الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَجَابَهَا الْفَتَى:
إنْ تَرَيْنِي زَانِيَ الْعَيْنَيْنِ فَالْفَرْجُ عَفِيفُ
…
لَيْسَ إلَّا النَّظَرُ الْفَاتِرُ وَالشِّعْرُ الظَّرِيفُ
فَكَتَبَتْ إلَيْهِ:
قَدْ أَرَدْنَاك فَأَلْفَيْنَاك إنْسَانًا عَفِيفًا
…
فَتَأَبَّيْت فَلَا زِلْت لِقَيْدَيْك حَلِيفًا
فَكَتَبَ إلَيْهَا
مَا تَأَبَّيْت لِأَنِّي كُنْت لِلظَّبْيِ عَيُوفًا
…
غَيْرَ أَنِّي خِفْت رَبًّا كَانَ بِي بَرًّا لَطِيفًا
فَذَاعَ الشِّعْرُ، وَبَلَغَتْ الْقِصَّةُ الْوَالِيَ، فَدَعَا بِهِ فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذِهِ عَادَةُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، مَنْ تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ عز وجل عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ أَوْ بِعَيْنِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
مَطْلَبٌ: يَنْقَسِمُ النَّظَرُ إلَى أَقْسَامٍ
(تَنْبِيهٌ) : النَّظَرُ يَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ، مِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ وَهُوَ جُلُّ الْمَقْصُودِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، كَالنَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ تُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى جَمِيعِهَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه. قَالَ رضي الله عنه: لَا يَأْكُلُ مَعَ مُطَلَّقَتِهِ، هُوَ أَجْنَبِيٌّ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا فَكَيْفَ يَأْكُلُ مَعَهَا يَنْظُرُ إلَى كَفِّهَا، لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَى مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ، وَيُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِمَا مَعَ الْكَرَاهَةِ إذَا أَمِنَ الْفِتْنَةَ، وَكَانَ نَظَرُهُ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ انْتَهَى وَفِي الْفُرُوعِ: أَنَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا شَيْخُنَا يَعْنِي الْإِمَامَ ابْنَ تَيْمِيَّةَ رضي الله عنه قَالَ وَالْمَذْهَبُ لَا، يَعْنِي لَا يُبَاحُ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: ظُفْرُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ.
وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ عَنْ قَوْلِ الْقَاضِي إنَّهُ لَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ خُصُوصًا الْجِيرَانَ، وَحُرِّمَ نَظَرٌ لِشَهْوَةٍ أَوْ مَعَ خَوْفِ ثَوَرَانِهَا.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَمَنْ اسْتَحَلَّهُ لِشَهْوَةٍ كَفَرَ إجْمَاعًا وَيَحْرُمُ النَّظَرُ بِشَهْوَةٍ إلَى كُلِّ أَحَدٍ سِوَى الزَّوْجَيْنِ وَأَمَتِهِ غَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَجْنَبِيَّةُ، وَالْأَمْرَدُ وَاَلَّذِي لَهُ لِحْيَةٌ، وَأَمَةُ غَيْرِهِ، وَذَوَاتُ الْمَحَارِمِ، وَالْعَجُوزُ، وَالْبَرْزَةُ، وَاَلَّذِي يَنْظُرُ إلَيْهَا عِنْدَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا، وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَاَلَّتِي يَخْطُبُهَا.
وَكَذَا نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ وَالطَّبِيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَهَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ إذَا كَانَ مَعَهُ شَهْوَةٌ وَفِي الْغَايَةِ كَغَيْرِهَا وَحُرِّمَ نَظَرٌ لِدَابَّةٍ يَشْتَهِيهَا، وَخَلْوَةٌ بِهَا، كَقِرْدٍ تَشْتَهِيهِ الْمَرْأَةُ وَمَعْنَى الشَّهْوَةِ التَّلَذُّذُ بِالنَّظَرِ كَمَا فِي الْإِنْصَافِ.
(الثَّانِي) مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ النَّظَرُ إلَى امْرَأَةٍ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إجَابَتُهُ قَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ قَالَ فَخَطَبْت امْرَأَةً فَكُنْت أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْت مِنْهَا مَا دَعَانِي إلَى نِكَاحِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَهُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا فَقَطْ وَفِي الْإِقْنَاعِ: يُسَنُّ.
وَقَالَ الْأَكْثَرُ: يُبَاحُ لِوُرُودِهِ بَعْدَ الْحَظْرِ لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إجَابَتُهُ النَّظَرُ وَيُكَرِّرُهُ وَيَتَأَمَّلُ الْمَحَاسِنَ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ، قَالَ وَلَعَلَّهُ أَيْ عَدَمَ الْإِذْنِ أَوْلَى إنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ إلَى مَا يَظْهَرُ مِنْهَا غَالِبًا كَوَجْهٍ وَرَقَبَةٍ وَيَدٍ وَقَدَمٍ انْتَهَى وَالْمُرَادُ بِلَا خَلْوَةٍ وَإِلَّا حُرِّمَ وَكَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا.
(الثَّالِثُ) : مُبَاحٌ كَنَظْرَةِ الْفَجْأَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ بِلَا قَصْدٍ، فَإِنْ كَانَتْ بِقَصْدٍ حُرِّمَتْ كَالثَّانِيَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ بِلَا قَصْدٍ فَلَا تَحْرُمُ إذًا لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَنَظَرُ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إلَى جَمِيعِ بَدَنِ صَاحِبِهِ، وَكَذَا لَمْسُهُ حَتَّى الْفَرْجَ، وَكَذَا حُكْمُ مَنْ لَهَا دُونَ سَبْعِ سِنِينَ، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه وَقَالَ يُكْرَهُ النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ فَقَطْ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها «مَا رَأَيْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا رَآهُ مِنِّي»
قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ آدَابِ النِّسَاءِ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَامِرِ بْنِ الظَّرِبِ.
وَكَانَ مِنْ حُكَمَاءِ الْعَرَبِ أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: مُرِي بِنْتَك أَنْ تُكْثِرَ مِنْ اسْتِعْمَالِ
الْمَاءِ وَلَا طِيبَ أَطْيَبُ مِنْ الْمَاءِ، وَلَا تُكْثِرَ مُضَاجَعَةَ زَوْجِهَا فَإِنَّ الْجَسَدَ إذَا مَلَّ مَلَّ الْقَلْبُ وَلْتُخَبَّأْ سَوْأَتُهَا مِنْهُ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قُلْت وَهَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ، فَإِنَّ الْفَرْجَ غَيْرُ مُسْتَحْسِنِ الصُّورَةِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، وَالِاطِّلَاعُ عَلَى بَعْضِ الْعُيُوبِ يَقْدَحُ فِي الْمَحَبَّةِ، فَيَنْبَغِي لَهُمَا جَمِيعًا الْحَذَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا تَرَى الْأَكَابِرَ يَنَامُونَ مُنْفَرِدِينَ لِعِلْمِهِمْ أَنَّ النَّوْمَ يَتَجَدَّدُ فِيهِ مَا لَا يَصْلُحُ انْتَهَى.
قُلْت: لَوْ قِيلَ إنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَمَقَاصِدِهِمْ وَاسْتِحْسَانِهِمْ لَكَانَ صَوَابًا لَا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي الْخَارِجِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَنَظَرُ السَّيِّدِ جَمِيعَ بَدَنِ أَمَتِهِ الْمُبَاحَةِ كَنَظَرِهِ إلَى زَوْجَتِهِ بِخِلَافِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُشْتَرَكَةِ وَمَا لَا تَحِلُّ مُطْلَقًا كَالْمَجُوسِيَّةِ، فَلَا يَنْظُرُ مِنْهَا إلَّا لِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ وَلِلطَّبِيبِ نَظَرُ مَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ حَتَّى الْفَرْجَ وَمِثْلُهُ مَنْ يَلِي خِدْمَةَ مَرِيضٍ وَلَوْ أُنْثَى فِي وُضُوءٍ وَاسْتِنْجَاءٍ.
وَمِنْ الْمُبَاحِ نَظَرُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الَّذِي لَا شَهْوَةَ لَهُ مَا فَوْقَ سُرَّةِ الْمَرْأَةِ وَتَحْتَ رُكْبَتِهَا، وَإِنْ كَانَ ذَا شَهْوَةٍ فَهُوَ كَذِي مَحْرَمٍ فَيَنْظُرُ مَا يَظْهَرُ غَالِبًا مِنْ وَجْهٍ وَرَقَبَةٍ وَيَدٍ وَقَدَمٍ وَرَأْسٍ وَسَاقٍ وَمِنْهُ النَّظَرُ إلَى الْعَجُوزِ وَالْبَرْزَةِ وَالْقَبِيحَةِ الْمَنْظَرِ فَيَنْظُرُ مِنْهَا إلَى غَيْرِ عَوْرَةِ صَلَاةٍ، وَكَذَا مِنْ الْأَمَةِ، وَالْمُرَادُ بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مَنْ تَحْرُمُ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا، إلَّا نِسَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى شَيْءٍ مِنْهُنَّ مَعَ أَنَّهُنَّ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ وَذَلِكَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
وَمِنْهُ نَظَرُ الْعَبْدِ إلَى سَيِّدَتِهِ إذَا كَانَ كُلُّهُ رَقِيقًا لَهَا فَيَنْظُرُ مِنْهَا كَذِي مَحْرَمٍ، وَكَذَا نَظَرُ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ كَعِنِّينٍ وَكَبِيرٍ لَا خَصِيٍّ وَمَجْبُوبٍ إلَى أَجْنَبِيَّةٍ فَيَحْرُمُ كَالْفَحْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنْ يَنْظُرَ الْعَبْدُ إلَى شَعْرِ مَوْلَاتِهِ.
وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى الْأَمْرَدِ فَلَا يَحْرُمُ إلَّا مَعَ شَهْوَةٍ أَوْ خَوْفِ ثَوَرَانِهَا
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رضي الله عنه: مَنْ كَرَّرَ النَّظَرَ إلَى الْأَمْرَدِ وَنَحْوِهِ وَقَالَ لَا أَنْظُرُ لِشَهْوَةٍ كَذِبَ فِي دَعْوَاهُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَقَالَ الشَّيْخُ أَيْضًا تَحْرُمُ خَلْوَةٌ بِأَمْرَدَ حَسَنٍ وَمُضَاجَعَتُهُ كَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَوْ لِمَصَالِحِ التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ، وَمَنْ عُرِفَ بِمَحَبَّتِهِمْ مُنِعَ مِنْ تَعْلِيمِهِمْ.
وَمِنْ الْمُبَاحِ نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ مَا دُونَ الرُّكْبَةِ وَفَوْقَ السُّرَّةِ، وَكَذَا رَجُلٌ مَعَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مَعَ رَجُلٍ، فَإِنَّهَا تَنْظُرُ مِنْهُ غَيْرَ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ وَعَنْهُ رضي الله عنه أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ آدَابِ النِّسَاءِ: وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الْعِشْقِ إطْلَاقُ الْبَصَرِ، وَكَمَا يُخَافُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ ذَلِكَ يُخَافُ عَلَى الْمَرْأَةِ، قَالَ: وَقَدْ ذَهَبَ دِينُ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَعَبِّدِينَ بِإِطْلَاقِ الْبَصَرِ وَمَا جَلَبَهُ، فَلْيُحْذَرْ مِنْ ذَلِكَ. انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ مُوسَى الْحَجَّاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآدَابِ: وَجَدْت فِي ظَهْرِ وَرَقَةٍ فِي كِتَابٍ أَبْيَاتًا مَنْظُومَةً كَأَنَّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ جَوَابُ سُؤَالِ رَجُلٍ كَانَ يُعَلِّمُ أَوْلَادًا مُرْدًا فَخَافَ أَنْ تَمِيلَ نَفْسُهُ إلَيْهِمْ أَوْ كَادَتْ تَمِيلُ، هَذَا مَا وَجَدْت:
أَيَا سَائِلًا بِاَللَّهِ إنْ كُنْت ذَا تُقًى
…
وَتَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ
فَإِيَّاكَ وَالْأَحْدَاثَ لَا تَقْرَبَنَّهُمْ
…
وَلَا تُرْسِلَنَّ الطَّرْفَ فِيهِمْ عَلَى عَمْدٍ
وَإِرْسَالُ طَرْفٍ مِنْك لَا تَحْقِرَنَّهُ
…
فَفِي ضِمْنِهِ سَهْمٌ يَفُوقُ عَلَى الْهِنْدِ
فَإِنَّك إنْ أَرْسَلْت طَرْفَك رِئْدًا
…
تُمَتِّعُهُ يَا صَاحِ بِالنَّاعِمِ الْخَدِّ
تَبُوءُ بِإِثْمٍ ثُمَّ تُسْلَبُ أَنْعُمًا
…
ثَلَاثًا بِهِنَّ اللَّهُ يَهْدِي إلَى الرُّشْدِ
حَلَاوَةُ إيمَانٍ وَنُورُ فِرَاسَةٍ
…
وَثَالِثُهَا إيمَانُ ذِي الْقُوَّةِ الْجَلْدِ
فَمَا بَعْدَ ذَا الْخُسْرَانِ رِبْحٌ فَخَلِّهِمْ
…
يُعَلِّمُهُمْ ذُو عِفَّةٍ حَسَنُ الْقَصْدِ
وَنَاظِمُهَا يُسَمَّى ابْنَ جَمَالٍ أَحْمَدَ
…
هُوَ الْحَنْبَلِيُّ بِالشُّكْرِ يَخْتِمُ وَالْحَمْدِ
(تَنْبِيهٌ ثَانٍ) : قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي كِتَابِهِ رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ وَنُزْهَةِ الْمُشْتَاقِينَ فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30]{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] : لَمَّا كَانَ غَضُّ الْبَصَرِ أَصْلًا لِحِفْظِ الْفَرْجِ بَدَأَ بِذِكْرِهِ، وَلَمَّا كَانَ تَحْرِيمُهُ تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ فَيُبَاحُ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ وَيَحْرُمُ إذَا خِيفَ مِنْهُ الْفَسَادُ وَلَمْ يُعَارِضْهُ مَصْلَحَةٌ أَرْجَحُ مِنْ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ لَمْ يَأْمُرْ سُبْحَانَهُ بِغَضِّهِ مُطْلَقًا، بَلْ أَمَرَ بِالْغَضِّ مِنْهُ.
وَأَمَّا حِفْظُ الْفَرْجِ فَوَاجِبٌ بِكُلِّ
حَالٍ لَا يُبَاحُ إلَّا لِحَقِّهِ، فَلِذَلِكَ عَمَّ الْأَمْرُ بِحِفْظِهِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الْعَيْنَ مِرْآةَ الْقَلْبِ، فَإِذَا غَضَّ الْعَبْدُ بَصَرَهُ غَضَّ الْقَلْبُ شَهْوَتَهُ وَإِرَادَتَهُ، وَإِذَا أَطْلَقَ بَصَرَهُ أَطْلَقَ الْقَلْبُ شَهْوَتَهُ. انْتَهَى.
فَاَللَّهَ اللَّهَ فِي غَضِّ بَصَرِك لِيَسْلَمَ لَك دِينُك وَآخِرَتُك، وَأَمَّا مَا يُرَوِّجُهُ الشُّعَرَاءُ الْفُسَّاقُ، وَيَنْسُبُونَهُ لِلْأَئِمَّةِ مِنْ تَزَخْرُفِ الْأَشْعَارِ فَبَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُحَقِّقِ فِي رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ، وَالدَّاءِ وَالدَّوَاءِ وَغَيْرِهِمَا، فَمِنْ ذَلِكَ مَا يُنْسَبُ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:
يَقُولُونَ لَا تَنْظُرْ وَتِلْكَ بَلِيَّةٌ
…
أَلَا كُلُّ ذِي عَيْنَيْنِ لَا شَكَّ نَاظِرُ
وَلَيْسَ اكْتِحَالُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ رِيبَةً
…
إذَا عَفَّ فِيمَا بَيْنَ ذَاكَ الضَّمَائِرِ
وَأَنَّهُ كَتَبَ إلَيْهِ رِجَالٌ فِي رُقْعَةٍ:
سَلْ الْمُفْتِيَ الْمَكِّيَّ هَلْ فِي تَزَاوُرٍ
…
بِنَظْرَةِ مُشْتَاقِ الْفُؤَادِ جُنَاحٌ
فَأَجَابَهُ الشَّافِعِيُّ:
مَعَاذَ إلَهِ الْعَرْشِ أَنْ يُذْهِبَ التُّقَى
…
تَلَاصُقُ أَكْبَادٍ بِهِنَّ جِرَاحٌ
وَأَنَّهُ سُئِلَ أَيْضًا بِمَا لَفْظُهُ:
أَقُولُ لِمُفْتِي خَيْفِ مَكَّةَ وَالصَّفَا
…
لَك الْخَيْرُ هَلْ فِي وَصْلِهِنَّ حَرَامُ
وَهَلْ فِي صُمُوتِ الْحَجْلِ مَهْضُومَةَ الْحَشَا
…
عَذَابُ الثَّنَايَا أَنْ لَثَمْتَ حَرَامُ
فَوَقَعَ الشَّافِعِيُّ مِنْهَا مَا لَفْظُهُ:
فَقَالَ لِي الْمُفْتِي وَفَاضَتْ دُمُوعُهُ
…
عَلَى الْخَدِّ مِنْ عَيْنٍ وَهُنَّ تَوَامٌّ
أَلَا لَيْتَنِي قَبَّلْت تِلْكَ عَشِيَّةً
…
بِبَطْنِ مِنًى وَالْمُحْرِمُونَ قِيَامُ
وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا مَا زَوَّرُوهُ عَلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِ كُلِّ أَحَدٍ بِجُمُودِهِ مَعَ النَّصِّ فَقَالُوا:
سَأَلْت إمَامَ النَّاسِ نَجْلَ بْنَ حَنْبَلٍ
…
عَنْ الضَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ هَلْ فِيهِ مِنْ بَاسِ
فَقَالَ إذَا حَلَّ الْغَرَامُ فَوَاجِبٌ
…
لِأَنَّك قَدْ أَحْيَيْت عَبْدًا مِنْ النَّاسِ
وَمَا زَوَّرُوهُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ:
كَتَبْنَا إلَى النُّعْمَانِ يَوْمًا رِسَالَةً
…
نُسَائِلُهُ عَنْ لَثْمِ حِبٍّ مُمَنَّعٍ
فَقَالَ لَنَا لَا إثْمَ فِيهِ وَإِنَّهُ
…
شَهِيٌّ إذَا كَانَتْ لِعَشْرٍ وَأَرْبَعٍ
وَعَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ -:
إنَّا سَأَلْنَا مَالِكًا وَقَرِيبَهُ
…
لَيْثَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ لِثَامِ الْوَامِقِ
أَيَجُوزُ قَالَا وَاَلَّذِي خَلَقَ الْوَرَى
…
مَا حَرَّمَ الرَّحْمَنُ قُبْلَةَ عَاشِقٍ
فَكُلُّ هَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنْ التُّرَّهَاتِ وَالتَّهَوُّرَاتِ كَذِبٌ وَزُورٌ، مِنْ تَخْلِيقِ أَهْلِ الْفِسْقِ وَالْفُجُورِ، وَإِنْ عَظُمَ قَدْرُ النَّاقِلِ، وَاطَّلَعَ عَلَى جُلِّ الْمَسَائِلِ وَقَدْ بَيَّنَ فِي رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ فَسَادَ جَمِيعِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا وَمِمَّا لَمْ نَذْكُرْهُ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فَسَادُهُ أَظْهَرَ مِنْ فَسَادِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، فَإِنِّي ذَكَرْته خَوْفًا مِنْ اعْتِقَادِ صِحَّتِهِ مِمَّنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِصَحِيحِ الْأَقَاوِيلِ وَسَقِيمِهَا مِنْ الطُّلَّابِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِطَرِيقِ الصَّوَابِ، لَا رَبَّ لَنَا سِوَاهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ.
وَيَحْرُمُ بُهُتٌ وَاغْتِيَابٌ نَمِيمَةٌ
…
وَإِفْشَاءُ سِرٍّ ثُمَّ لَعْنٌ مُقَيَّدِ
(وَيَحْرُمُ) عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (بُهُتٌ) أَيْ بُهُتُ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: بَهَتَهُ كَمَنَعَهُ بَهْتًا وَبَهَتًا وَبُهْتَانًا، قَالَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَفْعَلْ وَالْبَهِيتَةُ الْبَاطِلُ الَّذِي يُتَحَيَّرُ مِنْ بُطْلَانِهِ، وَالْكَذِبُ كَالْبُهُتِ بِالضَّمِّ. انْتَهَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 112] وَقَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16] وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْت إنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْته، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ» . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي مَشَارِقِ الْأَنْوَارِ: قَوْلُهُ فَقَدْ بَهَتَّهُ بِتَخْفِيفِ الْهَاءِ وَمَنْ شَدَّدَهَا فَقَدْ أَخْطَأَ، وَمَعْنَاهُ قُلْت فِيهِ الْبُهْتَانَ وَهُوَ الْبَاطِلُ، وَقِيلَ قُلْت فِيهِ مِنْ الْبَاطِلِ مَا حَيَّرْته بِهِ، يُقَالُ بَهَتَ فُلَانٌ فُلَانًا فَبُهِتَ أَيْ تَحَيَّرَ فِي كَذِبِهِ، وَقِيلَ بَهَتَهُ وَاجَهَهُ بِمَا لَمْ يَفْعَلْهُ