الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا «إنَّك لَنْ تَزَالَ سَالِمًا مَا سَكَتَّ، فَإِذَا تَكَلَّمْت كُتِبَ لَك أَوْ عَلَيْك» .
وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا «مَنْ صَمَتَ نَجَا» .
وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «إنَّ الرَّجُلَ لَيَدْنُو مِنْ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ فَيَتَبَاعَدُ مِنْهَا أَبْعَدَ مِنْ صَنْعَاءَ» .
وَخَرَّجَ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ مَرْفُوعًا «إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ» .
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «كَلَامُ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ إلَّا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَذِكْرَ اللَّهِ عز وجل» .
إذَا عَلِمْت مَا ذَكَرْنَا، وَفَهِمْت مَضْمُونَ مَا حَرَّرْنَا، تَيَقَّنْت عِظَمَ شَأْنِ اللِّسَانِ. وَمَا يَعُودُ بِهِ عَلَى الْإِنْسَانِ. وَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى آفَاتِ اللِّسَانِ وَشُئُونِهِ فِي مَقَامَاتٍ.
مَطْلَبٌ: فِي ذِكْرِ طَرَفٍ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ
(الْمَقَامُ الْأَوَّلُ) فِي ذِكْرِ طَرَفٍ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا مِنْهَا الْكَلَامُ فِيمَا لَا يَعْنِي، وَمَعْنَى الَّذِي لَا يَعْنِيهِ لَا تَتَعَلَّقُ عِنَايَتُهُ بِهِ وَلَا يَكُونُ مِنْ مَقْصَدِهِ وَمَطْلُوبِهِ. وَالْعِنَايَةُ شِدَّةُ الِاهْتِمَامِ بِالشَّيْءِ، يُقَالُ عَنَاهُ يَعْنِيهِ اهْتَمَّ بِهِ وَطَلَبَهُ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَتْرُكُ مَا لَا عِنَايَةَ لَهُ وَلَا إرَادَةَ بِحُكْمِ الْهَوَى وَطَلَبِ النَّفْسِ بَلْ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَالْإِسْلَامِ وَلِذَا جَعَلَهُ مِنْ حُسْنِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا حَسُنَ إسْلَامُ الْمَرْءِ تَرَكَ مَا لَا يَعْنِيهِ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَقْتَضِي فِعْلَ الْوَاجِبَاتِ، وَكَذَا يَنْدُبُ إلَى فِعْلِ الْمَنْدُوبَاتِ.
فَالْمُرَادُ بِتَرْكِهِ مَا لَا يَعْنِي مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُشْتَبِهَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَفُضُولِ الْمُبَاحَاتِ الَّتِي لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا، فَإِنَّ
هَذَا كُلَّهُ لَا يَعْنِي الْمُسْلِمَ إذَا كَمُلَ إسْلَامُهُ وَبَلَغَ دَرَجَةَ الْإِحْسَانِ، وَهُوَ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّهُ يَرَاهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَرَاهُ فَمَنْ عَبَدَ اللَّهَ عَلَى اسْتِحْضَارِ قُرْبِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ بِقَلْبِهِ، أَوْ عَلَى اسْتِحْضَارِ قُرْبِ اللَّهِ مِنْهُ وَاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ فَقَدْ أَحْسَنَ إسْلَامَهُ، وَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَتْرُكَ كُلَّ مَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ.
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «الِاسْتِحْيَاءُ مِنْ اللَّهِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا حَوَى، وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا وَعَى، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» .
وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إنَّ مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ قِلَّةَ الْكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ» .
وَأَخْرَجَ الْخَرَائِطِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ «أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي مُطَاعٌ فِي قَوْمِي فَمَا آمُرُهُمْ؟ قَالَ لَهُ مُرْهُمْ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ وَقِلَّةِ الْكَلَامِ إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِمْ» .
وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «كَانَ فِي صُحُفِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام وَعَلَى الْعَاقِلِ مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَاعَاتٌ، سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٌ يَتَفَكَّرُ فِيهَا فِي صُنْعِ اللَّهِ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ مِنْ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ» .
وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَكُونَ ظَاعِنًا إلَّا لِثَلَاثٍ: تَزَوُّدٍ لِمَعَادٍ، أَوْ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ، أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ.
وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِزَمَانِهِ، مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ، حَافِظًا لِلِسَانِهِ.
وَمَنْ حَسَبَ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ. وَكَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَنْ عَدَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ «تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَجُلٌ يَعْنِي أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوَلَا تَدْرِي فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَعْنِيهِ، أَوْ بَخِلَ بِمَا لَا يُغْنِيهِ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ الصَّحَابِيَّ قُتِلَ شَهِيدًا» .
وَأَخْرَجَ الْعُقَيْلِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «أَكْثَرُ النَّاسِ ذُنُوبًا أَكْثَرُهُمْ كَلَامًا فِيمَا لَا يَعْنِيهِ» .
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ دَخَلُوا عَلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي مَرَضِهِ وَوَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ فَسَأَلُوهُ عَنْ سَبَبِ تَهَلُّلِ وَجْهِهِ، فَقَالَ مَا مِنْ عَمَلٍ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنْ خَصْلَتَيْنِ، كُنْتُ لَا أَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِينِي، وَكَانَ قَلْبِي سَلِيمًا لِلْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: مِنْ عَلَامَةِ إعْرَاضِ اللَّهِ عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَجْعَلَ شُغْلَهُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ.
وَقَالَ سَهْلٌ التُّسْتَرِيُّ: مَنْ تَكَلَّمَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ حُرِمَ الصِّدْقَ.
وَقَالَ مَعْرُوفٌ: كَلَامُ الْعَبْدِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ خِذْلَانٌ مِنْ اللَّهِ عز وجل.
وَمَرَّ رَجُلٌ بِلُقْمَانَ الْحَكِيمِ وَالنَّاسُ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَلَسْت عَبْدَ بَنِي فُلَانٍ؟ قَالَ بَلَى، قَالَ الَّذِي كُنْت تَرْعَى عِنْدَ جَبَلِ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ بَلَى، قَالَ فَمَا بَلَغَ بِك مَا أَرَى؟ قَالَ صِدْقُ الْحَدِيثِ، وَطُولُ السُّكُوتِ عَمَّا لَا يَعْنِينِي.
وَمِنْهَا كَثْرَةُ الْكَلَامِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ.
وَقَدْ قَالَ النَّخَعِيُّ: يَهْلِكُ النَّاسُ فِي فُضُولِ الْكَلَامِ وَالْمَالِ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «لَا تُكْثِرْ الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تُقَسِّي الْقَلْبَ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنْ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي» .
وَقَالَ عُمَرُ: مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ، وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، وَمَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ. وَخَرَّجَهُ الْعُقَيْلِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
وَكَانَ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَأْخُذُ بِلِسَانِهِ وَيَقُولُ: هَذَا الَّذِي أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ.
فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَهُوَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَهْ غَفَرَ اللَّهُ لَك، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ: هَذَا أَوْرَدَنِي شَرَّ الْمَوَارِدِ. إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْجَسَدِ إلَّا يَشْكُو ذَرَبَ اللِّسَانِ عَلَى حِدَّتِهِ» . وَذَرَبُ اللِّسَانِ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ جَمِيعًا هُوَ حِدَّتُهُ وَشَرُّهُ وَفُحْشُهُ.
وَقَالَ ابْنُ بُرَيْدَةَ: رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَخَذَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ يَقُولُ وَيْحَك قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ أَوْ اُسْكُتْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمْ، وَإِلَّا فَاعْلَمْ أَنَّك
سَتَنْدَمُ. قَالَ فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ لِمَ تَقُولُ هَذَا؟ قَالَ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ الْإِنْسَانَ - أُرَاهُ قَالَ - لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ أَشَدَّ حَنَقًا أَوْ غَيْظًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْهُ عَلَى لِسَانِهِ إلَّا قَالَ بِهِ خَيْرًا أَوْ أَمْلَى بِهِ خَيْرًا.
وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا عَلَى الْأَرْضِ شَيْءٌ أَحْوَجُ إلَى طُولِ سَجْنٍ مِنْ لِسَانٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: اللِّسَانُ أَمِيرُ الْبَدَنِ إذَا جَنَى عَلَى الْأَعْضَاءِ شَيْئًا جَنَتْ، وَإِذَا عَفَّ عَفَّتْ.
وَسُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ: إنْ كَانَ الْكَلَامُ مِنْ فِضَّةٍ فَإِنَّ الصَّمْتَ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَوْ كَانَ الْكَلَامُ بِطَاعَةِ اللَّهِ مِنْ فِضَّةٍ فَإِنَّ الصَّمْتَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ مِنْ ذَهَبٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ «لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا ذَرٍّ فَقَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ أَلَا أَدُلُّك عَلَى خَصْلَتَيْنِ هُمَا خَفِيفَتَانِ عَلَى الظَّهْرِ وَأَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ غَيْرِهِمَا؟ قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ عَلَيْك بِحُسْنِ الْخُلُقِ، وَطُولِ الصَّمْتِ، فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا عَمِلَ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهَا» .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَأَبُو يَعْلَى عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْلَمَ فَلْيَلْزَمْ الصَّمْتَ» .
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ: وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» .
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَوْ كُنْتُمْ تَشْتَرُونَ الْكَاغَدَ لِلْحَفَظَةِ لَمَسَكْتُمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْكَلَامِ.
وَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ: لِمَ لَزِمَتْ السُّكُوتَ؟ قَالَ: إنِّي لَمْ أَنْدَمْ عَلَى السُّكُوتِ قَطُّ، وَقَدْ نَدِمْت عَلَى الْكَلَامِ مِرَارًا.
وَفِيمَا قِيلَ: جَرْحُ اللِّسَانِ كَجَرْحِ الْيَدِ. وَقِيلَ: اللِّسَانُ كَلْبٌ عَقُورٌ، إنْ خُلِّيَ عَنْهُ عَقَرَ.
وَرُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا الْإِمَامِ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ أَنْشَدَ بِلِسَانِهِ:
يَمُوتُ الْفَتَى مِنْ عَثْرَةٍ مِنْ لِسَانِهِ
…
وَلَيْسَ يَمُوتُ الْمَرْءُ مِنْ عَثْرَةِ الرِّجْلِ
فَعَثْرَتُهُ مِنْ فِيهِ تَرْمِي بِرَأْسِهِ
…
وَعَثْرَتُهُ بِالرِّجْلِ تَبْرَى عَلَى مَهْلِ
وَمِمَّا قِيلَ:
قَدْ أَفْلَحَ السَّاكِتُ الصَّمُوتُ
…
كَلَامُهُ قَدْ يُعَدُّ قُوتُ
مَا كُلُّ نُطْقٍ لَهُ جَوَابٌ
…
جَوَابُ مَا تَكْرَهُ السُّكُوتُ
وَأَعْجَبُ الْأَمْرِ مِنْ ظَلُومٍ
…
مُسْتَيْقِنٍ أَنَّهُ يَمُوتْ
وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
عَجِبْتُ لِإِدْلَالِ الْغَبِيِّ بِنَفْسِهِ
…
وَصَمْتِ الَّذِي قَدْ كَانَ بِالْعِلْمِ أَعْلَمَا
وَفِي الصَّمْتِ سَتْرٌ لِلْغَبِيِّ وَإِنَّمَا
…
صَحِيفَةُ لُبِّ الْمَرْءِ أَنْ يَتَكَلَّمَا
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: كَانَ الْإِمَامُ مَالِكٌ يَعِيبُ كَثْرَةَ الْكَلَامِ وَيَقُولُ: لَا يُوجَدُ إلَّا فِي النِّسَاءِ وَالضُّعَفَاءِ.
وَفِي خَبَرٍ مَأْثُورٍ: الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي ثَلَاثٍ: السُّكُوتِ وَالْكَلَامِ وَالنَّظَرِ، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ سُكُوتُهُ فِكْرَةً، وَكَلَامُهُ حِكْمَةً، وَنَظَرُهُ عِبْرَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهَا الْكَذِبُ، وَهُوَ مِنْ الْآفَاتِ الْعِظَامِ وَالذُّنُوبِ الْجِسَامِ، وَالْبَذَاذَةِ، وَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَقَوْلِ الْفُجُورِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي مَحَالِّهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْهَا الْقَذْفُ، وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمُوبِقَاتِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ ذَكَرَ امْرَأً بِشَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ لِيَعِيبَهُ بِهِ حَبَسَهُ اللَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَأْتِيَ بِنَفَاذِ مَا قَالَ فِيهِ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بِالزِّنَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ» .
(الْمَقَامُ الثَّانِي) فِي بَعْضِ شُئُونِ مَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا. مِنْهَا الشَّهَادَتَانِ، وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، وَأَذْكَارُ الصَّلَوَاتِ، وَأَذْكَارُ الْحَجِّ