الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُسِرُّونَهَا، وَعَمَّا يَبْدُو مِنْهُمْ غَفْلَةٌ أَوْ غَلَبَةٌ مِنْ كَشْفِ عَوْرَةٍ أَوْ خُرُوجِ رِيحٍ، أَوْ صَوْتِ رِيحٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ فَالْأَوْلَى لِلسَّامِعِ أَنْ يُظْهِرَ طَرَشًا أَوْ غَفْلَةً أَوْ نَوْمًا أَوْ يَتَوَضَّأَ هُوَ وَغَيْرُهُ سَتْرًا لِذَلِكَ. انْتَهَى.
قَالَ الْمَهْدَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَجَسَّسَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ اطَّلَعَ مِنْهُ عَلَى رِيبَةٍ وَجَبَ أَنْ يَسْتُرَهَا وَيَعِظَهُ مَعَ ذَلِكَ وَيُخَوِّفَهُ بِاَللَّهِ. قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: الْكَيِّسُ الْعَاقِلُ هُوَ الْفَطِنُ الْمُتَغَافِلُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
وَإِنِّي لَأَعْفُو عَنْ ذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ
…
وَفِي دُونِهَا قَطْعُ الْحَبِيبِ الْمُوَاصِلِ
وَأُعْرِضُ عَنْ ذِي اللُّبِّ حَتَّى كَأَنَّنِي
…
جَهِلْت الَّذِي يَأْتِي وَلَسْت بِجَاهِلِ
وَأَنْشَدَ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَعْنَى:
وَمَنْ لَمْ يَغُضَّ عَيْنَهُ عَنْ صَدِيقِهِ
…
وَعَنْ بَعْضِ مَا فِيهِ يَمُتْ وَهُوَ عَائِبُ
وَمَنْ يَتَتَبَّعْ جَاهِدًا كُلَّ عَثْرَةٍ
…
يَجِدْهَا وَلَا يَسْلَمْ لَهُ الدَّهْرَ صَاحِبُ
هَذَا كُلُّهُ فِي هِجْرَانِ أَرْبَابِ الْمَعَاصِي.
وَأَمَّا هِجْرَانُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ فَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي نَظْمِهِ فَقَالَ:
مَطْلَبٌ: فِي هَجْرِ مَنْ يَدْعُو لِأَمْرٍ مُضِلٍّ:
وَهِجْرَانُ مَنْ يَدْعُو لِأَمْرٍ مُضِلٍّ أَوْ
…
مُفَسِّقٍ احْتِمْهُ بِغَيْرِ تَرَدُّدِ
(وَهِجْرَانُ مَنْ) أَيْ إنْسَانٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ غَيْرِهِمْ (يَدْعُو) النَّاسَ جَهْرَةً أَوْ خُفْيَةً (لِ) إجَابَةِ (أَمْرٍ) مِنْ الدِّينِ مِنْ الْأَقْوَالِ أَوْ الْأَفْعَالِ أَوْ الِاعْتِقَادَاتِ الْفَاسِدَةِ (مُضِلٍّ) تَائِهٌ حَائِدٌ عَنْ النَّهْجِ الْقَوِيمِ، وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ، وَالرَّسُولُ الْعَظِيمُ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، أَوْ الصَّحَابَةُ أَهْلُ التَّقْوَى وَالْإِصَابَةِ، الَّذِينَ هُمْ خَيْرُ عِصَابَةٍ، أَوْ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، أَوْ الْقَرْنِ الثَّالِثِ الَّذِي نَطَقَ بِفَضْلِهِ سَيِّدُ الْأَكْوَانِ، فِي قَوْلِهِ «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» فَهَؤُلَاءِ الْقُرُونُ الثَّلَاثَةُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْوِرَاثَةِ، لَا مَا نَهَجَتْهُ الْجَهْمِيَّةُ وَأَضْرَابُهُمْ مِنْ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ وَالطَّوَائِفِ الْمَائِلَةِ الزَّالَّةِ، فَهَؤُلَاءِ حَتْمٌ هِجْرَانُهُمْ، وَلَا تَرْعَ شَأْنَهُمْ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: وَيَجِبُ هَجْرُ مَنْ كُفِّرَ أَوْ فُسِّقَ بِبِدْعَةٍ أَوْ دَعَا إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ أَوْ مُفَسِّقَةٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ النَّاظِمِ (أَوْ) يَدْعُو لِأَمْرٍ (مُفَسِّقٍ) بِأَنْ كَانَتْ بِدْعَتُهُ مُفَسِّقَةً لَا مُكَفِّرَةً. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُكَفِّرَةً فَبِالْأَوْلَى وَقَدْ شَمَلَهُ قَوْلُهُ لِأَمْرٍ مُضِلٍّ، لِأَنَّ الضَّلَالَ يَشْمَلُ الْكُفْرَ وَالْفِسْقَ، وَعَطْفُهُ مِنْ عَطْفِ (الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ) وَنُكْتَةُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّاعِيَ إلَى الْبِدْعَةِ الْمُفَسِّقَةِ رُبَّمَا يَتَوَهَّمُ عَدَمَ وُجُوبِ هَجْرِهِ كَمَا لَهُ كَانَ فَاسِقًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ هَجْرُهُ بَلْ يُسَنُّ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ دَاعِيَةً إلَى الْبِدْعَةِ الْمُفَسِّقَةِ (احْتِمْهُ) أَيْ الْهِجْرَانَ بِغَيْرِ (تَرَدُّدٍ) مِنْك وَلَا شَكٍّ لِارْتِكَابِهِ الْبِدَعَ، وَخِلَالُ السُّوءِ الَّتِي عَلَيْهَا انْطَبَعَ. فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَلِيمِ الْفُؤَادِ، مِنْ شُعَبِ الْبِدَعِ وَالْعِنَادِ، أَنْ يَصْرِمَ أَهْلَ الْبِدَعِ وَالْإِلْحَادِ، مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا تَرْدَادٍ. فَهِجْرَانُ الدَّاعِي إلَى الْبِدَعِ وَاجِبٌ.
عَلَى غَيْرِ مَنْ يَقْوَى عَلَى دَحْضِ قَوْلِهِ
…
وَيَدْفَعُ إضْرَارَ الْمُضِلِّ بِمِذْوَدِ
(عَلَى) كُلِّ مُسْلِمٍ مُمْتَثِلٍ لِلسُّنَّةِ وَلِلْبِدْعَةِ مُجَانِبٍ (غَيْرَ مَنْ) أَيْ إنْسَانٍ مُسْلِمٍ (يَقْوَى) لِنُفُوذِ كَلِمَتِهِ أَوْ عُلُوِّ هِمَّتِهِ أَوْ كَثْرَةِ عَشِيرَتِهِ (عَلَى دَحْضِ) أَيْ دَفْعِ وَرَدِّ وَإِبْطَالِ قَوْلِهِ، أَيْ قَوْلِ مَنْ يَدْعُو لِلضَّلَالَةِ وَالْبِدَعِ وَالْجَهَالَةِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: وَيَجِبُ هَجْرُ مَنْ كُفِّرَ أَوْ فُسِّقَ بِبِدْعَةٍ أَوْ دَعَا إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ أَوْ مُفَسِّقَةٍ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ عَلَيْهِ أَوْ خَافَ الِاغْتِرَارَ بِهِ وَالتَّأَذِّي دُونَ غَيْرِهِ.
فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الرَّدِّ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ هَجْرُهُ بَلْ عَلَيْهِ رَدُّ قَوْلِهِ كَمَا فِي كَلَامِ النَّاظِمِ فَيَرُدُّهُ (وَيَدْفَعُ) بِالْبَرَاهِينِ الظَّاهِرَةِ وَالْحُجَجِ الْبَاهِرَةِ شُبْهَتَهُ إنْ كَانَ لَهُ شُبْهَةٌ أَوْ بِسَيْفِ الشَّرْعِ (إضْرَارَ الْمُضِلِّ) لِلنَّاسِ الدَّاعِيَ لَهُمْ لِلْهَلَكَةِ وَالْيَأْسِ (بِمِذْوَدِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْمِذْوَدُ كَمِنْبَرِ اللِّسَانِ. وَأَصْلُ الذَّوْدِ السَّوْقُ وَالطَّرْدُ وَالدَّفْعُ كَالذِّيَادِ وَهُوَ ذَائِدٌ.
وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي آدَابِهِ: وَقِيلَ يَجِبُ هَجْرُهُ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه، وَقَطَعَ ابْنُ عَقِيلٍ بِهِ فِي مُعْتَقَدِهِ قَالَ لِيَكُونَ ذَلِكَ كَسْرًا لَهُ وَاسْتِصْلَاحًا وَقَالَ أَيْضًا يَعْنِي ابْنَ عَقِيلٍ: إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْلَمَ مَحَلَّ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ، فَلَا تَنْظُرْ إلَى زِحَامِهِمْ فِي أَبْوَابِ الْجَوَامِعِ، وَلَا ضَجِيجِهِمْ بِ (لَبَّيْكَ) ، وَإِنَّمَا اُنْظُرْ إلَى مُوَاطَأَتِهِمْ أَعْدَاءَ الشَّرِيعَةِ. عَاشَ
ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ وَالْمُرِّيُّ - عَلَيْهِمَا مَا يَسْتَحِقَّانِ - يَنْظِمَانِ وَيَنْثُرَانِ هَذَا يَقُولُ حَدِيثُ خُرَافَةٍ. وَالْمَعَرِّيُّ يَقُولُ:
تَلَوْا بَاطِلًا وَجَلَوْا صَارِمًا
…
وَقَالُوا صَدَقْنَا فَقُلْنَا نَعَمْ
يَعْنِي بِالْبَاطِلِ كِتَابَ اللَّهِ عز وجل، وَعُظِّمَتْ قُبُورُهُمْ وَاشْتُرِيَتْ تَصَانِيفُهُمْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُرُودَةِ الدِّينِ فِي الْقَلْبِ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَالَهُ أَيْضًا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رضي الله عنه.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ هَجْرُ مَنْ كُفِّرَ أَوْ فُسِّقَ بِبِدْعَةٍ أَوْ دَعَا إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ أَوْ مُفَسِّقَةٍ وَهُمْ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ الْمُخَالِفُونَ فِيمَا لَا يَسُوغُ فِيهِ الْخِلَافُ، كَالْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَنَفْيِ الْقَدَرِ، وَنَفْيِ رُؤْيَةِ الْبَارِي فِي الْجَنَّةِ وَالْمُشَبِّهَةُ وَالْمُجَسِّمَةُ، وَالْمُرْجِئَةُ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ، وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْإِبَاضِيَّةُ وَالْحَرُورِيَّةُ وَالْوَاقِفِيَّةُ، وَاللَّفْظِيَّةُ، وَالرَّافِضَةُ، وَالْخَوَارِجُ، وَأَمْثَالُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْلُونَ مِنْ كُفْرٍ أَوْ فِسْقٍ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.
قَالَ الْخَلَّالُ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ جَارٌ رَافِضِيٌّ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، قَالَ لَا وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَجِبُ عَلَى الْخَامِلِ وَمَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى خُلْطَتِهِمْ، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى خُلْطَتِهِمْ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُرَادُ النَّاظِمِ بِقَوْلِهِ: وَيَقْضِي أُمُورَ النَّاسِ فِي إتْيَانِهِ وَلَا هَجْرَ مَعَ تَسْلِيمِهِ الْمُتَعَوَّدِ (وَيَقْضِي) أَيْ يُنَفِّذُ (أُمُورَ) جَمْعُ أَمْرٍ وَالْمُرَادُ بِهِ حَوَادِثُ وَشُئُونُ وَمَصَالِحُ (النَّاسِ) الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِ أَنْفُسِهِمْ (فِي إتْيَانِهِ) أَيْ إتْيَانُ هَذَا الْمُخَالِطِ لِهَؤُلَاءِ وَغِشْيَانُهُ لِأَبْوَابِهِمْ وَجُلُوسُهُ فِي أَنْدِيَتِهِمْ، فَهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ هَجْرُهُمْ: فَتَخَلَّصَ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِ النَّاظِمِ وَالْأَصْحَابِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ أَوْ خَافَ الِاغْتِرَارَ وَالتَّأَذِّي وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَجْرُ، وَأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الرَّدِّ أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى مُخَالَطَتِهِمْ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْهَجْرُ، لِأَنَّ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَيُنَاظِرُهُمْ يَحْتَاجُ إلَى مُشَافَهَتِهِمْ وَمُخَالَطَتِهِمْ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَكَذَا مَنْ فِي مَعْنَاهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهِجْرَانُ أَهْلِ الْبِدَعِ كَافِرِهِمْ وَفَاسِقِهِمْ، وَالْمُتَظَاهِرِ بِالْمَعَاصِي، وَتَرْكُ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَمَكْرُوهٌ لِسَائِرِ النَّاسِ.
وَلَا) يَتَأَتَّى (هَجْرٌ) وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ شَخْصٍ (مَعَ تَسْلِيمِهِ) أَيْ تَسْلِيمِ الْهَاجِرِ عَلَى الْمُبْتَدِعِ (الْمُتَعَوِّدِ) أَيْ الْمُعْتَادِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِمَ كَلَامَهُ وَيَتْرُكَ سَلَامَهُ فَلَا يَبْدَأُهُ بِالسَّلَامِ، وَإِنْ بَدَأَهُ الْمُبْتَدِعُ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ وَلَا احْتِشَامَ، فَإِنَّ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ أَوْلَى، وَامْتِثَالَ الشَّرِيعَةِ أَحَقُّ وَأَعْلَى. فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ هَاجِرًا، وَلَا عَنْ مَوَدَّتِهِ وَصُحْبَتِهِ نَافِرًا.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: إذَا سَلَّمَ الرَّجُلُ عَلَى الْمُبْتَدِعِ فَهُوَ يُحِبُّهُ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» .
(تَتِمَّةٌ) قَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ الْهِجْرَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِمَا يُوجِبُ الْهِجْرَةَ، نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَأْخُذُ بِالْقَرَفِ وَلَا يُصَدِّقُ أَحَدًا عَلَى أَحَدٍ» وَالْقَرَفُ التُّهْمَةُ، يُقَالُ قَرَفْتُهُ بِكَذَا إذَا أَضَفْتُهُ إلَيْهِ وَعِبْتُهُ وَاتَّهَمْتُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: إذَا كَانَ لَك أَخٌ فِي اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تُمَارِهِ وَلَا تَسْمَعْ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ فَرُبَّمَا قَالَ لَك مَا لَيْسَ فِيهِ فَحَالَ بَيْنَك وَبَيْنَهُ، وَقَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ:
إنَّ الْوُشَاةَ كَثِيرٌ إنْ أَطَعْتَهُمْ
…
لَا يَرْقُبُونَ بِنَا إلًّا وَلَا ذِمَمَا
الْإِلُّ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَاسْتَشْهَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِهَذَا الْبَيْتِ عَلَى أَنَّهُ الْقَرَابَةُ. وَقِيلَ أَيْضًا:
لَقَدْ كَذَبَ الْوَاشُونَ مَا بُحْتُ عِنْدَهُمْ
…
بِسِرٍّ وَلَا أَرْسَلْتهمْ بِرَسُولٍ
أَيْ بِرِسَالَةٍ. وَقَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:
لِعَمِّ أَبِي الْوَاشِينَ لَا عَمِّ غَيْرِهِمْ
…
لَقَدْ كَلَّفُونِي خُطَّةً لَا أُرِيدُهَا
وَلَا يَلْبَثُ الْوَاشُونَ أَنْ يَصْدَعُوا الْعَصَا
…
إذَا هِيَ لَمْ يُصْلَبْ عَلَى الْمَرْءِ عُودُهَا
وَقَالَ غَيْرُهُ:
يَا مُلْزِمِي بِذُنُوبٍ مَا أَحَطْتُ بِهَا
…
عِلْمًا وَلَا خَطَرَتْ يَوْمًا عَلَى فِكْرِي
صَدَّقْتَ فِي أَبَاطِيلَ الظُّنُونِ وَكَمْ
…
كَذَّبْتُ فِيكَ يَقِينَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ