخُهُ لَطِيفَ الصَّنْعَةِ وَاسِعَ الْفَضَاءِ وَأَنْ يَشْتَمِلَ دَاخِلُهُ عَلَى الْبُيُوتِ الْكَثِيرَةِ الرُّطُوبَةِ اللَّطِيفَةِ أَوَّلًا وَلْيَكُنْ دُخُولُهُ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَنْ يَمْكُثَ أَوَّلًا فِي الْأَوَّلِ حَتَّى يَأْلَفَ الْهَوَاءَ الْحَارَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الَّذِي كَانَ فِيهِ، ثُمَّ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَوَّلَ مِنْ وَجْهٍ، وَلَا يَدْخُلُ الثَّالِثَ إلَّا عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ، فَإِنَّهُ مُجَفِّفٌ قَوِيُّ التَّحْلِيلِ وَيُقَدِّمُ يَسَارَهُ فِي الْحَمَّامِ وَالْمُغْتَسَلِ دُخُولًا.
وَالْأَوْلَى أَنْ يَغْسِلَ قَدَمَيْهِ وَإِبْطَيْهِ بِمَاءٍ بَارِدٍ عِنْدَ دُخُولِهِ وَيَلْزَمُ الْحَائِطَ، وَيَقْصِدُ مَوْضِعًا خَالِيًا وَيُقَلِّلُ الِالْتِفَاتَ وَلَا يُطِيلُ الْمُقَامَ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ بِمَاءٍ بَارِدٍ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الصُّدَاعَ كَمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مِنْهَاجِ الْقَاصِدِينَ: يُكْرَهُ دُخُولُ الْحَمَّامِ قَرِيبًا مِنْ الْغُرُوبِ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ لِانْتِشَارِ الشَّيَاطِينِ. انْتَهَى.
وَفِي الْإِقْنَاعِ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ.
وَكَرِهَ الْإِمَامُ رضي الله عنه بِنَاءَ الْحَمَّامِ وَبَيْعَهُ وَإِجَارَتِهِ وَشِرَاءَهُ وَقَالَ: الَّذِي يَبْنِي حَمَّامًا لِلنِّسَاءِ لَيْسَ بِعَدْلٍ.
وَعُمْدَةُ الْحَمَّامِ الدَّلْكُ وَالدَّهْنُ وَالِانْتِقَاعُ، وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِاعْتِدَالٍ مِنْ غَيْرِ إفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ. وَأَفْضَلُ الِانْتِقَاعِ مَا كَانَ فِي الْأَبَازِينِ يَعْنِي الْمَغَاطِسَ.