الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَ قَدْ اسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ رضي الله عنه فِي خِلَافَتِهِ عَلَى مِيسَانَ مِنْ أَرْضِ الْبَصْرَةِ فَقَالَ أَبْيَاتًا مِنْهَا:
أَلَا هَلْ أَتَى الْحَسْنَاءَ أَنَّ حَلِيلَهَا
…
بِمَيْسَانَ يُسْقَى فِي زُجَاجٍ وَحَنْتَمِ
إذَا شِئْت غَنَّتْنِي دَهَاقِينُ قَرْيَةٍ
…
وَرَقَّاصَةٍ تَجْذُو عَلَى كُلِّ مَنْسِمِ
فَإِنْ كُنْت نَدْمَانِي فَبِالْأَكْبَرِ اسْقِنِي
…
وَلَا تَسْقِنِي بِالْأَصْغَرِ الْمُتَثَلِّمِ
لَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَسُوءُهُ
…
تَنَادُمُنَا فِي الْجَوْسَقِ الْمُتَهَدِّمِ
فَلَمَّا بَلَغَتْ أَبْيَاتُهُ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ نَعَمْ وَاَللَّهِ إنَّ ذَلِكَ لَيَسُوءُنِي، فَمَنْ لَقِيَهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنِّي قَدْ عَزَلْته، وَعَزَلَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ اعْتَذَرَ إلَيْهِ وَقَالَ وَاَللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا صَنَعْت شَيْئًا مِمَّا بَلَغَك أَنِّي قُلْته قَطُّ، وَلَكِنِّي كُنْت امْرَأً شَاعِرًا وَجَدْت فَضْلًا مِنْ قَوْلٍ فَقُلْت فِيمَا يَقُولُ الشُّعَرَاءُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رضي الله عنه: وَأَيْمُ اللَّهِ لَا تَعْمَلُ لِي عَلَى عَمَلٍ مَا بَقِيتُ وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ.
حِكَايَاتٌ لَطِيفَةٌ
وَيُشَابِهُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ تَلْقِيحُ الْفُهُومِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَطُوفُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ إذْ سَمِعَ امْرَأَةً تَقُول:
هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبُهَا
…
أَمْ مِنْ سَبِيلٍ إلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ
إلَى فَتًى مَاجِدِ الْأَعْرَاقِ مُقْتَبِلٍ
…
سَهْلِ الْمُحَيَّا كَرِيمٍ غَيْرِ مِلْجَاجِ
تُهِنِّيهِ أَعْرَاقُ صِدْقٍ حِينَ تَنْسُبُهُ
…
أَخًا وَفِيًّا عَنْ الْمَكْرُوهِ فَرَّاجِ
فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه، لَا أَرَى مَعِي بِالْمَدِينَةِ رَجُلًا تَهْتِفُ بِهِ الْهَوَاتِفُ فِي خُدُورِهِنَّ، عَلَيَّ بِ (نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ) ، فَلَمَّا جِيءَ بِهِ فَإِذَا هُوَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنِهِمْ شَعْرًا، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: عَزِيمَةً مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لَتَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِك. فَأَخَذَ مِنْ شَعْرِهِ، فَخَرَجَ وَلَهُ وَجْنَتَانِ كَأَنَّهُمَا شَقَّتَا قَمَرٍ، فَقَالَ لَهُ اعْتَمَّ فَاعْتَمَّ فَافْتَتَنَ النَّاسُ بِعَيْنَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ لَا تُسَاكِنُنِي فِي بَلْدَةٍ أَنَا فِيهَا. قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا ذَنْبِي؟ قَالَ هُوَ مَا أَقُولُ لَك. ثُمَّ سَيَّرَهُ إلَى الْبَصْرَةِ، وَخَشِيَتْ الْمَرْأَةُ وَهِيَ الْفَارِعَةُ أُمُّ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ أَنْ يَبْدُوَ مِنْ عُمَرَ إلَيْهَا شَيْءٌ فَدَسَّتْ الْمَرْأَةُ إلَيْهِ أَبْيَاتًا وَهِيَ:
قُلْ لِلْإِمَامِ الَّذِي تُخْشَى بَوَادِرُهُ
…
مَالِي وَلِلْخَمْرِ أَوْ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ
لَا تَجْعَلْ الظَّنَّ حَقًّا أَنْ تُبَيِّنَهُ
…
إنَّ السَّبِيلَ سَبِيلُ الْخَائِفِ الرَّاجِي
إنَّ الْهَوَى زُمَّ بِالتَّقْوَى فَحَبَّسَهُ
…
حَتَّى يُقِرَّ بِإِلْجَامٍ وَإِسْرَاجِ
قَالَ فَبَكَى عُمَرُ رضي الله عنه وَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي زَمَّ الْهَوَى بِالتَّقْوَى. قَالَ وَطَالَ مُكْثُ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ بِالْبَصْرَةِ فَخَرَجَتْ أُمُّهُ يَوْمًا بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ مُتَعَرِّضَةً لِعُمَرَ، فَإِذَا عُمَرُ قَدْ خَرَجَ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَبِيَدِهِ الدُّرَّةُ، فَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاَللَّهِ لَأَقِفَنَّ أَنَا وَأَنْتَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ عز وجل وَلَيُحَاسِبَنَّكَ، أَيَبِيتَنَّ عَبْدُ اللَّهِ وَعَاصِمٌ إلَى جَنْبِك وَبَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِي الْفَيَافِي وَالْأَوْدِيَةُ؟ فَقَالَ لَهَا إنَّ ابْنَايَ لَمْ تَهْتِفْ بِهِمَا الْهَوَاتِفُ فِي خُدُورِهِنَّ. ثُمَّ أَرْسَلَ عُمَرُ رضي الله عنه بَرِيدًا إلَى الْبَصْرَةِ وَعَامِلُهُ فِيهَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ فَأَقَامَ أَيَّامًا ثُمَّ نَادَى عُتْبَةُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلْيَكْتُبْ فَإِنَّ الْبَرِيدَ خَارِجٌ، فَكَتَبَ نَصْرُ بْنُ حَجَّاجٍ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، سَلَامٌ عَلَيْك، أَمَّا بَعْدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ:
لَعَمْرِي لَئِنْ سَيَّرْتَنِي أَوْ حَرَمْتنِي
…
وَمَا نِلْت مِنْ عِرْضِي عَلَيْك حَرَامُ
فَأَصْبَحْت مَنْفِيًّا عَلَى غَيْرِ رِيبَةٍ
…
وَقَدْ كَانَ لِي بِالْمَكَّتَيْنِ مُقَامُ
أَأَنْ غَنَّتْ الذَّلْفَاءُ يَوْمًا بِمُنْيَةٍ
…
وَبَعْضُ أَمَانِيِّ النِّسَاءِ غَرَامُ
ظَنَنْت بِي الظَّنَّ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ
…
بَقَاءٌ وَمَالِي جُرْمَةٌ فَأُلَامُ
فَيَمْنَعُنِي مِمَّا تَقُولُ تَكَرُّمِي
…
وَآبَاءُ صِدْقٍ سَابِقُونَ كِرَامُ
وَيَمْنَعُهَا مِمَّا تَقُولُ صَلَاتُهَا
…
وَحَالٌ لَهَا فِي قَوْمِهَا وَصِيَامُ
فَهَاتَانِ حَالَانَا فَهَلْ أَنْتَ رَاجِعِي
…
فَقَدْ جُبَّ مِنِّي كَاهِلٌ وَسَنَامٌ
فَلَمَّا قَرَأَ عُمَرُ الْكِتَابَ قَالَ: أَمَّا وَلِيُّ السُّلْطَانِ فَلَا، فَأَقْطَعَهُ دَارًا بِالْبَصْرَةِ وَدَارًا فِي سُوقِهَا. فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ رَكِبَ نَاقَتَهُ وَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْمَدِينَةِ قُلْت: وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا أَخْرَجَ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ قَالَ لَهُ أَتَمَنَّى قَتْلَ نَفْسِي، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رضي الله عنه كَيْفَ؟ قَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ} [النساء: 66] فَقَرَنَ هَذَا بِهَذَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رضي الله عنه مَا أَبْعَدْت وَلَكِنْ أَقُولُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88] وَقَدْ أَضْعَفْت