الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَجِبُ لِلْجَارِ، وَقِسْمٌ يَنْتَفِعَانِ بِهِ وَلَا يَضُرُّهُ أَيْضًا يَجِبُ طَاعَتُهُمَا فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِهِ. فَأَمَّا مَا كَانَ يَضُرُّهُ طَاعَتُهُمَا فِيهِ لَمْ تَجِبْ طَاعَتُهُمَا فِيهِ، لَكِنْ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ. وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْهُ الْإِمَامُ بَلْ قَالَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبٌ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً لِأَنَّ فَرَائِضَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الطَّهَارَةِ وَأَرْكَانِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ تَسْقُطُ. بِالضَّرَرِ فَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ لَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا بَيَّنَّا أَمْرَ التَّمَلُّكِ، فَإِنَّا جَوَّزْنَا لَهُ أَخْذَ مَا لَمْ يَضُرَّهُ، فَأَخْذُ مَنَافِعِهِ كَأَخْذِ مَالِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» فَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَبْدِ. .
ثُمَّ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رضي الله عنه أَنَّ نُصُوصَ الْإِمَامِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِ الْفَرْضِ، وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي عَدَمِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَعَدَمِ تَأْخِيرِ الْحَجِّ. وَقَالَ رضي الله عنه فِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ فِي رَجُلٍ تَسْأَلُهُ أُمُّهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا مِلْحَفَةً لِلْخُرُوجِ. قَالَ إنْ كَانَ خُرُوجُهَا فِي بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ أَوْ جَارٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ لِأَمْرٍ وَاجِبٍ لَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يُعِينُهَا عَلَى الْخُرُوجِ. وَقِيلَ لَهُ رضي الله عنه إنْ أَمَرَنِي أَبِي بِإِتْيَانِ السُّلْطَانِ لَهُ عَلَيَّ طَاعَةٌ؟ قَالَ لَا. وَذَكَرَ أَبُو الْبَرَكَاتِ أَنَّ الْوَالِدَ لَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ، وَكَذَا الْمُكْرِي وَالزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ. قَالَ فِي الْآدَابِ: وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا تَأَكَّدَ شَرْعًا لَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُ وَلَدِهِ فَلَا يُطِيعُهُ فِيهِ. وَقَالَ وَلِذَا ذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ لَا يُطِيعُهُمَا فِي تَرْكِ نَفْلٍ مُؤَكَّدٍ كَطَلَبِ عِلْمٍ لَا يَضُرُّهُمَا بِهِ. .
مَطْلَبٌ: هَلْ إذَا أَمَرَ الْأَبُ أَوْ الْأُمُّ وَلَدَهُمَا بِتَطْلِيقِ زَوْجَتِهِ يُجِيبُهُمَا أَمْ لَا
؟
(وَ) كَأَمْرِهِمَا لَهُ (بِتَطْلِيقِ زَوْجَاتٍ) لَهُ أَوْ بَيْعِ أَمَةٍ لَهُ (بِرَأْيٍ) أَيْ اعْتِقَادٍ (مُجَرَّدٍ) عَنْ مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الرَّأْيُ الِاعْتِقَادُ جَمْعُهُ آرَاءٌ. قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: فَإِنْ أَمَرَهُ أَبُوهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَمْ يَجِبْ. ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَسَأَلَ رَجُلٌ الْإِمَامَ رضي الله عنه فَقَالَ إنَّ أَبِي يَأْمُرُنِي أَنْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي، قَالَ لَا تُطَلِّقْهَا.
قَالَ أَلَيْسَ عُمَرُ أَمَرَ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ؟ قَالَ حَتَّى يَكُونَ أَبُوك مِثْلَ عُمَرَ رضي الله عنه. قَالَ فِي الْآدَابِ: وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجِبُ لِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِابْنِ عُمَرَ. وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ
إذَا أَمَرَتْهُ أُمُّهُ بِالطَّلَاقِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُطَلِّقَ، لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي الْآدَابِ، وَكَذَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُ لِأَمْرِ أُمِّهِ. فَإِنْ أَمَرَهُ الْأَبُ بِالطَّلَاقِ طَلَّقَ إذَا كَانَ عَدْلًا يَعْنِي الْأَبَ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِيمَنْ تَأْمُرُهُ أُمُّهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ، قَالَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَبَرَّهَا، وَلَيْسَ تَطْلِيقُ امْرَأَتِهِ مِنْ بِرِّهَا. انْتَهَى.
وَقَالَ رَجُلٌ لِلْإِمَامِ رضي الله عنه: لِي جَارِيَةٌ وَأُمِّي تَسْأَلُنِي أَنْ أَبِيعَهَا، قَالَ تَتَخَوَّفُ أَنْ تَتْبَعَهَا نَفْسُك؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ لَا تَبِعْهَا. قَالَ إنَّهَا تَقُولُ لَا أَرْضَى عَنْك أَوْ تَبِيعُهَا، قَالَ إنْ خِفْت عَلَى نَفْسِك فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ يَبْقَى إمْسَاكُهَا وَاجِبًا، أَوْ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا.
وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ يُطِيعُهَا فِي بَيْعِهَا لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ لَا دِينًا وَلَا دُنْيَا.
وَقَالَ أَيْضًا: قَيَّدَ أَمْرَهُ بِبَيْعِ السُّرِّيَّةِ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ بَيْعَ السُّرِّيَّةِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الثَّمَنَ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ. فَإِنَّهُ مُضِرٌّ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُتَّهَمُ فِي الطَّلَاقِ مَا لَا يُتَّهَمُ فِي بَيْعِ السُّرِّيَّةِ.
وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ وُجُوبِ طَاعَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَطَلَاقُ زَوْجَاتِهِ بِمُجَرَّدِ هَوًى ضَرَرٌ بِهَا وَبِهِ. .
وَأَمَّا طَاعَتُهُمَا فِي تَرْكِ مَا هُوَ مَسْنُونٌ فَالْأَقْيَسُ وُجُوبُهَا، وَيَنْبَغِي لَهُمَا أَنْ لَا يَنْهَيَاهُ عَمَّا هُوَ مَنْدُوبٌ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ رضي الله عنه فِي رِوَايَةِ هَارُونَ بْنِ مُوسَى إذَا أَمَرَهُ أَبَوَاهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ، قَالَ يُدَارِيهِمَا وَيُصَلِّي.
إذَا نَهَيَاهُ، وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَنْهَيَاهُ، يَعْنِي عَنْ التَّطَوُّعِ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى: إذَا أَمَرَهُ أَبَوَاهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ، قَالَ يُدَارِيهِمَا وَيُصَلِّي.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فَفِي الصَّوْمِ كُرِهَ الِابْتِدَاءُ فِيهِ إذَا نَهَيَاهُ وَاسْتُحِبَّ الْخُرُوجُ مِنْهُ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَقَالَ يُدَارِيهِمَا وَيُصَلِّي. انْتَهَى. قَالَ تِلْمِيذُهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ صَلَاةِ النَّفْلِ إذَا سَأَلَهُ أَحَدُ وَالِدَيْهِ. ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَمَّادٍ الْمُقْرِي فِي الرَّجُلِ يَأْمُرُهُ وَالِدُهُ بِأَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَوَاتِ لِيُصَلِّيَ بِهِ، قَالَ يُؤَخِّرُهُمَا. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: فَلَوْ كَانَ تَأْخِيرُهَا يُفْضِي إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ لَمْ يَجُزْ
لِأَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي الرَّجُلِ يَنْهَاهُ أَبُوهُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ قَالَ لَيْسَ لَهُ طَاعَتُهُ فِي الْفَرْضِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا فِي التَّعْلِيقِ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَمَّادٍ فَقَدْ أُمِرَ بِطَاعَةِ أَبِيهِ فِي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ وَتَرْكِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ نُدِبَ إلَى طَاعَةِ أَبِيهِ فِي تَرْكِ النَّفْلِ وَصَلَاةِ النَّفْلِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قُرْبَةً وَطَاعَةً.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه فِي رَجُلٍ يَصُومُ تَطَوُّعًا فَسَأَلَهُ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَنْ يُفْطِرَ لَهُ أَجْرُ الْبِرِّ وَالصَّوْمِ إذَا أَفْطَرَهُ.
وَقَالَ رضي الله عنه فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ يَأْمُرَانِهِ بِالتَّزْوِيجِ أَمَرْته أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ كَانَ شَابًّا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ أَمَرْتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ. .
وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّينِ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ: إنَّ لِلْوَالِدِ مَنْعَ الْوَلَدِ مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ الْغَزْوِ وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ فَالتَّطَوُّعُ أَوْلَى. .
وَقَالَ فِي مَسْأَلَةٍ لَا يُجَاهِدُ مَنْ أَبَوَاهُ مُسْلِمَانِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا يَعْنِي تَطَوُّعًا وَأَنَّ ذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَأَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَاسْتَدَلَّ بِعِدَّةِ أَحَادِيثَ ثُمَّ قَالَ: وَلِأَنَّ ذَلِكَ فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَفَرْضُ الْعَيْنِ مُقَدَّمٌ فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ سَقَطَ إذْنُهُمَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ وَكَذَا كُلُّ مَا وَجَبَ كَالْحَجِّ وَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمَعِ وَالسَّفَرِ لِلْعِلْمِ الْوَاجِبِ لِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ فَلَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُ الْأَبَوَيْنِ فِيهَا كَالصَّلَاةِ.
وَظَاهِرُ هَذَا التَّعْلِيلِ اعْتِبَارُ إذْنِهِمَا فِي التَّطَوُّعِ كَمَا نَقُولُهُ فِي الْجِهَادِ وَهُوَ غَرِيبٌ، وَالْمَعْرُوفُ اخْتِصَاصُ الْجِهَادِ بِهَذَا الْحُكْمِ. قَالَ فِي الْآدَابِ. قَالَ وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ لِمُسْتَحَبٍّ إلَّا بِإِذْنِهِ كَسَفَرِ الْجِهَادِ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ فِي الْحَضَرِ كَالصَّلَاةِ النَّافِلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُهُ وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَعْتَبِرُهُ وَلَا وَجْهَ لَهُ وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ. قَالَ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُرَادَ بِالسَّفَرِ مَا فِيهِ خَوْفٌ كَالْجِهَادِ مَعَ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الشَّهَادَةُ، وَمِثْلُهُ الدُّخُولُ فِيمَا يَخَافُ مِنْهُ فِي الْحَضَرِ كَإِطْفَاءِ حَرِيقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ)
(الْأَوَّلُ) : ظَاهِرُ النَّظْمِ وُجُوبُ طَاعَةِ الْوَالِدِ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا.
وَقَالَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى. قَالَ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ النَّظْمِ ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ