الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الْمَوَاضِعِ الْقَذِرَةِ، وَاسْتِدَامَتُهَا حَالَ خُرُوجِ الرِّيحِ، وَجَهْرُهُ بِهَا مَعَ الْجِنَازَةِ، وَلَا تَمْنَعُ نَجَاسَةَ الْفَمِ الْقِرَاءَةَ. انْتَهَى. قَالَ فِي شَرْحِهِ: ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الْأَوْلَى الْمَنْعُ. وَفِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهَا نَجَسُ الْفَمِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا تَمْنَعُ نَجَاسَةُ الْفَمِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْأَوْلَى الْمَنْعُ. انْتَهَى.
قَالَ فِي الْآدَابِ: وَزَادَ الْقَاضِي فِيمَا لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِيهِ حَالَ أَكْلِهِ لِلَحْمِ الْجَزُورِ وَغَسْلِهِ لِلْمَيِّتِ عَلَى احْتِمَالٍ فِيهِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ تِلْكَ الْحَالِ. انْتَهَى. .
وَيُكْرَهُ الْحَدِيثُ عِنْدَ الْقُرْآنِ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] وَكَرِهَ الْإِمَامُ السُّرْعَةَ فِي الْقِرَاءَةِ. وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْحُرُوفَ وَتَرْكُ السُّرْعَةِ أَكْمَلُ.
وَكَرِهَ أَصْحَابُنَا قِرَاءَةَ الْإِدَارَةِ قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ تَبَعًا لِلْآدَابِ الْكُبْرَى. وَقَالَ حَرْبٌ: هِيَ حَسَنَةٌ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: قِرَاءَةُ الْإِدَارَةِ وَتَقْطِيعُ حُرُوفِ الْقُرْآنِ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ.
وَقَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: وَهِيَ أَنْ يَقْرَأَ قَارِئٌ ثُمَّ يَقْطَعُ ثُمَّ يَقْرَأُ غَيْرُهُ قَالَ م. ص أَيْ بِمَا بَعْدَ قِرَاءَتِهِ. أَمَّا لَوْ أَعَادَ مَا قَرَأَهُ الْأَوَّلُ وَهَكَذَا فَلَا يَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُدَارِسُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ.
وَحَكَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ رضي الله عنه عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا حَسَنَةٌ كَالْقِرَاءَةِ مُجْتَمِعِينَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ.
مَطْلَبٌ: فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ
وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه قِرَاءَةَ الْأَلْحَانِ وَقَالَ هِيَ بِدْعَةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «أَنْ يُتَّخَذَ الْقُرْآنُ مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَ أَحَدَهُمْ لَيْسَ بِأَقْرَئِهِمْ وَلَا أَفْضَلِهِمْ إلَّا لِيُغَنِّيَهُمْ غِنَاءً» . وَقَالَ رضي الله عنه فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ: لَا يُعْجِبنِي أَنْ يَتَعَلَّمَ الرَّجُلُ الْأَلْحَانَ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَزْمُهُ مِثْلَ حَزْمِ أَبِي مُوسَى.
وَفِي لَفْظٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَزْمُهُ فَيَقْرَأُ بِحُزْنٍ مِثْلَ صَوْتِ أَبِي مُوسَى. وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي مَوْضِعٍ: أَكْرَهُ الْقِرَاءَةَ بِالْأَلْحَانِ، وَفِي مَوْضِعٍ: لَا أَكْرَهُهَا.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: اخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ فَكَرِهَهَا مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ لِخُرُوجِهَا عَمَّا جَاءَ الْقُرْآنُ لَهُ مِنْ الْخُشُوعِ وَالتَّفَهُّمِ. وَأَبَاحَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ لِلْأَحَادِيثِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِلرِّقَّةِ وَإِثَارَةِ الْخَشْيَةِ وَإِقْبَالِ النُّفُوسِ عَلَى اسْتِمَاعِهِ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِصِفَةِ التَّلَحُّنِ الَّذِي يُشْبِهُ تَلَحُّنَ الْغِنَاءِ مَكْرُوهٌ مُبْتَدَعٌ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ رضي الله عنهم. وَفِي الْإِقْنَاعِ: فَإِنْ حَصَلَ مَعَهَا أَيْ الْأَلْحَانِ تَغَيُّرُ نَظْمِ الْقُرْآنِ وَجَعْلُ الْحَرَكَاتِ حُرُوفًا حُرِّمَ.
وَلَا يُكْرَهُ التَّرْجِيعُ وَتَحْسِينُ الْقِرَاءَةِ بَلْ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَأَذَنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» وَقَالَ «لَيْسَ مِنَّا مِنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَاهُ تَحْسِينُ قِرَاءَتِهِ وَتَرَنُّمِهِ بِهِ وَرَفْعُ صَوْتِهِ بِهَا. وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَجَمَاعَةٌ يَتَغَنَّى بِهِ. .
وَكَرِهَ ابْنُ عَقِيلٍ الْقِرَاءَةَ فِي الْأَسْوَاقِ يَصِيحُ فِيهَا أَهْلُهَا بِالنِّدَاءِ وَالْبَيْعِ. وَرَفْعَ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةٍ تُغَلِّطُ الْمُصَلِّينَ لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «نَهَى أَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهَا يُغَلِّطُ أَصْحَابَهُ وَهُمْ يُصَلُّونَ» .
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: مَنْ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ تَطَوَّعَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْهَرَ جَهْرًا يَشْغَلُهُمْ بِهِ، «فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ يُصَلُّونَ مِنْ السَّحَرِ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ كُلُّكُمْ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ» وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى وَغَيْرُهُ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْآدَابِ أَنْ لَا يَجْهَرَ بَيْنَ مُصَلِّينَ أَوْ نِيَامٍ أَوْ تَالِينَ جَهْرًا يُؤْذِيهِمْ.
(الثَّانِيَةُ) : يُسْتَحَبُّ تَرْتِيلُ الْقِرَاءَةِ وَإِعْرَابُهَا وَتَمْكِينُ حُرُوفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: تُعْجِبُنِي الْقِرَاءَةَ السَّهْلَةَ. وَسُئِلَ رضي الله عنه فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ إذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنْ اللَّيْلِ أَحَبُّ إلَيْك التَّرَسُّلُ أَوْ السُّرْعَةُ؟ فَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ جَاءَ بِكُلِّ حَرْفٍ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، قَالُوا لَهُ فِي السُّرْعَةِ قَالَ إذَا صَوَّرَ الْحَرْفَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ الْهِجَاءِ.
قَالَ
الْقَاضِي وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ اخْتَارَ السُّرْعَةَ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ كَرِهَ السُّرْعَةَ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْحُرُوفَ فَلَا مُنَافَاةَ. قَالَ الْقَاضِي: أَقَلُّ التَّرْتِيلِ تَرْكُ الْعَجَلَةِ فِي الْقُرْآنِ عَنْ الْإِبَانَةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا بَيَّنَ مَا يَقْرَأُ بِهِ فَقَدْ أَتَى بِالتَّرْتِيلِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَعْجِلًا فِي قِرَاءَتِهِ، وَأَكْمَلُهُ أَنْ يُرَتِّلَ الْقِرَاءَةَ وَيَتَوَقَّفَ فِيهَا مَا لَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ إلَى التَّمْدِيدِ وَالتَّمْطِيطِ، فَإِذَا انْتَهَى إلَى التَّمْطِيطِ كَانَ مَمْنُوعًا.
قَالَ وَقَدْ أَوْمَأَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إلَى مَعْنَى هَذَا، فَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: تُعْجِبُنِي قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ السَّهْلَةُ وَلَا تُعْجِبُنِي هَذِهِ الْأَلْحَانُ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ طَيَّبَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ: التَّفَهُّمُ فِيهِ يَعْنِي الْقُرْآنَ وَالِاعْتِبَارُ مَعَ قِلَّةِ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ مِنْ إدْرَاجه بِغَيْرِ تَفَهُّمٍ. وَقَالَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوَّلَ النَّهَارِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَتِهِ آخِرَهُ، وَكَأَنَّ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: يُحَسِّنُ الْقَارِئُ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ وَيَقْرَأُ بِحُزْنِ وَتَدَبُّرٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَأَذَنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: قَوْلُهُ أَذِنَ بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ الِاسْتِمَاعُ. وَقَوْلُهُ كَأَذَنِهِ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ وَهُوَ مَصْدَرُ أَذِنَ يَأْذَنُ أَذَنًا كَفَرِحِ يَفْرَحُ فَرَحًا. وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ كَإِذْنِهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الذَّالِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هُوَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَعْنِي الْحَثَّ عَلَى ذَلِكَ وَالْأَمْرَ بِهِ. انْتَهَى.
قُلْت: وَاَلَّذِي فِي مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ تَهْذِيبُ الْإِمَامِ الْحَافِظِ أَبِي إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ قُرْقُولٍ قَوْلُهُ مَا أَذِنَ اللَّهُ كَأَذَنِهِ بِفَتْحِ الذَّالِ فِي الْمَصْدَرِ وَكَسْرِهَا فِي الْمَاضِي، وَمَعْنَاهُ اسْتَمَعَ اسْتِمَاعَهُ. قَالَ وَوَقَعَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ كَإِذْنِهِ مِنْ الْإِذْنِ يَعْنِي بِالْكَسْرِ وَسُكُونِ الذَّالِ.
قَالَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِمَعْنَى الْحَدِيثِ وَأَشْهَرُ فِي الرِّوَايَةِ. وَقَدْ غَلَّطَ الْخَطَّابِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ؛ لِأَنَّ مَقْصِدَ الْحَدِيثِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَادَ الْإِذْنَ وَالْفِعْلَ، وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ قِيلَ فِيهِ أَذِنَ إيذَانًا. انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ» وَمَعْنَى أَذِنَ اسْتَمَعَ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَلَّهُ أَشَدُّ أَذَنًا لِلرَّجُلِ الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنَةِ إلَى قَيْنَتِهِ» وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَالْقَيْنَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ بَعْدَهُمَا نُونٌ هِيَ الْأَمَةُ الْمُغَنِّيَةُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
(الثَّالِثُ) : ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْهُمْ الْآجُرِّيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو مُوسَى وَابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ وَالْحَجَّاوِيُّ فِي إقْنَاعِهِ وَشَرْحِ مَنْظُومَةِ الْآدَابِ وَغَيْرِهِمْ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ آدَابًا، مِنْهَا إدْمَانُ تِلَاوَتِهِ، وَالْبُكَاءُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالتَّبَاكِي، وَحَمْدُ اللَّهِ عِنْدَ قَطْعِ الْقِرَاءَةِ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَنِعْمَتِهِ، وَسُؤَالُ الثَّبَاتِ وَالْإِخْلَاصِ، وَالسِّوَاكُ ابْتِدَاءً، وَسُؤَالُ الرَّحْمَةِ عِنْدَ آيَةِ رَحْمَةٍ، وَأَنْ يَتَعَوَّذَ عِنْدَ آيَةِ عَذَابٍ، وَالْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ لَيْلًا لَا نَهَارًا، وَأَنْ يُوَالِيَ قِرَاءَتَهُ وَلَا يَقْطَعُهَا بِحَدِيثِ النَّاسِ مَا لَمْ تَعْرِضْ حَاجَةٌ، وَأَنْ يَقْرَأَ بِالْقِرَاءَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ لَا الشَّاذَّةِ الْغَرِيبَةِ، وَأَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُهُ يَعْنِي ابْتِدَاءَهَا عَلَى الصَّالِحِينَ الْعُدُولِ الْعَارِفِينَ بِمَعَانِيهَا، وَأَنْ يَقْرَأَ مَا أَمْكَنَهُ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ أَحْوَالِ الْعَبْدِ.
وَفِي الْحَدِيثِ إنَّ «الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ تُضَاعَفُ عَلَى الْقِرَاءَةِ خَارِجًا عَنْهَا» ، وَأَنْ يَتَحَرَّى قِرَاءَتَهُ مُتَطَهِّرًا، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ إنْ كَانَ قَاعِدًا، وَأَنْ يُكْثِرَ التِّلَاوَةَ فِي رَمَضَانَ، وَأَنْ يَتَحَرَّى أَنْ يَعْرِضَهُ كُلَّ عَامٍ عَلَى مَنْ هُوَ أَقْرَأُ مِنْهُ، وَأَنْ يَقْرَأَهُ بِالْإِعْرَابِ وَتَقَدَّمَ.
قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّ الْمَعْنَى الِاجْتِهَادُ عَلَى حِفْظِ إعْرَابِهِ لَا إنَّهُ يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ عَمْدًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيُؤَدَّبُ فَاعِلُهُ لِتَغْيِيرِهِ الْقُرْآنَ، وَأَنْ يُفَخِّمَهُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ عليه السلام «نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالتَّفْخِيمِ» قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى مَعْنَاهُ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَى قِرَاءَةِ الرِّجَالِ، وَلَا يُخْضِعُ الصَّوْتَ بِهِ كَكَلَامِ النِّسَاءِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ كَرَاهَةَ الْإِمَالَةِ وَيَحْتَمِلُ إرَادَتَهَا ثُمَّ رَخَّصَ فِيهَا، وَأَنْ يَفْصِلَ كُلَّ سُورَةٍ مِمَّا قَبْلَهَا بِالْوَقْفِ أَوْ التَّسْمِيَةِ، وَلَا يَقْرَأُ مِنْ أُخْرَى قَبْلَ فَرَاغِ الْأُولَى، وَأَنْ يَقِفَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْكَلَامُ.
وَقَالَهُ أَبُو مُوسَى، وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَهُمْ كَوَقْفِهِ عليه السلام فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى كُلِّ آيَةٍ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْكَلَامُ. قَالَ أَبُو مُوسَى: وَلِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى آخِرِ السُّوَرِ لَا شَكَّ فِي اسْتِحْبَابِهِ، وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بَعْضُهَا بِبَعْضِ كَسُورَةِ الْفِيلِ مَعَ قُرَيْشٍ. وَأَنْ يَعْتَقِدَ جَزِيلَ
مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِ إذْ أَهَّلَهُ لِحِفْظِ كِتَابِهِ، وَيَسْتَصْغِرَ عَرَضَ الدُّنْيَا أَجْمَعَ فِي جَنْبِ مَا خَوَّلَهُ تَعَالَى، وَيَجْتَهِدَ فِي شُكْرِهِ، وَأَنْ يَتْرُكَ الْمُبَاهَاةَ، وَأَنْ لَا يَطْلُبَ بِهِ الدُّنْيَا بَلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ، وَأَنْ لَا يَقْرَأَ فِي الْمَوَاضِعِ الْقَذِرَةِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَا سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَقَنَاعَةٍ وَرِضًا بِمَا قَسَمَ اللَّهُ تَعَالَى، مُجَانِبًا لِلدُّنْيَا، مُحَاسِبًا لِنَفْسِهِ، يُعْرَفُ الْقُرْآنُ فِي خُلُقِهِ وَسَمْتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ كِتَابِ الْمَلِكِ، وَالْمُطَّلِعُ عَلَى مَا وَعَدَ فِيهِ وَأَوْعَدَ، وَحَثَّ عَلَيْهِ وَهَدَّدَ، فَإِذَا بَدَرَتْ مِنْهُ سَيِّئَةٌ بَادَرَ مَحَوْهَا بِالْحَسَنَةِ.
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إذَا النَّاسُ نَائِمُونَ، وَبِنَهَارِهِ إذَا النَّاسُ مُفْطِرُونَ، وَبِحُزْنِهِ إذَا النَّاسُ يَفْرَحُونَ، وَبِبُكَائِهِ إذَا النَّاسُ يَضْحَكُونَ، وَبِصَمْتِهِ إذَا النَّاسُ يَخْلِطُونَ، وَبِخُشُوعِهِ إذَا النَّاسُ يَخْتَالُونَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَاكِيًا مَحْزُونًا حَكِيمًا عَلِيمًا سَكِينًا، وَلَا يَكُونُ جَافِيًا وَلَا غَافِلًا وَلَا صَخِبًا وَلَا صَيَّاحًا وَلَا حَدِيدًا.
(الرَّابِعَةُ) اسْتَحَبَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه «التَّكْبِيرَ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الضُّحَى إلَى أَنْ يَخْتِمَ» . ذَكَرَهُ فِي الْآدَابِ عَنْ ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ وَهُوَ قِرَاءَةُ أَهْلِ مَكَّةَ أَخَذَهَا الْبَزِّيُّ عَنْ ابْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَخَذَهَا مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخَذَهَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَخَذَهَا أُبَيٌّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ عَنْهُمْ. رَوَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ انْقِطَاعُ الْوَحْيِ، وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ رَاوِيهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزِّيُّ وَهُوَ ثَبْتٌ فِي الْقِرَاءَةِ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رضي الله عنه عَنْ جَمَاعَةِ قَرَءُوا يَعْنِي خَتَمُوا بِغَيْرِ تَهْلِيلٍ وَلَا تَكْبِيرٍ، قَالَ إذَا قَرَءُوا بِغَيْرِ حَرْفِ ابْنِ كَثِيرٍ كَانَ تَرْكُهُمْ لِذَلِكَ هُوَ الْأَفْضَلُ بَلْ الْمَشْرُوعُ الْمَسْنُونُ.
(الْخَامِسَةُ) يُسَنُّ التَّعَوُّذُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، فَإِنْ قَطَعَهَا قَطْعَ تَرْكٍ وَإِهْمَالٍ أَعَادَ التَّعَوُّذَ إذْ رَجَعَ وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ عَازِمًا عَلَى إتْمَامِهَا إذَا زَالَ الْعُذْرُ كَفَاهُ التَّعَوُّذُ الْأَوَّلُ. وَإِنْ تَرَكَهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فَاسْتَوْجَهَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي آدَابِهِ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا ثُمَّ يَقْرَأُ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ لِلِاسْتِحْبَابِ فَلَا يَسْقُطُ بِتَرْكِهَا، وَلِأَنَّ الْمَعْنَى
يَقْتَضِي ذَلِكَ أَمَّا لَوْ تَرَكَهَا حَتَّى فَرَغَ سَقَطَتْ لِعَدَمِ الْقِرَاءَةِ، وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْبَسْمَلَةِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا نَصًّا، وَالْمُرَادُ سِوَى بَرَاءَةٍ فَيُكْرَهُ، وَإِنْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ قُرْبَةً مُنِعَ مِنْهُ، فَإِنْ قَرَأَ مِنْ بَعْضِ السُّورَةِ فَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَتِهَا نَصًّا، وَإِنْ قَرَأَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاتِ نَصًّا.
قَالَ الْقَاضِي: مَحْصُولُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ كَمَا كَانَ مُخَيَّرًا فِي أَصْلِ الْقِرَاءَةِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ وَالِاسْتِعَاذَةِ. وَعَنْهُ يَجْهَرُ بِهَا مَعَ الْقِرَاءَةِ. وَعَنْهُ لَا.
(السَّادِسَةُ) قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ. قَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا اخْتَارَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قِرَاءَةَ الْمُصْحَفِ لِلْأَخْبَارِ أَيْ وَلِيَجْمَعَ بَيْنَ فَضِيلَتِي الذِّكْرِ وَالنَّظَرِ، فَإِنَّ النَّظَرَ فِي الْقُرْآنِ عِبَادَةٌ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُوَيْسٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «قِرَاءَةُ الرَّجُلِ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِ الْمُصْحَفِ أَلْفَ دَرَجَةٍ، وَقِرَاءَتُهُ فِي الْمُصْحَفِ تُضَاعَفُ عَلَى ذَلِكَ إلَى أَلْفَيْ دَرَجَةٍ» قَالَ صَاحِبُ الْآدَابِ الْكُبْرَى: كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ ضِيَاءِ الدِّينِ. قَالَ وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى فِي الْوَظَائِفِ فِي ذَلِكَ آثَارًا قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ «النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ عِبَادَةٌ» .
وَرُوِيَ أَنَّ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «مَنْ قَرَأَ مِائَتَيْ آيَةٍ كُلَّ يَوْمٍ نَظَرًا شَفَعَ فِي سَبْعَةِ قُبُورٍ حَوْلَ قَبْرِهِ وَخَفَّفَ الْعَذَابَ عَنْ وَالِدَيْهِ وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ» وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ غَيْرُ ثَابِتٍ. وَمِنْ ثَمَّ حَذَفَهُ الْيُونِينِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لِلْآدَابِ الْكُبْرَى. وَمِنْ ثَمَّ عَقَدَ صَاحِبُ الْآدَابِ الْكُبْرَى بَعْدَ ذِكْرِهِ لِهَذَا الْأَثَرِ وَأَمْثَالِهِ فَصْلًا تَكَلَّمَ فِيهِ عَلَى اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ، فَهَذَا الْخَبَرُ كَاَللَّذَيْنِ قَبْلَهُ أَقَلُّ مَرَاتِبِهَا الضَّعْفُ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَيَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مُصْحَفٌ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ آيَاتٍ يَسِيرَةٍ لِئَلَّا يَكُونَ مَهْجُورًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ خَتْمُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ نَصًّا «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما اقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ وَلَا تَزِيدَنَّ عَلَى ذَلِكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَإِنْ قَرَأَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَحَسَنٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي قُوَّةً، قَالَ اقْرَأْهُ فِي