الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدَّاهِيَةُ. وَالْمُرَادُ هُنَا عِنْدَ ضَعْفِهِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُغَلِّبُ الشَّابُّ الرَّجَاءَ وَالشَّيْخُ الْخَوْفَ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُغَلِّبُ يَعْنِي الْمَرِيضَ رَجَاءَهُ، وَفِي الصِّحَّةِ يُغَلِّبُ الْخَوْفَ لِحَمْلِهِ عَلَى الْعَمَلِ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَهُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رضي الله عنه وَغَيْرُهُ. وَنَصُّ الْإِمَامِ رضي الله عنه: يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ رَجَاؤُهُ وَخَوْفُهُ وَاحِدًا. زَادَ فِي رِوَايَةٍ فَأَيُّهُمَا غَلَبَ صَاحِبَهُ هَلَكَ. قَالَ شَيْخُنَا. وَهَذَا هُوَ الْعَدْلُ، وَلِهَذَا مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حَالُ الْخَوْفِ أَوْقَعَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ، إمَّا فِي نَفْسِهِ، وَإِمَّا فِي أُمُورِ النَّاسِ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حَالُ الرَّجَاءِ بِلَا خَوْفٍ أَوْقَعَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْأَمْنِ لِمَكْرِ اللَّهِ، إمَّا فِي نَفْسِهِ وَإِمَّا فِي النَّاسِ.
قَالَ: وَالرَّجَاءُ بِحَسَبِ رَحْمَةِ اللَّهِ الَّتِي سَبَقَتْ غَضَبَهُ يَجِبُ تَرْجِيحُهُ كَمَا «قَالَ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي خَيْرًا» وَأَمَّا الْخَوْفُ فَيَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى تَفْرِيطِ الْعَبْدِ وَتَعَدِّيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَدْلٌ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِالذَّنْبِ، انْتَهَى كَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ.
مَطْلَبٌ: فِي فَضَائِلِ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ
وَاعْلَمْ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فَضَائِلَ جَمَّةً، وَرَدَتْ عَنْ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ. فَمِمَّا وَرَدَ عَنْهُ فِي فَضَائِلِ الْخَوْفِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ، الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ عز وجل، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» . وَفِيهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ، لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ إذَا أَنَا مِتّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذُرُّونِي فِي الرِّيحِ، وَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا، فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَقَالَ اجْمَعِي مَا فِيك فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت؟ قَالَ خَشْيَتُك يَا رَبِّ أَوْ قَالَ مَخَافَتَك فَغَفَرَ لَهُ» .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ لِأَهْلِهِ: إذَا أَنَا مِتُّ فَحَرِّقُوهُ ثُمَّ ذُرُّوهُ نِصْفَهُ فِي الْبِرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ، فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لِيُعَذِّبَهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ. فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا بِهِ مَا أَمَرَهُمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَحْرَ أَنْ يَجْمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لِمَ فَعَلْت هَذَا؟ قَالَ مِنْ خَشْيَتِك يَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَغَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «أَنَّ رَجُلًا كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَشَهُ اللَّهُ مَالًا، فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ أَيَّ أَبٍ كُنْت لَكُمْ؟ قَالُوا خَيْرَ أَبٍ، قَالَ إنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَإِذَا مِتّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ ذُرُّونِي فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ اللَّهُ فَقَالَ مَا حَمَلَك؟ فَقَالَ مَخَافَتُك، فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ»
قَوْلُهُ رَغَشَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهُمَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْنَاهُ أَكْثَرَ لَهُ مِنْهُ وَبَارَكَ لَهُ فِيهِ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «يَقُولُ اللَّهُ عز وجل أَخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ ذَكَرَنِي يَوْمًا أَوْ خَافَنِي فِي مَقَامٍ» .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا أَنَّهُ قَالَ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ، إذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا رضي الله عنه قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلَا إنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ» قَوْلُهُ أَدْلَجَ بِسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ إذَا سَارَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ. وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ خَافَ أَلْزَمَهُ الْخَوْفُ السُّلُوكَ إلَى الْآخِرَةِ، وَالْمُبَادَرَةَ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، خَوْفًا مِنْ الْقَوَاطِعِ وَالْعَوَائِقِ.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه «أَنَّ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ دَخَلَتْهُ خَشْيَةُ اللَّهِ فَكَانَ يَبْكِي عِنْدَ ذِكْرِ النَّارِ حَتَّى حَبَسَهُ ذَلِكَ فِي الْبَيْتِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَهُ فِي الْبَيْتِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ اعْتَنَقَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَخَرَّ مَيِّتًا.