الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: الزُّورُ هَهُنَا الْغِنَاءُ. وَقَالَهُ اللَّيْثُ عَنْ مُجَاهِدٍ. وَأَطَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ الْكَلَامَ عَلَى أَسْمَائِهِ إطَالَةً تَمْنَعُ اسْتِقْصَاءَ مَا قَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَأَنْشَدَ لِنَفْسِهِ:
فَدَعْ صَاحِبَ الْمِزْمَارِ وَالدُّفِّ وَالْغِنَا
…
وَمَا اخْتَارَهُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ مَذْهَبَا
وَدَعْهُ يَعِشْ فِي غَيِّهِ وَضَلَالِهِ
…
عَلَى مَا نَشَا يَحْيَى وَيُبْعَثُ أَشْيَبَا
وَفِي بَيْنِنَا يَوْمَ الْمَعَادِ نَجَاتُهُ
…
إلَى الْجَنَّةِ الْحَمْرَاءِ يُدْعَى مُقَرَّبَا
سَيَعْلَمُ يَوْمَ الْعَرْضِ أَيَّ بِضَاعَةٍ
…
أَضَاعَ وَعِنْدَ الْوَزْنِ مَا خَفَّ أَوْ رَبَا
وَيَعْلَمُ مَا قَدْ كَانَ فِيهِ حَيَاتُهُ
…
إذَا حُصِّلَتْ أَعْمَالُهُ كُلُّهَا هَبَا
دَعَاهُ الْهُدَى وَالْغَيُّ مَنْ ذَا يُجِيبُهُ
…
فَقَالَ لِدَاعِي الْغَيِّ أَهْلًا وَمَرْحَبَا
وَأَعْرَضَ عَنْ دَاعِي الْهُدَى قَائِلًا لَهُ
…
هَوَايَ إلَى صَوْتِ الْمَعَازِفِ قَدْ صَبَا
يَرَاعٌ وَدُفٌّ بِالصُّنُوجِ وَشَادِنٌ
…
وَصَوْتُ مُغَنٍّ صَوْتُهُ يَقْنِصُ الظِّبَا
إذَا مَا تَغَنَّى فَالظِّبَاءُ مُجِيبَةٌ
…
إلَى أَنْ يَرَاهَا حَوْلَهُ تُشْبِهُ الدَّبَا
فَمَا شِئْت مِنْ صَيْدٍ بِغَيْرِ تَطَارُدٍ
…
وَوَصْلِ حَبِيبٍ كَانَ بِالْهَجْرِ عُذِّبَا
فَيَا آمِرًا بِالرُّشْدِ لَوْ كُنْت حَاضِرًا
…
لَكَانَ إلَى الْمَنْهِيِّ عِنْدَك أَقْرَبَا
مَطْلَبٌ: فِي بَيَانِ تَحْرِيمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّرِيحِ لِآلَاتِ اللَّهْوِ وَالْمَعَازِفِ
(الرَّابِعُ) : فِي بَيَانِ تَحْرِيمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّرِيحِ لِآلَاتِ اللَّهْوِ وَالْمَعَازِفِ، وَسِيَاقُ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ. مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَا حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ رضي الله عنهم سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مُحْتَجًّا بِهِ. قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ وَلَمْ يَصْنَعْ مَنْ قَدَحَ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ شَيْئًا كَابْنِ حَزْمٍ نُصْرَةً لِمَذْهَبِهِ الْبَاطِلِ فِي إبَاحَةِ الْمَلَاهِي، وَزَعَمَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَصِلْ سَنَدَهُ بِهِ وَإِنَّمَا قَالَ بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ وَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلَابِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الْأَشْعَرِيُّ حَدَّثَنِي
أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ وَاَللَّهِ مَا كَذَبَنِي سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فَذَكَرَهُ. وَجَوَابُ هَذَا الْوَهْمِ مِنْ وُجُوهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَدْ لَقِيَ هِشَامَ بْنَ عَمَّارٍ وَسَمِعَ مِنْهُ، فَقَوْلُهُ قَالَ هِشَامٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ عَنْ هِشَامٍ قَالَ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ فِي أَلْفِيَّةِ مُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ:
وَإِنْ يَكُنْ أَوَّلَ الْإِسْنَادِ حَذْفٌ
…
مَعَ صِيغَةِ الْجَزْمِ فَتَعْلِيقًا عُرِفَ
وَلَوْ إلَى آخِرِهِ أَمَّا الَّذِي
…
لِشَيْخِهِ عَزَا يُقَالُ فَكَذَا
عَنْعَنَةٌ كَخَبَرِ الْمَعَازِفِ
…
لَا تُصْغِ لِابْنِ حَزْمٍ الْمُخَالِفِ
قَالَ فِي شَرْحِهِ: قَوْلُهُ كَخَبَرِ الْمَعَازِفِ هُوَ مِثَالٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالتَّحْدِيثِ أَوْ الْإِخْبَارِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَقَوْلِهِ قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ إلَى آخِرِهِ. قَالَ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حُكْمُهُ الِاتِّصَالُ لِأَنَّ هِشَامَ بْنَ عَمَّارٍ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَحَدَّثَ عَنْهُ بِأَحَادِيثَ، وَخَالَفَ ابْنُ حَزْمٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ فِي الْمُحَلَّى هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ لَمْ يَتَّصِلْ مَا بَيْنَ الْبُخَارِيِّ وَصَدَقَةَ ابْنُ خَالِدٍ، قَالَ وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ أَبَدًا، قَالَ وَكُلُّ مَا فِيهِ فَمَوْضُوعٌ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَلَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ فِي رَدِّهِ ذَلِكَ. قَالَ وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ. قَالَ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مَعْرُوفُ الِاتِّصَالِ بِشَرْطِ الصَّحِيحِ. قَالَ وَالْبُخَارِيُّ قَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِكَوْنِ الْحَدِيثِ مَعْرُوفًا مِنْ جِهَةِ الثِّقَاتِ عَنْ الشَّخْصِ الَّذِي عَلَّقَهُ عَنْهُ أَوْ لِكَوْنِهِ ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ مُتَّصِلًا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي لَا يَصْحَبُهَا خَلَلُ الِانْقِطَاعِ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَالْحَدِيثُ مُتَّصِلٌ مِنْ طُرُقٍ، مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي الْمُسْتَخْرَجِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ وَهُوَ ابْنُ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ الْإِمَامُ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ فَذَكَرَهُ. وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ، عَمَّارٍ. انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فَكَذَا عَنْعَنَةٌ أَيْ أَمَّا مَا عَزَاهُ الْبُخَارِيُّ إلَى بَعْضِ شُيُوخِهِ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ كَقَوْلِهِ قَالَ فُلَانٌ وَزَادَ فُلَانٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ التَّعْلِيقِ عَنْ شُيُوخِ شُيُوخِهِ وَمَنْ فَوْقَهُمْ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْإِسْنَادِ الْمُعَنْعَنِ وَحُكْمُ الْمُعَنْعَنِ
الِاتِّصَالُ بِشَرْطِ ثُبُوتِ اللُّقِيِّ وَالسَّلَامَةِ مِنْ التَّدْلِيسِ، وَاللُّقِيُّ فِي شُيُوخِهِ مَعْرُوفٌ، وَالْبُخَارِيُّ سَالِمٌ مِنْ التَّدْلِيسِ فَلَهُ حُكْمُ الِاتِّصَالِ، هَكَذَا جَزَمَ بِهِ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ مِثْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي) : أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ لَمْ يَسْتَجِزْ الْجَزْمَ بِهِ عَنْهُ إلَّا وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ حَدَّثَ بِهِ، وَهَذَا كَثِيرًا مَا يَكُونُ لِكَثْرَةِ مَنْ رَوَاهُ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْخِ وَشُهْرَتِهِ، فَالْبُخَارِيُّ أَبْعَدُ خَلْقِ اللَّهِ مِنْ التَّدْلِيسِ كَمَا فِي إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ.
(الثَّالِثُ) : لَوْ ضَرَبْنَا عَنْ هَذَا كُلِّهِ صَفْحًا فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ عِنْدَ غَيْرِهِ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غَنْمٍ الْأَشْعَرِيَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي كِتَابِهِ الصَّحِيحِ مُسْنَدًا فَقَالَ أَبُو عَامِرٍ وَلَمْ يَشُكَّ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ الْمَعَازِفَ هِيَ آلَاتُ اللَّهْوِ كُلُّهَا لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ حَلَالًا لَمَا ذَمَّهُمْ عَلَى اسْتِحْلَالِهَا وَقَرْنِهَا بِاسْتِحْلَالِ الْخَمْرِ وَالْخَزِّ، وَرُوِيَ " الْحِرِّ "، فَعَلَى رِوَايَةِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ فَهُوَ اسْتِحْلَالُ الْفُرُوجِ الْحَرَامِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْخَاءِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَتَيْنِ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْحَرِيرِ غَيْرَ الَّذِي صَحَّ عَنْ الصَّحَابَةِ لُبْسُهُ إذْ الْخَزُّ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا مِنْ حَرِيرٍ وَالثَّانِي مِنْ صُوفٍ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالْوَجْهَيْنِ وَفِي الْبَابِ مِنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُنَابِطٍ وَالْفَارِّ بْنِ رَبِيعَةَ رضي الله عنهم قَدْ اسْتَقْصَاهَا الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ بِالْأَسَانِيدِ، وَبَيَّنَ حَالَهَا بِأَتَمِّ بَيَانٍ وَأَكْمَلِ تَسْدِيدٍ. فَمِمَّا ذَكَرَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَكُونُ فِي أُمَّتِي خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَمَسْخٌ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى؟ قَالَ: إذَا ظَهَرَتْ الْمَعَازِفُ وَالْغِنَاءُ، وَاسْتُحِلَّ الْخَمْرُ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.