الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَوَّلُ مَنْ لَطَّفَ الْمَعَانِيَ فِي الشِّعْرِ وَاسْتَوْقَفَ عَلَى الطُّلُولِ وَوَصَفَ النِّسَاءِ بِالظِّبَا وَالْمَهَا وَالْبِيضِ امْرُؤُ الْقَيْسِ. قَالَ عَلِيٌّ: رَأَيْته أَحْسَنَ الشُّعَرَاءِ لِأَنَّهُ قَالَ مَا لَمْ يَقُولُوا، وَأَحْسَنَهُمْ نَادِرَةً، وَأَسْبَقَهُمْ بَادِرَةً، وَلَمْ يَقُلْ الشِّعْرَ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالشِّعْرِ: إنَّ امْرَأَ الْقَيْسِ لَمْ يَتَقَدَّمْ الشُّعَرَاءَ وَلَكِنَّهُ سَبَقَ إلَى أَشْيَاءَ فَاسْتَحْسَنَهَا الشُّعَرَاءُ وَاتَّبَعُوهُ فِيهَا فَهُوَ أَشْعَرُ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ.
وَقِيلَ فِي حَقِّهِ عَلَى لِسَانِ النُّبُوَّةِ: «امْرُؤُ الْقَيْسِ بِيَدِهِ لِوَاءُ الشُّعَرَاءِ» كَمَا فِي مُزْهِرِ اللُّغَةِ لِلسُّيُوطِيِّ.
وَفِي أَوَائِلِ السُّيُوطِيِّ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَرَقَّ الشِّعْرَ وَالْمَرَاثِي مُهَلْهَلُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كَذَبَ فِي شِعْرِهِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ أَشْعَرَهُمْ أَكْذَبُهُمْ.
وَفِي التَّوْرَاةِ: أَبُو ذِئْبٍ مُؤَلِّفٌ زُورًا، وَكَانَ اسْمَ شَاعِرٍ بِالسُّرْيَانِيَّةِ. وَقَدْ قِيلَ: الشُّعَرَاءُ أَرْبَعَةٌ: امْرُؤُ الْقَيْسِ، وَطَرَفَةُ، وَالنَّابِغَةُ، وَمُهَلْهَلٌ، وَأَشْعَرُ الْإِسْلَامِيِّينَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ.
[طَبَقَات الشُّعَرَاء]
وَالشُّعَرَاءُ أَرْبَعُ طَبَقَاتٍ، جَاهِلِيٌّ قَدِيمٌ، وَمُخَضْرَمٌ، وَهُوَ الَّذِي أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَالْإِسْلَامَ، وَإِسْلَامِيٌّ، وَمُحْدِثٌ. وَلِلشِّعْرِ طَبَقَاتٌ ذَكَرَهَا عُلَمَاءُ هَذَا الشَّأْنِ فِي كُتُبِهِمْ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ شَاعِرًا لِأَنَّهُ يَشْعُرُ بِمَا لَا يَشْعُرُ بِهِ غَيْرُهُ. وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
مَطْلَبٌ: فِي حَظْرِ الْهِجَاءِ وَالْمَدْحِ بِالزُّورِ
وَحَظْرَ الْهَجَا وَالْمَدْحِ بِالزُّورِ وَالْخَنَا
…
وَتَشْبِيبِهِ بِالْأَجْنَبِيَّاتِ أَكِّدْ
(وَحَظْرُ) أَيْ مَنْعُ (الْهَجَا) أَيْ الشَّتْمِ وَالذَّمِّ بِالشِّعْرِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: هَجَاهُ هَجْوًا وَهِجَاءً شَتَمَهُ بِالشِّعْرِ (وَ) حَظْرُ (الْمَدْحِ بِالزُّورِ) أَيْ الْكَذِبِ الَّذِي لَا أَصْلَ لَهُ (وَ) حَظْرُ الْمَدْحِ بِ (الْخَنَا) أَيْ الْفُحْشِ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْخَنْوَةُ الْقَذِرَةُ وَالْفُرْجَةُ فِي الْخُصِّ، وَخَنَا خَنْوًا فَحُشَ، وَأَمَّا خَنِيَ كَرَضِيَ وَأَخْنَى عَلَيْهِمْ فَمَعْنَاهُ أَهْلَكَهُمْ، وَالْجَرَادُ كَثُرَ بَيْضُهُ، وَالْمَرْعَى كَثُرَ نَبَاتُهُ، وَخَنَا الدَّهْرِ آفَاتُهُ (وَ) حَظْرُ (تَشْبِيبِهِ) أَيْ الْمُتَشَبِّبِ (بِ) النِّسَاءِ (الْأَجْنَبِيَّاتِ) الْمُعَيَّنَاتِ.
وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيَّاتِ هُنَا مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ بِخِلَافِ نِسَائِهِ وَإِمَائِهِ فَلَا حَظْرَ بِالتَّشْبِيبِ بِهِنَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَكَذَا التَّشْبِيبُ بِغَيْرِ مُعَيَّنَةٍ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ
أَكِّدْ) الْحَظْرَ وَالْحُرْمَةَ وَامْنَعْ مِنْ ذَلِكَ كُلَّ الْمَنْعِ وَلَا تُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ.
وَوَصْفُ الزِّنَا وَالْخَمْرِ وَالْمُرْدِ وَالنِّسَا
…
الْفَتَيَاتِ أَوْ نَوْحِ التَّسَخُّطِ مُورِدِ
(وَ) كَذَا (وَصْفُ) سَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ نَحْوِ (الزِّنَا وَ) وَصْفُ (الْخَمْرِ) الَّتِي هِيَ أُمُّ الْخَبَائِثِ (وَ) وَصْفُ (الْمُرْدِ) جَمْعُ أَمْرَدَ يَعْنِي التَّشْبِيبَ بِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ الْأَمْرَدُ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ.
وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ وَالنَّرْدِ بَدَلَ الْمُرْدِ وَالْمَعْنَى صَحِيحٌ، فَإِنَّ النَّرْدَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَوَصْفُهُ وَالتَّشْبِيبُ بِهِ مَحْظُورٌ، لَكِنَّ الصَّوَابَ الْأَوَّلُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (وَالنِّسَا الْفَتَيَاتِ) جَمْعُ فَتَاةٍ (أَوْ نَوْحِ التَّسَخُّطِ مُورَدِ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّهُ أَوْرَدَ لِيَسْتَقِيمَ الْإِعْرَابُ فَهُوَ أَمْرٌ مِنْ أَوْرَدَ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِحَظْرِ ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ إنْ أَفْرَطَ شَاعِرٌ بِالْمِدْحَةِ بِإِعْطَائِهِ وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ يَعْنِي أَفْرَطَ بِالْهِجَاءِ وَالْمَذَمَّةِ بِمَنْعِهِ، أَوْ شَبَّبَ بِمَدْحِ خَمْرٍ أَوْ بِمُرْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ مُحَرَّمَةٍ فَسَقَ، لَا إنَّ شَبَّبَ بِامْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ، وَفِي فُصُولِ ابْنِ عَقِيلٍ وَالتَّرْغِيبِ تَرُدُّ شَهَادَتُهُ كَدَيُّوثٍ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ كَمَا عُلِمَ.
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَمَّا قَالَ الْحُطَيْئَةُ فِي الزِّبْرِقَانِ بْنِ بَدْرٍ:
دَعْ الْمَكَارِمَ لَا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِهَا
…
وَاقْعُدْ فَإِنَّك أَنْتَ الطَّاعِمُ الْكَاسِي
وَسَأَلَ عُمَرُ رضي الله عنه حَسَّانَ وَلَبِيدًا رضي الله عنهما فَقَالَا إنَّهُ هِجَاءٌ لَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُرْمِي فِي بِئْرٍ ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِ شَيْئًا، فَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:
مَاذَا تَقُولُ لِأَفْرَاخٍ بِذِي مَرَحٍ
…
زُغْبِ الْحَوَاصِلِ لَا مَاءٌ وَلَا شَجَرُ
أَلْقَيْت كَاسِيَهُمْ فِي قَعْرِ مُظْلِمَةٍ
…
فَاغْفِرْ عَلَيْهِ سَلَامُ اللَّهِ يَا عُمَرُ
أَنْتَ الْإِمَامُ الَّذِي مِنْ بَعْدِ صَاحِبِهِ
…
أَلْقَتْ عَلَيْك مَقَالِيدَ النُّهَى الْبَشَرُ
لَمْ يُؤْثِرُوك بِهَا إذْ قَدَّمُوك لَهَا
…
لَكِنْ لِأَنْفُسِهِمْ كَانَتْ بِك الْأَثَرُ
فَامْنُنْ عَلَى صِبْيَةٍ بِالرَّمْلِ مَسْكَنُهُمْ
…
بَيْنَ الْأَبَاطِحِ يَغْشَاهُمْ بِهَا الْعُذْرُ
أَهْلِي فِدَاؤُك كَمْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ
…
مِنْ عَرْضِ دَاوِيَّةٍ يُعْمَى بِهَا الْخَبَرُ
فَحِينَئِذٍ كَلَّمَهُ فِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رضي الله عنهما -
وَاسْتَرْضَاهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ السِّجْنِ ثُمَّ دَعَاهُ فَهَدَّدَهُ بِقَطْعِ لِسَانِهِ إنْ عَادَ يَهْجُو أَحَدًا.
قُلْت: وَالْحُطَيْئَةُ هَذَا كَانَ هَجَّاءً حَتَّى إنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ هَمَّ بِهِجَاءٍ فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ فَقَالَ:
أَبَتْ شَفَتَايَ الْيَوْمَ إلَّا تَكَلُّمًا
…
بِسُوءٍ فَمَا أَدْرِي لِمَنْ أَنَا قَائِلُهُ
أَرَى لِي وَجْهًا قَبَّحَ اللَّهُ خَلْقَهُ
…
فَقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ وَقُبِّحَ حَامِلُهُ
فَهَجَا نَفْسَهُ، وَهَجَا أُمَّهُ بِقَوْلِهِ:
تَنَحَّيْ فَاجْلِسِي عَنِّي بَعِيدًا
…
أَرَاحَ اللَّهُ مِنْك الْعَالَمِينَا
أَغُرْبَالًا إذَا اُسْتُوْدِعْتِ سِرًّا
…
وَكَانُونًا عَلَى الْمُتَحَدِّثِينَا
حَيَاتُك مَا عَلِمْت حَيَاةُ سُوءٍ
…
وَمَوْتُك قَدْ يَسُرُّ الصَّاحِبِينَا
وَهَجَا بَعْضُهُمْ امْرَأَةً فَقَالَ:
لَهَا جِسْمُ بُرْغُوثٍ وَسَاقُ بَعُوضَةٍ
…
وَوَجْهٌ كَوَجْهِ الْقِرْدِ بَلْ هُوَ أَقْبَحُ
تَبْرُقُ عَيْنَاهَا إذَا مَا رَأَيْتَهَا
…
وَتَعْبِسُ فِي وَجْهِ الْجَلِيسِ وَتَكْلَحُ
لَهَا مَضْحَكٌ كَالْحَشِّ تَحْسِبُ أَنَّهَا
…
إذَا ضَحِكَتْ فِي أَوْجُهِ النَّاسِ تَسْلَحُ
إذَا عَايَنَ الشَّيْطَانُ صُورَةَ وَجْهِهَا
…
تَعَوَّذَ مِنْهَا حِينَ يُمْسِي وَيُصْبِحُ
وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها «هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشُفِيَ وَاشْتَفَى» وَكَانَ يُصْنَعُ لَهُ مِنْبَرٌ يَقُومُ عَلَيْهِ فَيَهْجُو مَنْ هَجَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ.
وَمِنْ جُمْلَةِ شِعْرِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه فِي الذَّبِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
عَفَتْ ذَاتُ الْأَصَابِعِ فَالْجِوَاءُ
…
إلَى عَذْرَاءَ مَنْزِلُهَا خَلَاءُ
دِيَارٌ مِنْ بَنِي الْحَسْحَاسِ قَفْرٌ
…
تُعَفِّيهَا الرَّوَامِسُ وَالسَّمَاءُ
وَكَانَتْ لَا يَزَالُ بِهَا أَنِيسٌ
…
خِلَالَ مُرُوجِهَا نَعَمٌ وَشَاءُ
فَدَعْ هَذَا وَلَكِنْ مَنْ لِطَيْفٍ
…
يُؤَرِّقُنِي إذَا ذَهَبَ الْعِشَاءُ
لِشَعْثَاءَ الَّتِي قَدْ تَيَّمَتْهُ
…
فَلَيْسَ لِقَلْبِهِ مِنْهَا شِفَاءُ
كَأَنَّ خَبِيثَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ
…
يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ
إذَا مَا الْأَشْرِبَاتُ ذُكِرْنَ يَوْمًا
…
فَهُنَّ لِطِيبِ الرَّاحِ الْفِدَاءُ
نُوَلِّيهَا الْمَلَامَةَ إنْ أُلِمْنَا
…
إذَا مَا كَانَ مَغْثٌ أَوْ لِحَاءُ
وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكًا
…
وَأُسْدًا مَا يُنَهْنِهُنَا اللِّقَاءُ
عَدِمْنَا خَيْلَنَا إنْ لَمْ تَرَوْهَا
…
تُثِيرُ النَّقْعَ مَوْعِدُهَا كَدَاءٌ
يُنَازِعْنَ الْأَعِنَّةَ مُصْغِيَاتٍ
…
عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَلُ الظِّمَاءُ
تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ
…
يَلْطِمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ
فَإِمَّا تُعْرِضُوا عَنَّا اعْتَمَرْنَا
…
وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ
وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِجِلَادِ يَوْمٍ
…
يُعِينُ اللَّهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَجِبْرِيلُ رَسُولُ اللَّهِ فِينَا
…
وَرُوحُ الْقُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ
وَقَالَ اللَّهُ قَدْ أَرْسَلْت عَبْدًا
…
يَقُولُ الْحَقَّ أَنْ يَقَعَ الْبَلَاءُ
شَهِدْتُ بِهِ فَقُومُوا صَدِّقُوهُ
…
فَقُلْتُمْ لَا نَقُومُ وَلَا نَشَاءُ
وَقَالَ اللَّهُ قَدْ يَسَّرْت جُنْدًا
…
هُمْ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ
لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ
…
سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ
فَنَحْكُمُ بِالْقَوَافِي مَنْ هَجَانَا
…
وَنَضْرِبُ حِينَ تَخْتَلِطُ الدِّمَاءُ
أَلَا أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنِّي
…
مُغَلْغَلَةً فَقَدْ بَرِحَ الْخَفَاءُ
بِأَنَّ سُيُوفَنَا تَرَكَتْك عَبْدًا
…
وَعَبْدُ الدَّارِ سَادَتُهَا الْإِمَاءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا وَأَجَبْتُ عَنْهُ
…
وَعِنْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ
أَتَهْجُوهُ وَلَسْت لَهُ بِكُفْءٍ
…
فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا فِدَاءُ
هَجَوْت مُبَارَكًا بَرًّا حَفِيًّا
…
أَمِينَ اللَّهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ
فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ
…
وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءٌ
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَتِي وَعِرْضِي
…
لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَيْبَ فِيهِ
…
وَبَحْرِي لَا تُكَدِّرُهُ الدِّلَاءُ
ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ مِنْ أَشْعَارِ الْفَتْحِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَهَا حَسَّانُ قَبْلَ يَوْمِ الْفَتْحِ وَقَالَ بَلَغَنِي عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النِّسَاءَ يَلْطِمْنَ الْخَيْلَ بِالْخُمُرِ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى أَبِي بَكْرٍ» . قُلْت بَلْ قَالَ هَذَا الشِّعْرَ حَسَّانُ رضي الله عنه قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرَةِ،.
فَمَدْحُ الْخَمْرِ وَنَحْوُ الزِّنَا بِمَنْزِلَةِ الْهِجَاءِ، لِأَنَّهُ مَدْحُ مَا ذَمَّهُ اللَّهُ وَحَرَّمَهُ، وَلِهَذَا قَالَ النُّعْمَانُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ فَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ حَرْثَانَ