الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دعوى الرافضة أن عمر رضي الله عنه أحرق الكتاب الذي بيد فاطمة رضي الله عنها، وفيه: كتابة أبي بكر رضي الله عنه لها بفدك
! !
نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قول الرافضي: (ولما وعظَتْ فاطمةُ أبا بكر في فدَك، كتب لها كتاباً بها، وردَّها عليها، فخرجَتْ مِن عنده، فلقيَها عمرُ بنُ الخطاب، فحرَّقَ الكتابَ، فدَعَتْ عليه بما فعلَهُ أبو لؤلؤة به، وعطَّل حدودَ اللَّهِ فلم يحِدَّ المغيرةَ بنَ شعبة، وكان يُعطِي أزواجَ النبي صلى الله عليه وسلم من بيتِ المال أكثرَ مما ينبغي، وكان يُعطِي عائشةَ وحفصةَ في كلِّ سنَةٍ عشرةَ آلافِ دِرهَمٍ، وغيَّرَ حكمَ اللَّهِ في المنفِيِّين، وكان قليلَ المعرفةِ في الأحكام).
فردَّ عليه ابنُ تيمية رحمه الله بقولِه: (والجوابُ: أن هذا من الكذب الذي لا يستريب فيه عالم، ولم يذكر هذا أحدٌ مِن أهلِ العلم بالحديث، ولا
يُعرفْ له إسنادٌ، وأبو بكر لم يَكتبْ فدَكاً قطُّ لأحدٍ لا لفاطمة، ولا غيرها، ولا دَعَتْ فاطمةُ على عمر.
وما فعله أبو لؤلؤة كرامةٌ في حقِّ عمر رضي الله عنه، وهو أعظمُ مما فعلَه
…
ابنُ مُلجمٍ بعلي رضي الله عنه، وما فعَلَه قتلةُ الحسين رضي الله عنه به.
فإنَّ أبا لؤلؤة كافرٌ قتَلَ عمرَ كما يقتلُ الكافرُ المؤمنَ، وهذه الشهادة أعظم مِن شهادة مَن يَقتلْهُ مُسلمٌ؛ فإنَّ قتيلَ الكافرِ أعظمُ دَرجةً من قتيل المسلمين، وقَتلُ أبي لؤلؤة لعمر كان بعد موت فاطمة بمدة خلافة أبي بكر وعمر إلا ستة أشهر، فمن أين يعرف أن قتله كان بسبب دعاءٍ حصل في تلك المدة؟ !
والداعي إذا دعا على مُسلمٍ بأن يقتلَه كافرٌ، كان ذلك دعاءً لَه لا عليه، كما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدعو لأصحابه بنحو ذلك، كقوله:«يغفر اللَّه لفلان» فيقولون: لو أمتعتنا به.
وكان إذا دعا لأحدٍ بذلك استُشهِد.
ولو قال قائل: إن علياً ظلمَ أهلَ صفين والخوارج حتَّى دعوا عليه بما فعلَه ابنُ ملجم، لم يكن هذا أبعدَ عن المعقول مِن هذا، وكذلك لو قال: إنَّ
…
آل سفيان بنِ حرب دعوا على الحسين بما فُعِلَ بِه.
وذلك أنَّ عمر لم يكن له غَرضٌ في فَدَك؛ لم يأخذها لنفسِه ولَا لأحَدٍ من
أقاربه وأصدقائه، ولا كان له غرضٌ في حرمان أهلِ بيت النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان يقدِّمُهُم في العطاء على جميع الناس، ويُفضِّلُّهم في العطاء على جميعِ الناس، حتى أنه «لما وضع الديوان للعطاء، وكتبَ أسماءَ الناس، قالوا: نبدأ بكَ؟ قال: لا، ابدَأوا بأقاربِ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وضَعُوا عمرَ حيثُ وضعَهُ اللَّهُ، فبدأَ ببنِي هاشم، وضمَّ إليهم بني المطلِّب؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيءٌ واحِدٌ، إنهم لم يُفارِقُونا في جاهلية ولا إسلام» .
فقدَّمَ العباسَ وعلياً والحسنَ والحسين، وفرضَ لهم أكثرَ مما فرضَ لنظرائهِم من سائر القبائل، وفضَّلَ أسامةَ بنَ زيدٍ على ابنِهِ عبدِاللَّه في العطَاء، فغضِبَ ابنُهُ وقال: تُفضِّلُ عَلَيَّ أسامةَ؟ !
قال: فإنَّه كان أحبَّ إلى رسُولِ اللَّهِ منكَ، وكان أبُوه أحبَّ إلى
…
رسُولِ اللَّه مِن أبيك».
وهذا الذي ذكرناه من تقديمِه بني هاشم وتفضيلِه لهم أمرٌ مَشهُورٌ عند جميعِ العلماء بالسِّيَر، لم يختلِفْ فيه اثنان؛ فمَن تكونُ هذه مراعاتُهُ لأقارِبِ الرسُولِ وعِترَتِهِ، أيَظْلِمُ أقربَ الناسِ إليهِ، وسيِّدَةَ نساءِ أهلِ الجنة ـ وهي مصابة به ــ في يَسِيرٍ من المال؟ ! وهو يُعطي أولادَهَا أضعافَ ذلك المال! ويُعطِي مَن هُوَ أبعدُ عَن النبي صلى الله عليه وسلم منها، ويُعطِي عليَّاً؟ !
ثمَّ العادةُ الجارِية بأن طُلابَ المُلكِ والرياسة لا يتعرضون للنساء، بل يُكرمُونَهنَّ لأنهنَّ لا يَصلُحْنَ للمُلْكِ، فكيف يجزل العطاءَ للرجال، والمرأةُ يحرِمْهَا من حقِّهَا، لا لِغرضٍ أصلاً، لا دِينِي ولا دُنيَوِي؟ ! ..... إلخ).
(1)
(1)
«منهاج السنة» لابن تيمية (6/ 30 ـ 34).
وقال أيضاً في «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/ 446 و 453): (وانظر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين وضع الديوان، وقالوا له: يبدأ أمير المؤمنين بنفسه فقال: لا، ولكن ضعوا عمرَ حيث وضَعَهُ اللَّهُ.
فبدأ بأهلِ بيتِ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثم مَن يليهم، حتى جاءت نوبتُه في بني عدي، وهم متأخرون عن أكثر بطون قريش.
ثم هذا الاتباع للحق ونحوه، قدَّمَه على عامة بني هاشم، فضلاً عن غيرهم من قريش).
وفي مسألة تقديم آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم في العطاء انظر للزيادة: «أوليَّات الفاروق السياسية» لغالب بن عبدالكافي القرشي (ص 358 ـ 361).
وأما قضية تمزيق الكتاب، فقد ردَّ هذه الدعوى الشوكاني في «وبل الغمام على شفاء الأوام» (1/ 432) وذكر أنها مِن أفحش الأكاذيب التي اختلقتها الرافضة، ولا أصل لذلك أبداً.
قلت: وقد أنكرها مِن الشيعة: ابنُ أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» (16/ 235).
وانظر: «بين الزهراء والصديق» لبدر العمراني (ص 58 ـ 60)، «دفاعاً عن الآل والأصحاب» إعداد قسم الدراسات في جمعية الآل والأصحاب في البحرين (ص 710).